أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - صبحي حديدي - ما بعد أرض الميعاد














المزيد.....

ما بعد أرض الميعاد


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1601 - 2006 / 7 / 4 - 08:32
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


في قصيدته «سيّاح»، يروي الشاعر الإسرائيلي (الألماني الأصل) يهودا عميحاي الحكاية التالية:
"ذات يوم جلست أستريح على الدرج المحاذي لبوّابة برج داود، ووضعت جانباً سلّتَيّ الثقيلتين. وكانت مجموعة من السيّاح تتحلق حول دليلها، فوجدت أنني أصبحت نقطة علاّم بالنسبة إلى ذلك الدليل: «أترون ذلك الرجل الذي يتوسط سلّتين؟ أعلى رأسه، وإلى اليمين قليلاً، يوجد قوس من العهد الروماني. إلى اليمين من رأسه تماماً». وهتف السيّاح بضيق: «ولكنه يتحرك كثيراً». وقلت في نفسي: لن يأتي الخلاص إلاّ حين يقول الدليل: «أترون ذلك القوس من العهد الروماني؟ ليس القوس مهماً، ولكن إلى الأسفل واليسار قليلاً يجلس رجل اشترى سلّتين من الفواكه والخضار لأسرته».
الصحافي الأمريكي غلين فرانكل اختار هذه الحكاية لتصدير كتابه «مابعد الأرض الموعودة: اليهود والعرب على الطريق الوعرة صوب إسرائيل الجديدة»، الذي صدر سنة 1995 وأثار نقاشات مشهودة، وحصد العديد من الجوائز (بينها جائزة بوليتزر الشهيرة). وفرانكل شغل منصب مدير مكتب صحيفة «واشنطن بوست» في القدس خلال طور عاصف من تاريخ الدولة العبرية، وهو الرجل الذي أثار الكثير من الحرج «العاطفي» بين الصحيفة المنحازة والدولة المتمتعة بالانحياز، وذلك في نيسان (أبريل) 1988 حين سحبت السلطات الإسرائيلية بطاقته الصحفية عقاباً على اتهامه الجيش الإسرائيلي باغتيال خليل الوزير (أبو جهاد).
المرء يستعيد هذا الكتاب في مناسبة البربرية الإسرائيلية الراهنة في قطاع غزّة، وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة في الواقع، والتي تعيد التشديد على معظم الأطروحات التي ناقشها فرانكل، وحذّر منها آنذاك، حين تناول ما سُمّي "عملية" السلام العربي ـ الإسرائيلي من زاوية خاصة، بل حبلى بالخصوصيات: الشخصية اليهودية، ومدى ما أتيح ويتاح لها من فرص ومناسبات وأوضاع لكي تتصالح مع التاريخ الذيسيّج و يسيّج تلك السيرورة، وألقى ويلقي بظلاله الكثيفة عليها، شاء اليهودي أم أبى. وأمّا رسالة الكتاب فقد كانت بسيطة بقدر ما هي ضاغطة في استحقاقاتها السياسية والسوسيولوجية والسيكولوجية: ثقافة الحصار التي ظلّت تغذّي الشخصية اليهودية داخل (وإلى حدّ ما، خارج) الدولة العبرية، ينبغي أن تنقلب أو تتراجع أو تزول. وسرعان ما ستُطرح على جدول أعمال الحياة اليومية مسائل أخرى تفرّق بعد أن كانت توحّد، وتسبب الإنشقاق والشرخ بعد أن كانت تسبب التراصّ والتلاحم.
الهرب من جداول الحياة اليومية لمواطني أيّة أمّة سليمة الوجدان، ثمّ صحيحة الجسد والروح قبلئذ، هو علامة على أنّ تلك الأمّة ناقصة موضوعياً، أو منتقصة في ذاتها وبذاتها، وبالتالي فإنّ ما يغذّي شخصيتها الوطنية ليست العناصر التي تصون وجودها وتحصّن مستقبلها، بل تلك التي تفعل العكس تماماً: تنخر البنيان، وتقوّض الدعائم، وتفضي إلى الهاوية. واليوم حين يقول رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية إنّ إسرائيل تمارس شرعة الغاب، وهذه مجرّد واحدة من دلائل النخر والتقويض والهاوية، فإنّ المعلّق الإسرائيلي جدعون ليفي يكاد يبصم بالأصابع العشرة على هذا التشخيص حين يكتب، يوم أمس في صحيفة "هآرتس"، أنّ ما يقوم به جيش الإحتلال الإسرائيلي ليس فاقد الشرعية تحت أيّ معيار فحسب، بل هو إرهاب في إرهاب: "ليس شرعياً أن تقطع الكهرباء عن 750 ألف آدميّ. وليس شرعياً أن تدفع 20 ألف آدميّ إلى ترك بيوتهم، وتحويل بلداتهم إلى مساكن أشباح (...) الدولة التي تمارس هذا لا يمكن، بعدئذ، تمييزها عن المنظمة الإرهابية".
فكيف إذا كان أحدث توصيف لهذه الدولة هو أنها "واحة الديمقراطية" في بيداء الشرق الأوسط، وأقدم تسمياتها أنها "أرض الميعاد"؟ ما الذي يتبقى من قِيَم أخلاقية وراء هذا الفردوس الموعود، الذي لا يتحوّل إلا إلى دولة عسكرتارية، إرهابية، بربرية؟ أين يخمد أو يتواصل الإحتقان بين مفهومها عند ساسة من أمثال تيودور هرتزل، دافيد بن غوريون، مناحيم بيغن، إسحق رابين، أرييل شارون؟ أو عند فلاسفة وكتّاب من طراز مارتن بوبر، يشعياهو ليبوفيتش، توم سيغيف، دافيد غروسمان، عاموس عوز؟ و«أفواج الحالمين»، كما وصفهم إشعياء في رؤياه، هل سيصمدون طويلاً في ربقة حلم ينتفخ وينتفخ، ولا يكاد ينذر إلا بالانفجار الشديد... جرّاء الانتفاخ الشديد؟ وأيّ تطبيع اقتصادي وسياسي واجتماعي وثقافي مع هذا الجوار الضارب بعيداً في تاريخ كوني شامل، غير عادي وغير محلي؟ وأي كيمياء شرق ـ أوسطية عجيبة تسوّغ لرجل مثل شمعون بيريس (حامل ثلث جائزة نوبل للسلام!) أن يتحدث عن تعايش الذئب والحمل؟
أسئلة كثيرة سعى فرانكل إلى الإجابة عنها حيثما أسعفته الوقائع بالمادة الدامغة، والأرجح أنه سيضيف إليها المزيد من الأسئلة المماثلة إذا توجّب أن ينظر مجدداً في التحوّلات الراهنة للشخصية السهودية، هذه التي تواصل خواف السلام وعشق عقدة الضحية في آن معاً. الأرجح، كذلك، أنه سوف يبدأ من نموذج إسرائيلي معاصر يعيد التذكير بمغضلة عميحاي (اليهودي المواطن، واليهودي الشاعر، واليهودي القابع أسفل العلامة التاريخية): ذاك الذي ينوء بأثقال الحياة اليومية، ولا يخدم الدولة العبرية إلاّ على هيئة نقطة علاّم توشّر ـ أمام فوج سياحي ـ على قوس روماني!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- واشنطن والبربرية المعاصرة: مباركة في فلسطين، وتواطؤ في سورية
- أيقونة الوجدان الجمعي
- أحدث أطوار الاستبداد السوري: قطع الأرزاق بعد كمّ الأفواه
- بديل الكراهية
- صومال ستان، أو كيف تعيد واشنطن إنتاج الطالبان
- كاواباتا ضدّ ماركيز
- المعرفة السورية والنطاسيّ الغربي: ضحالة على ضحالة
- في ذكرى إميل حبيبي
- الحملة ضدّ المثقفين السوريين: حين يصبح البوق سوط الجهاز
- سينما دمشق
- الاستبداد السوري بوصفه ستراتيجية بقاء وسيرورة حفظ نوع
- اللآلىء والخنازير
- دومينو التفاح الفاسد في عوالم ما بعد الحرب الباردة
- حاوية العقارب والقردة
- جنبلاط وإخوان سورية: البقاء البسيط أم البقاء الأفضل؟
- أرخبيل النفاق
- سنة على الإنسحاب السوري من لبنان: أزمة تشتدّ ولا تنفرج
- فلسطين: الماعز أم التمساح؟
- قانا في الذكرى العاشرة: المجازر ومساكنة الذاكرة
- ...كلما ازداد الضوء


المزيد.....




- صدمة في الولايات المتحدة.. رجل يضرم النار في جسده أمام محكمة ...
- صلاح السعدني .. رحيل -عمدة الفن المصري-
- وفاة مراسل حربي في دونيتسك متعاون مع وكالة -سبوتنيك- الروسية ...
- -بلومبيرغ-: ألمانيا تعتزم شراء 4 منظومات باتريوت إضافية مقاب ...
- قناة ABC الأمريكية تتحدث عن استهداف إسرائيل منشأة نووية إيرا ...
- بالفيديو.. مدافع -د-30- الروسية تدمر منظومة حرب إلكترونية في ...
- وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية ...
- هيئة رقابة بريطانية: بوريس جونسون ينتهك قواعد الحكومة
- غزيون يصفون الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة بأنها ضر ...
- أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - صبحي حديدي - ما بعد أرض الميعاد