أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع - باقر الفضلي - ألعلمانية: منهج أم عقيدة..؟* ألقسم ألأول















المزيد.....


ألعلمانية: منهج أم عقيدة..؟* ألقسم ألأول


باقر الفضلي

الحوار المتمدن-العدد: 1598 - 2006 / 7 / 1 - 11:01
المحور: ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع
    


ألقسم ألأول

ألعلمانية هي أحدى أهم أشكاليات ألوضع ألراهن على صعيد ألعالم ، وبالذات على صعيد دول ألعالم ألثالث، ومنها بالتخصيص دول ألعالم ألأسلامي في ألشرق، وبالتالي فأن ألموقف من (ألعلمانية) يختلف بأختلاف ألتصورات ألمرسومة حولها وألفهم المتعدد ألأوجه لهذا ألمصطلح وطبيعة ردود ألفعل ألمرافقة له..!
فألعلمانية تشكل أحد محاور الصراع ليس فقط على صعيد المجتمع بكل مؤسساته الدينية والدنيوية، بل هي محور صراع داخل الفرد الواحد عندما يحاول البحث عن جواب لما يواجهه من ظواهر غريبة او صعبة الفهم. كان هذا شأن الانسان منذ بدأ يعمل لأنتاج غذائه، فقد كان يقع في شبكة الاختيار بين ما ينسجم مع رغباته وبين ما يقول به القيمون على تعاليم الله واسلوب تنفيذها، فاساس العلمنة عريق في حياة الانسان وتكاد ترتبط بوجوده منذ ألقدم.


توطئة

ألعلمانية، مفهوم أصطلاحي، ( أو ألدينيوية (secularism، ويعني كل ما لا يرتبط بالأعتبارات ألدينية، أو بمعنى آخر نزع ألصفة ألدينية عن ألشيء وأسباغ ألصفة ألدينيوية أو ألمدنية عليه، كدراسة ألظاهرات ألكونية ألتي تجري في ألطبيعة وتفسيرها بعيدا عن ألمعتقدات ألدينية ألإلهية، وعلى صعيد ألنظام ألسياسي، ينصرف ألمعنى ألى فصل ألدين عن ألدولة. وقد أرتبط ألمصطلح ألمذكور بالدين، كمصطلح أيماني أعتقادي، أرتباطا معاكسا منذ بدأ ظهوره ألى ألوجود في أواسط ألقرن ألسابع عشر، وعند بدأ تشكل ألدول ألقومية في أوروبا، حيث كانت هيمنة ألكنيسة ألأيديولجية على ألمجتمع تلعب دورا معيقا لبدايات تشكل ألرأسمالية كنظام أقتصادي جديد في مواجهة هيمنة ألنظام ألأقطاعي ألسائد آنذاك. فالكنيسة كانت تشكل ألظهير ألأيديولوجي ألذي كان يقف وراء ألنظام ألأقطاعي وألراعي ألديني لكل ألمثل وألتقاليد التي كانت تسبغ صفة ألشرعية ألإّلهية على ألأستغلال ألأقطاعي وألعبودي. وذلك من خلال تحكمها في قوانين ألميراث وحيازتها مساحات شاسعة من ألأراضي وألغابات، حيث كانت هي نفسها ملاكا أقطاعيا بلا حدود وتستغل ألملايين من صغار ألفلاحين.
فألعلمانية ألتي كانت في بداياتها عبارة عن مواقف وأفكار خرجت من رحم ألمجتمع ألأقطاعي، وألتي واجهت منظومة ألتعاليم والتقاليد الكنسية الداعمة للنظام ألقطاعي في أوروبا في بدايات ألثورة ألصناعية في نهايات ألقرن ألثامن عشر وبدايات ألقرن التاسع عشر، ثم أخذت تتبلور في أشكال جديدة من ألمفاهيم ألتي تخدم مصالح ألطبقة ألجديدة ألصاعدة، لم تكن بحد ذاتها مجرد تعاليم جديدة تطورت من خلال عملية تلقائية للأفكار وأللاهوت ألكنسي، بل أنها جاءت وتبلورت كرد فعل طبيعي ومنطقي على منظومة هذه ألتعاليم بأعتبارها شكلت ألعائق ألكبير أمام حركة ألتطور ألطبيعي لتقدم ألمجتمع، ولم تكن بديلا جديدا للديانة ألمسيحية نفسها. إن إرهاصات هذا ألظهور قد دفع برجال ألمؤسسة ألكنسية ألى ألوقوف بحزم وشدة ضد كل ألأفكار ألتنويرية ألجديدة، لدرجة أتهامها بالشعوذة وألسحر، ووضعها في موقف معارض للدين، أكثر منها موقفا معارضا للكنيسة بأعتبارها مؤسسة تعمل في خدمة بقاء ألنظام ألأقطاعي من خلال منظومة ألنظم وألتعاليم ألمفروضة على ألشعب وتدخلها ألشديد في دقائق أمور ألحياة ألأجتماعية للسكان، لدرجة فاقت فيها ألمعقول من ردة ألفعل على هذه ألأرهاصات ألجديدة للفكر ألتنويري ألجديد. فللأشارة فقط، ألتذكير بألحملة ألدموية ألتي قادتها ألكنيسة ألكاثوليكية في ألبلدان ألأسكندنافية في أواسط ألقرن ألسابع عشر وألثامن عشر ضد من كانت تتهمهم بالسحر وألشعوذة من ألنساء وألرجال، وذلك بأرسالهم ألى ألمحرقة "bål" ؛ فخلال ألفترة من 1668 ألى 1676 جرى حرق 300 أمرأة بريئة بتهمة السحر فقط في ألسويد، ألدولة ألتي فاقت في علمانيتها ألكثير من ألدول ألأوروبية ألأخرى فيما بعد. وقد تم ذلك بدعم من قوانين (ألوصايا ألقديمة) ألمأخوذة من( روما ألكاثوليكية) وألتي سبق وأن جرى ألعمل بها منذ بدايات ألقرن ألسابع عشر. (ألكاتب ألسويدي Jan Guillou في كتابه : Häxornas försvarare)

ومع ألتطور ألسريع للثورة ألصناعية منذ أواسط ألقرن ألتاسع عشر، اخذت المفاهيم ألجديدة لأدارة الدولة وتنظيم ألمجتمع، تجد مكانها في صيغ تطبيقية وأفكار فلسفية وقانونية، تبلورت مع ألوقت لتصاغ على شكل قوانين وأنظمة، كما وكرست في دساتير ألدول ألأوربية، ألتي نظمت ألعلاقة بين الكنيسة وألدولة، بالشكل ألذي لم يمس ألعقائد ألدينية للناس، مقرة بحرية ألمعتقد دون تدخل من ألدولة أوألكنيسة. كما وحافظت على حق ألكنيسة في ألأهتمام بشؤون ألناس ألأيمانية وتقديم ألمساعدة لهم في ألجوانب ألأنسانية ألعامة، بعيدا عن ألتدخل في شؤون ألفرد ألشخصية، وممارسة ألطقوس وألشعائر ألدينية، في ألحدود ألتي لا تتعارض مع ألنظام ألعام، في نفس ألوقت ألذي فصلت فيه بين ألدولة والكنيسة في أمور الحياة ألسياسية وألأجتماعية، حيث توقف تدخل ألكنيسة في هذه ألشؤون. وبالتالي ومع ألتقدم ألصناعي وألثورة ألتكنولوجية أصبحت ألمفاهيم ألعلمانية عبارة عن تقاليد وممارسات مقبولة من قبل جميع أفراد ألمجتمع، بل وأصبحت من متطلبات ألمجتمعات ألأوربية ألحديثة، في نفس ألوقت ألذي حافظت فيه مؤسسة ألكنيسة ألمسيحية على وجودها بعد أن تعرضت هي نفسها ألى ألكثير من ثورات ألأصلاح ألذي مس بناء هياكلها ألتنظيمية وأسسها ألفكرية بما يتلائم ومسيرة ألتطور ألصناعي ألحديث وتخلت أغلبها عن منظومة ألأفكار وألتقاليد ألتي كانت تشدها ألى خلفية ألقرون ألوسطى، حينما كانت ألكنيسة ليست مجرد مؤسسة دينية وحسب، بل عبارة عن مؤسسة أقتصادية سياسية تتحكم في حياة ألمجتمع بما يحقق مصالح ألطبقة ألحليفة معها وهي طبقة ملاك ألأراضي من ألأقطاعيين..!

من هذه ألمقدمة ألتأريخية ألمكثفة، نخلص ألى ألقول ؛ بأن إشكالية ألعلاقة بين ألدين وألعلمانية وبدايات تشكلها تعود في جذورها ألتأريخية ألى بداية ألأرهاصات ألأولى للثورة ألصناعية منذ أواسط ألقرن ألثامن عشر وبدايات ألقرن ألتاسع عشر في أوروبا وأمريكا، ومع تطور ألأنتاج من ألمرحلة ألحرفية ألتي رافقت ولفترة طويلة ألنظام ألأقطاعي ألى ألمرحلة ألصناعية في مختلف مراحل تطورها، حيث تمكنت من كسر ألقيود ألتي فرضتها المرحلة ألحرفية، وفي مقدمتها كسر طوق ألعمل أليدوي ألبيتي ألأسري ألذي كان شائعا آنذاك، حيث كان أحد ألعوائق أمام زيادة ألأنتاج، وأحلال عمل ألمانيفاكتورة بدلا عنه، وألذي كان من نتائجه ألأولى بداية تشكيلات ألطبقة ألبروليتارية، وظهور ألمجمعات ألسكنية للعمال ألتي أنتشرت حول ألمصانع ألجديدة، مما أضعف دور ألقرية، وهمش دور ألأسرة كمؤسسة أنتاجية. ولعل بريطانيا كانت ألأنموذج ألأمثل لذلك، حيث كانت بدايات ألثورة ألصناعية، فقد أنعكس ذلك في ألتشريعات ألجديدة ألتي نظمت حرية ألتجارة وفتحت ألطريق أمام ألمنتجات ألأنجليزية ألجديدة أن تأخذ طريقها ألى أوروبا وغيرها من ألبلدان، وما رافقها من حركة ألتوسع ألكولونيالي ألأستعماري.
فألعلمانية كانت من حيث نشأتها أقرب الى حركة فكرية تهدف ألى أخراج ألمجتمع من عالم ألخرافة ألى عالم ألحياة ألواقعية. فجاءت كرد فعل على ألنزعة ألمتصلبة وألميل ألشديد لتعميق كراهية نشاط ألأنسان ألتجاري وألمهني، ودعوته فقط ألى ألتأمل وألتفكر بألله واليوم ألآخر، ألتي كان يقودها رجال ألدين في أوروبا في ألقرون ألوسطى.

سيرورة ألعلمانية

فالعلمانية ألتي تزامنت مع عصر ألنهضة ألذي اجتاح أوروبا وألذي يشكل حركة إنتقالية بين ألقرون ألوسطى وألعصر الحديث وكرد فعل لتلك ألنزعة القروسطية، ألتي تمثلت بسلطة ألكنيسة، وجدت ألعلمانية نفسها تتبلور كأتجاه جديد في ألمجتمع، كحركة إنسانية متطورة، أهتمت بإحياء ألآداب ألكلاسيكية وتعزيز ألروح ألفردية وألنقدية وألتأكيد على إيجاد ألحلول للمشاكل ألدينيوية، وأكدت على قيمة ألأنسان وقدرته على تحقيق ألذات من طريق ألعقل وعدم ألتعويل على أية قوى خارقة للطبيعة. لقد عبرت ألعلمانية عن نفسها في تطورها كحركة إنسانية عندما أظهر ألمجتمع ميلا أكبر نحو ألمنجزات ألثقافية للأنسانية وأمكانية ملائمتها لهذا ألعالم في حركة تطوره ألمستمرة..!
من ألجانب ألآخر، فأن ألأندفاع بأتجاه ألأخذ بألعلماتية كتيار جديد في ألمجتمع ، ومع ألتقدم ألذي واكبها في سيرورتها في ألعصر ألحديث، فأنها قد وصفت من قبل ألطرف ألآخر بأنها موجهة؛ ضد ألمسيحية كدين..! ولكن مع مضي ألوقت وفي أواخر ألنصف ألثاني من ألقرن ألعشرين أصبح تأثير ألعلمانية كتيار أصلاحي مواكب للتطور ألصناعي وألحضاري في ألعالم، اكثر فعالية في اغلب قطاعات ألمجتمع، ليس فقط على ألنطاق ألأوروبي-ألأمريكي، بل على ألصعيد ألعالمي، بحيث أمتد هذا ألتاثير حتى ألى أوساط ألمجتمع ألكنسي نفسه، وهذا ما دفع ببعض علماء أللاهوت ألى ألحديث عن علمانية ألمسيحية نفسها، وذلك من خلال ترديدهم؛ بأن ألمسيحية ينبغي أن لا تؤخذ فقط على أساس أنها مجرد عقيدة للعبادة، أو أنها تتعلق، فقط بألعالم ألأخروي وألغيبيات، بل على ألمجتمع أن يجد في ألعالم ألفرصة لأعلاء ألقيم ألمسيحية. مؤكدين؛ بأن المعنى ألحقيقي لرسالة ألمسيح يمكن أن يكتشف ويتحقق في كل نشاط دنيوي يومي في ألحياة ألمدينية..!

على ألصعيد ألتطبيقي فقد أخذت ألعلمانية طريقها للتبلور في نظرية فصل ألكنسية عن ألدولة، كما وأنعكست تأثيراتها في مدلولات ألليبرالية بأشكالها ألدينية كالليبرالية ألبروتستانتية، ألتي تؤكد على ألحرية العقلية وعلى ألمحتوى ألروحي وألعقلي للنصرانية، وألليبرالية ألأقتصادية، ألتي تؤكد على ألحرية ألفردية وحرية ألمنافسة، وألليبرالية ألسياسية، ألتي تؤمن بالتقدم وأستقلال ألفرد ألذاتي، وتنادي بحماية ألحريات ألسياسية وألمدنية. ولعل من أنعكاساتها ألأخيرة ما جسده ميثاق ألأمم ألمتحدة من المواثيق وألأتفاقيات ألدولية ألصادرة بموجبه، خاصة ألأعلان العالمي لحقوق ألأنسان، وغيرها من ألنظريات ألقانونية وألفلسفية، ومنها مبدأ ألفصل بين ألسلطات في ألدولة..!
ففي ألولايات ألمتحدة ألأمريكية على سبيل ألمثال، وفي نقاطه ألتسع أدناه أوضح الأتحاد ألعلماني ألأمريكي وفدرالية ألفكر ألحر متطلبات برنامجه ألليبرالي بالشكل ألتالي:
1. وقف ألأستمرار بأعفاء ممتلكات ألكنيسة وألمؤسسات ألأكليركية ألأخرى من شمولها بألضريبة.
2. عدم ألأستمرار لوظيفة "القس" في ألكونكرس ومؤسسات ألدولة ألتشريعية، وفي ألجيش وألبحرية، وفي ألسجون، وكذلك في أماكن أللجوء وفي جميع ألمعاهد ألمدعومة بألمال العام. كذلك ألغاء جميع ألخدمات ألدينية ألتي تمول من قبل ألجمهور، أو ألدولة، أو من قبل ألبلديات ألحكومية.
3. وقف جميع التخصيصات ألعامة للمعاهد ألتعليمية وألمؤسسات ألخيرية ذات ألسمعة ألطائفية ألتعصبية.
4. بينما يجري الدفاع عن التعاليم ألمثلى وغرس السلوك ألصارم في ألأخلاق ، فأن ألتعليم ألديني وأستخدام ألأنجيل للأغراض ألدينية في ألمدارس ألعامة يجب أن يلغى.
5. وقف أستمرار ألتمثيل من قبل رئيس الولايات ألمتحدة وحكام ألولايات المختلفة في ألمهرجانات ألأحتفالية ألدينية، كالصوم، وأيام ألصلاة، وعيد ألشكر.
6. ألغاء ألقسم أللاهوتي في ألمحاكم ومؤسسات ألدولة، ويستعاض بدله بشهادة بسيطة تحت طائلة ألعقاب في حالة ألحنث باليمين.
7. ابطال كافة ألقوانين، ألتي بشكل مباشر أو غير مباشر وبأي درجة كانت، تقوي التعاليم ألدينية وأللاهوتية لطقوس وشعائر "السبوت" أو "ألآحاد".
8. ألغاء جميع ألقوانين ألتي تتطلع لوضع قواعد ألسلوك وألأخلاق ألمسيحية في وضعها ألحالي قيد ألتنفيذ، وأن جميع ألقوانين يجب أن تكون متوافقة مع قواعد ألسلوك وألأخلاق ألطبيعية؛ حقوق متساوية وعدالة نزيهة.
9. بالتوافق مع دستور ألولايات ألمتحدة ودساتير ألولايات ألمتعددة، لا تمنح أي أمتيازات خاصة أو مزايا ألى ألمسيحية (ألنصرانية) أو أي من ألأديان ألأخرى؛ حيث أن نظامنا ألسياسي ألمتكامل يجب أن يتوافق ويدار طبقا لقواعد دنيوية خالصة ألنقاء.

موقف ألكنيسة

ومن هذا ألمنطلق فأن ألكنيسة وخاصة ألكاثوليكية منها، لم تقف موقفا متفرجا من كل ألتغيرات ألتي عصفت بألمجتمع ألغربي نتيجة للتأثيرات ألقوية وألحاسمة للحركة ألعلمانية، مما قوض وألى حد بعيد من دورها في مجال أدارة ألدولة وألأقتصاد وفي مجال ألتعليم، بل أنها أعتبرت ألعلمانية، ألعدو ألحقيقي لوجودها ألمستقبلي؛ وحولت ألصراع معها ألى صراع حول ألمعتقدات ألأيمانية؛ فهي لم تسلم بأن ألدين هو مجرد شأن خاص بين ألمرء وما يعتقده، بل وأكدت؛ إنما ألآله هو ألخالق وألمسيطر ليس على ألأفراد وحسب، بل وعلى ألمجتمع أيضا. ومن هنا فأن ألدولة يجب ألا تكون محايدة في ألمسائل ألدينية. وبقدر ما يتعلق ألأمر بهذا في ألتطبيق، فأن ألدولة وألكنيسة يجب أن يسيرا سوية أعتمادا على عدد من ألظروف ودون أن يتقيدا بأية قاعدة عامة، حيث أن ألقاعدة ألرئيسة ألباقية، هي أن ألدين؛ كما هو أجتماعي فأنه واجب شخصي.

وفي موقفها من ألتعليم، على ألصعيد ألتطبيقي فأنها ترى؛ بأنه ولظروف خاصة حيث ألثقافة ألعلمانية في ألمدارس ألعامة هي الوحيدة ألواجبة ألتطبيق، فأنه وفي نفس ألوقت فأن ذلك يعتبر خللا خطيرا ويجب أن يعالج بطريقة أخرى. وانه من غير ألكفاية للطفل أن يتعلم مختلف ألعلوم ألأنسانية فقط، بل أيضا يجب تزويده بمعرفة ألمعاني ألضرورية للخلاص من ألخطيئة. فألكنيسة لا يمكنها أن تنكر رسالتها ألتبشيرية لتعليم ألحقائق ألتي أستلمتها من خالقها ألألهي. كما وترى ألكنيسة بأن ألأنسان ليس فقط كشخص وحسب، بل كمواطن، ولذلك فأن جميع ألناس يملكون ألحق في أنجاز ألواجبات ألدينية التي تمليها عليهم ضمائرهم. ولذلك أيضا فهي ترى؛ بأن أضفاء صبغة ألعلمانية على جميع ألمعاهد ألعامة في الدول ألمسيحية إنما هو أمر غير مقبول. وعليه فلا يجب تعليم ألأنسان ألعلوم ألأنسانية فقط، بل أن كل حياته يجب أن تكرس ألى ألسعي ألسامي وألنبيل للدين وألأخلاق؛ نحو ألله نفسه. ومع ألأقرار ألكامل بقيمة ألحياة ألحالية، فأن ألكنيسة لا يمكنها أن تنظر أليها كنهاية في نفسها، بل تراها فقط ، حركة بأتجاه حياة مستقبلية، حيث ألأعداد لها يجب أن يتم من خلال ألمطاوعة مع قوانين ألطبيعة وقوانين ألله. ومن هنا ، فهي ترى؛ بأنه من غير ألممكن ألتوصل ألى تفاهم أو إيجاد حلول وسط بين ألكنيسة وألعلمانية، طالما أن ألعلمانية ماضية في خنق وتقييد ألأنسان، ألذي هو بالنسبة للكنيسة يمثل ألحافز ألأعلى وألأصدق للنشاط وألطموح ألنبيل.
وبألأضافة ألى ما تقدم، فأن ألعلاقة بين ألدين وألعلمانية ، وخاصة في ألعالم ألغربي، حيث ألعلمانية ولأسباب معروفة قد وجدت طريقها كنهج جديد في ألمجتمع وألدولة، قد كشفت عن ألتأثير ألقوي وألفعال للعلمانية في دول هذا ألعالم، فألأعتراضات ألتي كانت توجه ألى تهديد ألأسلام للمسيحية وألتي بولغ بها كثيرا من قبل ألفاتيكان، تتضاءل كثيرا أذا ما قورنت مع تأثير ألعلمانية على عالم ألبليون كاثوليكي كما يدعى. فالخطر ألأعظم على حد رأي بعض ألمفكرين ألأسلاميين(عبد مصطفى)-موقع ألهلال ألألكتروني 25/6/2006، إنما يكمن في علمانية ألكاثوليكيين في أوروبا ، ألتي تعتبر من حيث ألمغزى ، أعلى قياسا بغيرها من ألقارات ألأخرى؛ فقط 21% من ألأوروبيين قالوا بأن ألدين "مهم جدا" بالنسبة أليهم وفقا ألى دراسة European Values Study . وفي تقييم مشابه في ألولايات ألمتحدة أجري من قبلPew Forum on Religon and Puplic Life ، فأن ألرقم يقترب من 60%. وأنه ضمن دراسة حول أوروبا من قبل Mass weekly ؛ فأن ضمن ألكاثوليكيين في هولندا كان هناك 10% و 12% في فرنسا، و15% في كل من ألمانيا وألنمسا، بألأضافة ألى 18% في أسبانيا و25% في أيطاليا، ممن يهمهم أمر ألدين. ولذلك فأنه ليس بمستغرب أن تجد بعض ألأصوات ألكاثوليكية ألمتطرفة، وألتي تمت بصلة ألى مستقبل ألمسيحية في أوروبا ألدينيوية. " كألبعض ألذي ينظر ألى أوروبا ويراها تعبة روحيا، أن لم تكن ميتة" على حد قولRev. John Wauck ألأستاذ في Pontifical University of the Holy Cross in Rome. نقلا عن ألمفكر ألسلامي (عبد مصطفى)- نفس ألمصدر

مما تقدم، فأن ألارقام أعلاه ومهما بلغت دقتها، ومهما كانت ذات مغزى، فمن ألصعب أخذها كدلالة يركن أليها في تسبيب تضاءل أعداد ألمهتمين بألدين في أوروبا على أعتبار أن ذلك ناجم عن علمانية ألمجتمع ألكاثوليكي. فمهما بلغ تأثير ألعلمانية على المجتمع من شدة وفعالية، فأنها من حيث توجهاتها لم تستهدف ألدين في جوهره ألأيماني ألأعتقادي. فالعلمانية في جوهرها ليست عقيدة أيمانية تدعو ألى دين جديد، أو ترسم طقوسا وشعائر دينية، أو لها أماكن للعبادة ومراسيم مقدسة، كما وأن متطلبات ألحياة أليومية وألمتجددة بأستمرار، وألنزعة ألأستهلاكية ألمتعاظمة ومستلزمات إثراءها، من جهة، وعجز ألمؤسسة ألدينية بكل إمكانياتها، عن تلبية متطلبات ألمرحلة ألجديدة في تطور ألنظام ألأقتصادي، كل ذلك مجتمعا كان له ألأثر ألكبير في حياة ألفرد ألمتدين، ألذي وجد نفسه وسط عالم جديد من ألمنافسة ألحرة وألأبداع ألأنساني في جميع ألمجالات، وثورة عارمة في ألعلم وألتكنولوجيا، قفزت به من عالم متخلف منعزل، تسوده ألخرافات وألاوهام، ألى عالم مبني على أسس من ألعلم وألمعرفة وألتقدم وألأزدهار في مجال ألصحة وألرفاهية، وأكتشاف أسرار ألمجهول من ألطبيعة ووضعه في خدمة تحسين بيئته ألحياتية، وسبر غور ألمستقبل من أحتمالات ما قد يواجهه من أخطار ومداهمات ألطبيعة غير محمودة ألعواقب وألتقليل من نتائجها ألسلبية، وغيرها ألكثير من ألمتغيرات ألتي وضعته وجها لوجه أمام مسؤوليته كفرد يمتلك ألأستقلالية ألذاتية في ألتفكير وأتخاذ ألقرار ألتي منحتهما له ظروف ألأنتقال ألسريع للمجتمع، أن يسهم بقسطه في عملية أنتاج هذا ألعالم ألجديد، ألذي عبر عن نفسه بالشعار ألمشهور: "دعه يمر دعه يعمل".
أن هذا ألواقع ألجديد، في تقديري، هو من يقف وراء ألتضاؤل ألذي تعرضت له ألمؤسسة ألكنسية ألمسيحية في أعداد ألمهتمين بشؤون ألدين في أوروبا. وهذا لا ينصرف من زاوية ألنظر من ألناحية ألدينية ألأيمانية؛ بأعتبار هذا التضاؤل ألذي عكسته ألأرقام ألأحصائية أعلاه، بانه تضاؤل أو أنحسار بأيمان ألفرد ألأعتقادي الديني، بقدر ما هو أنصراف عن ألألتزامات ألكهنوتية ألتي تتمسك بها ألكنيسة، وألأتجاه ألى ساحة ألعمل وألأنتاج ألتي لم تعد توفر له ألوقت ألكافي لأداء تلك ألطقوس ألدينية كالسابق، أما معتقده ألأيماني، فلم تمسه تلك ألمتغيرات ألجديدة بشكل مباشر، إذ أنها لم تتمحور حول عقيدته ألأيمانية بألذات بقدر ما تركزت حول نشاطه ألأنساني كمنتج للحياة، من جهة، وفجرت ينابيع فكره ألتي حبستها قرون طويلة من ألأوهام وألخرافات. فألأوربيون ألمسيحيون ما فتأوا يتمسكون بعقديتهم ألأيمانية، ولا زالوا يأمون ألكنائس أيام ألآحاد جرياّ على عادات أبائهم وأجدادهم، ولا زالت ألكنائس منتشرة في كافة ألأقطار ألأوروبية محتفظة بملكيتها وتراثها ، في ألمدن وألقرى على ألسواء. بل وأزدادت أعدادها بشكل ملفت للنظر، وظهرت تجمعات جديدة ( collection ) ذات طابع ديني وأهداف خيرية. وهم يكنون إحتراما متميزا لكل تراث ألكنيسة ألتأريخي، ويولونه قدرا كبيرا من ألأهتمام، في نفس ألوقت ألذي يحترمون فيه قدسية ألأديان ألأخرى، ويتيحون لها فرص ألقيام بطقوسها ألدينية وبناء معابدها، ومنها ألطائفة ألأسلامية، ألتي لها شأن وموقع كبير في أحضان ألمجتمع ألأوروبي ألعلماني..!
يليه ألقسم ألثاني



#باقر_الفضلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألزرقاوي: ألأسطورة وألظاهرة...! ألجزء ألثاني
- ألزرقاوي: ألأسطورة وألظاهرة...! ألجزء ألأول
- قراءة سريعة في برنامج الحكومة المالكية..! 2/2
- البصرة: بين مطرقة العصابات وسندان المليشيات..!
- قراءة سريعة في برنامج الحكومة المالكية..!1/2
- الحكومة الجديدة: حكومة للوحدة الوطنية أم حكومة للتعهدات..؟
- هل هي صرخة في واد...؟
- العراق: ملامح الحكومة المرتقبة..!
- ألعراق: ألأول من آيار- مهام صعبة...!
- ألعراق: ألأشتباك ألأمريكي – ألأيراني..!
- هل كان ذلك فخا..؟
- ....عقلانية الخطاب السياسي
- ما وراء موقف الجعفري..؟؟
- هل أن الكونفدرالية بديل للديمقراطية..؟
- !..الملف ألأمني واللعبة السياسية
- !..وطنية حزب
- !..ألألتزام -السياسي- بنصوص الدستور
- الذكرى الثالثة..أحتلال أم تحرير..!؟
- !..الملف ألأمني- الحالة المستعصية
- !..حلبجة..ألأنفال


المزيد.....




- مقتل فلسطيني برصاص القوات الإسرائيلية في أريحا
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /23.04.2024/ ...
- تجمع في براغ لدعم أوكرانيا من خلال -الخطة الأستونية-
- الحرب على غزة في يومها الـ200.. استمرار للقصف واكتشاف مقابر ...
- WSJ: ترامب يصف أوكرانيا في محادثاته مع الأوروبيين بأنها جزء ...
- مراسلنا: القوات الإسرائيلية تكثف قصف شاطئ البحر في رفح وخان ...
- بكين تدعو واشنطن إلى التفكير بمسؤوليتها في الأزمة الأوكرانية ...
-  10 قتلى بتصادم مروحيتين عسكريتين في ماليزيا (فيديو)
- تايوان تسجل أكثر من 200 زلزال وهزة ارتدادية خلال يوم واحد
- الخارجية الأمريكية: إيران -لا تحترم- السيادة العراقية


المزيد.....

- ما بعد الإيمان / المنصور جعفر
- العلمانية والدولة والدين والمجتمع / محمد النعماني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع - باقر الفضلي - ألعلمانية: منهج أم عقيدة..؟* ألقسم ألأول