أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مصطفى الخليل - ماذا لو سقط المشالي في فخ غيث الإمارتي ؟!















المزيد.....

ماذا لو سقط المشالي في فخ غيث الإمارتي ؟!


مصطفى الخليل

الحوار المتمدن-العدد: 6637 - 2020 / 8 / 5 - 22:19
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ليس فقط ما كان يقوم به الدكتور محمد المشالي، رحمه الله طيلة عقود من معالجة الفقراء -و بشكل رمزي- أقرب ما يكون إلى المجاني في عيادته المتواضعة في طنطا، وحده السر وراء شهرته التي فاقت الأفاق، فالكاريزما التي يتمتع بها هذا الرجل، وهي علامة فارقة في شخصه، لعبت دوراً كبيراً في إضفاء هالة على عمله، و منحت مصداقية لمضامين تصريحاته وأقواله، والأهم، أن هذه الكاريزما تتطابق تماماً مع أسلوب معيشته وفلسفته في الحياة، بل وحتى مع مفرداته دائمة التكرار أثناء اجراء العديد من المقابلات الصحفية معه(الفقراء، الغلابة، الطبقة المسحوقة) يااه.. كم تلامسنا هذه العبارات؟ وكم نتوق لسماعها بصدق؟ لا رياء، ولا حسنة، ولا مباهاة، ولا تمثيلاً .
وكم من الشخصيات العامة في العالم العربي، من مشاهير، و قادة ، و ساسة، ورجال دين، و حتى رجال أعمال، حاولت تصنيع كاريزما لنفسها تمثل أو تلامس الفقراء وأبناء الطبقات المسحوقة في المجتمع، و خصوصاً تلك الشخصيات التي تسعى للشهرة، أو بناء حالة من الامتداد الجماهيري الواسع، على اعتبار أن طبقة الفقراء، هي الأوسع والأكثر امتداداً في العالم العربي.
ولكن الغالبية العظمى من تلك الشخصيات، ومع مرور الأيام فشلت في الاستحواذ على احترام هذه الطبقة، لأسباب أهمها، أنهم كانوا يبتغون تحقيق مصالح تخدمهم، وتخدم أجنداتهم على حساب آلام وآمال هذه الطبقة، و بالرغم من تمتع البعض منهم بمقدرة عالية على أساليب الإقناع، ومنهم نجوم، وفنانين، وممثلين، حاولوا ومازالوا يحاولون الولوج لعالم الفقراء من أوسع أبوابه، وهو اللعب على وتر العواطف و الأحاسيس والمشاعر، وعلَّ من أشهرهم في العالم العربي ياسر العظمة في مراياه، و دريد لحام- في قالب غوار الطوشة؛ ابن الحارة الشعبية الشامية، الذي يغالب الفقر والعوز بحيله وأساليبه الملتوية، ويجمع البعض أن تلك الأعمال الدرامية التي كانوا يقدمونها قد صيغت بعقلية استخباراتية ك(تنفيسة) للشارع السوري، الذي يعاني وطوال عقود من واقع اقتصادي ومعيشي متردٍ، ومثلهم عادل امام، النجم المصري الكبير، وخاصة في أدواره التي يجسد فيها شخصية ابن الصعيد البسيط، الذي يظهر دوماً مدهوشاً(في غالبية أدواره في هذا النمط) بأبهة شوارع القاهرة، وأناقة ساكنيها، وجمال نسائها، وبطبيعة الحال، لا ننكر أن أولئك النجوم ومن خلال أعمالهم الفنية و التي تحظى بمتابعة كبيرة قد أمتعونا ولأجيال، ولكنهم بالمقابل كانوا يمثلون علينا، لابل ويشرّحون آلام الناس بشكل فاضح، فما من حلول قدموها لاجتثاث مشاكل طبقة الفقراء، سوى اقناعهم بأنه رغم الفقر، والعوز، والتهميش، إلا أنه يوجد فسحة.. للكوميديا؟!
المشاري، و على اعتبار أنه اليوم أصبح انموذجاً انسانياً يحتذي به، وشخصية يشار اليها بالبنان في العمل الإنساني، لم يكن يتصنع، وحاشاه أن يكون كذلك، وقد ظهر ذلك جلياً عندما رفض مساعدة مالية حاول تقديمها بطل برنامج خليجي في الموسم الرمضاني الفائت.
و يعتبر الكثير من الناس، اليوم، المشاري بطلاً شعبياً، بطلاً حقيقياً لا من ورق، ولا صناعة، ولا تمثيلاً، لا على مستوى مصر وحدها، بل على مستوى العالم العربي ، وربما على مستوى العالم أجمع، بطلٌ شعبيٌ ولد وعاش في رحم المعاناة، وانتمى قلباً وقالباً لطبقته، وقدم لها جهد عمره لسنين طويلة و بكل رحابة صدر، فهو لا يشعر بالراحة إلا عندما يبقى ضمن هذه الحالة التي أختارها لنفسه، ولم يفكر يوماً بالانعتاق منها.

هذه الشعبية التي نالها المشاري، و بالرغم من كونه من عامة الناس، ومن طبقة فقيرة، قدم وضحى، ولم ينتظر مكافأة من أي أحد، ولم يسعى لأن يُسلط عليه الضوء، ولم يأبه يوماً لكل ذلك، تعد حالة ملفتة للانتباه ،خاصة في العالم العربي، وتفتح الشهية لتقصي (وإن كان بشكل أولي) عن كيفية صناعة النجوم في العالم العربي، وعن معادلة النجومية والسلطة، لا بل وحتى نظرية الحاكم النجم - الرمز..!!
من المعروف أن الأنظمة العربية، وخاصة الدكتاتورية منها، تعمل لأن يظل الحاكم تحت دائرة الضوء- المبهر، وحده دون غيره، وقد تمتد هذه الدائرة لابنه فقط؛ ولذلك خلفيات دينية وقبلية غائرة في البعد، وعلى ذلك أمثلة وشواهد قديمة، و حية، حتى اللحظة.
وهذه أحد أهم الأسباب التي جعلت هذه الأنظمة تهيمن على صناعة الإعلام، والسينما، والدراما، و الإبقاء على تأطير الإنسان العربي (اعلامياً وفنياً) ضمن (character ) ترغب به تلك الأنظمة، و ينسجم مع غطرستها و فوقيتها، لتبقى معاني البطولة، والشرف، والكرامة، والعبقرية محصورة فقط بالحاكم وأفراد اسرته أحياناً، كما قلنا سابقاً، وإن انفلت من عقال هذه القاعدة، و من مقص الرقيب العربي السليط (جداً) العديد من الحالات المغايرة لذلك، ويبقى ذلك في نطاق ضيق جداً، وهذه المنهجية في الحقيقة كشفت أنها زادت الفجوة، لابل وأصبحت سحيقة في وقتنا الحالي ما بين الشارع العربي، والطبقة الحاكمة، والذين يقعون في دائرتها، من صناع القرار، ومافيات الاقتصاد المرتبطة أساساً بالسلطات، و بعد اندلاع ثورات الربيع العربي مطلع عام 2011 والتي بدورها فشلت أيضاً في صناعة الرمز- الرمز الشعبي، الموازي والمضاد للحاكم- الرمز، ومن المرجح أن أحد أسباب ذلك الفشل هو نتيجة اصابتها بتخمة النشطاء الإعلامين، وافتقارها لمتخصصين في علم سيكيولوجية الجماهير، ومنهجية التكثيف Condensation و عدم معرفتها بأساليب الحشد والتعبئة الصحيحة بالرغم من الكم الهائل من المواد الإعلامية، التي يمكن العمل عليها سيكوفيزيائياً، لا بل ووقوعها من حيث تعلم، أو لا تعلم بفخاخ (انزياح الرمز) كما في الحالة السورية، ومثال على ذلك حادثة مقتل الطفل السوري حمزة الخطيب، وقد تجد لذلك أعذاراً(تبدو موضوعية) عندما تقيس ذلك على الحامل السياسي؛ فبحسب أدبيات علم الاجتماع السياسي يظل تعاطي الأنظمة الجديدة يتطابق كثيراً مع تعاطي النظام السابق(وأن اختلف شكلياً) لفترة لا تقل عن ثلاثة أجيال(تجارب) سياسية.
وتكشف التحولات والتغيرات السياسية التي تلم بالعالم العربي، بين الحين والآخر، وخاصة منذ منتصف القرن العشرين وحتى اليوم، عمق ارتباط العلاقة ما بين الإعلام والفن والسلطات، فكل تلك المحافل الثقافية والإعلامية والفنية منها، كانت فقط في خدمة الطبقة السياسية والحزبية، وفي كثير من الأحيان تبقى محصورة فقط في خدمة شخص الحاكم، بغية ترقيع هزائمه وفشله، فبعد نكسة حزيران سنة 1967في عهد عبد الناصر، تحول مسار الأعمال السينمائية والمسرحية ووسائل الإعلام المحسوبة على التيار الناصري، من الترويج لأيديولوجية التحول المجتمعي نحو الاشتراكية إلى (تخدير الجماهير) والتوجه، وبشكل متسارع، نحو تقديم أعمال العري والإباحية، وبطبيعة الحال، كان لتلك المرحلة روادها، و نجومها الكبار، من الذين يشار إليهم بالبنان حتى يومنا هذا، ومن الملاحظ أن نهج أعمال التشويق والإثارة قد انتهى تقريباً مع مقتل السادات نهاية السبعينيات، وتوجهت السينما والدراما إلى اتجاهات أخرى، ولكنها مسيسة أيضاً. وتكشف اعتماد خورشيد، الفنانة والمنتجة المصرية في كتابيها "شاهدة على انحرافات صلاح نصر" و"حكايتي مع عبد الناصر" علاقة جهاز المخابرات المصرية، في عهد عبد الناصر بنجمات الإغراء في السينما المصرية، وتفضح ابتزاز صلاح نصر، رئيس الإدارة العامة للمخابرات المصرية، لفنانات ونجمات في حفلات الشذوذ الجنسي الجماعية، و حفلات التعري، التي كانت تُقام في فيلا صلاح نصر، وبعد تصفية صلاح نصر، من قبل عبد الناصر، وُصف نصر بأنه ذهب ضحية الناصرية..!!
امتازت تلك المرحلة بأنها مرحلة تخدير الجماهير، وتضليل الرأي العام، ولم يقتصر هذا الدور فقط على الممثلين والفنانين والفنانات، فحتى عبد الناصر لعب هذا الدور بنفسه، ففي خطاب الهزيمة الذي ألقاه في التاسع من حزيران 1967 وهو خطاب جاء بلغة منكسرة ولهجة استعطافية (على عكس ما اعتاد الناس من ناصر في خطاباته
) مطالباً الشعب مساعدته على اتخاذ قرار التنحي، معترفاً بأنه يتحمل كامل المسؤولية بشأن هزيمة حزيران، لتنطلق بعدها المسيرات العارمة في كل أرجاء مصر، رافضة قرار استقالة الزعيم، لابل و راجية منه العدول عن هذا القرار، واستمرت بعدها حرب الاستنزاف من تلك اللحظة وحتى اندلاع حرب تشرين عام 1973م، وعل من أشهر الأغاني في هذه المرحلة التي تمجد الزعيم "أبو خالد نوارة بلدي" للراحل عبد الحليم حافظ، وتعج مكتبة الغناء العربي على الكثير من الأغاني التي تعطي للحاكم بعداً أكثر من كونه إنساناً يقود شعباً، ومنها أغنية الفنان اللبناني علي حليحل عن حافظ الأسد وهي بعنوان"أبو باسل قائدنا يا أبو الجبين العالي" ومثلها أغنية تسلم للشعب ياحافظ" للفنان جورج وسوف، ومن كلماتها (مادام الحافظ قائدنا ابشر يا عربي واتهنى) وغنى لصدام، الفنان العراقي حاتم العراقي أغنية "هلا بصدام" في فترة الحصار على العراق بعد حرب الخليج الأولى عام 1990.
ولربما، ولأنه وبجوانيات الشخصية العربية (تقديس النهايات الدراماتيكية) ، وكون نظام صدام قد انتهى نهائياً عام 2003 ولم يعد بمقدور أي طرف محسوب على هذا النظام العمل بنفس اسلوبية عبد الناصر بعد هزيمة في 67 جاء الإعلام الأميركي والغربي هذه المرة بنفسه ليتناغم مع هذه الجانب الوجداني العربي، ليعطي جرعة مورفين عالية التخدير، في محاكاة للذائقة العربية لتقنع الشارع بأن الطفل مصطفى، حفيد صدام الذي لم يتجاوز عمره الأربعة عشرة عاماً أنه قام بقتل 13 جنديًا أمريكياً بعد مقتل والده قصي، وعمه عدي، أثناء محاصرة 400 جندي أميركي من الفرقة الجوية 101 لمنزل في الموصل كانوا يختبؤون به، و لتصنفه صحيفة نيويورك تايمز عام 2012بأنه أشجع طفل في العالم، وبغض النظر عن مصداقية هذه الرواية الأمريكية المحبوكة بحرفية عالية، فهذه صورة لا تتطابق مع واقع الجيش العراقي في تلك الحرب، لابل وتسيئ له، ولتخلص في النهاية أن طفلاً صغيراً قاوم الأميركيين بمفرده(ولكنه في النهاية مات مقتولاً..!!) وكان أكثر شجاعة وقوة من الجيش العراقي بأكمله، والذي يعد حينها من أقوى الجيوش العربية، ولكنه لم يصمد سوى سويعات قليلة في معركة سقوط بغداد شهر نيسان سنة 2003.
و بعد هذا السقوط المدوي لبغداد، انتشرت أغنية "البرتقالة" ذائعة الصيت تلك الفترة للمطرب العراقي علاء سعد انتشار النار في الهشيم، و لتحل محل أغنية "فوت بيها وعا لزلم خليها" للفنان العراقي قاسم سلطان، والتي كانت تلهب حماس الشارع العراقي أثناء حصار القوات الأميركية للعراق قبيل سقوط بغداد سنة2003، ومن كلمات هذ ه الأغنية لو تأشر عالنجم يجي النجم .. امريكا منّ الخارطه نمحيها
فوت بيها وياك عــدّاي و قصي .. بالظلام اولادك يصيرون ضي
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فلقد برزت الكثير من قنوات الرقص، والأغاني الخلاعية، فبالرغم من أن أغنية البرتقالة تعد نشازاً على خط الأغنية العراقية شكلاً ومضموناً ولحناً وأداء وكلمات، ولا تتناسب بتاتاً مع مضامين الفن العراقي العريق، والذي يحمل في جوانبه معان كثيرة لمحطات من تاريخ العراق بكل ما فيه من شجون، فلقد كادت أن تصبح هذه الأغنية عنواناً عريضاً للفن العراقي في تلك الآونة، ولا أبالغ بالقول إن أطرافاً عربية، وتحديداً خليجية، راق لها تأطير المرأة العراقية بنموذج(المرأة البرتقالة) وذلك يعود للحساسية التي سببها صدام باجتياح الكويت سنة 1990، وترافق ذلك مع حالة الشماتة التي أفصح عنها الكثيرون من أبناء الخليج بسقوط صدام ونظامه.
بالمقاربة ما بين كل تلك الأمثلة الواردة أعلاه، وما بين الرمزية المكثفة في شخصية المشالي، وهنا يقع مكمن تأثيره، وفي الواقع، أن المشالي لم يتعمد ذلك، وإن كانت علاقته بذلك علاقة غير مباشرة، بل هو ناتج عن انعكاس لما في دواخل الناس، ألا وهو التوق لوجود انموذج انساني حقيقي يحتذى به، يعيش في الواقع، و بينها، ويشبهها، انموذج ليس بفقهي جدلي، ولا بسياسي، ولا حتى بتاريخي؛ مستلهم من المرويات التاريخية المتضاربة والمشحونة بالبغض واقصاء الآخر منذ مئات السنين، فغالبية تلك الشخصيات إما أرهقت المجتمع بحملها الثقيل، أوعرتها التناقضات و الصراعات المتجددة في عالمنا، خاصة في هذه الفترة، بعد ثورات الربيع العربي، وبعد طغيان توحش التطرف والإرهاب والذي خلق شروخات في الجسد الوطني الواحد(كما في الحالة السورية والعراقية) و قد تعجز الأجيال عن ترميمه لعقود، وعنف السلطات وأذرعها من جيوش وعسكر، وكان من نتائج ذلك ولادة صراع جديد، وربما سيبقى متجدداً وضع التراث والحداثة على المحك وجهاً لوجه(إن صح التعبير) وحتماً في النهاية سينهزم أحدهما أمام الآخر.
والحالة هذه ما بين النخب العربية السياسية، وحتى الدينية منها، والثقافية واشكاليتها مع عامة الشعب، ليست وليدة البارحة واليوم، وليست صنيعة الأنظمة الدكتاتورية العربية الحديثة وحسب، فمن خلال اطلالة متأنية في كتب التاريخ والتراث العربي، سيتضح أن الشعب غائبٌ بالمطلق، وبأدق القول ستجد أنه مغيبٌ تماماً. وأن ديمومة الحضور هي من حصة تلك النخب فقط، اللهم إلا الشخصيات القريبة من السلطة، وهم ما اصطلح على تسميتها بالبلاطيين، من شعراء وأدباء، ومغنين، و قادة عسكريين، ومن لف لفيفهم.
وسترى كيف أن أدق التفاصيل الشخصية عن الخلفاء و الحكام مذكورة، وموصفة بأدق التفاصيل، ولك أن تتخيل أن رائحة فم الخليفة الأموي الخامس، عبد الملك بن مروان646) -705 م) الكريهة، مُخلدة و لم يغفلها المؤرخون (وكان عبد الملك أبخراً) ولا حتى أسنانه المربوطة بالذهب، لابل أنهم أفردوا لها صفحات في مؤلفاتهم، وستجد أوصافاً، و بمنتهى الدقة عن صنوف مائدة طعام ابنه سليمان(المشهور بشراهته للطعام) سابع خلفاء بني أمية(674-717 م)، ولونها، وطعمها، وشكلها ونكهتها، وحتى عدد حبات التين التي تناولها أحد المرات أثناء مروره ببستان مذكورة، وبمنتهى الدقة. وهذا غيض من فيض. عدا عن قصائد فحول الشعراء في تلك الحقبة التي تعُظم الخلفاء وبطولاتهم.
ولكن بالرغم من كل ذلك، يرد ذكر العديد من الشخصيات من عامة الناس في كتب التراث العربي، ولكن بنمطية هزيلة جداً، وأحياناً متطفلة على عوالم الطبقة المخملية العربية في تلك العصور، ومنهم شخصية أشعب الطفيلي، والذي حسبما يُذكر عنه أنه يعتاش على موائد الأمراء، وأنه يلج أبواب الأغنياء دون استئذان في وقت الطعام. أو بنسق الشخصية الخرقاء، الحمقاء، مثل شخصية جحا، والذي بالرغم من ذلك يمتاز بظرافته، وفقاً لمرويات التراث الشعبي العربي.
وأما في ألف ليلة وليلة، إحدى أهم درر التراث العربي، وأكثرها شهرة، فلقد دأبت شهريار و منذ الليلة الأولى وحتى الليلة الأخيرة، الليلة الواحدة بعد الألف، على كشف خبايا القصور العباسية، بشكل فضائحي، وما يتخللها من جنس وفساد وخيانات ومؤامرات ودسائس، وتكشف أيضاً كيفية تعامل الطبقة الحاكمة، ومن لف لفيفها مع عامة الناس في ذلك العصر، وصورة جلية عن العامة من ناس تلك الفترة وكيف أنهم كانوا مطايا لتحقيق مطالب ونزوات تلك الطبقة، مثلما حدث في قصة الحمال والبنات مع شاب وسيم يعمل حمالاً خرج ذات يوم يطلب رزقه، ولكنه وجد نفسه مصادفة في حفلة جنسية جماعية مع عدد من نساء الطبقة المخملية البغدادية.
وهذا ما يفسر رسوخ العديد من الشخصيات الشعبية البطلة، التي تمتاز بأنها مغايرة لنسق الشخصيات من الطبقة الوسطى في المخيال الشعبي العربي، وهي شخصيات ذات أبعاد أسطورية، مثل أبطال السير الشعبية كشخصية عنترة ابن شداد، وما تحمل في جوانياتها من تمرد على القوانين القبلية، ونبذ للظلم، ورفض للعنصرية، ومثلها شخصيات أبطال سيرة تغريبة بني هلال، ورمزيتها في تحدي الطبيعة، ومواجهة الصعاب وظروف الحياة البيئية والجغرافية القاسية.
حري بصناع الإعلام والإعلاميين، وصناع المحتوى في العالم العربي أن يحتفوا بشخصية المشالي وأمثاله؛ ممن يعتبرون نماذج في العمل الإنساني الصادق والنبيل والمشرف، لابل وأن تكثف عملها وجهدها تجاه هذا المسار، لأن مجتمعنا بات عرضة لمحتوى أكثر خطورة من ذي قبل، وربما يتصدر برنامج "رامز مجنون رسمي" للإعلامي المصري رامز جلال، الذي تعرضه شاشة MBC ومنذ سنوات، والذي تبلغ تكلتفه ملايين الدولارات، وكما في آخر نسخة منه في رمضان الماضي حيث أنه كان يغذي عقول متابعيه وخاصة من فئة الشباب والمراهقين بسموم السادية، والتوحش، والتنمر، والتلذذ بفنون التعذيب، فبحسب تسلسل البرنامج، وقياساً بمحتواه في المواسم الماضية، يتضح أنه يسير وفق منهجية التدرج، رويداً رويداً، بطرح محتوى عنيف، و لربما سيظهر علينا رامز جلال (إن استمرت MBC في خطها في هذا البرنامج) في مواسم قادمة عارياً تماماً، ولن يترك ضحاياه (وهم بالطبع شركاء فيما يقدم) دون أن يفعل ما يفعل بهم علانية، أو أن نجده يتأزر بحزام ناسف، عندها، لا يمكن التكهن، أو الإحاطة بمستوى الانحدار الثقافي لجيل كامل، ومن هو النموذج الذي يحتذي به؟!
وأخيراً، و بعين سوري، أرى أن المشالي رحمه الله، يشبهنا كثيراً، و يشبه آبائنا، ويشبه أي أب سوري تقاذفته الحرب، وزجت به في أحد مخيمات اللجوء، وأخضعته السياسة الدولية لرهان ما بين سلة مساعدات غذائية تسد رمقه، أو اتخاذ مواقف مع أو ضد أحد أطراف الصراع في سوريا.



#مصطفى_الخليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غزل في سابع سماء


المزيد.....




- مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا ...
- تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل ...
- السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة ...
- بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي ...
- وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب ...
- مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث ...
- -أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3 ...
- -تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي ...
- إعلام سوري: سماع دوي انفجارات في سماء مدينة حلب
- البنتاغون: لم نقدم لإسرائيل جميع الأسلحة التي طلبتها


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مصطفى الخليل - ماذا لو سقط المشالي في فخ غيث الإمارتي ؟!