أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبيدو - السينما في تونس- 4















المزيد.....


السينما في تونس- 4


محمد عبيدو

الحوار المتمدن-العدد: 1596 - 2006 / 6 / 29 - 10:14
المحور: الادب والفن
    


وقدم المخرج"نوفل صاحب عتابه" فيلم "الكتبية" عام 2003، المأخوذ عن عمل ادبي للكاتب الامريكي "تنيسي ويليامز" حيث قام بإعداده واضافة شخصيات اليه مع الاحتفاظ بالمكان الذي تجري به الاحداث... الا وهو مكتبة قديمة ورثها صاحبها الشاب عن والده. في موقع محدود مثل المكتبة يعاق انطلاق الكاميرا فيتسيّد المونتاج لضبط ايقاع الفيلم من دون ترهل في السرد, يعتمد المخرج على اللقطة في التعبير عن المعاناة الجوانية للشخصية ويلجأ كاتب السيناريو الى الحوار لحكي احداث الماضي وتطلعات المستقبل. يبدأ الفيلم بوصول شاب تونسي قادماً من فرنسا باحثاً عن عمل في بلده الذي عاد اليه، يحمل الغريب حزناً سيكشف المخرج عن اسبابه كما سيكشف لنا الغريب القادم الذي حمّله المخرج افكاره واخلاقه عن الشخصيات التي تعيش في المكان، صاحب المكان وزوجته الشابة الطموح المتمردة وأمه الارملة المعطاءة التي تحمل حزناً في داخلها مع قوة عزيمة وقوة عطاء تمنحها للابن وزوجته وللغريب القادم باحزانه ومآسيه التي مرّ بها. موضوع الفيلم الاساسي هو حرية الاختيار، وهو الهم الذي يربط كل اشخاص العمل، الغريب القادم من فرنسا تحمّل اختياره وترك إرث والده لكي يمارس حياته بأسلوب يختاره، الزوجة الشابة- وادتها الممثلة هند صبري- كسيدة طموح لديها جموح واقبال على الحياة. تحب زوجها الذي يعشقها ولكنها تتمرد على عيشتها معه وتطمح في تبديل المسكن،تعشق اغاني اسمهان وتغنيها بصوت مرتفع دون خجل.. يتردد صوتها في المكان جاذباً المعجبين..و يعرض عليها احدهم الغناء في حفل زفاف فتذهب دون إذن زوجها، وبعد ممارسة رغبتها البريئة في الغناء تعود الى زوجها ترعى حملها منه، وقد قدم كلاهما قدراً من التنازلات لتستمر الحياة يعلو صوت ليلى بالغناء, "فؤادي في حبك مجروح وقلبي من حبك بينوح"... اما الارملة الشابة فرغم ماقدمه لنا المخرج من انجذابها تجاه الغريب الشاب وتحاببهما الا انهما لم ينجرفا وراء عواطفهما... وينتهي الفيلم بمغادرته المكتبة حاملاً حقائبه بعد ان عرفنا حكايته ولمسنا قدره كرحالة في سبيل حريته من مكان الى آخر. قدم المخرج فيلمه" الكتبية" في المكتبة بطابقيها الاول والثاني ولم يغادرها الا نادراً، واحتفظ باضاءة وسطية نجحت في التعبير عما يموج في نفوس شخوصه من طموحات وافكار، عارضاً قلقهم وازماتهم منتصراً في النهاية لفكرة الاسرة واستمرار الحياة وامكانية التعايش مع الاعتزاز بالقديم اثاثاً وتراثاً واخلاقاً وبين طموحات الحاضر. قدم نوفل صاحب اول افلامه الروائية "الكتبية" نسيجاً رقيقاً من المشاعر مع هيكل مكثف من الاحداث.
الفيلم الوثائقي «انشودة الالفية»2003، للمخرج محمد زهران يروي تجوالا في ارجاء البلاد فيصف لقاءات مع فلاحين، عارضا الرغبات التي تحركهم والمخاوف التي تسكنهم.
يروي احد صيادي السمك من الساحل التونسي «البحر متعب، ثمة امراض كثيرة». وان كانت الحياة قاسية للغاية والمستقبل المادي غامض المعالم، فانه يقول «اذا ما قارنت الحياة في تونس بالحياة في فرنسا او في الولايات المتحدة، فنحن هنا نعيش بشكل افضل. ننام بسلام ونستيقظ بسلام».
ويظهر الفيلم معلمة تعبر كل يوم مسافة طويلة جدا سالكة طرقات وعرة للوصول الى مدرستها. تقول بشجاعة «من سيقصد هذا المكان النائي ليعلم فيه ان لم افعل انا؟» وفي المدرسة، يروي التلامذة الاحلام التي تراودهم في هذه الالفية الثالثة. «ان ابني مدرسة في وسط البحر»، «ان اكون سلحفاة، لأنها تسير على مهل وتعيش طويلاً». يقول احد الفلاحين وزوجته «ليس لدينا الكثير من المال، لكننا بالصبر نتمكن من الصمود.
انا افلح وهي تهتم بالغنم، فندخر القليل من المال ونعتني جيدا بأشجارنا المثمرة حتى نجني منها المكافأة في الربيع. وهكذا نبني منزلنا شيئا فشيئا، مثلما بنيت تونس

بعد /السنونو لا يموت في القدس/ و /شبمانيا مرة/ و /الملائكة/ و /شمس الضباع/ وكلها أشرطة سينمائية ولوحات اجتماعية دقيقة التصوير يستعيد المخرج التونسي رضا الباهي – مواليد 1947 بالقيروان – طفولته لفهم الحاضر على نحو أفضل، ويتساءل في فيلمه الأخير /صندوق عجب/ 2003حول الزمن الذي ينقضي، وإطار الأمس واليوم الاجتماعي، وعملية الخلق الفني، لملم رضا الباهي ذكريات الطفولة وجمعها في فيلمه الذي يتحدث عن تجربته السينمائية التي تعود إلى الخمسينات من القرن الماضي. كمحاولة بصرية لاستعادة ذاكرة، وكمسعى فني إلى فهم تفاصيل الخاص والعام. ف> مزيج سينمائي جميل بين الماضي من خلال شخصية رؤوف، السينمائي الشاب الذي وجد نفسه، وهو منكبّ على كتابة سيناريو فيلم جديد، في مواجهة الماضي والحكايات والتشعّبات الإنسانية والاجتماعية والثقافية التي رافقت تفتّح وعيه الطفولي على عالم مختلف، في مدينة القيروان، قبل أعوام طويلة. كأنه، بهذا كلّه، يُعيد رسم الذاكرة التي عرفها رضا الباهي نفسه، أو التي عاش بعضا منها في زمن مضى السيناريو لرضا الباهي والتصوير لبورقوس أرفينتيس والموسيقى للطفي بوشناق، وشارك في التمثيل هشام رستم ولطفي بوشناق وماريان بسلار وعبد اللطيف كشيش. الفيلم يروي قصة مخرج تونسي، يعيش مع زوجته الفرنسية على ذكريات حب مضى، هي ضاقت ذرعاً بالحياة في تونس وتريد العودة إلى عالمها الفرنسي وهو يحاول جاهداً، الإبقاء على سعادة عرفها في أحضانها، وعندما طلبت منها إحدى القنوات التلفزيونية الأوروبية أن يعد شريطاً سينمائياً يتحدث عن علاقته بالسينما حينما كان طفلاً، يتلقى هذا العرض المثير الذي يراجع من خلال كتابته كل التفاصيل الصغيرة التي مرّ بها مذ كان طفلاً. إنها عودة إلى الماضي، عودة إلى ما يتوق، إلى ماضيه كطفل، وكعاشق معاً.
يبدأ الفيلم، في القيروان مسقط رأسه، حيث عاش في كنف والد متشدد وتقليدي، لكنه يهرب من المدرسة ملبياً نداءات خاله الفنية، وهو يعرض أفلاماً سينمائية بعضها حقيقي، والبعض الآخر مفبرك، ولكنها تجتذب جمهوراً واسعاً من الأطفال، وربما يكون رؤوف أبرزهم وأشدهم شوقاً إلى الشاشة الكبيرة، هذا الشوق الجامح إلى السينما فجرّه خاله الذي أهداه بمناسبة ختانه الهدية السحرية /صندوق عجب/ والذي لاحظ فيه الطفل رؤوف حركات الحصان البطيئة التي تتغير تبعاً لحركة المقبض الدائرية، لتنتهي به إلى حركات الإغراء النسوية التي تؤديها إحدى الممثلات، وإن الخال هو الذي يفتح أبواباً مشرعة لهذا الطفل الذي بدأ يكتشف نفسه، واكتشاف العلاقة مع الجنس الآخر. لقد تعرض رؤوف إلى قمع شبه متواصل من أبيه الذي كان يفرض عليه حتى شرب الحليب الذي لا يحبه، من جانب آخر، فإن الفيلم يسلط الضوء على العلاقة بين الزوج التونسي والمرأة الفرنسية، ويكشف لنا عن مدى الغربة أو الضياع الذي تعيشه مع زوجها الذي أحبته يوم كانت مجنونة على حد قولها، وركضت خلف نداءات قلبها المستهام بالحبيب الأول الذي باتت لا تطيقه الآن..
يكفي فتح /صندوق عجب/ علبة الصور التي تتحرك وعلبة الذكريات المنتفضة التي لا يمكن لمسها، لتتبدى جرأة المخرج وإيمانه العميق بالأحلام القديمة من أجل تقبل أحلام الآخرين.
نال /صندوق عجب/ جوائز كبرى عديدة بمهرجانات مهمة مثل قرطاج ومهرجان الفيلم العربي بروتردام وشارك بمهرجان كان قبل عرضه في الصالات الفرنسية.
عن عمله في فيلمه /صندوق عجب/ قال المخرج رضا الباهي: /عند بلوغ الخمسين شعرت بضرورة، إخراج فيلم يستعيد علاقتي بالسينما منذ كنت طفلاً سيما وأن السينما الآن في تطور مستمر، إن من حيث الشكل أو المفهوم، أو حتى أذواق المشاهدين، وعندما يبلغ المرء سن الخمسين، تنتابه مشاعر عدة وتساؤلات مختلفة يصبح معها الوقوف عند الماضي حتمياً، لأن صور الطفولة ابتعدت أكثر فأكثر وألوانها شحبت. صندوق عجب أكسبني قناعة ذاتية، وهي أن الطفل الذي يكمن في داخلي، يجب أن يستعيد المكانة التي انتزعها الكهل/.
في شريطه الطويل الخامس "رقصة الريح" يمحور الطيب الوحيشي الأحداث حول شخصية يوسف, وهو مخرج في الخمسين من عمره, يقصد الجنوب التونسي بحثاً عن أماكن لتصوير مشاهد شريطه الجديد. فيلتقي في قرية غريبة راعية غنم جميلة تطلب منه ألا يلتقط لها صوراً. بعد ذلك يتيه في ليل الصحراء (أهي صحراء العمر؟) وتتعطل سيارته ذات الدفع الرباعي في قلب الصحراء. وهكذا يختلي بنفسه ليستعيد شريط أعوامه الماضية. ولا تبقى له من علامات موثوقة الا سيارته التي تشكل ركيزة بقائه وصموده أيضاً بما في صندوقها من زجاجات ماء وعلب بسكويت مبعثرة الى جانب الصور والسيناريوات والأوراق. يستسلم يوسف للأمر الواقع ويبدأ حلمه بفيلمه الجديد على رغم كل الظروف المحيطة.
وفي هذه الأثناء ينطلق مساعده, ترافقه "السكريبت", في رحلة البحث عنه. وتجعلنا تلك الرحلة نكتشف المنطقة ونعايش بعض المشاهد التي يراها المخرج أيضاً أو يتخيلها. كما يعمد الى رسم شخصيات سرعان ما تتحرك أمامه في سراب الصحراء. وهكذا يتوغل يوسف في هلوساته السرابية الى أن يكتشف فجأة - وبحركة انتقالية من الكاميرا - انه كان يؤدي دور الشخصية الرئيسية في فيلمه.
يركّز الفيلم على ثنائيات كثيرة مثل الاخراج والمعاناة, الحلم والواقع... السيرة الذاتية والسيرة الابداعية. مع ان الطيب الوحيشي - وهو كاتب الفيلم - لا يقرّ بأنه ينضوي ضمن أفلام السيرة الذاتية, ويفضل على ذلك وصفه بـ"السيرة الابداعية". وأشار في إحدى مقابلاته الى انه اختار المخرج والممثل الجزائري محمد شويخ ليلعب دور المخرج في هذا الفيلم "لئلا يقال ان سيرة هذا الفيلم هي سيرة الطيب الوحيشي".
أما بخصوص المعاناة التي يخوض فيها الفيلم فقد أشار الوحيشي الى أن فيلمه يطرح أسئلة عدة: كيف نواصل عملنا وإبداعنا؟ ولماذا الصورة؟ وما أهميتها؟ مؤكداً أن "كل واحد من السينمائيين العرب هو سيزيف, ولكن من دون بكاء, بل هو سيزيف عربي يقف بوجه المصاعب ويتحداها".
قبل رحيله انجز المخرج إبراهيم باباي فيلمه الاخير "الاوديسة " 2003 بعنوان إشكالي للوهلة الأولى" فالفيلم لا يتناول "أوديسة" هوميروس، بل يتناول حكاية تونسية يحل فيها القائد القرطاجي هنيبعل (حنَّبعل، بتسميته التونسية) بدلاً من أوديسيوس (أو عوليس) في أوديسة هوميروس، ويقطع رحلة بحرية من نوع آخر، تربط بين جنوب المتوسط (تونس) وضفته الشمالية (جنوى، مرسيليا) برابط إشكالي هو الآخر.
إذا كان ذلك بعض ما يشكل الخلفية الثقافية والحضارية للفيلم، فإن حبكة الحكاية تطمح أساساً إلى تقديم "أول فيلم تونسي بوليسي" كما جاء في بطاقة تقديم الفيلم. ولئلا يكون الجانب البوليسي فيه مجانيّاً، فقد تم حبك السيناريو حول "موضوع في غاية الأهمية ينزل في قلب الحدث... والحدث طبعاً يتعلق بسرقة الآثار وتهريبها وإتلاف الذاكرة والتاريخ". هكذا يحاذي الفيلم حدثاً قديماً جديداً، زادته حرب العراق ونهب متاحفه وآثاره، حدّة وراهنية.
عملية التهريب في فيلم "أوديسة" تتعلق بتمثال نصفي "متخيَّل" للقائد القرطاجي الذي واجه روما: فبعد ساعات قليلة من اكتشاف تمثال نصفي لحنّبعل، موارى تحت التراب، بين آثار قرطاج، على يد عالم الآثار "مهدي"، يُسرق التمثال في شكل سريع من جانب عصابة دولية متخصصة في سرقة الآثار ولها ارتباطاتها المحلية. بعد تصفيات جسدية كثيرة يتم تهريب التمثال "الذي لا يُقدّر بثمن" على متن الباخرة التونسية السياحية التي تحمل بدورها اسم "قرطاج". وفيها تتواصل الملاحقات والتصفيات الجسدية، قبل الوصول إلى ميناء جنوى الإيطالي.
تتعقد عملية التهريب، بسبب الاختلاف على ثمنه، وتدخّل الإنتربول الخ. لينتهي المطاف بالتمثال النصفي "المتخيَّل"، والذي جُعل مبرّراً لتقديم الأحداث، غارقاً في قاع البحر الأبيض المتوسط، حيث تلقي به زعيمة العصابة "إيناس" (الممثلة الأردنية صبا مبارك)، لحظة تشديد الخناق عليها وانهيارها، في نقطة، أو مسافة بحرية، ما بين تونس وإيطاليا.
وهكذا يتوارى التمثال النصفي الذي لم يكن موجوداً أصلاً بين القطع الأثرية القرطاجية، تاركاً مجالاً لتأويلات متعدّدة...
بعيداً من المضامين الحضارية التي يطرحها الفيلم، تبدو القصة، وبالتالي حبكتها، معتادتين في السينما، مع "بهارات" مسبوقة.
ويقدم جيلاني سعدي دراما تحمل عبق المكان في فبلمه " خورما , ابن المقبرة " ويتناول قصة تدور في قرية معزولة بتونس ويروي حياة شخص لامستقبل له ومجتمع يتعامل بشيفراته الخاصة تجاهه .
يرصد الفيلم ، في البداية ، حركة الحياة في قرية كبيرة ، أقرب لمدينة ، وفي قلبها أي السوق – ينخرط خورما في أعمال تتطلب قوة البدن ، ويبدو سعيداً بنشاطه والعملات الصغيرة التي يحصل عليها . وسريعاً ، يظهر العجوز " بوغالب " بأداء محمد مورالي ، المسيطر على " خورما " الذي يحميه ويستغله في ذات الوقت ، وهي علاقة تذكرنا بعلاقات القهر التي تعرضت لها أفلام السينما مرارا ، فعلى الرغم من وهن الشيخوخة الجاثم على العجوز ، إلا أنه بمزاجه الحاد ، وعصبيته ، واندفاعاته ، وتمسكه بطول البقاء ، يظل قابضاً على زمام أمور " خورما " . وكما يوفق جيلاني فرحات ، مع مصوره الفرنسي جيل بورت ، في تجسيد أجواء المدينة الصغيرة ، بحيوية حركة البيع والشراء ، فضلاً عن معمار بيوتها العربية ، يوفق أيضاً في تتبع العلاقات النفسية ، ليس بين " خورما " وراعيه ، أو سيده " بوغالب " وحسب ، بل بين " خورما " والآخرين ، الذين تنتابهم نزعات وحشية تجاهه ، فيقدم بعضهم على ضربه ضرباً مبرحاً ، بلا مبرر منطقي ، عندما يضبطونه مندمجاً في غناء إحدى أغنيات عبد الحليم ، وحيداً ، عند الشاطئ!
في لقطة قريبة ، حميمة ، يتهادى صوت عبد الحليم ، من بعيد ، إلى مسمع " خورما " ، بوجهه البلل بالدموع ، فتنتعش روحه ، وتعبر نظرته عن حالة فريدة من الرضا ، كما لو أن عبد الحليم يعزيه ، ويغني له فقط .
لكن الفيلم يكاد يخرج من مساره ، حين يصر على تتبع تقاليد جنازة إحدى النساء ، ابتدأ من طواف العجوز وتابعه في الحواري والأزقة ، لإعلان الوفاة ، إلى عويل قريبات الراحلة ، إلى نقل جثمانها إلى الصندوق ، مع مزيد من الصراخ ... هكذا ، حتى فتح باب المقبرة ، وتقديم العزاء ... مشاهد مسرفة الطول مملة ، بلا ضرورة .
الحادث المحوري في الفيلم ، يأتي بعد منتصفه ، العجوز " بوغالب " يظن خطأ أن زفاف عروس هو حالة وفاة ، وعن طريق " خورما " يعلن الخبر السيئ ، وبالطبع ينتاب الغضب أصحاب الفرح ... يصاب العجوز برعب هائل . عندئذٍ يدرك " خورما " ما ينطوي عليه سيده من ضعف ، فيعتمد زيادة جرعة هلعه ، ويوهمه أن الأهالي يبحثون عنه للقصاص منه . ويبدو " بوغالب " كما لو أن جنوناً قد مسه ، عندئذٍ ، يضع " خورما " سيده في قبو ضيق ومظلم ... ويتحول " خرمة " من حال لحال .
" خرمة " ، يرتدي الجلباب الأبيض ، ويمسك بنبوت طويل ، ويلف لاسة حول رأسه . وأمام المرآة ، يكتشف أنه أقرب إلى الفتوات . يقرر الاستفادة من مظهره الجديد ، خاصة أن البعض يظنون أنه " مبروك " ، بينما البعض الآخر يخشون بأسه . بهذه التحولات ، يفتح الفيلم لنفسه مجالاً واسعاً للانطلاق إلى آفاق بعيدة ، فأبله الأمس ، غدا قوة لا يستهان بها – لقد أصبح ، على نحو ما ( أمير المدينة ) .
سعى المخرج الفرنسي ، من أصل تونسي عبد اللطيف كشيش إلى إبراز صورة جديدة عن الأحياء الشعبية الفرنسية عبر فيلمه الثاني ( الزوغان ). 2004
تروي قصة الفيلم علاقة حب بين مراهقين في حي واحد . فكريمو ، ذو الشخصية المنغلقة ، يدور في الحي لا يلوي على شيء ، محاط بأصدقائه ، ولا يجد إلا طريقة واحدة ليعلن عن حبه لصديقته في الفصل ليديا ( ليديا ، الصبية المرحة المليئة بالحياة ) وهي القيام بدور آرلوكان في إحدى مسرحياته ماريفو (( Marivaux )) .
هذه العلاقة الغرامية يقدمها لنا عبد اللطيف كشيش في تلقائيتها المغلفة بعنف لغوي وبذاءة هي النمط اللغوي الوحيد الذي يتقنه شباب أحياء الضواحي .. شتائم تخفي في طياتها الكثير من مشاعر المحبة والصداقة والأخوة والتضامن ، وتخفي في الوقت نفسه خفراً لا حدَّ له .
هذا الأسلوب في التعامل هو الطاغي على أغلب مشاهد الفيلم التي تعالج تلك الأواصر التي تربط الشبان بعضهم ببعض ، الأواصر الخفية التي يعبرون عنها بعنف لغوي ولا يخفي من حقيقة الأمر شيئاً .
وقد عمل المخرج على تجريد هذا النمط اللغوي العنيف في الاتصال من الهالة المحيطة به ومن كل ما التصق به من سلبيات . وبالتالي اختار مسرحية ماريفو (( لعبة الحب والقدر )) لما تحمله من معاني لتبليغ خطابه ذاك .
فالمسرحية يتدرب على عرضها تلامذة الفصل ، وليديا من بينهم . والمسرحية أيضاً تحكي عن المشاعر الإنسانية بكل تعقيداتها وتشعباتها ، وعن حق كل الطبقات الاجتماعية في البعد الإنساني.
إن اختيار المخرج لهذا العرض المسرحي كان من أكثر إيجابيات الفيلم إذ أبرز عبره البعد الإنساني لشريحة اجتماعية ( أو مجموعة من الأفراد ) لها نمط اتصالي خاص بها ، ولطالما عانت من قلة التمثيل الذي تحظى به في القطاع السمعي البصري الفرنسي .
والفيلم بالتالي انعكاس جديد لرؤية لم نعهدها لهذه الأقلية التي تطالب بحقها في الاختلاف . اختلاف نلمسه طيلة عرض الفيلم ، لكنه في حقيقة الأمر اختلاف شكلي ما دام المضمون واحداً . فمشاعر كريمو إزاء زميلته ليديا هي نفس مشاعر آرلوكان في مسرحية ميرافو .
ومن بين محاسن الفيلم الصدق الذي توخاه المخرج في تصوير الحياة داخل الأحياء الشعبية الفرنسية . ومع أن القصة خيالية إلا أنه يمكن اعتبارها انعكاساً صادقاً وقوياً ليوميات شباب الضواحي . فالوضعية الاجتماعية التي يعيشها بطل الفيلم كريمو ليست وليدة خيال المخرج بل هي في قرارتها تنبع من صلب الواقع الذي يعيشه شبان وبنات سان دوني : أب في السجن ، وأم تسعى جاهدة لإعالة أبنائها وأخ مراهق كثيراً ما يلجأ للسرقة لتلبية حاجاته .
وفي فيلم«الامير» لمحمد الزرن 2004 حكاية شارع رئيسي في تونس العاصمة وما يدور به من احداث عاطفية واجتماعية تلخص المشهد الحياتي وتطلعات واشواق شخصيات متنوعة،
أجمع النقاد والمشاهدون معا على أن (باب العرش) لمختار العجيمي 2004 هو فيلم جريء, وقد تجلت هذه الجرأة في العديد من اللقطات والمشاهد سواء تلك التي قدّمتها الفنانة زهيرة بن عمار التي جسدت شخصية (ريم) بنت الجيران, أو المشاهد الأخرى التي يظهر فيها (حميد) وصديقه الحميم (إلياس) في أجواء لا تخلو من الإثارة والتحريض. وملخص القصة مفاده أن حميد (محمد علي بن جمعة) هو صحفي شاب تعدى الثلاثين من عمره غير أنه يرفض الولوج إلى المؤسسة الزوجية, ولا يرضى بالزواج من ابنة الجيران (ريم) تلك الفتاة التي تنتمي إلى جو برجوازي بعض الشئ, ولكنه يذعن لمشيئة أسرته, ويستسلم لإلحاحها الشديد, ظنا منها أن هذه الزيجة ستخرجه من عزلته, وتنقذه من الجو النفسي الخانق, والأزمات الذهنية المتلاحقة التي تفضي به إلى القلق الدائم, والاضطراب المستمر الأمر الذي يدفعه في خاتمة المطاف إلى العزوف عن عروسته, والهروب في ليلة زفافه! لقد قدّم لنا المخرج مختار العجيمي, وهو كاتب السيناريو نفسه, شخصية حميد بطريقة مهلهلة, وغير مقنعة تماما. فهل يعقل أن ينصاع في هذا الزمن شاب في مقتبل حياته, ويتخذ من الصحافة التي توصف بـ(مهنة المتاعب الجميلة) مهنة له, ويذعن للزواج من بنت الجيران لمجرد إرضاء نزوات أهله ورغباتهم العابرة?. ثم إن بعض مقالات حميد كانت تُرفض من قبل هيئة التحرير بسبب جرأتها, وحساسية تعاطيها مع موضوعات ساخنة, وكان حريًا بالمخرج أن يعمق هذه النقطة الجوهرية, وينّميها خدمة لتصاعد الأحداث, وتطويرا لمسار الفيلم. لقد أثارت المشاهد الجنسية الصريحة ردود أفعال شديدة
و يتناول فيلم المخرج محمد دمق "دار الناس"- 2004 مرحلةً ساخنة من تاريخ تونس في قالب كوميدي انتقادي ساخر. تدور احداث الفيلم في بداية الثمانينيات التي شهدت فيها البلاد ازمة سياسية واجتماعية واقتصادية طاحنة ادت الى حدوث غليان كبير في الشارع التونسي، كان من نتائجه اندلاع ما عُرف وقتها بـ "ثورة الخبز" في كانون الثاني 4891. وسط هذه الظروف العصيبة تبدأ حكاية الشاب هادي الذي يتزامن رسوبه للمرة الثالثة على التوالي في امتحان البكالوريا مع احالة والده الى التقاعد، لكن قبل مغادرة هذا الاخير العمل بشهر واحد يطلب منه مخدومه خدمة اخيرة هي حراسة منزله، والواقع في احد الاحياء الفاخرة في العاصمة، خلال فترة العطلة الصيفية. تنتقل العائلة رغم معارضة هادي في البداية الى الاقامة في منزل صغير قرب الفيلا الفاخرة، وهناك يكتشف الابن الشاب عالماً آخر مع وقوعه بغرام فتاة تقيم في الحي نفسه. ورغم تعليمات الاب بعدم دخول الفيلا بما انها "دار الناس" يستغلها هادي لاقامة الحفلات الصاخبة مع اصدقائه الجدد، وفي تلك الاثناء يعود شقيقه الاكبر من بلد اوروبي ليغيّر مجرى الاحداث، ويفتح اعين شقيقه على مجتمع تتآكله الصراعات والتناقضات وينهشه واقع مظلم فتتلاشى احلامه التي تتحول بسرعة الى سراب. يقول دمق: "إن الفيلم هو"دعوة الى التريث ودراسة الاشياء قبل اتخاذ اي قرار او القيام بأي عمل "مؤكداً ان السينما التي يقدمها هي سينما الكوميديا لكنها كوميديا سوداء قريبة من هموم الناس والمجتمع".
امتدح كثيرون قدرة السينما التونسية على الكشف عن المسكوت عنه في غيرها من السينمات العربية، وتكسير التابوهات، وأن الأفلام عبرت عن ذاتية المخرج التونسي ورؤيته عن الواقع وتميزت بمستوى تقني عال، وبراعة اداء الممثلين التونسيين مثل هشام رستم وهند صبري و ريم تركي وآخرين غيرهم .

فصل من كتاب - السينما في المغرب العربي.



#محمد_عبيدو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السينما في تونس- 3
- السينما في تونس- 2
- السينما في تونس- البدايات
- فيلم -المنارة- للجزائري بلقاسم بلحاج:
- محمد شويخ - سبنما التأمل الجريء بالواقع العربي
- آلان رينيه: الإنسان ليس إلا حصيلة لماضيه
- السينمائي الفرنسي موريس بيالا
- رحيل المخرج الياباني الكبير شوهي امامورا
- اخطبوط صهيوني في افلام الرسوم المتحركة
- مهرجان السينما الفرانكفوفونية بدمشق
- سينما شعرية تحاكي الموت وتقارب نبض الحياة
- السينما الاسبانية
- (( ليل السكّير ))
- اشتهاءات مبددة
- اسبوع الفيلم الاوروبي بدمشق
- سعاد حسني : قمر السينما المكسور
- معطف الارتباك
- «نساء في صراع»
- - فندق رواندا
- أفلام الرسوم المتحركة


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبيدو - السينما في تونس- 4