|
بيروت
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 6637 - 2020 / 8 / 5 - 14:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وفرت طوبغرافية بيروت ولبنان عموماً : ملاذاً آمناً لمضطهدي الشرق الأوسط ، من الأقليات الدينية والعرقية التي أمعنت الإمبراطوريات الاسلامية ( آخرها العثمانية ) في اضطهادها ، اذ كانت هذه الإمبراطوريات تطبق وتنفذ قوانين الشريعة الاسلامية التي دمغت اصحاب الديانات غير الاسلامية ، بالوصف السلبي الشهير : أهل الذمة ، وفرضت عليهم ( دفع الجزية وهم صاغرون ) كما حددت لهم نوع لباسهم ، وكيف يمشون في الطرقات ، وكيف يركبون حيواناتهم ونوع العلامات التي يضعونها على رؤوسهم ويعلقونها في رقابهم ، لكي يعرفهم المسلمون ويتعاملون معهم لا كشركاء بل كتابعين اذلاء من الدرجة السفلى في المجتمع ، ومن قاعه الأدنى . لم يستطع مواطنو هذه المدينة الجميلة المحصورة بين البحر والجبل ، الخروج بالمكان اللبناني الكبير من كونه مجموعة أمكنة شبه منعزلة لمضطهدين ، الى فضاء المكان الواحد لمجتمع حديث ، فظلوا عبر تاريخهم يحملون عقدة المضطهد الذي ينظر الى الآخر والى كل أنواع السلطات : بشك كبير . وحين وقعت الحرب الأهلية عام 1975 بين مجموعاتها السكانية ، تبين ان سمعتها الثقافية والسياحية وريادتها في مجال التحديث مجرد لعب فوق سطح الطوبوغرافيا ، وليس حفراً وتأسيساً لعمق تفاعلي بين أهاليها ...
دخلت بيروت قرون ما بعد الثورة الصناعية كمدينة كوزموبولاتية حديثة : سبقت باريس ولندن اللتان لم تتكامل فيهما وجود إثنيات وعرقيات وديانات وثقافات متعددة : تحولهما الى مدن كوسموبولوتية الا مع نهاية الحرب العالمية الثانية . لكن الحروب الأهلية التي وقعت في لبنان في القرنين التاسع عشر والعشرين فضحت هذا الادعاء الحداثوي في تفاعل أعراقها وطوائفها : ومنحتنا رؤيتهم كما هم : رعايا لا مواطنين ، اذ الرعايا يتمسكون بموروثهم الثقافي السابق على ولادة الدولة الحديثة . وفي هذا تشبه بيروت مدناً عربية اخرى كالإسكندرية ودمشق ولكنها اكثر شبهاً - في الأوان الذي نعيش - بمدينة بغداد التي غالباً ما يقع فيها فرهود لممتلكات اصحاب الديانات الأخرى ، اضافة الى حروب الطوائف الاسلامية ...
عوق تاريخي شل مجتمعات هذه المدن المشرقية ومنع أهاليها من التحول من طور : الاهالي والرعية الى طور المواطنة والمجتمع الحديث : فانت ترى في بيروت وفي بغداد وفي دمشق وفي اليمن وفي ليبيا وفي ..الخ ميليشيات وأحزاب متعددة : كل منها يلغي حضور الدولة ويمارس هو حضور دولته عبر فعاليات متعددة ومنها : حجز أماكن لخزن اسلحته . وكما تعرض كدس السلاح في بيروت لانفجار وصفه الكثيرون : بالرهيب ، كذاك تعرضت وتتعرض أكداس أسلحة الاحزاب والميليشيات في بغداد الى : انفجارات رهيبة هي الأخرى ...
هذه مدن قديمة لم تستطع مليء فضاءاتها بمضامين ذات فعاليات حديثة ، وظلت فيها رموز الثقافة القديمة البدوية العتيقة قوية ومتجددة ، ولم تستطع ثقافة الإنتاج والإنتاجية والابتكار والإبداع والفن والسينما ، ان تحل محل رموز الثقافة القديمة : التي يعلو فيها العرف على القانون وقضاء الدولة ، وتعطى فيها الأولوية على بناء جامع في أقصى الصحراء على بناء مدرسة او مستوصف صحي او مختبر في جامعة : ان مليارات الدولارات التي تحترق مع تفجر أكداس الأسلحة ، لا قيمة لها في عرف السياسيين الطائفيين : امام معركت( نا ) المقدسة من اجل الإطاحة بالشيطان الأكبر والإمبريالية العالمية وتحرير فلسطين ونشر ( المذهب ) والتبشير به ...
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طاحض هيچ وحدة وطنية
-
ألعاب الطفولة في العراق
-
قيمة الأوطان من قيمة بنيها
-
كل شيء جميل هذا اليوم
-
ليبيا - تركيا
-
هل الكاظمي في الطريق الى وعي دوره التاريخي ؟
-
ما زلت احتفظ بها ككنز ثمين
-
لا حل لمشاكل تركيا خارج حدودها
-
لا املك الا ان اقول لك
-
تركيا : من صفر مشاكل مع العالم العربي الى ...
-
لكن
-
تصبح حرامي حين لا يسند أفعالك تشريع او قانون
-
راتب الدولة الريعية
-
في الطريق الى المقهى
-
الكاظمي رئيساً لمجلس الوزراء
-
منهجان في معالجة جائحة كورونا
-
لحظة تكليف الكاظمي
-
برنامج : عدنان الزرفي
-
في عيد الموسيقى العربية
-
واللؤم تحت عمائم الانصار
المزيد.....
-
سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي
...
-
مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي
...
-
بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
-
النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
-
نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
-
الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار
...
-
ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
-
بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن
...
-
روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
-
أطعمة تضر المفاصل
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|