أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح12















المزيد.....

قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح12


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6636 - 2020 / 8 / 4 - 09:07
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


هل حقيقي أن الصراع الحضاري صراع بداوة ومدينيه
عندما يطرح الدكتور علي الوردي الصراع الذي يعيشه العراقي كجزء من منظومة اجتماعية عربية على أنه صراع البداوة والمدنية مسايرا لأطروحات الفكر الخلدوني، فإنه ينسب البعض من مسببات الصراع إلى خلل في العقل العراقي المشتت بين قيم متناقضة، في الوقت الذي يحمل التأريخ جزء من المسئولية ولا ينسى أن يطبع الفكرة بروح سيكولوجية منحازة للفهم الفرويدي، دون أن يمنح للأسباب الموجبة للصراعات التأريخية وإسقاطاتها التي شكلت بديمومتيها طابع خاص أثر بشكل مباشر على تكوين هوية العقل العراقي ورمزيته وشكليته، فبالرغم من أن البداوة في الواقع العراقي أقل مظهرية ونشاط تأثيري على قيم المجتمع لو قورنت مع بنائية الكثير من المجتمعات العربية والإقليمية المجاورة، خاصة وأن المجتمع العراقي في غالبيته قروي زراعي منتج ليس بالإمكان مقارنته مع بنية وشكلية المجتمع البدوي عموما لا بالقيم ولا بالفعل الأجتماعي.
الحقيقة كما بينا في موضوع عقدة أوباما أن الشعب العراقي الذي كان منقسما في تأريخه بين الولاء للعرب والأعراب كبقية الشعوب التي عرفت الإسلام ووصلها بثوبه المصنع، وليس بجوهره الرسالي القائم على قاعدة أكرمكم عند الله أتقاكم، وكان نتيجة لذلك أيضا أهم مراكز الصراع بين الإسلام المحمدي (المدني) والإسلام السياسي (المتعصب الجاهلي)، وتحمل جزءا كبيرا من تبعيات هذا الصراع والصراع الخارجي المنبثق من توجهات ونتائج الصراع الأول (صراع الجاهلية والإسلام)، وتركز في دولتين اسلاميتين تتبعان المنهج العربي في عهد الإمام علي عليه السلام وما تبعه من نتائج بإنهيار هذه الدولة تحت وطأة الصراع القريشاني وقيام دولة بني أمية، ومنهج العربانية في زمن العباسيين وما أفرزه كنتيجة لصراع الأشد ضراوة والذي جذر مفهوم الإسلام السياسي من قبل، وهو صراع الإمام علي ومعاوية برمزيتهما كممثلين لجوهر الصراع ذلك وإنقسام المجتمع العراقي تبعا لذلك بين موال ومعارض، كذا قسم الشخصية العراقية ولونها كمجموع بين تيارين الرفض أو الإستسلام.
لم يكن الصراع منتجا لشخصية جديدة كما هو معلوم من مفهوم نتائج الصراع كفعل أجتماعي منتج أيضا، ولا مفعلا لإشكالية الوعي بهذه الشخصية بالشكل الذي يولد نوعا من الشخصية الغالبة أو المسيطرة، بل كان صراعا عقيما (صراع النفس مع النفس والذات مع الذات)، و كان من نتائجه العقم التي اصطبغ بها هذا الصراع دون ظهور فائز ومتحكم غالب تنحاز له غالبية المجتمع وتتشكل على أساسه هوية جديدة غالبة، ومع استمراره التقليدي على نفس المنوال الأول الذي ظهر لأول مرة وبنفس عناصره وذات أساليبه القديمة فجعل من العقل العراقي عقل مستسلم له ومحبوس في اطار الدفاع المستميت عن الماضي وعن شخوصه وعناوينه، هذا الاستسلام القهري لم يؤدي إلا إلى مزيد من الإحباط والجمود والتلون تبعا للغلبة المؤقتة التي تعتلي السلطة وتفرضها عوامل التقلب السياسي والاحتلالات المتتالية من خارج العراق على مركز قراره السلطوي، فأصبح العراق ليس قضية بقدر ما أصبح ورقة تتلاعبها الصراعات الخارجية التي تتبع أحد طرفي الصراع التقليدي.
إن التشخيص الأكثر واقعية هو ما يكون ناجحا عندما يتلمس أصل الظاهرة ومن خلال الغوص في بحث الحيثيات تجريبا ونقدا وتفكيكا للعناصر بمستويات قد تنزل فينا إلى البحث عنها في كل المجالات النفسية والتأريخية والتراثية، ومن خلال فهم ودور علم الاجتماع والبيئة ودور العوامل الحولية الموضوعية والمحفزات الذاتية، لتكتمل لنا الصورة حيث هي، بلا احتمالات ظنية وقراءة فوقية لا تلامس جوهر الموضوع .
وبما أن الإنسان ذلك الكائن الوجودي المقسم بين ما هو مادي مجسد يمثل دور الميكانيكا للفعل الإنساني المرتبط بالنفس والعقل والروح، وأن الأنا هي نتاج للعناصر الثلاثة هذه، فلا بد من الحتم علينا أن نفهم هذه الأنا وكيف لها أن تكون وأن تظهر فعلها مجسدا بنتاج يمنحها للهوية، ويصنفها وفق نسق محدد ينطبق عليها كقانون عام لا كظاهرة ممكن أن تأتي وتضمحل وتتلاشى وتتغير تحت وقع المؤثرات الخارجية.
ومن الواضح بعد هذا القول ومن قراءة تأريخية وأجتماعية للمجتمع العراقي طولا وعرضا بتقلباته وأطواره والمنحنيات الحرجة التي مر بها، تعطينا انطباعا يرسم لنا صورة قريبة من جوهرية الصراع وطبيعته ومسبباته وما نتج وانتج من تشويش في الوعي الجمعي والاجتماعي، الذي ساهم بشكل أو بأخر بتشويه الشخصية العراقية وجرها إلى خيارات مصيرية لا تكشف عن عمق هذا الشعب وتاريخه الإنساني ومنها علينا أن نلاحظ النقاط التالية:.
• إن الشعب العراقي قد شهد تبدلات وتغيرات ديموغرافية وجغرافية عميقة أثرت بصورة أو بأخرى على تحديد ورسم ماهية وحدود الشخصية العراقية، وأن الجذر التاريخي الذي قام في العراق امتدادا من السومريين إلى ظهور الدولة العراقية في المناذرة قبل الفتح الإسلامي وما تلاه من هجرة، لم يعد هو ذاته ولا يمكن أن نتأكد تمام من وجود سلالات سومرية بقيت محافظة على وجودها في العرق إلا في حدود ضيقة تمثل في بعض المكونات التي تمثل اليوم أقلية أثنية أبرزها الكلدان والأشور والصابئة.
• في حدود الجغرافيا شهدت عوامل بيئية وتغيرات في الحدود أيضا، العرق الذي كان ممتدا من حدود مملكة دلمون البحرين حاليا ليصل إلى أواسط أسيا ومن هضبة عيلام حتى حدود فلسطين التاريخية، لم يعد اليوم ذاك الكيان القديم فقد دخل وخرج وتداخل مع مكونات لا تنتمي له لا في الحضارة ولا في التكوين العرقي، مما سبب تنوع أكثر من المقبول فذاب جزء منه وانحاز جزء لمكونه لأصلي.
• كما لم تنجح اللغة في صهر مكونات المجتمع العراقي بتأثيرات القوى المتسلطة القادمة من خارجه، فنجد اليوم الكثير من الأساليب التعبيرية واللغوية لا تتفق مع شخصية الفرد العراقي وهو مضطرا على التعامل معها كواقع ليزيد من تشرذم الشخصية.
• تربع العراق في وسط مربع حضاري يحمل في طياته تناقض في كل شيء ابتدأ من اللغة والجنس والمعتقد وحتى في مجال التكوين، فهو محاط بالروم والفرس والترك والأعراب من الجنوب، يقابلها ديانة مجوسية ونصرانية غربية وبداوة قوقازية أقرب للبوذية وبداوة شركية جاهلية محافظة، كلها كان العراق ملتقاها ومحل التفاعل والانصهار والتزاوج الحضاري بينها، وأيضا تأثيرات ذلك الصراع الوجودي المحتدم على أرضه والتي تحمل عواقبها لوحده دون أن تتأثر قوى الصراع الأساسية بنفس الدرجة التي أصابت الشخصية العراقية جراءه، أثر كل ذلك في النهاية لأن تترك هذه الثقافات والمكونات الحضارية أثرها وترسباتها وفضلاتها على الواقع الشخصي العراقي وعلى الشخصية العراقية.
الوردي كان يرى في الصراع الاجتماعي هو صراع ذو قطبين حضاريين محليين فقط بمعنى الفهم الحضاري للحضارة، فالصراع متجسدا من جهة الحضارة ممثلة بالمدن والحواضر العربية المليئة بالحركة والخير والعمل والانتاج وبين قيم الصحراء الجافة الواسعة قليلة السكن المجدبة في خيراتها، وكأنهما ثقافتين محددتين بعوامل الجغرافية فقط أنتجت قيم مختلفة ومتناقضة ومتضادة، وليس أكثر، فهو يرى أن ذلك ولد ازدواج قيمي داخل المدينة اولا نتيجة التنافس بينهما على سلطة المدينة وأنتقالا وصعودا ضمن الدولة الحديثة ثانيا.
فيبني شكلية وجوهر الصراع إذا بين الحضارة العراقية ممثلة للتمدن الحضري مع محيطها البدوي (الجزيرة العربية) بشكل أساسي، فما إن سكن هذا الصراع بهيمنة البداوة كما يظن حتى تجدد مرة أخرى بشكل أخر ومغاير ليتحول إلى صراع بين العراق والحضارة الغربية الوافدة ثانيا إثر غزو العراق في الحرب العالمية الاولى، لكنه من جانب أخر يتغاضى عن بقية الصراعات والتي لا تقل ايضا في شراستها عن هذا الصراع، بل أنا أرى أن الصراع العراقي الفارسي والعراقي التركي كان أشد خطورة وأكثر تأثيرا وعمقا من الصراع الذي ركز عليه الوردي ونتائجه أخطر لأنهما فعلا صراعان متسلحان بقيم حضارية مختلفة ولديهما محركات أجتماعية عميقة في التاريخ وفي الجغرافية وفي الهوية الاجتماعية للفرس والاتراك وهما قطبي صراع قديم بينهما.
ولو كان صحيح هذا الفرض الذي ذهب إليه الوردي بان جوهر الصراع المؤثر كمحور أولي على الشخصية العراقية هو صراه بداوة وحضارة، لكانت تأثيرات هذا الصراع أشد على بلاد الشام المحاطة بالصحراء من شرقها وجنوبا بل تتغلغل الصحراء حتى داخل الإقليم الشامي، وعلاقة الشام تأريخيا مع الجزيرة العربية اكثر واقوى من علاقتها بالعراق، وأن الشام السياسي يعتبر تأريخيا أمتداد للمدرسة العربانية السيادينية المحافظة، وكانت منبرا أساسيا ورأس حربة في الصراع بينها وبين الإسلام والعرب.
هذا الواقع يفترض أن تكون وقائع الصراع هناك وليس هنا في العراق فالتبريرات التي ساقها الوردي أكثر حضورا في بلاد الشام، ولأن نفس العوامل متواجدة من حضارة قديمة وتنوع أثني وعرقي وإحاطة قوية من قبل الصحراء العربية، لكن نجد أن إهمال هذه الفرضية والتركيز على الصراع البدوي هو تجاوز على عوامل اشد اهمية وأكثر قدرة على فرض واقعها وحضورها الأكيد في رسم الصورة المشوهة لما يعرف بالهوية العراقية الخليطة، التي تصعب عليها التجانس والذوبان مما ولد شخصية ذات مميزات في نوع من التشتت والتناقض.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح10
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح11
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح8
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح9
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح7
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح6
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح5
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح3
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح4
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح1
- قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح2
- الوردي وقراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح1
- الكتابة في زمن العولمة والحداثة
- العربانية ووهم المعرفة الخاصة
- السلفيون وتحديات النقد العقلي
- القضاء القبلي (العرفي) بين القانون والشريعة ح3
- القضاء القبلي (العرفي) بين القانون والشريعة ح1
- القضاء القبلي (العرفي) بين القانون والشريعة ح2
- علاقة الدين السليم بالعقل السليم
- أزمة الأستكوان والصيرورة


المزيد.....




- رئيسة جامعة كولومبيا توجه -رسالة- إلى الطلاب المعتصمين
- أردوغان يشعل جدلا بتدوينة عن بغداد وما وصفها به خلال زيارته ...
- البرازيل تعلن مقتل أو فقدان 4 من مواطنيها المرتزقة في أوكران ...
- مباشر: 200 يوم على حرب بلا هوادة بين إسرائيل وحماس في غزة
- مجلس الشيوخ الأمريكي يقر بأغلبية ساحقة مشروع قانون مساعدات ل ...
- محكمة بريطانية تنظر في طعن يتعلق بتصدير الأسلحة لإسرائيل
- بعد 200 يوم.. تساؤلات حول قدرة إسرائيل على إخراج حماس من غزة ...
- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح12