أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع - يوسف مزاحم - العلمانية والتعددية















المزيد.....

العلمانية والتعددية


يوسف مزاحم

الحوار المتمدن-العدد: 1598 - 2006 / 7 / 1 - 00:10
المحور: ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع
    


عندما وصلتني الدعوة للمشاركة في ملف العلمانية والدولة والمجتمع تبادرت إلى ذهني عدة خواطر متناقضة، هل يتوجب أن أكتب بحثاً أكاديمياً متكاملاً بكافة عناصره أم أن الأمر قد يؤدي المطلوب منه بمقالة متواضعة؟ هل أكتب مباشرة عن رأيي ورؤيتي الخاصة بهذا الموضوع أم لا بد من المقدمات نفسها التي تتحدث عن تاريخية الموضوع وجذوره وتعريفاته المختلفة؟ هل يمكن تجاوز كل الأفكار السابقة حول هذا الموضوع الحساس والبدء بالتفكير من جديد بعلمانية "ذات خصوصية وطنية" إن جاز التعبير أم لا بد من الاستشهاد بأمثلة أخرى تاريخية أو معاصرة لدعم الموضوع؟

في خاتمة المطاف، قررت أن أسترسل في أفكاري الخاصة بهذا الموضوع مع بعض الشواهد من هنا وهناك والتي يمكن أن تغنيه دون الدخول في دوامات التعريفات والمقدمات المعتادة في مثل هذه الملفات وذلك للإفادة من المساحة المتاحة بأقصى قدر ممكن.

تتزعم فرنسا قائمة الدول الأوروبية الحاملة للقيم العلمانية والتي يُفهم من تنظيراتها المختلفة على أنها فصل العقائد الشخصية – إذا جاز التعبير- عن الدولة ومنع تدخل تلك العقائد والأديان في أي من المظاهر الرسمية في الدولة، حتى أنها أنشأت عدداً من المدارس في الدول التي استعمرتها سابقاً أطلقت عليها اسم "اللاييك" وهي تعني تماماً العلمانية وذلك لغرس القيم العلمانية في الأجيال الناشئة في تلك البلدان، ولئن نظر البعض إلى ذلك على أنه "تشويه" أو "استعمار فكري" أو غير ذلك إلا أن الفكرة –ولو نظرياً- لم تكن بذلك السوء وخاصة بالأخذ بعين الاعتبار التنوع الديني والعقائدي الكبير داخل البلدان المستعمَرة.

كما يجب أن لا ننسى أن البلدان الأوروبية وعلى رأسها فرنسا كانت تمهد منذ البداية لقبول التنوع داخل مجتمعاتها عبر فكرة العلمانية بحيث يكون الوطن هو عنوان المجتمع والقانون الوطني الموحد هو عنوان النظام داخل هذا المجتمع، أما التساؤل حول مدى تطبيق هذه الفكرة داخل المجتمعات الأوروبية وتغلغلها بالفعل في أوساط الناس فذلك تساؤل مشروع نظرا لأن الكثير من قيم العلمانية بدأ يشهد تراجعاً خطيراً منذ نشوء الحركات والجماعات الراديكالية (على اختلاف أشكالها) وامتدادها إلى قلب أوروبا، ناهيك عن نشأة بعضها من الداخل الأوروبي كما حدث مع بريطانيا والتي تلقت سابقاً الكثير من الانتقادات لاستضافتها بعض قادة التنظيمات الإسلامية الأمر الذي أدى فيما بعد لوقوع سلسلة من الاعتداءات الإرهابية داخل لندن نفسها.

إن هذا الموضوع أدى بالتالي إلى إعادة إحياء بعض النزعات العنصرية (كالنازية) والدينية لدى الأوروبيين الذين بدأ الكثير منهم بالرجوع عن القيم العلمانية التي بدأت تهتز ليجد العلمانيون أنفسهم وحيدين في مواجهة تيارات دينية وعقائدية ومذهبية وعنصرية مختلفة دفعت بعضهم لإعادة التفكير مجدداً بتعريفات وصياغات جديدة للعلمانية لتتناسب مع الواقع الجديد والمعقد داخل المجتمع الأوروبي غير أن التطرف لا يزال يكتسح المشهد الأوروبي ولو اجتماعياً على الأقل ويبدو أن أشواطاً من الحراك الاجتماعي والثقافي لا بد من قطعها قبل إصلاح ما تم كسره.

لا يخفى أن ما وصل عن العلمانية إلى العالم العربي كان مشوهاً إلى حد كبير، ولعل منشأ ذلك كان إلى الإجراءات التي قام بها الإصلاحيون في تركيا وعلى رأسهم مصطفى كمال أتاتورك والذي يعتبر مؤسس تركيا الحديثة بكل المعايير، إلا أن رد فعله القاسي ضد كل ما هو ديني حتى على مستوى المظاهر الاجتماعية (إلغاء الطربوش والحجاب) وكذلك استبداله الأبجدية التركية والتي كانت تكتب بأحرف عربية بأخرى تستخدم الأحرف اللاتينية، ناهيك عن تحديث القوانين وإلغاء أي صلة لها بما كان سابقاً، كل ذلك دفع الكثيرين إلى النظر إلى العلمانية وكأنها ضد الدين وليست حاوية له.

وفي تقديري أن الكماليين في تركيا قد أساؤوا بالفعل إلى صورة ومفهوم العلمانية، فإذا كان المبدأ الأساسي للعلمانية هو أن "الدين لله والوطن للجميع" فهذا لا يعني بأي حال من الأحوال إلغاء الحرية الشخصية للأفراد في اختيار عقائدهم وأديانهم بحيث لا يكون لتطبيقها أثر على قيم التسامح والتوازن الاجتماعي، وهو ما حصل في تركيا حيث بالغ العلمانيون كما أسلفنا برد فعلهم مما أدى إلى اتساع الهوة بينهم وبين أطياف المجتمع التي لم تكن مستعدة بما فيه الكفاية لهذا "الانقلاب" الفكري والاجتماعي المفاجئ وهذا ما يبدو واضحاً حتى اليوم في أعلى الأوساط السياسية والحزبية التركية، ولم يكن آخرها تصريح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوجان بأنه أرسل ابنتيه للدراسة في الولايات المتحدة لأن الجامعات التركية لم تقبلهما بسبب ارتدائهما الحجاب!

وفي كل الأحوال يمكن أن يتفهم المرء سر ذلك الرد العنيف من قبل أتاتورك على كل ما هو ديني بالنظر إلى الحقبة العثمانية الظلامية التي لم تحمل معها سوى الجهل والتخلف والانحطاط على مدى ما يزيد عن أربعمائة عام لم يُسجّل خلالها اختراع واحد أو كتاب جديد، بل على العكس زاد التشدد داخل المجتمع وسيطر رجال الدين التابعين للسلطنة على مقاليد حياة الناس بشكل غير مسبوق وهو الأمر الذي لا نزال نشهد آثاره حتى اليوم. وعلى هذا الأساس واعتماداً على ما فهمه أتاتورك من تاريخ الثورة الصناعية والنهضة الأوروبية والتي بدا له فيها أنها قامت على أنقاض سلطة الكنيسة ورجال الكهنوت فقد أراد أن يقوم بالمثل مختصراً أكثر من مائتي عام أوروبية في ثلاثة أعوام تركية لم ولن تكون كافية لتغيير ولو شكلي في كل مظاهر الإرث الثقيل للرجل المريض وكذلك للشفاء من كل أمراضه.

من كل ما سبق يمكن أن نفهم كيف وصلت العلمانية إلى العالم العربي وكيف تلقتها المجتمعات العربية التي عانت ما عانته خلال الحقبة العثمانية إلا أن التخلص من التركة لم يكن بالأمر السهل وهو ما لم يتحقق حتى اليوم.

بدأ التشويه ينال صورة العلمانية شيئا فشيئا مع بدايات وصول المدارس الأجنبية التي دخلت لبنان في أواسط القرن التاسع عشر، حيث نظر الكثير من الناس (وعلى رأسهم رجال الدين) إلى هذه المدارس على أنها "تحمل أفكارا مرتدة ومناهج ملحدة" وهو ما جر المجتمع إلى أن ينقسم إلى "مؤمنين" وهم من عارضوا هذه المدارس وقاطعوها ومنعوا أبناءهم (وبناتهم بالطبع) من دخولها أو الانتساب إليها، وإلى "خارجين" أو "مرتدين" وهم أولئك الذين دفعوا بأولادهم إلى تلك المدارس ليتلقوا فيها أحدث وسائل التعليم. وكانت النتيجة بالطبع ونظرا لسيطرة رجال الدين بقوة على مقاليد الأمور في امبراطورية "الرجل المريض" أن استطاع نفر قليل جدا من الناس أن يستفيد من هذه المدارس وبالفعل أصبح خريجو هذه المدارس وحتى الجامعات هم قادة المرحلة الجديدة بعد خروج العثمانيين فيما بعد.

لا ندعي هنا أن كل المدارس والجامعات المذكورة جاءت إلى هذه البلاد بنوايا بريئة ومسالمة مائة في المائة، ولكننا نجزم أيضاً بأن الطرف المقابل (وهو الكتاتيب وحلقات الدرس) لم تقدم أي بديل وعلى أدنى المستويات، فلم يكن بين الجماهير الكبيرة طبيب أو مهندس واحد فالعلم كان شبه محظور في تلك الحقبة، وليس غريبا أن يحرّم "الفقهاء" الطباعة باعتبارها "رجساً من عمل الشيطان" مما أخر دخول الكتب والمطبعة إلى بلاد الشام بالذات أكثر من مائة سنة.

يستثنى من هذا الواقع المأساوي مصر والتي قام بها محمد علي باشا بإصلاحات وتغييرات شملت جذور الحياة الاقتصادية والعلمية في مصر (وهو ليس حتى عربيا!!) فأصبحت مصر قبلة للمفكرين والمتنورين والأحرار من كل العالم العربي. وجرت عدة محاولات لرأب الصدع مع الخلافة العثمانية المريضة التي أبت إلا أن تواصل التتريك والاستبداد، ولم تتم الاستفادة من الشباب العربي إلا في الحروب (السفر برلك) مما أدى إلى اتساع الهوة والنقمة على السلاطين.

في تلك الأثناء كانت مجموعة من الجمعيات والمنظمات السرية قد بدأت بالظهور كالخلايا النائمة في الجسم المريض، وقد انتمى إليها معظم الذين كانوا يخططون لقلب السلطنة من الداخل وعلى رأسهم مصطفى كمال، ومن أشهرهم جمال باشا الذي قام فيما بعد بإعدام مجموعة من المفكرين والوطنيين العرب بتهمة "الخيانة العظمى والتخطيط لقلب نظام الحكم" كما لم ينسى أن يستصدر "فتوى" بذلك من "علماء" الشام وبيروت. وقد كان واضحا أن الأمور بدأت تسير نحو الانفصال النهائي بين العرب والأتراك وظهرت فكرة القومية العربية والأمة العربية والتي كانت جامعة ووعاء للعرب على اختلاف "أديانهم وعقائدهم ومذاهبهم ومشاربهم"، إلى درجة أن الكثيرين اعتبروا القومية العربية البذرة الأولى للعلمانية العربية وخاصة أن منظريها وضعوا ضمن برنامجها مواضيع التنمية والتحرر والديمقراطية وهي أمور كانت من المحرمات في العهد العثماني.

وبالفعل حملت فترة الخمسينيات والستينيات مدا قوميا عربيا كاسحا وخاصة مع بروز الزعيم جمال عبد الناصر ومما زاد في القطيعة بين الدين والدولة هو محاولة الإخوان المسلمين اغتياله وقيامه فيما بعد بحملة اعتقالات بينهم توجها بإعدام سيد قطب الذي كان قد أصبح المنظر الرئيسي للجماعة مطلع الستينيات. وقد شجع الجماهير في تلك المرحلة المشاريع والخطوات الهامة التي قام بها القوميون في البدايات، وهذا ما ينطبق على سوريا ولبنان ومصر والعراق والمغرب وغيرها، ولئن اختلفت التوجهات القومية وتفسيراتها بين قطر وآخر إلا أن العلاقة بين الدين والدولة والمجتمع لم تكن حاضرة بقوة إلا في شبه الجزيرة العربية والتي كان قد استولى عليها الوهابيون منذ أواسط القرن الثامن عشر ولا يزالون كذلك حتى اليوم.

نعود هنا إلى فكرة ظلم العلمانية والتي أدت إجراءات مصطفى كمال "الحادة" إلى إقصائها من أي مشروع تنموي وخاصة أن الجمهور العربي لم يكن قد أفاق من سباته الشتوي الطويل والذي كان قد استغرق أكثر من ثلاثمائة عام في أقل البلدان خضوعا للعثمانيين، فلم يكن هذا الإرث الثقيل بالأمر السهل ولذلك استغل رجال الدين الفرصة ليكفّروا العلمانية ويئدوها في مهدها رغم وجود بذورها كما ذكرنا لدى الكثير من المفكرين والمثقفين العرب وخاصة في سوريا ولبنان والعراق، أكثر الدول العربية تنوعا ديمغرافيا وأحوجها –إذا كنا واقعيين- إلى علمانية عادلة تجعل من الوطن بيتا للجميع بدل أن يكون مأوى للعجزة.

إن القول بضرورة العلمانية ليس ترفا فكريا أو خروجا على المألوف، ولكنه يبدو كذلك في عالم يجتاحه الجنون منذ ما يزيد على ربع قرن، جنون طائفي وديني وعنصري يحرق الأخضر واليابس. إن سيطرة النظرة الأحادية للكون والعالم والمجتمع أصبحت عنوان هذه السنين "العجاف"، وليس آخر حلقات هذا الجنون ما يجري في العراق من تمزيق وتفتيت منظمين ومرتبين وتجري الأمور هناك باتجاه الدرك الأسفل من الهاوية يوما بعد يوم. ما الذي يجعل من الدين أساسا ومحركا داخل المجتمع؟ وما هو الدين في الأساس؟ إن الاعتقاد الشخصي يجب أن يبقى شخصيا ولا يعمم لأن المبدأ الأساسي في العقائد هو الحرية، حرية اختيار الدين والمذهب والطائفة وغيرها، وهي أمور يجب أن تبقى رهن العلاقة الشخصية للأفراد مع عقائدهم ذاتها. إن التصالح مع النفس هو المأساة التي يعيشها عالم اليوم، عالم عربي فقير، بائس، مهزوم، ومفتت على كل الأصعدة. وفي كل الأحوال، تبقى قضية دور الدين داخل المجتمع مسألة يرتابها الكثير من الغموض والتعقيد ويزداد الأمر صعوبة لدى التطرق إلى الحقبة الحالية حيث صار وجود الدين مكونا أساسيا من مكونات الحياة الاجتماعية للوطن العربي، وأكبر الشواهد على ذلك هو التدخلات المتكررة لرجال الدين في كل ما يتعلق بالحركة الفكرية والثقافية العربية وبشكل سافر أحياناً، وهو ما يصب بالنتيجة في مصلحة فرز اجتماعي وثقافي مدمر، وإن كان لا يزال مستتراً في العديد من البلدان فهو يجري بشكل فاضح وعلني في بلدان أخرى.

وعلى الطرف المقابل، لا يمكن الادعاء بأي حال من الأحول بأن الدين يمكن طمسه أو إخفاء دوره بهذه البساطة من حياة مئات الملايين من البشر الذين اعتادوا على وجود عقائد معينة في حياتهم على اختلافها، ويبدو أن النخب الحاكمة عادة ما تستخدم الدين لمصلحتها وفي ذلك ما لا يخفى من اللعب على أوتار مشاعر الناس وحمياتهم العقائدية، والتاريخ مليء بالشواهد التي استخدم فيها الدين محركاً إما لخوض الحروب (الفتوحات الإسلامية والحروب الصليبية نموذجاً) وإما للقضاء على معارضة سياسية أو فكرية (مارتن لوثر، ابن رشد والمعتزلة نماذج أخرى)، على أن أسوءها على الإطلاق ادعاء الطبقة الحاكمة بأنها "مرسلة من الله" وبأنها "تطبق قوانينه وشرعه على الأرض" وبأنها "سلطان الله في أرضه". وهذا الأمر تمت ممارسته على مدى قرون طويلة وفي رقع جغرافية مختلفة من هذا العالم، والأمثلة على هذا الموضوع أكثر من أن يحصيها مجلد كامل.

وتتفاقم المأساة عندما يرفع البعض شعارات دينية وخاصة عندما يكون هذا البعض في صفوف المعارضة أملاً منهم في اجتذاب أكبر حشد جماهيري داعم وخاصة في ظل الأنظمة التي تمارس النفاق السياسي والاجتماعي بالتناقض بين تأكيد دين الدولة في الدستور وبين محاربته في الشوارع مما يستثير حمية المتدينين الذين يجدونها فرصة سانحة للظهور واللعب على مشاعر الجمهور، ولكن أحدا لم يجب بعد على العديد من الأسئلة بخصوص وضع الأقليات والاثنيات والأعراق "الأخرى" بالنسبة للحركات الدينية، فالعديد من هذه الحركات لا تكتفي بأن تتبنى ديناً بعينه ولكن طائفة بعينها أيضاً مما يزيد الطين بلة فيمهد هذا النوع من "الديمقراطية" لبذور حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، ويصبح من المنطقي أن تستعد القطاعات الأخرى من الجمهور لهذا التحزب الطائفي الذي تمارسه حركة ما للرد عليه بمختلف الوسائل التي قد تتطور لتصل إلى صدامات وصراعات ينسى المتصارعون خلالها "وطنهم" ويبدؤون بالانتقام منه بالدرجة الأولى، فتدمير مدرسة أو جامعة في منطقة ما والرد على ذلك بتخريب مستشفى أو دار عبادة في مكان آخر هو انتقام من الوطن في النهاية لأن المستفيد من هذه المنشآت أولاً وأخيراً هم المتصارعون أنفسهم والذين ارتضوا القنابل حلاً لمشاكلهم بدلاً عن الكلمة وهي دوامة لا يذهب ضحيتها سوى الجمهور نفسه الذي كان هدفاً للشعارات في البداية ولا يجني مكاسبها سوى "الزعماء والأمراء" أنفسهم الذين رفعوا يوماً شعارات "التقدم والسلام والوحدة الوطنية".

مهما قيل في العلمانية من آراء واجتهادات ولكنها بالفهم العميق لمبادئها تبقى أحد الحلول الوطنية الهامة لمجتمع متعدد. سمعت الكثير من العراقيين إبان الانتخابات يعلنون صراحة تأييدهم لأحد المرشحين الذي أعلن أنه سيطبق العلمانية، ولكن يبدو أن الكثير من القوى المحلية والإقليمية والتي لها "مآرب أخرى" لا تريد لهذا البلد –ولا لغيره- استقراراً وسلاماً لأن ذلك سيؤدي بالنتيجة إلى التنمية والتنمية تعني القوة والقوة فيها خطر كبير على مصالح تلك القوى. ونحن لا ندعي هنا ولن نخوض في مسألة المؤامرة والتي بات الكثير من أطرافها داخل الوطن نفسه أكثر من خارجه، حيث أن الكثير من الحركات والأحزاب في البلدان العربية باتت تخرّب أكثر مما تعمّر، وقد نستغرب تماماً ويحق لنا أن نتشكك في الكثير من الشعارات التي تُرفع في هذه المرحلة والتي لم تعد مبطنة أو مستترة بل باتت تتكلم بكل وضوح عن تمزيق الوطن الواحد وتفتيته.

إن التربية العلمانية للجيل الناشئ تقتضي ترسيخ مفهوم الوطنية والمواطنة في أذهانهم وبطرق بسيطة وفعالة، فالموضوع لا يحتاج إلى الكثير من العناء لاستنتاج أهميته وخطورته، وعندما تعلو الأصوات أحياناً منددة بخطورة التوجيه والتعليم لأولئك الذين يتجهون للتطرف فالأمر بحاجة إلى إعادة بناء المؤسسات التعليمية وتقليص دور المؤسسات الدينية ليبقى الأمر دراسة تخصصية وليس منهج حياة متكاملاً. إن الدراسات الدينية موجودة في كل بلدان العالم وحتى أشدها علمانية، ولكن الأمر يبقى في إطاره الأكاديمي والعلمي وليس مسألة تحدد موقع الفرد في الوطن، فالمواطن هو المواطن، ومن يزعم أنه يملك الحقيقة المطلقة بينما يعيش الآخرون في كفر وردة وخروج عن الدين فعليه أن يوجد دولته الخاصة ولكن خارج أوطاننا، وإذا كان منظرو الوحدة العربية والذين ناضلوا في سبيل تلك الوحدة قد تكسرت أحلامهم على صخرة القطرية فإن دعاة القطرية أنفسهم بدؤوا اليوم بتكسير أحلامهم بأيديهم على صخرة الطائفية والمذهبية والعنصرية وغيرها.

إن البحث في العلمانية أصبح موضوعاً شائكاً بل وملغّماً، وبين تهم الخيانة والإلحاد والردة تضيع أجيال وتسقط أوطان كان مقدراً لها أن تكون "يابان" أخرى أو ألمانيا بنموذج عربي، ولكننا على العكس، سلّمنا مقاليد أمورنا ومفاتيح حياتنا لأناس يعيشون في القرن الحادي والعشرين بثوب القرن السابع وربما الأول، حتى أننا وكّلناهم بالتفكير عنّا والحكم نيابة عنا وقريباً سيتنفسون الهواء بدلا عنا وتستمر مسيرة الشلل الفكري والاجتماعي والسياسي والخاسر الأكبر هو الوطن.


دمشق في 28/06/2006




#يوسف_مزاحم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإصلاح: وراء در


المزيد.....




- لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م ...
- توقيف مساعد لنائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصا ...
- برلين تحذر من مخاطر التجسس من قبل طلاب صينيين
- مجلس الوزراء الألماني يقر تعديل قانون الاستخبارات الخارجية
- أمريكا تنفي -ازدواجية المعايير- إزاء انتهاكات إسرائيلية مزعو ...
- وزير أوكراني يواجه تهمة الاحتيال في بلاده
- الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي ...
- تحذيرات من استغلال المتحرشين للأطفال بتقنيات الذكاء الاصطناع ...
- -بلّغ محمد بن سلمان-.. الأمن السعودي يقبض على مقيم لمخالفته ...
- باتروشيف يلتقي رئيس جمهورية صرب البوسنة


المزيد.....

- ما بعد الإيمان / المنصور جعفر
- العلمانية والدولة والدين والمجتمع / محمد النعماني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع - يوسف مزاحم - العلمانية والتعددية