أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - عيون ومخارز














المزيد.....

عيون ومخارز


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 6635 - 2020 / 8 / 3 - 19:13
المحور: كتابات ساخرة
    


طلب أبو شادي من أفراد أسرته اجتماعاً عائلياً لمناقشة الأوضاع العامة والخاصة لحياتهم، بعد تفاقم الأوضاع في البلاد على مختلف الصعد. ولدى اكتمال النّصاب بحضور الجميع استهلَّ مداخلته قائلاً:
نجتمع اليوم، وقد استفحلت ظروفنا الصعبة، وبات تأمين أبسط حاجاتنا اليومية في غاية القسوة، وحيث أنني مخضرمٌ في السياسة بعد تجربتي النضالية الطويلة في الشأن العام، فإن قراءتي للمشهد المحلي والإقليمي والدولي تُنذِرُ بشتّى صنوف الأزمات والكوارث. والمخطّط المرسوم للبلاد من قبل السلطات المسؤولة هو التطبيق الحرفي لما ذكره المفكّر الأمريكي "نعوم تشومسكي" في مقالته الشهيرة «الاستراتيجيات العشر للتحكّم في الشعوب» والتي تقضي بخلق المشكلات، وإلهاء المواطنين وإشغالهم بها، وإبقاء العامّة في حالة من الجهل والغباء، وتحويلهم إلى كائنات غرائزية همّها الرئيس تأمين لقمة العيش واتّقاء البرد والظلمة والحرّ الشديد.. بحيث ينعدم الوقت لديهم لتطوير أنفسهم. وينحصر استخدام عقولهم فقط في البحث عن الخبز والرز والسكر.. وفي كيفية تدبير شؤونهم في ظلّ ارتفاع غير مسبوق بالأسعار. هذا الوضع المتأزّم يتطلّب منّا أقصى درجات التأهّب لخوض المعركة الضارية مع هذا السيناريو الجهنّمي. ولن نرضخ ولن نسمح لهم بنجاح مخطّطهم. وكما تعلمون يا أبنائي، فقد تجاوزتُ الخامسة والستين ولم يبقَ أمامي سوى النذر اليسر من العمر لأودّع هذه الدنيا. لذلك فإنني أقترح عليكم خطّتي في مواجهة هذه الأوضاع المزرية وملخّصها؛ أنني على استعداد لتأمين كافة متطلّبات الأسرة بمفردي، ومهما بلغت درجة الصعوبات في ذلك. فأنا متقاعد ولا أقوم بأيّ عمل سوى القراءة والكتابة. لذلك فإنني أتحمّل مغبّة التجوال على أسواق الخضرة لشراء مستلزماتكم، والانتظار المذلّ على الأفران، وفي طوابير هدر الكرامة أمام صالات "السورية للتجارة"، والصبر على تلقّي إشعارات وصول الغاز، وتجشّم عناء استبدال الجرّة ذهاباً وإياباً.. صحيح أنني مصاب بفتق في أسفل بطني ويزداد حجمه مع كلّ جهد، ووضْعُ قلبي بعد تركيب الشبكات في شرايينه ليس على ما يرام، ولكن ليس باليد حيلة. وكما قلت منذ قليل لقد وصلتُ إلى المرحلة الأخيرة من حياتي، وأرجو أن تساعدوني في إكمال رسالتي تجاهكم بما تبقّى لديّ من عمر. وكل ما أطلبه منكم هو الاهتمام بدراستكم وثقافتكم وهواياتكم.. والحفاظ على صحتكم وسلامة أجسادكم، واستمتِعوا ما استطعتم بالحياة.. وتجاهلوا تماماً أننا نمرّ بأحلك الظروف، فأن نخسر عجوزاً من أفراد أسرتنا مع بقائكم شوكة في حلوقهم، هو ربحٌ لنا وللوطن في المحصّلة النهائية.
• فاديا (متدرّبة في مكتب محاماة بعد حصولها على إجازة في الحقوق): بابا، نحن ممتنّون لك جداً، ونقدّر تضحيتك في سبيلنا جميعاً. ولكن الأصول تقتضي توزيع الأدوار بعدالة فيما بيننا؛ مثلاً واحد للخبز، والثاني للسكر والرز والزيت، والثالث للغاز.. وهكذا. فمن غير المعقول أن نقبل أن تكون كبش فداء، ونُلقي على عاتقك جميع المهامّ دون أن يكون لنا أيّ نصيب في التخفيف عنك؟! بعدين بصراحة بابا نحن خائفون عليك، لا سيّما وأن منشوراتك الأخيرة على الفيسبوك تجاوزتَ فيها كل الخطوط الحمر. وما نخشاه، أنه قد تفلت منك بعض العبارات التي تهاجم فيها السلطة نتيجة معاناتك الميدانية، فيأخذونك – لا سمح الله – إلى أقبيتهم وأنت بهذا العمر و..
• الأب: هذا ما يريدونه يا ابنتي! أن ننشغل جميعاً في البحث عن الرزق كالقطيع.. بغية إخضاعنا والسيطرة علينا. ولكن لا، لن نجعلهم يحققون ما يبتغونه أبداً. أما بخصوص اعتقالي المرتقب، فليس مستبعداً، ولم أعد أخشاه بعد أن كبرتم. إن اقترافنا جناية الصراخ من الألم بات يزعجهم. ويهدّدوننا بقانون جرائم المعلوماتية بذريعة "وهن نفسية الأمّة"! بالمناسبة، لقد حسبتُ لذلك حسابي، وعملتُ وكالة غير قابلة للعزل لأخيكِ شادي، يمكنه بموجبها قبض راتبي التقاعدي خلال فترة غيابي.
• شادي (سنة رابعة تجارة واقتصاد): بعيد الشرّ عنك بابا. أنا مستعدّ في أوقات فراغي أن أذهب إلى الفرن مرتين أسبوعياً و..
• الأب (مقاطعاً): أنت بوقت فراغك سمّعنا عزفك على الكيتار، الذي لا تعطيه حقه. أنت موهوب يا ولدي، وعليك تنمية هذه الموهبة، وعدم تبديد وقتك في الانتظار أمام الفرن.
• الأم: وأنا مستعدة لشراء الخضار من الدكاكين المجاورة و..
• الأب (مقاطعاً): أنت الله يعطيك العافية، يكفيكِ الطبخ والنفخ والجلي والغسيل والمسح والشطف..
فجأةً يُقرع الباب بشدّة. عكست الأعين جفولاً وتناهش القلق الوجوه.. يدخل مجموعة من الرجال المدجّجين بالسلاح وينبري أحدهم بالسؤال:
- حضرتك المدعو أبو شادي؟
- أي نعم.. (صَمَتَ هُنَيْهَةً وهو يتبادل النظر مع الدَّورية وأضاف) من فضلكم لحظات ريثما أبدّل ثيابي.
دخل إلى غرفته، وأسرع بإفراغ ما تبقّى من نقود في جيب بنطاله المعلّق. وضعها على الكومدينة إلى جانب الوكالة والبطاقة الذكية لاستخدامها في غيابه. وترك معه قطعة نقدية من فئة الـ (2000) ليرة. خلع بيجامة النوم وارتدى بنطالاً واسعاً مريحاً وقميصاً بأكمام طويلة.. لبس جوربين فوق بعضهما وانتعل حذاءً رياضياً – الهدية – التي تلقّاها من أفراد أسرته منذ أيام في عيد ميلاده الخامس والستين. واعتمر قبّعة شتوية رغم حرارة الصيف تحسّباً لإقامة قد تطول. تطلّع بالمرآة متفقّداً وجهه المتعب الذي افترسته التجاعيد في السنوات الأخيرة، لاحظ وكأنه شاخ قبل أوانه بسنوات.
خرج متمهّلاً باستخفاف الواثق وحكمة الدارس المخطِّط، وقد سيطرت عليه مشاعر زاخرة بالتحدّي. تأمّل أفراد أسرته والبسمة تعلو وجهه السمح وودّعهم قائلاً:
- صدّقوني لن أغيب عنكم هذه المرة طويلاً.. إلى اللقاء.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- «توقاً إلى الحياة»
- حوار مع رفيقي «القائد!»
- الجماهير ترقص فرحاً
- لماذا نحن متخلّفون؟!
- العَوْراء
- وأنا الشيوعي، كيف نسّبوني إلى «البعث»؟
- حلاوة
- نبوءة صادقة في حرفها الأول!
- لكنّنا لم نلتقِ!
- مسلمة الحنفي – قراءة في تاريخ محرّم
- هل وحدة الشيوعيين السوريين ممكنة؟
- وأغلقَتِ الخطّ!
- «جبال الأغاني والأنين»
- «البلد»
- ألو بابا، أنا ابنك!
- «النباتية»
- «أعدائي»
- التحقيق رقم (1)
- «الإسلاموفوبيا»، ثُمَّ الكورونا، ثُمَّ..؟
- اللِّصُّ الغبيّ


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - ضيا اسكندر - عيون ومخارز