أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سعد سوسه - الفئات الاجتماعية القديمة والدولة الحديثة















المزيد.....

الفئات الاجتماعية القديمة والدولة الحديثة


سعد سوسه

الحوار المتمدن-العدد: 6635 - 2020 / 8 / 3 - 18:33
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لعل من بين أهم القضايا التي تشغل بال الباحثين العرب في مجال العلوم الاجتماعية هذه الأيام مسالة مدى صلاحية الأطر النظرية السائدة في علم الاجتماع الغربي بشقيه البرجوازي والماركسي في تحليل بنية المجتمعات العربية وما تحفل به من نظم ومؤسسات وظواهر.
وبدرجةٍ أكبر تحديداً يثور التساؤل عن مدى انطباق التحليلات والمقولات الماركسية حول التقسيم الاجتماعي للعمل والتكوينات والتمايزات الطبقية على مقومات وعناصر الواقع الاقتصادي والاجتماعي المعاش في المجتمعات العربية المعاصرة. بل يصل الشك إلى مداه عند بعض الكتاب والمثقفين العرب مثل الشاعر العربي أدونيس (علي أحمد سعيد) إذ يقول: (نتحدث مثلاً عن بناء الدولة المدنية، ونحن لا نزال في طور القبيلة والعشيرة والعائلة والطائفة)، ويستطرد: (إنه من المحال تحقيق الوحدة والاشتراكية في مجتمع لا يزال تكوينه السائد ثيوقراطياً ـ اقطاعياً ـ قبلياً) ( 1 ) .
لا شك أن الدولة الحديثة، دولة مساواة المواطنين، وفصل الدين عن الدولة، كانت خير مركبة لارتقاء الجماعات الثيوقراطية (الدينية) والإقطاعية والقبلية والعشائرية. لكن اليد الأجنبية ساعدتهم أيضاً، فعلى الرغم من خلافاتهما الكثيرة، اجتمعت فرنسا وبريطانيا على استعداء الأكثرية المدينية. وتأخرت هذه كثيراً لفك ارتباطها بالسلطنة العثمانية ونادراً ما خرجت عليها قبل 1918. وهي كانت ذلك (المستنقع) الذي يحمي التيارات (المتطرفة) ويشجع نموها أيام الانتداب. لذلك وجب تطويقها من خلال تشجيع النشاط السياسي لدى فئات أخرى، لا تنتمي بصورة أم بأخرى إلى الأكثرية المدينية. فاجتمعت أيديولوجية الدولة الحديثة، دولة المساواة والمؤسسات، مع السياسات الاستعمارية البريطانية والفرنسية لتصبح معا أفضل المناخات لتطور هذه الجماعات ولنمو طموحاتها السياسية. وجاءت، بعد الاستقلال، الأحزاب الوطنية الحديثة تضيف طرقاً جديدة لتبرير هذا التدخل العطش في السياسية من قبل فئات حرمت منها قروناً، وجاءت الجيوش لتضع سيفاً في يد آلاف الريفيين الذين تطوعوا فيها. فتمدن الريف تدريجياً وتريفّت السلطة، ونمت الدولة الحديثة بمؤسساتها العصرية ويدها مشبوكة بأكثر العصبيات بُعداً عن سابقاتها من الدول. هذه العصبيات تكره أن توقّع باسمها ممارساتها السياسية، فهي تريد أن تظهر الدولة، وكأنها تلك الأداة الطيعة الممثلة للمجتمع والمماثلة لخدمته .
أولاً ـ الملاّكون والإقطاعيون والشيوخ: من الضروري في المقام الأول تحديد مفهوم الإقطاع Feudalism وخصائصه بأسلوب علمي يساعد بالطبع، في وضع بعض الخطوط الأساسية لمعالجة الموضوع. فالإقطاع هو المجتمع الطبقي الثاني بعد مجتمع العبيد وهو في الوقت ذاته مجتمع ما قبل الرأسمالية، جاء ظهوره على أنقاض مجتمع العبيد في الغالب أو المجتمع المشاعي البدائي في حالات معينة. وبالنسبة لهذه الأخيرة يشكل الإقطاع المجتمع الطبقي الأول، فقد جاء ظهوره دون المرور بمرحلة العبيد.
والإقطاع في واقعه تكوين (اقتصادي/اجتماعي) تمتد أثاره إلى جميع نواحي المجتمع، بما في ذلك أسلوبه التفكير والقيم السائدة. وعلى الرغم من أن جميع الاختلافات التاريخية المحددة والتباين حسب المكان فان توفر شرطين أساسيين يحددان طبيعة علاقات الإنتاج أمر ضروري لاعتبار النظام القائم إقطاعياً، وهما أولاً احتكار الطبقة المسيطرة لملكية الأرض وثانياً استغلال هذه الملكية اقتصادياً على شكل قطع زراعية صغيرة، أي توفر اقتصاد مستقل لدى الفلاح يتركز على ملكية المالك الكبير (الدولة أو الأسياد) للأرض مقابل ريع معين هو ما لم يكن موجوداً بالنسبة للعبيد في المرحلة السابقة. وهكذا يستند أسلوب الإنتاج الإقطاعي إلى التمازج بين ملكية الأرض الكبيرة للإقطاعي والاقتصاد الفردي الصغير للمنتج الرئيس/الفلاح ( 2 ) .
لا يجوز أن ننكر دور التحديث الكولونيالي الذي أقامه البريطانيون في العراق، سواء في مجال الإدارة والري والزراعة، أم في مجال إقامة الدولة الحديثة، على الرغم من أن هذا التحديث المزدوج كان يخدم المصالح الاستراتيجية لبقاء الاستعمار، في سيرورة انتقاله من استعمار مباشر إلى استعمار غير مباشر. غير أن هذا التحديث الكولونيالي المزدوج، عمل من جهة أخرى على تعزيز سلطة شيوخ العشائر خارج المدن الذين كانوا في السابق، مسنودين بالذهب البريطاني وبالحرب البريطانية، وأصبحوا الآن يمتلكون ميليشيات مسلحة تحميهم هم وممتلكاتهم وتشكل في الوقت عينه سلطة قمعية متسلطة على رقاب الفلاحين، وتلقب هذه المليشيا المسلحة المرتبطة بالشيوخ (الحوشية). إذن فالتحديث الكولونيالي لم يكن يهدف إلى تفكيك بنية النظام العشائري في الريف العراقي، والوحدة العشائرية، حيث أن المستفيدين بشكل رئيس من هذه النظام هم الشيوخ الذين يمارسون سلطة استبدادية بالوراثة. بل إن السياسة البريطانية في تعاطيها مع الريف العشائري شكلت خطوة تراجعية إلى الوراء، باعتبارها سياسة تهدف إلى المحافظة على زعماء العشائر، ودعمهم، على الرغم من جهلهم، وضيق أفقهم، وتخلفهم الشديد، في سبيل استخدامهم كقوة معرقلة فعلية، لممارسة ضغوطاتها على حكومة الملك فيصل التي كانت متناقضة إلى هذا الحد أو ذاك مع مشروع الانتداب البريطاني على العراق .
لقد قدم الاستعمار البريطاني، قبل كل عهد، حاملاً معه طرقاً معينة لإعادة بناء الواقع المجتمعي العراقي. فقد نظر إلى العراق كمجتمع عشائري/ قبلي، من جهة. ومن الجهة الأخرى كمجتمع ٍمتعدد إثنياً ومتنوع طائفياً. وقد أنتجت هذه المقاربة نزعات أيديولوجية جعلت من الصعب على هؤلاء المرتبطين بـ (النسق السياسي Political System) رؤية المجتمع في العراق وفقاً لأي منظور آخر. بالنتيجة ساعدت سلطات الاستعمار البريطاني في معظم الأحوال على خلق (عشائر) بمعنى جماعات سياسية.
ويذكر لنا حنا بطاطو في استشهاداته المتعددة كيف أن رؤساء العشائر كانوا يدافعون عن مشروع الانتداب البريطاني في مواجهة حكومة فيصل، فقد قام الشيخ عداي الجريان شيخ عشيرة الـ (بو سلطان)، ومعه خمسة عشر شيخاً آخر من شط الحلة، بالاحتجاج بشدة في برقية أرسلت إلى المندوب السامي تعلن (الدعم لمشروعه المفيد الذي من دونه لا يمكن للعراق وأبنائه أن يحققوا التقدم). ومن ناحيتهم، أعلن مشايخ بني ربيعة أنهم ينظرون (باشمئزاز حقيقي إلى احتمال سحب الإشراف البريطاني)، وأكثر من ذلك، فإن على سليمان، من الديلم، ومعه أربعون رئيس عشيرة آخرون، ذكروا الملك فيصل في لقاء معه، ومن دون خجل (بأن أقسموا على الولاء شرط أن يقبل بالتوجيه البريطاني) .
وهكذا، فإن سياسة التحديث الكولونيالية ذات الطابع المزدوج كانت تعتمد بشكل رئيس على القوى المعادية لولادة المجتمع المدني الحديث في العراق، أي سلطة شيوخ العشائر التي أصبح البريطانيون يستغلونها ليس في نطاق موازنتها بسلطة الملك فقط، باعتبار ذلك جزء من سياسة التوازن التي انتهجوها في العراق، وإنما أيضاً وهذا هو الأخطر، في استخدام هذه القوة المعادية، في محاربة القوى السياسية والاجتماعية الحديثة التي ظهرت في المراكز المدنية العراقية، التي تحارب الاستعمار البريطاني غير المباشر. والحال هذه، فإن قوة شيوخ العشائر المستقوية بواسطة الوجود البريطاني، والمستفيدة على الصعيد الاقتصادي من عدة امتيازات كحيازة الأراضي، والإعفاء من دفع ضريبة الأملاك، وتلقي الرشاوى والهدايا على خدماتهم، كانت تمثل قوة معادية متناقضة جذرياً مع فكرة بناء المجتمع المدني الحديث، وإرساء دعائم الدولة العصرية ... وكانت تنافس سياسياً سلطة حكومة الملك فيصل، التي كانت تنتهج سياسة ليبرالية، ولديها وعي سياسي بضرورة بناء المجتمع الموحد في العراق، وتحجيم سلطة الإقطاعيات المحلية، بهدف تعزيز مواقعها التفاوضية مع سلطة الانتداب البريطانية .
كما أن الثروة التي تراكمت المشايخ العشائريين العرب والبكوات والأغوات الأكراد كانت نتيجة لثلاثة عوامل، هي ترأسهم أحلافاً عشائرية، باعتبارهم مجموعات كانت محاربة في قرون أبكر، حيث كانت للبسالة العسكرية داخل هذه الأحلاف قيمة كبرى، تؤهل دائماً صاحبها ليتسلم الزعامة السياسية داخل هذا الحلف العشائري أو ذاك. وقد لعب العثمانيون دوراً مهماً في تنمية السيطرة الطبقية لهؤلاء المشايخ وذلك من خلال تحويل العثمانيين لكثير من المشايخ والبكوات والأغوات المسيطرين عن مواقعهم الأصلية كزعماء يأخذون الضرائب أو وكلاء لهؤلاء الزعماء إلى جباة ضرائب. فيما كان أهم العوامل فهو تحويلهم إلى ملاك أراض عاديين بعد إدخال (الطابو) في القرن التاسع عشر و(اللزمة) في القرن العشرين بما فيهما من نظام للملكية الخاصة. وبكلمات أخرى، فإن زعامة المشيخة كانت زعامة عسكرية متميزة بوضوح ومتوارثة بشكل متزايد، ولكنها كانت في مراحلها الأولى أبوية في جوهرها وليس فيها إلا القليل من صفات الموقع الطبقي هذا إلا عندما أصبحت العشيرة، التي كانت تعيش حرة قبلاً، أكثر ارتباطاً بالأرض. وازداد المظهر لموقع المشيخة صلابة في تمايزه مع ظهور المقاطعات الكبيرة، ومع تأجير أو تسجيل الأتراك لهذه المقاطعات، أو لقرى بكاملها، باسم رئيس أو زعيم العشيرة وتبلور هذا المظهر أكثر فأكثر مع توقف الغزوات العشائرية وتنامي التجارة الزراعية واغتراب قرى أكثر وإقطاعيات متزايدة الاتساع (باللزمة) للبكوات والأغوات والمشايخ .
ثانياً ـ البيروقراطيون والضباط السابقون: إن ميزة هذه الفئة من العراقيين التي تلقت تعليماً حديثاً وتكويناً عسكرياً أكاديمياً، وأسهمت بشكل رئيس في تأسيس التنظيم السياسي القومي الأكثر فعالية في العراق ما قبل الاستقلال أي حزب العهد، وانخرطت في الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف حسين، واشتركت مع فيصل في الحكم أبان استقلال سوريا القصير الأمد، تختلف عن الشرائح الأخرى من الطبقة الوسطى في ناحيتين مهمتين على الأقل: أولاً إن أعضاءها كانوا من غير ذوي الملكيات ومعتمدين كلياً على رواتبهم، وثانياً، أنهم كانوا ملتزمين بالثقافة والتقاليد العسكرية... وفضلاً عن ذلك فإن الضباط العراقيين، لكونهم فئة غير متملكة، قد تمتعوا بدرجة كبيرة من الاستقلال الاجتماعي تجاه الأقسام الأخرى من المجتمع، وعندما يتعامل المرء مع العوائل الثرية في المدن العرقية، ومع شيوخ العشائر وعلماء الدين، يسهل عليه ملاحظة الأثر العميق، المحلي والوطني، لظروفهم الاجتماعية الاقتصادية على سلوكهم السياسي .
إن هذا الموقع المتواضع على صعيد الانتماء الطبقي، سيكسب الضباط العراقيين مرونة أكبر واستقلالية نسبية في تحديد موقفهم السياسي إزاء المسألة القومية، بالمقارنة مع باقي فئات وطبقات المجتمع الأخرى المتكونة من كبار الملاكين العقاريين، ورجال الدين، والعائلات الثرية، وشيوخ العشائر، الذين جسدوا التحالف الوطني - الديني العشائري، إن كان لم يستطع إحراز السيطرة الفعلية على الدولة. وعلى النقيض من ذلك، فإن النخبة العسكرية العراقية المنخرطة في الحركة القومية العربية، كانت قضية السيطرة على الدولة تشكل بالنسبة إليها قضية مركزية، على الرغم من الميول والنزعات التي كانت تتقاذفها بين طابعها القومي العربي، وعواطفها الإسلامية العثمانية، ومعاداتها للاستعمار الغربي - وقد جاءت الثورة الهاشمية، التي كانت قيادتها السياسية محافظة تقليدية ومتحالفة مع الإنكليز على أمل أن تنال الاستقلال السياسي، وتأسس الدولة العربية الموحدة، والذي كان برنامجها السياسي فضفاضاً محافظاً، وليس برنامجاً راديكالياً يطرح قضية انتزاع الحقوق القومية العربية خارج سياق السيطرة الاستعمارية البريطانية، لتزيد من تعميق الانقسامات داخل فئة الضباط العراقيين، الذين تحلقّت قيادات منهم حول الشريف حسين، خصوصاً أولئك الذين كانوا أسرى لدى الإنكليز، فإن ظلّ قسم من، هؤلاء الضباط لا يثق بالإنكليز ولا بقيادة الشريف حسين .
وقد تولد عن هذا الانقسام تياران داخل فئة الضباط، تيار راديكالي يدعو إلى مقاومة الاستعمار البريطاني عن طريق ممارسة العنف، بسبب من تنصل بريطانيا وخيانتها لالتزاماتها العربية (العقداء الأربعة مثلاً)، وتيار معتدل كان يقوده نوري السعيد قائم على أساس المساومة مع البريطانيين، واستخدام الأساليب السياسية الإقناعية لتغيير أو تعديل السياسة البريطانية، إزاء المسألة الوطنية العراقية، حيث كان هذا التيار ينادي بإقامة حكومة دستورية نيابية، ولكن بموافقة البريطانيين. ويلخص موقف نوري السعيد وجعفر العسكري هذا الرأي، حيث كانا يعـّدان أن بريطانيا هي الحليف الرئيس للقضية العربية، فبدون مساعدة بريطانيا، لم يكن من الممكن تحقيق استقلال العرب، ذلك أن العرب لوحدهم كانوا عاجزين عن تحقيق الاستقلال أو تحمل أعبائه. ويستمر جعفر في تلخيصه للاتجاهات القائمة بين الضباط القوميين قائلاً ".... إن قلة من المتطرفين الشباب يعتقدون أنهم يستطيعون إدارة البلاد بدون مساعدة أجنبية ويعارضون كل انتداب على الإطلاق، إلا أن البقية مستعدون لقبول الانتداب شريطة أن تكون النوايا (البريطانية) مخلصة اتجاه الدولة العربية" .
ثالثاً ـ التجـار والجلبيون ( 4 ) : وهذا اللقب من بقايا العهد العثماني، ولكنه ظل سائداً حتى العام 1958، وكان له بريقه عند كبار تجار العراق. وكان موظفو هؤلاء وعمالهم يحيونهم دوماً بلقب (جلبي). وفي بغداد، كان أثرياء الجلبيين يقبلون عند (السادة) الملاّك على أساس المساواة في ما بينهم، وكانت زيجات كثيرة تتم بين هاتين الطبقتين ( 5 ) .
وإذا كان الجلبيون ـ كقاعدة ـ تجاراً أثرياء، أو هم كذلك في السابق، فليس كل التجار الأثرياء جلبيين. وبغض النظر عن الأشراف/التجار الأثرياء القلائل، أو شيوخ الأصل/التجار، القلائل هم أيضاً فإن التجار غير الجلبيين كانوا إما محدثي ثروة، وبالتالي غير موقرين اجتماعياً، أو غير مسلمين، وبالدرجة الأولى من أفراد المجتمع اليهود. ولكن، الشواهد لا تخلو تماماً من مسيحيين أو يهود حصلوا على لقب (جلبي)، ولكن هذا كان يحدث نادراً إلى درجة أنه ليس من غير الملائم القول بأن اللقب كان يقتصر فقط على الشريحة الأعلى من التجار المسلمين.
وعلى الرغم من أن العقد الملكي الأول كان قد عرف بعض الجلبيين الذين كانوا أثرياء جداً سواءً بالمعيار العراقي أم بالمقاييس الأوربية، فإن القدرة المالية للطبقة التجارية العربية نادراً ما كانت كبيرة . وأحد أسباب ذلك يكمن في عدم ثقة التجار العرب والمسلمين بطريقة المشاريع التعاونية (أو الشركات). فلم يكن هؤلاء قد اكتشفوا بعد إمكانات وقوة الإتحاد، أو إنهم كانوا قد اكتشفوه وفهموه بشكل غير واضح أو غير وافٍ. وفي العام 1909 ، أكد تاجر بريطاني له عدة سنوات من الخبرة التجارية في بغداد، أنه "ربما ليس هناك في العالم كله تاجر فرد أكثر توقداً وذكاءً من التاجر العربي، ولكنه غالباً ما يحد نفسه بهذه التجارة الفردية بقوة. والشراكات التجارية عبارة عن استثناء (عند العرب)، وحتى أفراد العائلات التجارية العربية القديمة فضلّوا أن يعملوا وحيدين، وألا يرتبطوا بأية شراكة، وحتى مع أقاربهم بالدم. ويبدو أن التجار العرب كانوا يفتقرون إلى ثقة أحدهم بالآخر. وربما كان حذرهم من الشراكة قد نبع من إيمانهم بأن السرية أساس النجاح. ومن الناحية الأخرى، لم يكن من السهل قانونياً إنشاء وتكوين شركة ذات رأسمال مشترك في أيام العثمانيين من دون مرسوم من السلطان. وأكثر من هذا، فإن التجار كانوا يحذرون، على الأقل قبل ثورة (تركيا الفتاة) في العام 1908، جلب الانتباه إلى أنفسهم أو إلى حقيقة كونهم أثرياء خوفاً من اجتذاب جشع الحكام الاستبداديين. وعلى كل حال، فإن مما له مغزى أنه لم يكن هناك في العراق كله في العام 1921، عام تأسيس الملكية، غير ثلاث شركات وطنية مساهمة .



#سعد_سوسه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مواصفات الدولة المطلوبة في العراق ج . 1
- مواصفات الدولة المطلوبة في العراق
- الشرعية السياسية للدولة الحديثة .1
- الشرعية السياسية للدولة الحديثة
- التشكيل الفني في خطابات الشعراء العشاق ج . 3
- التشكيل الفني في خطابات الشعراء العشاق ج . 2
- التشكيل الفني في خطابات الشعراء العشاق
- بكاء الاطلال ج – 2
- بكاء الأطلال
- الألم والتحسر في الشعر الجاهلي ج . 2
- الألم والتحسر في الشعر الجاهلي ج .1
- الأمل والتفاؤل في الشعر الجاهلي
- الإقدام والتحدي في شعر الحب الجاهلي
- ق .قصيرة
- حكمت سليمان مديرا ً للمعارف
- انضمام حكمت سليمان إلى جماعة الأهالي ج 2
- انضمام حكمت سليمان إلى جماعة الأهالي ج 1
- بواكير الفكر السياسي لحكمت سليمان
- المرحلة المبكرة من حياة حكمت سليمان وبعض ملامح شخصيته وثقافت ...
- المرحلة المبكرة من حياة حكمت سليمان


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سعد سوسه - الفئات الاجتماعية القديمة والدولة الحديثة