أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح2















المزيد.....

قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح2


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6631 - 2020 / 7 / 30 - 10:52
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إذا كانت الشخصية العراقية تحت تأثير ما يسمى أجتماعيا ونظريا بمستحقات نظرية التناشز الأجتماعي التي درسها الدكتور الوردي في أمريكا على يد روادها المبشرين، وملخص هذه النظرية التي تدور في فلك التكوين الأجتماعي للفرد كفرد وللفرد كمجتمع هو الفرق بين سيرورة التطور من جهة زمنيا ومستوى الأستجابة المتباينة لمفردات التطور ، فمن طبيعة التغيير السريع والتحديث الطبيعي لعناصر المحرك الأجتماعي انه لا يؤثر في جميع أجزاء الكيان الاجتماعي بدرجة واحدة وبمستوى واحد، فكثيراً ما يكون هناك عنصران مترابطان يتعرضان للتحديث أو أثار هذا التحديث وتكون النتائج مختلفة بالرغم من كونهما مترابطان ومتصلان ويتعرضان لمؤثر واحد، نجد هناك أستجابة بدرجة ما هنا وضعف أستجابة في العنصر الأخر ثم يحدث التغيير في احدهما دون ان يحدث في الأخر فيؤدي ذلك بالنتيجة الى حدوث صراع طبيعي أو توتر أو تناقض بينهما).
من محركات التغيير المهمة في قانون الوجود هي قدرة اطرافه على خوض الصراع بين الثابت والمتحول وأقصد به طبعا التوصيفات النسبية، أي أن كل مجتمع ما لم يكن له قوة أساسية ذاتية لأن يقبل افتراضات قوانين الصراع التي يستحكمها الزمن ويبسطها في مفاصل الحركة ويتقبل باستعداد على الرضا والعمل بنتائجها، سيجد نفسه في لحظة تأريخية حاسمة وحرجة خارج دائرة الفعل الحضاري وربما نتيجة القدرة على الأستجابة الطبيعية للحدث حسب قدرة وتفاعل هذه العناصر المحركة، وقد يتخلف عن مهايأة بقية المجتمعات الأخرى المستجيبة لتلك الصراعات بنفس الدرجة، عندها سيكون عبء للحاق ثقيلا ومحبطا وغير قادر على التواصل مما يشكله من فجوة تاريخية تتعمق بغياب الحرية الاجتماعية لفرد والمجتمع مع تحرك لزمن بسرعة.
يقول الدكتور الوردي (إن التناشز الاجتماعي يرادف كل تغير يقع في المجتمع وكلما كان التغيير اكبر وأسرع كان التناشز الاجتماعي اشد وأكثر تنوعاً، وسبب التناشز إن عناصر التراث الاجتماعي لا تتغير كلها على وتيرة واحدة أو بسرعة واحدة، فمنها ما يتغير بسرعة وعلى درجات متفاوتة وهذا يؤدي إلى ظهور بعض المشاكل الاجتماعية)، هذه النتيجة التي وصل لها الوردي هي ليست أفتراض نظري فقط بل واقع حال شهدته من قبل أوربا الحديثة كما شهدته مجتمعات أخرى فهمت القانون وسعت لتكريسه كواقع حال (نجد هذا الصدى في التحول وأثاره الفكرية بادية في مبدأ الحرية بجميع أنواعها وخاصة الحرية الاقتصادية التي تجد جذورها وأسسها في الحرية العامة للمجتمع ككل واعتقاد دعاة الحرية من الفلاسفة والمفكرين الذين أمنوا بالحرية المطلقة للشعوب الأوربية. ).
إذا الشخصية العراقية المحكومة أولا بالتراث التاريخي الأجتماعي والديني والفكري، وغياب الحرية الفردية والمجتمعية نتيجة القسوة والظلم السلطوي والظلم الأجتماعي المكرس بتأثير عناصر التراث تلك، وغياب علاقة طبيعية بين الحاكم والمحكوم من جهة وعدم القدرة على التخلص من سطوة الإرث التاريخي المغلف بالحرام والقداسة وظاهرة التدين العميقة داخل مكنونات الشخصية العراقية التي تعتبر التدين عنصر أساسي فيها لا يمكن حتى التفكير في دراسته أو نقده، إضافة إلى الأمية التعليمية والفكرية المترسخة بالفقر والجهل بما يدور في خارج ذات الشخصية العراقية، جعل منها تتهيب بشكل طبيعي وكأن عناصر تكوينها تمارس دور المضادات الطبيعية أو المناعة الذاتية لتقبل الجديد الذي يغزو عالمها ويحيط بها من كل جانب، جعلها تقبل ببعض التغيير السطحي الملائم لميلوها فيما ترفض الجزء الأهم منه والجوهري بدواعي الحفاظ على الإصالة المعنونة مرة بالشرف والأصول والحرام والحلال، فأولدت لها قناعات متناقضة وقد تكون متنافرة مع العلم أن المؤثر واحد والمتأثر واحد.
هنا نستظهر من النتيجة أن الشخصية العراقية التي عراها الدكتور الوردي وعزا كل ذلك للتناشز الأجتماعي وأثره عليها، ليست شخصية سلبية تماما بطبيعتها الأصلية وأستحالة تغيرها على ضوء عوامل التحديث والتجديد والتطور الأجتماعي، ولا ما نسب لها بالتعميم هو الوصف المثالي بقدر ما يؤشر تخلف القوى الفكرية النخبوية القادرة على بسط الصراع في شقيه المادي والعملي، وهي المتخلفة للأسباب التي ذكرناها من قيادة هذه الشخصية لتتصالح مع واقعها وتتخلص من ضغط شروط الإنصياع لقوة المؤسسة الثلاثية القديمة الدين والأرض والسلطة، والتي تحرص بقوة على بقاء الواقع في شكليته المحافظة الانتهازية التي تستثمرها لقمع الحرية والتخلص منها كظاهرة داعمة ومؤسسة لإدارة الصراع الوجودي.
السلبي في الشخصية العراقية ينحصر كم نتبين من كتاباته تكمن في عدم القدرة على توظيف اللا وعي العقلي أو اللا شعور الباطني في الوقت المناسب أو في الحالات التي تستوجب ذلك، هذا الخلل أساسه معرفي وجذوره تمتد لطبيعة العلاقة بين البيئة والفرد وما يتحصل من هذا الأرتباط، فالبدوي علي سبيل المثال تقاس شجاعته بمدي رجولته وفروسيته وشهامته وكرمه وهذه من أهم صفات الشخصية العراقية وجانب يتعلق بالجذور التاريخية والتنشئة، ولهذا نري أن هذه القياسات تتقلص أن لم نقل تندثر في مواجهة سلطة الدولة في المدينة، حينما يستوجب أن تكون هذه العوامل مسخرة بالشكل الطبيعي للتعامل مع حالات المواجهة والسيطرة والتغلب علي سلطة الدولة المدنية حينما تتصرف بالضد من مصلحة المجتمع، يعني أنها لا تتمكن من إخضاع سلطة الإدارة لها وتحويلها لسلطة أخلاقية تعكس هذه الشخصية، ولا يمكن أن ينسحب هذا أيضا الى سيطرتها علي التطور والتقدم الحضاري المطلوب.
بالعكس نجد أن الظواهر الشكلية من البدوية والعلاقات البينية في تعامله مع الواقع هي التي أنتقلت من مجتمعه إلى مجتمع المدينة وهي التي أعلنت عن نفسها بوضوح، فالبدوي والقروي أيضا حينما يتحول من بيئته ويسكن المدينة ويشرع ببناء واقعه الجديد لم ينقل الصفات الحميدة المكنونة في شخصيته الأصلية، وإنما يسارع وبكل قوة للبحث عن القشور والمظاهر المدنية التي ترتبط بالإبهار والانبهار تعويضا عن الحرمان السابق منها، فهو يبحث عن السيارة الجيدة والثوب الجيد وعن كل ما يجعل الأخر منبهرا به أو مبهورا بما لديه من ظواهر مادية، قد لا يكون هذا تعميما كاملا ولكنه هو الغالب المشاهد حينما يريد أن يوفق بين عالمه الجديد وواقعه القديم، الكرم عنده يتحول إلى تبذير وتطرف غير منضبط في عرف المدينة لأن قياسات الكرم هنا تختلف بمفرداتها وفي جوهرها العام.
هذه السلبية التي قدمها الوردي من خلال التشريح والتنظير والنقد لم تكن في نظره هي أساس المشكلة الوصفية للشخصية العراقية، وكان يعتبرها نتيجة طبيعية للواقع العراقي جغرافيا وتأريخيا ودينيا، فهولا يحمل الشخصية العراقية إثم السلبية بقدر ما كان يرى فيها أيضا مصدر قوة وتفاعل حقيقي لو أحسن التعامل معها، مع ذلك كان يؤمن أيضا أنّ التناقض الداخلي في المجتمع ليس سلبياً بالمطلق، بل هو الدافع الدائم للتطور والتقدم إلى الأمام، فاتخذ طريقاً وسطاً في نظريته الاجتماعية تتجنب الصرامة المنهجية المثالية للجدل الهيجلي والمنهجية البدئية للمنطق الخلدوني، بدءاً من مؤلفه الأول "شخصية الفرد العراقي"، فحاول أن يركز على تصحيح المسارات والعمل على ما يساهم في بلورة شخصية عراقية جديدة تتخلص من الجانب المضر من هذه السلبية ومساعدتها للتحول والتطور وخاصة بعد تحولات عام 1958 وتغير نظام الحكم في العراق.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوردي وقراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح1
- الكتابة في زمن العولمة والحداثة
- العربانية ووهم المعرفة الخاصة
- السلفيون وتحديات النقد العقلي
- القضاء القبلي (العرفي) بين القانون والشريعة ح3
- القضاء القبلي (العرفي) بين القانون والشريعة ح1
- القضاء القبلي (العرفي) بين القانون والشريعة ح2
- علاقة الدين السليم بالعقل السليم
- أزمة الأستكوان والصيرورة
- في إشكاليات العقل الديني ح1
- في إشكاليات العقل الديني ح2
- الحياة والخلود هم الإنسان الأزلي
- حروب الله أم حروب البشر المتألهين؟
- الفكر السياسي العراقي الراهن بين المراهقة والتخلف.
- العراقيون ومن يقتلهم ولماذا يقتلون؟
- هل من نهاية قريبة لواقع العراق السياسي؟
- ظاهرة الزعامة ورمزية الزعيم في الوعي العراقي
- الدرس..... قصيدة في رثاء الإنسان
- بناء المجتمع بين الرؤية والمنهج العملي
- القطاع المصرفي العراقي الخاص الرؤية والمستقبل


المزيد.....




- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة إسرائي ...
- وزير الخارجية الأيرلندي يصل الأردن ويؤكد أن -الاعتراف بفلسطي ...
- سحب الغبار الحمراء التي غطت اليونان تنقشع تدريجيًا
- نواب كويتيون يعربون عن استيائهم من تأخر بلادهم عن فرص تنموية ...
- سانشيز يدرس تقديم استقالته على إثر اتهام زوجته باستغلال النف ...
- خبير بريطاني: الغرب قلق من تردي وضع الجيش الأوكراني تحت قياد ...
- إعلام عبري: مجلس الحرب الإسرائيلي سيبحث بشكل فوري موعد الدخو ...
- حماس: إسرائيل لم تحرر من عاد من أسراها بالقوة وإنما بالمفاوض ...
- بايدن يوعز بتخصيص 145 مليون دولار من المساعدات لأوكرانيا عبر ...
- فرنسا.. باريس تعلن منطقة حظر جوي لحماية حفل افتتاح دورة الأل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - قراءة في نتائج التشريح الاجتماعي للشخصية العراقية ح2