أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - أم















المزيد.....

أم


محمد الدرقاوي
كاتب وباحث

(Derkaoui Mohamed)


الحوار المتمدن-العدد: 6629 - 2020 / 7 / 27 - 02:48
المحور: الادب والفن
    


كل مساء ،وحيدا يجلس في الدور الفوقي الى نافذة تشرف على حديقة عند مدخل البيت ، يمنحه الجلوس متعة النظر الى شجرة ليمون سمقت ومادت تعانقه ظلالها ، بنسمات تهبه نفحة من طمأنينة على أن زوجته المريضة لازالت تقاوم آلام تمزق أربطة ركبتها ..
حين يتناهى اليه صوت المذياع من المطبخ يدرك انها تتحامل على نفسها رغم داء الركبة الاليم فتعيد ترتيب المطبخ وأوانيه بعد تنظيف وإعداد الطعام ،فهي عاشقة لتغيير يومي لأدوات المطبخ حتى ان سوء تفاهمهما اليومي غالبا ما يكون من اجل هذه التغييرات المفاجئة والتي تجعله يدوخ حين ينهض صباحا محاولا إعداد الفطور كما تعود ريثما تلحق به من نومها ...او يبحث عن شيء يخصه ولو كان دواء او ورقا ..... فما ان يألف مكانا حتى تغيره، وهي تغييرات قد تمتد الى كل ما في البيت ،عادة لا تعكس الا قلقا داخليا وسوء استقرار نفسي موروث ..
في السنوات الاولى كان يقيم قيامة على هذا الموروث الذي لم يستطع له علاجا فهو راسخ كجذور شجرة تمتد عروقها الى حيث لا يعلم الا مكون الجذور ،ثم ما لبث ان شرع يستكين ويغير الاختيار الا ان تحضر بنفسها وتستخرج مخبوءها ...
يهتز ، كلما تناهى اليه أنينها ، تعصره أكثر من رؤية ،وينفجر صدره بخوف ، يحول النظر عن شجرة الليمون الى هاتفه وهو يعلن عن أكثر من رسالة بومضات ،أو رنات كأن عيونه هي التي تزفرها ، يتفجر منها أكثر من احتمال لغده :لو ...
تدمع عيناه ، لما تخلفه" لو" من آلام في صدره ، ايحاءات تعكس مكنونات هذا الصدر ،اتجاه ماض لم يكن قصيرا فيتيسر لنسيان ..يدرك نفسها القوية ، وانها لن تحتمل قلة الحركة ، أو ممارسة هوايتها المشي والتجوال ، أو أن تغض الطرف عن شيء غير مرتب تراه عيونها، او تترك شيئا ألف له مكان حيث رَآه من قبل ..تلك عيوبها تريد ان تعرف كل شيء وتتابع كل شيء ،وتجدد كل شيء ،وكما يقول لها :الحمد لله ان هواية التغيير لا تطول الزوج وإلا وجدت في البيت كل يوم زوجا جديدا ..
ينهض ، ثم ينزل اليها ، لا تغادر نفس المكان ، تتركن في زاوية تراقب مدخل البيت كما تراقب النازل من الدور الثاني ، هناك حيث تقتل الزمن ، وتكنس آلام ركبتها انشغالا بمصحفها متدبرة ، أو بهاتفها متابعة ، يعرف انها مغرمة بالدراما السورية ،تتابعها ، وحين تكون على هذا الوضع "فشَـبِيهٌ صَـوْتُ الـنّعيّ إذا قِيسَ بِـصَوْتِ الـبَشيرِ في كلّ نادِ،" لا تحاول أن تستقيم في جلستها الاحين ترى الرنين من أحد الأبناء يريد أن يكلمها..وهنا تنسلخ عن الزمن وان عداد الوقت يتوقف قبل ان يعلن حده الأقصى ،فلاهم يتوقفون عن حكي ،ولا هي تشبع من كلام واستماع ،
وعوضه الله في طبيخ على النار ،او اذا عصره جوع فعليه ان يدخل المطبخ ليحل محلها في أكلة قد ترضى عنها وإلا عليه ان يقفل أذنيه ..
في حديثها عن الطبيخ تكون اهون وألين بكثير مما كانت عليه قبل ان يشغلها الأبناء بهاتف ذكي ولوحة الكترونية تقضي عليها الساعات لا تفوتها صحافة اليوم ولا اخبار العالم او فيديوهات اليوتيوب وقد اكتسبت خبرة ودراية في التمييز بين خبر صادق وكلام استهلاكي ،كان شغلهاالزوج قبل ان تركب الشجرة الالكترونية تتابعه مع من تكلم ولمن يكتب وماذا يقصد بهذه العبارة ،فالشك كان في ركابها سلمالخصومات يومية، وقد استطاع الأبناء ان يريحوا أباهم من هذه المتابعة الدقيقة فشغلوها بهاتف ولوحة ..فصار وقتها مقسما بين عشقها للدراما السورية وبين ابنائها ...
فهي بالنسبة للأولاد مركز استشاري ، ومستودع جميع الاسرار التي لايرتاحون الا اذا تقاسموها معها ، لها يحكون عن أبنائهم ، عن أصهارهم ،عن عملهم، عن ترقياتهم، عن نزاعاتهم الزوجية والمهنية ، عن كل ما يهم بيوتهم من المطبخ الى سرير النوم ....
علاقة وطيدة هي من ربتها فيهم ،ايمانا انها تفضل ان يجد أبناؤها صدرا ينفتح لفرحهم وقرحهم ودقائق أمورهم ، بدل ان يثرثروها مع دساس نمام قد يعمل من الحبة قبة وقد يشتت شملهم ..
كثيرة هي المشاكل التي تصدت لها بلامحاباة او تحيز ، فهي لن تتواني في كبح جماح أحدهم اذا وجدت ان ذلك هو الحل الذي يعيد المياه الأسرية او المهنية الى الطريق السليم الصحيح ،فهي في مثل هذه المواقف والحق يقال لا تتحيز لبنت ضد زوجها ، او لابن ضد زوجته ، فما يهمهما هو أن تكون العرى متينة داخل كل أسرة من أسر أبنائها .. حرصها على قتل كل غرور او تجاوز يمارسونه في مسؤولياتهم المهنية ..
كان لا يغيب عنه شيء مما يقع بين أبنائه صغيرا كان أو كبيرا ،تشاركه فرحها بهم كما تشاركه قلقها او مزاجيتها التي كثيرا ما تتبدل كما يتبدل طقس الخريف بلا اعلان ،او كما هي تبدل اثاث البيت وأدواته من مكان الى آخر ، لكن وكأنه جاهل لكل شيء ، قد يقترح بعض الحلول أو يعدل أخرى سبق وقدمتها، او يلومها على سلوك بدر منها في لحظة قلق ،وعليها أن تتداركه في المكالمات الآتية ،فلاهي تقول قال أبوكم ، ولا هو يلمح ولو بإشارة الى أي نبس أو همس قد وصله او شارك في حله ..
أحيانا كان يحس وكأنه بعيد عن أبنائه فقد يتكلمون معها المرة بعد الاخرى ولا كأنه موجود باستثناء ابنه الأكبر الذي يصر على ان تمرر لأبيه الهاتف او يقول : "لا عليك سأكلمه على هاتفه "
وحين يحدثها عن ذلك تقول:
ـ هم يعرفون ان خاطرك ضيق لا تقبل كثير كلام "شخبارك ،لاباس عليك ، الله يعونكم ويرضي عليكم " لهذا فهم يتعاملون معك بما لا يقلقك ويسألون عنك حين يكلمونني..
عند ابنائه هو الملوم الذي يتثاقل عن زيارتهم ،مشغول بحاسوبه وكتاباته لكن ينسون انها عاشقة لحريتها داخل بيتها، تتضايق من كل مكان قد يُحد من احدى عاداتها ،لهذا فهي تتحجج دائما به ،حتى عند السفر اليهم فهي تتوانى وتستعظم الطريق والحرارة صيفا والبرد شتاء،لا تخف لها رجل الا اذا كانت الزيارة ستحقق لها سفرة خارج الوطن فهي بالسياحة مغرمة .
لكن ان يأتي اليها الأبناء فذلك رغبة عندها أقوى من الرحيل اليهم شريطة ان يصحب كل زائر منهم خادمته لتساعدها في غسل اواني المطبخ وإعادة ترتيبه كما وجدته لان ركبتها قد جعلتها تحس بنقص في عاداتها وهي لذلك كارهة ..
اما الطبيخ فمنطقة محرمة لا يمكن ان يقربها غيرها لانها تدرك ان ابناءها يعشقون طبيخها ،مهارة واتقان وأنها ستخرج لهم من المجمد ما خزنته من مدة، كل ابن وما يشتهي ويريد



#محمد_الدرقاوي (هاشتاغ)       Derkaoui_Mohamed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انسحاب
- بما فيه الكفاية
- افظع من ذئب ، اقوى من شيطان
- وعي على أديم النهر
- غربال السحالي
- هل الحياة يقومها ذبيح ؟
- البحث عن شراع
- موزع الورد
- خلوة عشق
- عيون لن تنسى
- عمر ..رجل لعمري ...(الجزء الثاني من لحظة فرح )
- -اخدم ياتاعس للناعس -
- العاشق أعمى
- بسمة خضراء
- لا حب يعتقل ،لا عشق يبقى
- انكسارات
- عناد ينكسر
- استفسار من طريق السلام
- انتهى مشهد كورونا الأخير
- لحظة فرح


المزيد.....




- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - أم