أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اخلاص موسى فرنسيس - ذاكرة غانياتي الجميلات، غابرييل غارسيا ماركيز















المزيد.....

ذاكرة غانياتي الجميلات، غابرييل غارسيا ماركيز


اخلاص موسى فرنسيس
(Eklas Francis)


الحوار المتمدن-العدد: 6628 - 2020 / 7 / 26 - 23:38
المحور: الادب والفن
    


"كنت أعتقد على الدوام أنّ الموت حبّاً ليس إلا وسيلة شعرية، لكنّني هذا المساء بينما كنت عائداً إلى البيت من دون القط تأكّدت من أنّ الموت حباً ليس ممكناً وحسب وإنما أنا نفسي العجوز الذي ليس لديه أحد أخذ بالموت حبا، لكنني انتبهت أيضاً إلى أنّ الحقيقة المعاكسة تنطبق عليّ لا يمكن أن أستبدل غمّي بكلّ متع الدنيا."
ما كان لي أن أغيّر عالم اللذة الذي أعيشه مقابل أيّ شيء. لقد فقدت 15 عاما في محاولة ترجمة أغنية ليوباردي، فقط في تلك الأمسية شعرت بها بعمق.
غابرييل غارسيا ماركيز
من رواية ذاكرة غانياتي الحزينات
***
"ما كان يجب عليك أن تفعل شيئاً منافياً للذوق، حذرت العجوز "إيغوشي" سيدة الخان. ما كان يجب أن تضع إصبعك في فم المرأة النائمة، أو تفعل شيئاً مشابهاً"
ياسوري كواباتا
رواية "الجميلات النائمات"
***
ما إن وقع نظري على عنوان هذه الرواية حتى عادت بي الذاكرة إلى رواية "الجميلات النائمات" التي كنت قد كتبت عنها قراءة للروائي الياباني ياسوري كواباتا، وكان غابرييل غارسيا ماركيز هو من قدّم تلك الرواية، وعبّر عن إعجابه الشديد بها حيث كتب: "إنها الرواية الوحيدة التي تمنّيت لو كنت أنا كاتبها".
العنوان في العمل الأدبيّ يحمل الكثير من مضمون العمل، ويبدو كأنه ملخّص ما يريد منا الكاتب أن نستخلصه قبل البدء بالقراءة، وكلما كان العنوان أكثر غموضاً شدّ الإنسان، لأنّ الإنسان بطبعه يميل إلى الغموض، ويجذبه أكثر من الوضوح، فكيف إذا كان هذا العنوان يشمل الغموض والمرأة معا؟ أي الغانية والحزينة.
كلمة "الغانيات" لها معانٍ كثيرة معجمياً، فهي من ناحية تعني المرأة الجميلة التي تستغني بجمالها عن مساحيق التجميل، والمعنى الآخر الأكثر شيوعاً هو بائعة الهوى.
أليس هذا بالكافي أن يشدّ القارئ العربي، ليقرأ بنهم ويعرف ماذا يخبّئ الكاتب من أسرار أواخر حياته، وهو الكاتب المحبوب الذي ذاع صيته في إسبانيا وخارجها حتى وصل إلى العالمية.
لا يخفى علينا التشابه الكبير بين غابرييل غارسيا، والجميلات النائمات التي استولت على قلبه وروحه، وهي من شدة الإعجاب نامت في عقله الباطن اللاوعي في اللاشعور.
الأشياء التي يحتفظ بها اللاوعي لا بدّ أن تظهر يوماً ما، هكذا يقول علم النفس، فأحياناً يظهر ذلك جلياً، وأحياناً أخرى يصعب علينا أن نتعرّف إلى الأشياء القابعة في لاوعي الشخص أو اللاشعور.
يبدو أنّ ماركيز استساغ الأمر، وأحبّ أن يخوض تجربته الخاصة ويدوّنها، فضول منه ربما كي يقف على تلك المشاعر التي وصفها الروائي الياباني "ياسوري كواباتا" أو لغاية أخرى في نفسه، وفي كلتا الحالتين كتب غارسيا تجربة أخرى وإن تشابهت مع الجميلات النائمات في الفكرة، لكنها عالجت الموضوع الذي شغل ياسوري كواباتا وماركيز، وما زال يشغل كلّ الكتاب الذين حملوا راية الدفاع عن المرأة والحبّ.
لقد بلغ بطل ماركيز إلى التسعين، وأراد أن يحتفي في هذا العمر احتفاء غير عادي، وهو كلّ صباح يشعر بأنّ العمر قد تقدّم به، ولم يعد الرجل الذي كان أمس.
الفتاة لا بدّ أن تكون عذراء، فلم يتوانَ عن سرد ما كانت حياته قبلها ومعها وبعدها، ليدخلنا في عمق التربة، والجانب العملي أكثر من الإيحاء الموجود في الجميلات.
يسرد واقع ابن بيئته حيث طبيعة البلاد الحارة حيث تفرض ذاتها هناك على جسد الفتاة لتتعرى.
الواضح أنّ الأسلوب الرخيص في استخدام القاصرات الذي يتنافى مع الاحترام للطفولة ولإنسانية الفتاة والمرأة والإنسانية.
لعله أراد منا أن نرى وندرك مدى خطورة هذه البشاعة التي استغلّها الياباني كما الإسباني كما أيّ ذكر في كلّ مجتمع.
لغاية في نفسه للإصلاح المجتمعي على مستوى عالمي يتخطّى البيئة المحلية إلى خارج الوطن، إذ إنّ الأدب يكون له تأثير على المجتمع أكثر حين يكون من تجربة الكاتب الشخصية.

إنّ ماركيز كرّر بشكل واضح ما أتى في رواية "الجميلات النائمات".
من حيث القصة والأسلوب لم يأت بأيّ جديد، وهذا هو الخطأ الذي وقع فيه الكاتب وهو تكرار قصة قرأها وقدّمها من قبل، وأعاد كتابتها من حيث المضمون حتى التقارب في وصف الأماكن، المنزل حيث نوم الجميلات، كان الدخول إليه بطريقة مريبة. الأشجار تعوي في كلتا الروايتين، صوت البحر، الغرف الخالية الأضواء، المطر..
ماركيز صوّر بيئة الفقر والبؤس التي تخرج منها الفتاة، وحاجتها إلى العمل كي تبقى على قيد الحياة.
استغلال صاحبة الفندق له كون الفتاة عذراء كي تحصل على مال أكثر. البحث عن الشباب المنقرض في جسد عذراء نائمة.
موت أحد الزبائن في كلتا الروايتين، والمرأة التي تدير ذلك المكان، كما صوره ياسوري كواباتا.
حتى تردد "يغوشي" إلى تلك الغرفة، كان تردد بطل ماركيز.
لماذا هذا التشابه الكبير الذي جعل من هذه الرواية أقل قيمة من روايته "حبّ في زمن الكوليرا" التي اعتبرت قمة الروايات؟
عندما أدرك الحبّ أدركته الحياة، هذه هي النقطة الفاصلة، والجوهر الذي ميز هذه الرواية عن الجميلات النائمات.
إنّ ما قضاه "غبريال" مع العذراء النائمة انتهى به إلى اختبار الحبّ، وأنّ الحبّ يأتي دون حسيب أو رقيب ودون عمر معين. منذ أن طرق الحبّ قلبه تغيرت هيأته، وأصبح لديه أمل يصحو من أجله كلّ صباح، وذهب به إلى تغيير عادته، أصبح يكتب دون أن يرفع سماعة الهاتف، إلى لهفة الانتظار، إلى القلق عند غياب الفتاة.
إنه مازال حياً، لقد أتى حبّه إعلاناً عن أنّ الحبّ لا يعرف عمراً.
لقد أخذت هذه الفتاة بلبّ غارسيا، لم يرد أن يعرف اسمها بل أطلق عليها الاسم الذي أراد، لقد عاملها طفلة يقرأ لها، وقد بدا له أنّها تسمعه وتتعلم الكتابة والقراءة، وتترك له رسائل على المرآة، حين يداهم الحبّ الإنسان لا يتركه أبداً كما كان قبل الحبّ.
إنّ الحبّ حين ضرب قلب العجوز جعله يرفض كلّ الرفض ضمنياً، ويثور على هذا الوجع الذي تتعرّض له هذه الفتاة التي سقطت ضحية فقر وتهميش مجتمع وجشع صاحبة الماخور حين باعتها مضحية بها في جريمة قتل لا يد لها بها.
عندما عرف ماركيز الحبّ، تغيرت نظرته إلى الحياة، وأصبح يدافع عن حياته بكلّ ما أوتي من قوة.
لقد تغيرت خطاباته ومقالاته، أصبح يكتب رسائل لهذه العذراء، من خلالها وصل بها إلى قلوب الشباب، لم يفصح عن مضمون الرسائل، لكن لا بدّ أنها كانت تنادي بالحبّ، وخاطبت وجدان الشباب ما أدّى إلى ثورة ومزيد من بيع أعداد المجلة.
لقد ثار غارسيا حين هتك عرض الفتاة، وفقدت عذريتها. هل كان همّه العذرية بحدّ ذاتها أي غشاء البكارة؟ أم أن ثورته كانت على إنهاك جيل كامل، وطفولة كاملة تنتهك حقوقها، وتداس من الكبار من أجل حفنة من المال.
لقد غيرت حياته، أشار إليها في أكثر من مرة باسم "الطفلة"، ولا تخفى هنا الرمزية التي يرنو إليها الكاتب.
"ديلغادينا" الاسم الذي أطلقه عليها، وهو يمسح عرقها، ويغنّي لها، أب يطلق الاسم على ابنته المولودة حديثا.
لقد تحركت أحشاؤه، اشترى لها دراجة، لم يذكر إن كان هذا الحبّ أبوياً أم حبّ رجل لامرأة ، لكن في كلتا الحالتين، حين أدركه الحبّ تغيّرت حياته جذرياً، وأصبح هناك هدف يعيش من أجله.
أليس الحبّ هو الطاقة التي تدفع كلّ منا للحياة؟ أليس الحبّ هو الذي يحي رميم العظام؟
إنّ الحبّ يجعل الإنسان يحبّ كلّ ما حوله، الحيوان والطير والشجر، الحبّ يغير هوية الإنسان، ويسحبه من الموت الروحي وظلمة اليأس إلى دفء الحياة، وأسمى الحبّ حين يهتمّ المحبّ بسعادة الآخر على حساب سعادته.
لقد باع كلّ ما يملك حتى جواهر والدته كي يدخل السعادة إلى قلب تلك الطفلة، ويرفعها من وحل الفقر والعوز، وقد بدا عمق هذا الحبّ وتأثيره عليه حين غابت عنه، وراح يبحث عنها كمن يبحث عن وجه أمّه التي لم يغب عن الرواية بل كان مرافقاً في كلّ جزء، لا ينفكّ يذكرها وكأنه يريد أن يربط ما بين الأمومة والطفولة.
لقد بحث عنها في براد الموتى داخل المستشفى، وبين الفتيات مثل الأمّ الثكلى كان يبكيها.
عالج غارسيا قصة الطفولة المعذبة والمجتمعات المتهتكة، والنفوس المريضة التي تتاجر بالإنسان والإنسانية في المجتمع الياباني كما الإسباني كما في أيّ مجتمع، حيث هناك ألوف الأطفال يتعرّضون للبيع إما للاستغلالِ الجنسيّ أو العمل القسري حيث يتفشى الفقر.
في النهاية رفض الاستسلام والعيش على هامش الحياة، حتى في التسعين مستمرّ في العمل بشغف، ومستمرّ باللهو ومتع الحياة.
ممّا لا شكّ فيه أنّ غارسيا مرة أخرى سبر النفس البشرية، وتعامل معها من الناحية الإنسانية ، وطرح مشكلة وقدم العلاج القديم الحديث، العلاج الذي في متناول الجميع، ينادي بالتغيير، وينادي باسم الدواء الذي إن اعتمده الإنسان كان لرفع منسوب الحياة ، ورفع ظلال البؤس التي تخيّم على تلك النفوس التي تعيش على هامش الحياة.
الرواية تصوير واقع حياة ورسالة توجيه وإضاءة للتغيير الفكري والروحي والمجتمعي، رسالة لتقديس الحبّ.
لقد صدرت الطبعة الأولى من هذه الرواية عام ٢٠٠٥، وترجمت إلى عدّة لغات منها اللغة العربية.
إنّ ما حملته سطور ماركيز ذلك الحبّ الذي عرّف عنه في زمن الكوليرا، الحبّ المخلص الذي لا يموت بل ذلك الحبّ الذي دفعه إلى أن يعيش على أمل البقاء مع محبوبته.
قد أنهى الرواية باللقاء، وهنا ما زال ينادي، إضافة إلى الحبّ برفع الظلم وحرية المرأة والطفولة.
نحن الآن في سنة ٢٠٢٠، وما زال انتهاك الطفولة جارياً على قدم وساق حيث سيطرة القلة على كراسي السلطة والتغاضي عن وجع المواطن، وحاجته إلى القوت اليومي، ما يدفع بالكثير من الفتيات لممارسة البغاء في سبيل لقمة العيش.
ما زال الرجل والمرأة يعانيان من مجتمع يمنع عنهما حقّ الحياة الكريمة حين يصلان إلى عمر معين.



#اخلاص_موسى_فرنسيس (هاشتاغ)       Eklas_Francis#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة والآبار
- امرأة الدموع
- الويل لأمّة ثقافتها ظلاميّة كافرة بكلّ نور.
- بربغندا كورونا
- طواف سريع في كتاب (الكتابة بالحبر الأسود) للكاتب حسن مدن
- صقيع الغربة
- لبنان ما بين الوباءين
- في ذكرى جبران خليل جبران
- كورونا/ التحدي
- يوم المرأة
- امرأةٌ في المرآةِ
- قصة قصيرة
- فاطمة -رب أخ لم تلده لك أمك-


المزيد.....




- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اخلاص موسى فرنسيس - ذاكرة غانياتي الجميلات، غابرييل غارسيا ماركيز