أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الرحالي - تلقي السينما المغربية ( الحلقة 1)















المزيد.....


تلقي السينما المغربية ( الحلقة 1)


محمد الرحالي
باحث في الترجمة والأدب والسينما

(Mohammed Rahali)


الحوار المتمدن-العدد: 6626 - 2020 / 7 / 23 - 15:56
المحور: الادب والفن
    


سنقارب السينما المغربية في ضوء نظرية التلقي خلال حلقات مختلفة ومتسلسلة تبلغ الثماني حلقات، فلقد لعب الأدب دورا مهما في حياة الشعوب القديمة والحديثة والمعاصرة ذلك أن الأدب لسان الشعب والثقافة والحضارة التي ينتمي إليها وهو خطاب متضمن مجموعة من معطيات ثقافته الأم يحملها ويدافع عنها بصمت ، ولكن أهم ما في السينما هو قوامها السمعي البصري هو الذي أعطاها الكثير من القدرة على الإقناع لكن هذا التعقيد أيضا في أيقونة الصورة هو الذي يجعل العمل على تحليلها عملا شاقا بالنسبة للناقد على حد سواء ولكن بروز نظرية التلقي على يد كل من ياوس وإيزر جدد الخطاب النقدي في ضوء تهاوي النظرية التي كانت تبني دراستها النقدية على النص ونادت بموت المؤلف وحتى تلك التي كانت تنادي بدراسة الظروف التاريخية الاجتماعية والنفسية لإنتاج النص الأصلي ما شكل ثوره على المفاهيم التقليدية التي كانت تتصف بعض المرات الجمود إثر إقصائها القارئ والمتلقي من كل دور او من أي دور وإن صغر، لهذا ماتت المقاربات التي تنطلق من هذه النظرية في دراساتها النقدية في مقاربة السينما على الأقل أو خف صيتها ، ما أحدث خلخلة كانت تعتبر الخطاب الأدبي تمركزا حول الكاتب داخل المجتمع، وتقارب المشاكل والظروف النفسية التي تبرز مجموعه من العاهات التي تظهر في الكتابة التقليدية، وقد شكلت نظرية التلقي طفرة نوعية في مجال الدراسات الأدبية بعد بروزها في العالم الغربي ونفاذها إلى الخطاب النقدي العربي.
وجدت هذه النظرية لنفسها جمهورا واسعا من الدراسات النقدية الكبيرة التي اعتمدتها واهتمت بها وأعملت مفاهيمها وآلياتها وقد وظفت الدراسات العربية مفاهيم هاته النظرية في مقاربة مجموعة من الأجناس الأدبية المختلفة الشيء الذي أسهم بدور كبير في إنتاج المزيد من الدراسات التي تهتم بالمتلقي والتي من شأنها نقل العمليه النقدية من مراعاة المنتج والظروف والمتلقين، ما جعل الدارسين ينطلقون من هذه النظرية في مقاربة تلقي الأشكال الأدبية المختلفة المرتبطة به ، ومن ذلك مقاربة السينما المغربية وتتطلب منا هذه الدراسة إلماما بشروط التلقي عامة وبظروف المتلقي المغربي خاصة، ثم أسس إنتاج الفيلم في المغرب ، كما ينبغي على الذي سيشتغل بموضوع كهذا أن يلم بآليات تحليل الفيلم وأن يشرِّحه فيلموغرافيا ليقوم بالعمل المطلوب تلك هي الطريقة التي يمكن أن ينهجها الدارس للفيموغرافية المغربيه من خلال بعض النماذج التي سيدرسها ويقدمها وتقدم قراءتها في ضوء التلقي .
جاءت نظريه التلقي لتمحو سنوات من الإهمال الكبير للمتلقي الذي أبعدته الدراسات من العمليه النقدية وتجعله مركز ذلك المثلث النقدي بين الناقد والعمل الأدبي والحكم النقدي. هناك من طبق نظريات التلقي على القصة والأعمال السردية وهناك من جعل منطلقها الرواية العربية و المغربية هناك من درس تلقي الشعر العربي القديم كقضية قديمة بعيون نقدية حديثة ، نظرية التلقي جعلت نضجها وانطلاقها فعل القراءة وتأثيره المباشر دون استبعاد الظروف الاجتماعية والنفسية والتاريخية كشروط أساسية في إنتاج النص الذي أصبح كاتبه يراعي ذلك القارئ الضمني الكامن وراء تحليل شفرات النص، وبالتالي العمل على الإبداع واستعمال لغة تخرق أفق انتظاره وتقنيات سردية ونصية حديثة تعتمد على تحليل النص وشروط النصانية الحديثة.
دراسة تلقي السينما يتطلب ثقافة سينمائية تنطلق من توعية الفرد بأهمية الصورة ومنطلقاتها وأنماطها فلا بد لمن سيقرأ الفيلم مثلا أن يتملك ثقافه سينمائية تمكنه من تحليل تلك الوحدات الصغيرة من أيقونات متشعبة تسري في الحياه الاجتماعية وتجد مرجعياتها في فكر الإنسان . إن قراءه السينما المغربية تتطلب منا أيضا معرفة الظروف الاجتماعية التي ولدت في ضوئها تلك السينما ، أما بالنسبه للمخرج فعليه أيضا الإحاطة بالسيناريو والظروف الاجتماعية للقصة والأحداث وتسلسها في المتن الفيلمي ، والقضايا التي يعكسها مع إتقانه تقنيات الإخراج وما يلزمها من تحويل وتقطيع مشهدي ، وخلفيات تشكيلية ومقومات ضوئية وبصرية ، ويعمل على تيسير العمليات المرتبطة بالتصوير والديكور وغيرها لأن ذلك جد مهم في تحديد مرجعيات متنوعة ، وإتقان التحويل بكل أنواعه، ف " التحويل الذي ينطلق من إعجاب المخرج بالعمل الأدبي اختيار ينطلق من وجهه نظر سردية ممكنة، أو تطوير إمكانيات درامية يقترحها الروائي قمينة بأن تجعل الفيلم المقتبس خارج نطاق الاجترار والتكرار "1
وبالتالي فذلك ييسر فعل التلقي لدى المتفرج خاص وأن المخرج يطور مقاربات فردية مختلفة تجعله يتجاوز الاجترار لأنه يدخل في باب التقليد الأعمى الذي يحيل فنية العمل صفرا ويخيب ظن المتلقي والقارئ الضمني الذي ينبغي مراعاته أثناء الإنتاج. لهذا فالناقد يقترح تنويع المقاربات السردية والدرامية لأن السير في نهج واحد قد يخلق الملل لدى المتلقي فكان تجديد الدورة السينمائية في الفيلم الواحد مهما لضمان سلاسة تقبله وبطبيعة الحال فإن ذلك يخضع لرغبه المخرج وميولاته الفنية عن طريق التحويل المستمر للحوار الدوري وتحوير الأستوديو الذي تصور فيه الأحداث . وبالتالي فان التحويل Transformation هو احد التقنيات المهمة التي لا زالت تلعب دورا مهما في تحويل السيناريو وتحديد أهميته في مجالات متعددة الشيء الذي يساهم في إخراج العمل إلى حيز الوجود مراعيا بطبيعة الحال ذلك المتلقي الضمني وساعيا إلى خرق أفق انتظاره بعمل يفوق تلك الفنية التي كان يسعى الى فرجتها ورؤيتها ومشاهدتها وبالتالي يكون تقدم السينما وتطوير تقنياتها ولغتها السيميائية الأيقونية المحملة بالرموز الانزياحات المتواصلة عبر العمل كاملا
ونطرح سؤالا هل يمكن تلقي السينما دون العودة للمنتج السينمائي كاملا منذ بداياتها سواء في بعدها الوطني المدروس أو في عموم الإبداع العالمي ؟ يقول الباحث :" نعتقد أن الإجابة على هذا التساؤل الإشكالي يفرضها التفكير النقدي السينمائي الحفري في حدود ما نملكه من متن سينمائي "2 .
إذن فتلقي السينما المغربية يتطلب منا الحفر و التنقيب عن التأويل الصحيح إما في المتن الفني الذي تم إنتاجه طيلة الفترة التي سنتوجه بدراسة التلقي فيها بدراسة المتن الفيلمي وقضاياه وتقنيته الإخراجية والديكور والممثلين والحوار والسيناريو قبل الانتقال إلى دراسة المتلقي أي دراسة اثر هذا العمل السينمائي على الجمهور والعوامل التي شكلت قوته وضمنت له شعبية وسط المخاطب والجمهور الذي تلقى هذا العمل الإبداعي.
فالتلقي له شروط و التي تتحكم في تلك العملية الفكرية والذهنية والنفسية المعقدة ، إن حضور كل هذه الجوانب لهو عمل مظن يتطلب قيامنا بعمليات ذهنية وفكرية فالمحلل للسينما عليه تشريح هذا المتفرج عن طريق تشريح لا وعيه والعمليات الذهنية التي قام بها أثنا القراءات المختلفة ومتنوعة، ودراسة انتظاراته الخيبات التي وقعت والدهشة التي أثارها الفيلم في طريقه نحو خرق أفق انتظار هذا المتلقي لان الخطابة السينمائية تتميز عن غيرها كونها خطابا مشحونا بالانزياحات والأيقونات والألوان الشيء الذي يتطلب مجهودا مضاعفا من قبل المتلقي في عمليه القراءة المصاحبة بتفكيك الشفرات وفهم عوالمها الممكنة وقراءتها التي تنبني على وضعها في محل المرجعيات التي تغذي تلقي المتفرج ،والتأكد من صحتها من عدمه بعد القيام بربط الدلالات وفهم المرجعيات وتحليل الأفكار المسبقة و المعالم الذهنية النهائية ولهذا كانت نصيه النص ترتبط لدى المتلقي بدراسة الأثر المنتج.

وفي هذا السياق تقول الباحثة جميله عناب:" تحدث رولاند عن الافتتان بالنص والتلدد بمفاتنه والانجذاب إليه بسحره ، إن قراءة الفيلم نوع من إعادة كتابة النص وإطلاق إنتاجيته"3 ، إذن فتلقي الفيلم هو إعادة كتابته لذلك الخطاب المشاهد باعتباره نصا تحول من نص مكتوب الى نص مشاهد مسموع رغم اختلاف آليات قراءة الاثنين ،إلا إن كان المتلقي خبيرا بالعمل السينمائي، يشكل منطلقا مهما نحو نجاح العملية (التلقي) ذلك أن ابتغاء التطهير مطلب أساسي في الفنون الدرامية ما جعل الحديث عن اللذة في النص تتطلب إعادة انتاجه. وبالتالي هي عملية يقوم بها القارئ المتلقي في ذهنه بشكل سريع عن طريق استدعاء الخبرات والتجارب النفسية السابقة والمرجعيات الاجتماعية وعلاقته بثقافته الأم، وربط للدلالات بالمدلولات الشيء الذي لا يمكن إلا أن يكون عمليه معقده للغاية وفعلا ثقافيا يستدعي مجهودا مضاعفا في زمن قصير للغاية.
وللتلقي دور كبير في تحديد عناصر الجمال ، ولا يكتمل التلقي غلا بدراسة دور الإخراج وتحليل مقوماته في الفيلم ، فيؤثر في تلقي النص والانجذاب إليه عملية مهمة جدا تتطلب من المخرج أن يعمل على ذلك بجهد وفير وبالتالي إحداث تلك الخلخلة التي تخرق أفق انتظار القارئ وتحدث فجوة وفراغات تكتمل قراءتها باكتمال تحليل ذهن القارئ للنص المرئي الذي يشاهده، من شأنها أن تغير من المدونات النهائية المحمولة ويتطلب تلقي السينما الاهتمام بالتاريخ التاريخ الطويل لتلقي تلك الجماليات التي كان يظنها المتلقي جماليات عابرة فتصبح مجرد فكرة عابرة وتتغير المفاهيم السابقة المحمولة لديه تقول الباحثة" لكن النص القادر على إحداث تلك الرعشة الجميلة هو النص الذي يربك القارئ أو يخلخل موازينه الثقافية والنفسية واللغوية فهو يقتنص المتلقي بواسطة نظامه الدلائلي الخاص وبواسطة أحابيره الفنية المنصوبة"3.
إذا فالنص الذي يخرق افقا انتظار هو نص فائق الجمالية والنصانية في التلقي فيحدث فجوة بين النصين الأصلي والنص المؤول في ذهن المتلقي، والفرجة هي التلقي الفعلي حين يتحقق تطهير وهو عينه وذاته المطلب المحتوم في كل لقاء يطلبه المتفرج من السينما والدراما . وبالتالي خلخلة تلك المسلمات التي قد تكون خاطئة .
إن استدعاء الدارس لعملية التلقي لتلك الظواهر النفسية والاجتماعية والثقافية التي تلقى هذا المتلقي خلال السنوات الماضية إلى العيادة الإكلينيكية والتشريح والبحث في الأثر و التطهير الذي تحدثه السينما في نفس المتلقين ، يعد المنهج المهم نحو فهم تلقي السينما ، ويشكل للمتلقي العلاج عن طريق اللغة التي تعد إحدى اهم الأدوات التي تشتغل بها السينما التي تعتمد إلى جانب اللغة المكتوبة خطابا بصريا معقدا جدا يصعب فك شفراته.
ومن العناصر المهمة ما خلص إليه ياوس الذي يسمى" تاريخ التلقيات التي تستند أساسا على ردود أفعال المتلقين جيلا بعد جيل ،إذ أن كل متلق يمتلك قيمة جمالي قد تختلف كليا أو جزئيا _عن أخرى قرأت من قبل وتقرا أو ستقرؤ فيما بعد من قبل قارئ آخر وبالتالي وبهذا سوف يتم تحديد قيمه العمل التاريخية وبالتي قيمته الجمالية ،ذلك أن فهمنا وتأويلنا للفن مقرون بإدراكنا للمعايير الجمالية التي سجلها التاريخ "5
إذن هناك مجموعة من التلقيات لا يمكن تجاوزها ذلك أن المحاولات المتعددة للقراءات كانت شيئا منطقيا في علاقه المتلقي بالأعمال الأدبية السالفة فكل متلق يبحث عن نفسه في تلك الأعمال الإبداعية عبر الزمن ، فهو بحث عن الجمال واستكناه لأهمية الذات المبدعة في تلك الأعمال، فأي عمل قرأه متلق معين سيقرأه غيره ولازال لديه إمكانية قراءة مختلفة ما يرسم تعدد التلقيات ويرفع حدود الإمكانيات الدلالية لكل عمل.
وبالتالي اختلاف التأويلات والقراءات باختلاف المدارك والقدرات المهارية والاعتبارات الفنية لكل واحد لكن تحديد القدرات الجمالية لكل عمل إبداعي يتطلب منا أولا إدراك معايير الجمال التي سجلها النقد السينمائي لأننا نشتغل على أعمال سينمائية وفيلموغرافية مختلفه. كما أن تلك المعايير الجمالية تختلف حسب الحقب الزمنية والجماعة المدروسة فكان لزاما علينا العودة إليها وبالتالي فإن عملا سينمائيا واحدا قد يخضع لقراءات متعددة، تختلف بين الجيل والجيل ما يجعل عملية التلقي تختلف حول عمل واحد ، والنموذج بمسرحية مدرسة المشاغبين التي قيل أنها أفسدت جيلا عربيا بأكمله و بين رافض للفكرة وبين مدافع عن الكوميديا التي خلقت رجة من الضحك في صفوف الجماهير العربية و تحقيق التطهير ، فتاريخ تلقي نص معين يشمل مجموع القراءات والتأويل المعطاة .

هذا ما يخلق أسسا معينه نظرية وفكرية تحيط وتؤطر وتوجه الدارس للتلقي نحو أهدافها ، ولكن السؤال ولكن السؤال المثار هنا : هل يمكن للمتلقي ان يكون محايدا في قراءاته وتأويلاته وعمليه التلقي لأي عمل سينمائي ، لأن السينما محملة بالرسائل والقضايا الاجتماعية؟ وجواب السؤال عن هذا سيكون من خلال استقراء ما سبق قوله لأن التلقي في حد ذاته استجابة لمجموعة من الرموز والمدلولات المتلقاة، سيكون بذلك حضور الذاتية شيئا حتميا وإن كان ضمنيا ففعل التلقي محفوف بالمخاطر الذاتية و يبق التجرد منها صعبا ، لأنه يبقى خاضا لها باستجابة عاطفيه للاوعي المحكوم بمنطق نسبية الذاتية و الأشياء.
نظريه التلقي المهمة في مجال لقراءات السينما خصوصا في العروض المسرحية التي يعد الجمهور ناقدا مباشرا لها ، وجمهورها الواسع ويمكن دراستها من خلال الرجة التي تحدثها في الوسط الجماهيري الذي يتلقاها عبر التلفاز وفي القاعات عبر الشاشات الكبرى وبتحديد معاني كل شيء فيها وبالتالي تحديد معالم التلقي باعتباره امتداد الذات المتلقية في زمان ومكان معينين، ومشاركتها في الأحداث و ردة الفعل التي أصدرها المبدعون والمتلقون والنقاد والأكاديميون، ذلك أن التلقي الأكاديمي ليس هو نفسه تلقي العامة للسينما ذلك أن مستويات التحليل و ومرجعياته تختلف بشكل كبير ذلك أن عامة الناس تركز على المضمون والقصة والأحداث أما الأكاديمي فينفذ الى عمق هذا العمل السينمائي عن طريق التحليل النفسي والتشريح السيكولوجي للشخصيات والتحليل السيميائي للألوان والصورة والديكور والتحليل اللساني واللغوي للكلمات والحوار ثم فهم للمرجعيات النفسية المتحكمة في كتابة السيناريو، والتحليل الصوتي ما يفرض أننا أمام اختلاف في الاذواق واختلاف في مستويات التلقي والدراسة النقدية.
من القضايا التي تثير المتلقي هي رحلة معنى او ما يسمى بالتناص الثقافي التناص التضميني أو الامتصاصي بين مختلف الأعمال السينمائية ذلك ان الفكرة تتكرر في هذا العمل وذاك بين من يحسبها سرقة وبين من يخبر أنها مجرد تناصات ثقافية معروفة في الحياة تخضع لنظرية الجنس الأدبي ،فالجنس السينمائي يتحكم في ميولات المتلقين بين محبي الكوميديا والكوميديا السوداء، وبين ميال للتراجيديا و بعدها المأساوي بين من يفضل الدراما والسيكو دراما فهذا يشكل الفرق بين المخرجين في مقاربتهم للتيمات والإخراج، وترصيف المتن باختيارات معينة في الزمان والمكان وغيرها من العناصر : الصورة والديكور والممثلين والأدوار والملابس والإكسسوارات، وغيرها من المستويات المتصلة بإبداعيه الفيلم ، الذي يتم إخراجه باعتبار وجود قارئ ضمني يراعيه المخرج أثناء القيام بعمله الشاق ومهنته ومهمته الصعبة في توحيد الخطاب السينمائي للفيلم الواحد، ولعل فكرة ارتحال المعنى من فيلم لآخر ترجع بنا إلى التلقي بل إلى الحسم في أفضلية هذا العمل على ذلك، فمثلا في مقاربه قضية معينة كالهجرة فإن ذلك يخضع للاختيارات التي يحددها المتلقي والمخرج على حد سواء بما يخدم الجمال ، لأن الجمال بيت القصيد ومهوى الفؤاد وفيه المتلقي المفقودة التي يبحث عنها يريد أن يجدها ليتحقق التماهي والتطهير في النهاية . لهذا تقول الباحثة:" إن عنصر الجمال هو الأكثر بروزا لإثارة انتباه المتلقي"5.
فعملية التلقي على كل تسير وفق خطوات ومنهجية مضبوطة تتحكم في فعل القراءة والتلقي ، مراعية تلك الشروط التي يمكن أن نقول أنها تقوم على الجمال والتواصل ذلك أن أي عمل إبداعي هدفه الأول والأخير هو التواصل وبالتالي إحياء الذات الجماعية وتدويرها وتذويبها ضمن ذات المتلقي، ما يعني إدماجها" ضمن نطاق عملية تواصلية التي هي تلذذ بالذات ضمن لذة الآخر وبالتالي يربح القارئ تلك المسافة التي تفصل حاضره عن ماضيه الذي أصبح غريبا عنه" 6.
فالماضي والحاضر مهمان في حياة المتلقي ومن كينونة الذات المتلقية ، إذ أن كل إنسان يعمل بجدية في التلقي يجعل مطلب حضورهما شيئا واضحا ، فتبعث ذات المتلقي الماضي في الحاضر والحاضر في الماضي لتحقيق التطهير النهائي في لا وعيها عن طريق مواقف تتطلب مرجعيات من الماضي الذي عاشته وربما تطفئ خوفا ولهيبا هو المستقبل الذي يشكل دائما المنتظر المؤرق لكل ذات متلقية، فتغسل فؤادها وتحقق تطهيرا ذاتيا عن طريق تلقي اللغة السينمائية المسموعة والمرئية التي تحدث شرخا بين الخوف واليقين ، فالذات المتلقية تدمج نفسها في العمل السينمائي وتعيش الأدوار تعيش مع المغفل غفلته ومع البطل قصته وأحداثه ومغامراته ومع الشرطة دور القصاص وتطبيق القانون وملاحقة الهاربين منه ، بل وتجعل المتلقي ذاتا مبدعة داخل الخطاب السينمائي ما يجعل تلقي عن طريق عيش العمل السينمائي والاندماج فيه شيئا جميلا ومطلوبا.
سبق وذكرنا بأن الإخراج عملية ثقافيه معقده ايضا من خلال اختيار الأدوار والممثلين وتحديد فضاءات التصوير وغيرها من إنتاج ومونتاج صوتي ، والصورة والديكور والألوان ،واللعب فوق الركح وتوجيه الكاميرا بكل إبداع،مهمة صعبة لكنه ما يزيد و ينقص من ابداعية الفيلم و شعريته فينعكس سلبا وإيجابا على منطق المتابعة والتلقي وأعداد المتفرجين ما ينعكس على نمط وأسلوب المخرج بعد التلقي والنقد.
حتى حركه الكاميرا هي الأخرى تختلف حسب الجنس والنوع و الديكورات وحركات الكاميرا والشخصيات، تقول الباحثة وتختلف حركات الكاميرا و محاورها من نوع فيلمي لآخر ففي نوع أفلام الأثارة والتشويق قد تبئر عدسة الكاميرا وقد تخفي بعض الحقائق والأحداث عن الجمهور وتكشفها تدريجيا بأكثر الطرق مهارة، كما تستعمل الكاميرا السائرة في الافلام البوليسية لنقل ملاحقة الشرطي للمجرم وهذا يختلف عن الأفلام التي تعتمد على الصورة والإيقاع كعناصر أساسية. وقد يكون إيقاع التوضيب وتأثيره وتأطير اللقطات أقرب إلى إيقاع الصوت في الفيلم (قريب /سريع) حتى يضمن مبدع الفيلم اللذة لمتلقي فيلمه"6.
تتشكل الحركة الفنية السينمائية مراعية وجود متلق ضمني فحتى الأنواع والأجناس والمواضيع والأحداث تتحكم في الصورة وحركيتها وإعداد ابداعيتها حتى يتلقاها المتابع حتى محققا لذلته في الفرجة ، وبالتالي فإن فعل التلقي يوجه كل الأعمال المرتبطة بالتصوير حتى الصوت والصورة واختيار الألوان والديكور، لان السينما تبقى خطابا أدبيا له مقوماته الإبداعية التي تضمن أدبيته وشاعريته في طريقه نحو الاخراج النهائي ما لا يمكن نكران قيمته .
وتعتمد السينما في سرديتها على الصورة المتحركة التي تقدم للمشاهد صورا أيقونية هي اقرب إلى المجاز، أي هي أشياء مصوره ، تكاد تعادل الصور المرجعية فصورة مسجد أو بناية مثلا وفقط هو فقط تمثل تجسده الصورة، وهي تعني حسب تعبير كريستيان ميتز (هذا مسجد او هذه بناية)، أي أن مخرج الفيلم يشير لنا كمتلقين أن ننظر إلى هذا المسجد أو تلك البناية"7.
فالسينما خطاب الفرجة والخطاب السينمائي لم يعد ينشد في طريقه إلى المتلقي جذبه وإمتاعه وتحقيق التطهير النفسي والاجتماعي، والبحث عن حلول لقضايا اجتماعية عالقة أو توجيهيه إلى أشخاص وأنماط سلوكيه معينة أو قضايا ذات بعد اجتماعي وإنما بات يبحث عن الشرعية في العملية الإبداعية وجوانبها المختلفة من خلال مراعاه جوانب مهمة تتلى في البحث عن المشروعية وعن حجاجية إقناعية تستهدف المتلقي في مستوياته الفكريه المختلفة وبالتالي هذا البحث عن مشروعية تقول عنه الباحثة :" في بدايتها كانت السينما دون مستقبل كما أكد لومير كانت من غايتها الإمتاع والجذب وتحقيق الفرجة غير أنها شيئا فشيء بدأت تبحث لها عن الاعتراف على غرار الفنون الأخرى كالمسرح والأدب لتتحول بذلك إلى أداة حاكية فاقت بلغتها المركبة لغة الفنون الاخرى فأصبحت السينما حكيا من خلال السيناريو والتصوير والتوضيب وصولا إلى الفيلم كإنتاج نهائي يسرد ويحكي وفق سلسلة تجذب المتلقي لتتبع الأحداث والغوص في عمق القصة"8 .
انظر هنا الى عمق العمل السينمائي الذي لم يعد فقط بحثا عن الفرجه والمتعة بل بحثا عن الاعتراف بأدبية الصورة السينمائية كفن من الفنون وأدب من الآداب، الشيء الذي سيتأتى للسينما من خلال مقوماتها المختلفة التي جعلت من أيقونة صورتها وقوة توضيبها وإخراجها وإمدادها بإقناعية وحجاجية كبيرة جعلتها تقتحم الساحة الأدبية بشكل كبير بانية لنفسها صرحا مكنها من أن تكون فعلا من خلال الأفلام أداة لتوجيه المتلقي وإقناعه بل وإدماجه في سيرورة الحكي الذي يختلف عن الحكي الشفهي الذي ألفه في حياته العادية مجاوزا إياه إلى مصاحبة الصورة والتعامل معها بل والقيام بعملية معقدة معقدة هي التلقي التي تضم التفسير والفهم والتأويل والإدماج الشيء الذي يسر من مهمة السينمائي في فهم ميولات المتلقي فجعل السينما بذلك ابنة بيئتها تستجيب لضرورة العصر ومتطلبات البيئة واحتياجاتها غير أن سردية السينما تختلف عن سردية القصة المحكية بكونها خطابا مسموعا بصريا فهي سردية أيقونية وسيمائية متعددة المرجعيات.
لكن في لا يمكن تلقي السينما إلا مع اعتماد وجود متلق ضمني يمطر بدلالاته وفرضياته هذا الخطاب السينمائي، ويقرأه ليفككه ويعيد إنتاجه وقراءته ذهنيا وفكريا باستثمار مجموعة من القدرات والمهارات والكفايات التي كانت متضمنة في قدراته الذاتية وثقافته الأم لكن هذا لا ينقص من قيمه قدره النص الإبداعي على الاقناع وأهميته في تطوير قدرات المتلقي في تفكيك الخطاب المشفر والصور الأيقونية المحملة بالانزياحات.
الإحالات الهوامش:
1. محمد شويكة ، السينما المغربية : تحرير الذاكرة تحرير العين، سليكي أخوين ، ط1،طنجة 2014، ص 73.
2. بشير قمر ، دراسات في السينما ، منشورات الزمن ، ط1، 2005، ص 14.
3. جميلة عناب ، التلقي من الأدب إلى السينما ، سليكي أخوين ، ط1، طنجة فبراير 2018، ص 23.
4. جميلة عناب ، التلقي من الأدب إلى السينما ، سليكي أخوين ، ط1، طنجة فبراير 2018، ص 23.
5. المصدر نفسه، ص ، 26.
6. المصدر نفسه ، ص 96.
7. المصدر نفسه ، ص 106.
8. المصدر نفسه ، ص 106.



#محمد_الرحالي (هاشتاغ)       Mohammed_Rahali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سَنَاءُ اَلرُّوحٍ
- فَاسُ فِي أْنَفاِسيِ
- شذرات ثقافية عن المرأة الحسانية
- عبد العزيز الطوالي يشعر الصمت ليلا
- السينما في المدرسة: فن أم مادة دراسية؟ لكمال بن ونِّيس/ ترجم ...
- المرأة الأمازيغية منتجة للتراث وموضوعا له
- المسرح نبش في الأسس
- البعد الاجتماعي في الزجل المغربي
- نظرة تاريخية موجزة عن الترجمة
- السينما المغربية وتوظيف التراث الشعبيّ: نحو تجديد الخطاب الس ...
- المسرح الشعبي المغربي الإرهاصات والتأسيس: الحلقة والأشكال ما ...
- الترجمة تقنياتها ودورها في المثاقفة.
- المدينة في الشعر المغربي المعاصر.


المزيد.....




- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الرحالي - تلقي السينما المغربية ( الحلقة 1)