أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - لؤي الشقاقي - القناص الصغير















المزيد.....

القناص الصغير


لؤي الشقاقي
كاتب _ صحفي _ مهندس

(Dr Senan Luay)


الحوار المتمدن-العدد: 6626 - 2020 / 7 / 23 - 11:28
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    


نحن شهداء نمشي على الارض ، فقط ننتظر الدور .. حكاية مقاتل
خلال عملي كـصحفي عاصرت وعايشت الكثير من الحروب والاحداث العسكرية والاحتجاجات في مناطق ودول عديدة ، وقد زرت العراق ضمن الفريق الاعلامي الذي يتردد على جبهات القتال لتغطية الحرب ضد عصابات داعش ، وشاهدت الكثير من الحالات والمواقف ابرزها كان لشاب صغير اسمه قاسم .
ففي يوم اخذتنا القوة العسكرية المرافقة الى احدى القرى المحاذية لمناطق سيطرة داعش ، كان الجيش والمتطوعين "الحشد" قد حرروها قبل يوم واحد فقط ، سمحوا لنا ان نتجول فيها مع اخذ الحذر الشديد من ان اي شيء قد يكون مفخخ وقابل للانفجار ، كنت اسمع عن مدن الاشباح لكني لم اتصور اني سوف اشاهدها ، كان كل شيء فيها مرعب تكاد الأرض والجدران تنطق من هول ما رأت ، دمار و حُطام منتشر ، رائحة الدماء والبارود تعبئ المكان وتملئ الجو ، كأن القرية مهجورة منذ قرون ، عجلات محترقة دور وجدران مهدمة الاشجار و اعمدة الكهرباء ساقطة على الارض ومضاريف الرصاص الفارغة اكثر من عدد الحصى والرمال ، كان المجرمون قد حفروا الجدران ليصلوا البيوت ببعضها حتى ينصبوا كمائن للقوات المهاجمة ويؤمنوا طريق أمن للخروج "حرب عصابات" ، تنتشر المطبات والحفر في كل الشوارع ولا يمكن لأي عجلة ان تسير فيها "علمنا ان هذة الحفر والمطبات كانت عبارة عن عبوات ناسفة انفجرت اثناء المعارك" ، كان القوات العراقية قد اكملت للتو تمشيط القرية واخلاء الجثث واشلاء الشهداء حتى نتمكن من الدخول .
بعد ان استوعبنا الصدمة الأولى انتشرنا نصور ونسجل ما رأينا وبينما ان اوثق واصور شاهدت شاباً صغيراً من المتطوعين "الحشد الشعبي" لم يخط شارباه بعد يجلس القرفصاء ينظف سلاحه بعناية ، سلمت عليه و رد السلام بجفاء مكتفياً ب اهلا
على عكس طبيعة العراقيين في الترحاب والحفاوة بالغريب فزاد رده في فضولي الصحفي ، وتقدمت منه وقلت له
كيف حالك يابني
فأجاب
- اهلاً اخي
- مابك ؟ لما انت عصبي ومحتد؟
- ليس بي شيء ، لكن ورائي عمل يجب انجازه
- هل ازعجتك ؟
- لا ولكني متعب ولم انم منذ البارحة ويجب ان انظف بندقيتي قبل النوم
- لست هنا لأتعبك ؟ لماذا يجب ان تنظفها الان وليس في الصباح ؟! ولماذا لا تنام ؟
- انت صحفي وتحب الاسئلة كثيراً وانا متعب لكن سأجيبك
اولاً لانها بندقية جدي الشخصية
ثانياً يجب ان انظفها لانها قديمة وتحتاج عناية تحضيراً للمواجهة
ثالثاً انا انام في هذا الموضع
ورابعاً وهو الاهم اني مصاب بنزلة برد والجو قارص البرودة كما ترى
- تنام هنا في هذا البرد ؟
- نعم فهذا موضعي كما اخبرتك ويجب ان استمكن وأأمنه جيداً واخفي نفسي ، فأنا قناص هذه المجموعة
- تحملني قليلاً فأجابتك زادت فضولي اكثر
- تفضل
- لماذا تحمل بندقيتين ؟
- ياعم نحن فلاحين من قرى الجنوب البسيطة ولكن طباعنا صعبة فالعرض والارض والنخوة والتضحية قيم مقدسة ، وعندما احتلت عصابات داعش اجزاء من العراق تطوع البعض للقتال ، انا لم اتطوع لانني لوحدي اعمل في ارضنا ولي اخ لازال طفل واخوات وانا المسؤول عنهم بعد وفاة والدي ، وفي يوم حلمت بان مجموعة من الدواعش يقتلون الرجال ويأخذون بنات القرية سبايا ، وظهر ابي في جانب الصورة ووبخني بشدة
"وسفة عليك انته مو ابني ليش عفت خواتك وبنات الديرة بيد الانذال"
ارعبني هذا الحلم كثيراً وسألت الشيخ "ملة" فنصحني بان اذهب للتطوع وعندما علمت امي رفضت خوفاً عليّ، فذهبت لجدي الذي اقنع امي وشجعني واصر ان اخذ بندقيته وكفنه
"جدو اني جبير ومابيه حيل اشارك اخذ هاي بندقيتي حتى ينحسب الي اجر الجهاد في سبيل الله ، وهذا الجفن مالي جبته من رحت عمرة اخذة يحرسك ويحميك حتى ترجعلنه سالم غانم"
واتيت الى هنا وهذة ثالث قرية نحررها من الدواعش بعد قتال شديد، بندقية جدي اتعبتني تحب التنظيف والعناية ولكنها قوية دقيقة في القنص وتخترق الدرع ، والبندقية الاخرى ألية لحمايتي وللمناورة والهجوم القريب
- قصة جميلة فعلاً بارك الله بك ، ولكن لما لا تشعل ناراً وتتدفئ
- استاذ لا استطيع ان اشعل ناراً خوفاً من القناصة فهم ينتظرون مثل هذة الاخطاء ليتصيدونا
ما هذا الاصرار والعزيمة والبطولة رجل في جسد وعمر طفل مراهق لا يتعدى 19 عام يتحدث كأنه مقاتل محترف .
بعد مرور نصف ساعة غربت الشمس وبينما نحن نتجاذب اطراف الحديث دوى صوت انفجار في اطراف القرية وبدأت اصوات الرصاص تلعلع في كل مكان فأضطرت القوة المرافقة لنا اخلائنا خوفاً علينا من ان نصاب بأذى فقد تعرضت القرية وخط الصد كما يسموه الى تعرض اي هجوم مكثف ، سلمت على قاسم مودعاً وغادرت وانا اخفض رأسي للأسفل خوفاً من رصاصات القناص كما نصحني صديقي قاسم .
بقيت اتنقل بين قواطع عدة لتغطية احداث القتال وفي كل مرة ابحث في الوجوه لعلي اجد صديقي الصغير قاسم ولكني افشل ، بعد عدة اشهر وجه لي قسم الاعلام دعوة لتأبين شهداء المعارك مع داعش وتكريم عدد من الابطال ، وحضرت الدعوة ورأيت صور الشهداء على شاشة عرض كبيرة ، كان بعضاً منهم شباب صغار ولكن ما اثارني ان هناك شيوخ وكهول ، المقعد الذي بجانبي كان فارغ جاء رجل عسكري وجلس بجانبي وبينما نحن ننظر الى الصور بادرني قائلاً
- كيف حالك استاذ ؟ افتقدتك
التفت له واذا به صديقي قاسم
- كيف حالك ياصديقي اشتقت لك كثيراً ، اين القى بك الدهر ؟
- هنا قربك ههههههههههه
- هههههههههههه كنت ابحث عنك في كل وحدة عسكرية ازورها لعلي اراك ، ومن حسن حظي انني رأيتك، تعرف
- ماذا ؟
- كنت اخشى ان ارى صورتك بين الشهداء ، وكلما عبرت صورة ليست لك احمد لله
- حفظك الله استاذ يشهد الله اني احببتك جداً ، لكن الشهادة ليست بعيدة .. فنحن شهداء نمشي على الارض ، فقط ننتظر ان يأتينا الدور لا اكثر
هزتني جملته تلك وحاولت ان اغير الموضوع
- مالذي اتى بك الى الاحتفال ؟
- انا مدعو للتكريم كأحد ابطال المعارك
- تستحق هذا فأنت بطل
- استاذ لماذا تحبني لهذه الدرجة ؟
- لاني رأيت فيك نبل الفارس ونخوة العربي ورأيت فيك ولدي فأنت في نفس عمره
- اشكرك استاذ وحفظ الله لك ولدك
وبقينا بعد التكريم الى العصر وتناولنا الغداء معا حتى حان موعد الفراق وودعته .
استمر عملي مع قوات الجيش والمقاتلين لفترة طويلة ولم ارى الفتى، تم توجية دعوة لي من قسم الاعلام لمرافقة حملة لتعليق صور الشهداء في شوارع بغداد تكريماً لهم وعرفاننا، ولبيت الدعوة مع عدد من الزملاء وبدأنا نوثق تعليق الصور وردود الفعل على هذه الفكرة ، تجمهر الناس واختلطت مشاعرهم بين البكاء والفخر، وبينما انا منشغل بالتصوير والتوثيق شاهدت صورة بين الشهداء اسقطتني على الارض
انه الفتى قاسم
كان يحمل بندقية جده ويلتفع بكفنه ويضحك ذات الضحكة التي ودعني بها اخر مرة فصحت بعد ان انفجرت دموعي مدراراً
- هذا صديقي هذا شهيد كان يمشي على الارض والان جاء دوره ليرتقي للسماء



#لؤي_الشقاقي (هاشتاغ)       Dr_Senan_Luay#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اخفضت رأسي
- عربي في facebook
- اموات
- تلبية لرغبة الشعب سنقطع الراتب
- وداعاً احمد نورس اسيا
- الجمال الناطفِ
- السمراء والشعر الاشقر
- هل الاستقطاع يحل الازمة ؟
- لاتحزن ان الله معنا
- الموت في زمن الكورونا
- جز الكباش السِمان افضل من سلخ الحملان
- القدسية أفضل أم الحظ ؟
- ترويض الفيلة
- استثمار ام بيع
- 4/9 ذكرى احتلال العراق بعد 17 عام
- ليلة معركة المطار بكى فيها القمر
- فاجعة العبارة الموصلية
- ومن يخرج من داره في زمن الكورونا مجرم
- جرد حسامك و ابدأ التقتيلا
- صفاء ابن ثنوة لم يقتل


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول / ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
- سلام عادل -سیرة مناضل- / ثمینة یوسف
- سلام عادل- سيرة مناضل / ثمينة ناجي يوسف
- قناديل مندائية / فائز الحيدر
- قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني / خالد حسين سلطان
- الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين ... / نعيم ناصر
- حياة شرارة الثائرة الصامتة / خالد حسين سلطان
- ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري ... / خالد حسين سلطان
- قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول / خالد حسين سلطان
- نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية - لؤي الشقاقي - القناص الصغير