أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - في إشكاليات العقل الديني ح1















المزيد.....

في إشكاليات العقل الديني ح1


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6625 - 2020 / 7 / 22 - 22:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يبقى العقل الديني بمعنى الفكر المبني سلفا على تنظيم معطياته ونتاجه على التمسك بالقاعدة الإيمانية التي يتبناها وفقا لمعيار أساسي هو موافقتها او مجافتها لما يفهمه أن شرط حدي يرجع فيه كل شيء للدين والدين وحده هو من يجيز له أو يردعه ,العقل الديني هنا لا يفصل بين ما هو شخصي وذاتي وبين ما هو ديني لأن حقيقة التدين تتطلب ذلك ,بمعنى أنه يسلب خياراته الإنسانية التي جعلها الله أساسا في دائرة الحلال الأكثري وأيضا في دائرة المباح المسكوت عنه والذي يمثل في الحقيقة المساحة الأوسع من متطلبات التوافق والعيش في الوجود , ليضيق هذه المساحة بحيث يجعل الأقلي القاعدة والأكثري الإستثناء, في فتوى لأحد رجال الدين عن ممارسة الرياضة أفتى بأنها حرام بناء على قاعدة ما يلهي عن ذكر الله فهو حرام ,ولم يبني على قاعدة علموا أولادكم السباحة والفروسية ووو , المهم أن الإستدلال كان خارج المنطق الديني ذاته حيث أن المحرم لا يقاس عليه بل محكوم بالمطابة التام لعلة التحريم بالنص .
هذه الإشكالية ليست وليدة التفكير الإسلامي لوحده بل نجمع على أنها مرتبطة بكل أشكال التفكير الأيديولوجي المبني على عنصرية الفكرة وطرحها بأعتبارها تمثل قيم الأنا المتضخمة كما عند الكثير من الأفكار الشمولي حيت يحصر المفكر حركة الوجود وتفسيراتها وتبرير اتها بما يؤمن به ويعتقد , وكأن الرب الذي نظم هذا الكون هو من أيضا مؤمن بهذه الأيديولوجية أو الفكرة, المتدين حينما يربط كل شيء بتفسير ديني يسء للدين ولله أولا ويسخر من عقله لأن الله تعالى لا يفعل ذلك لمجرد أنك تؤمن بذلك, الله رب الناس ويتعامل مع الخلق جميعا بمعيار واحد أنه مسئول عن الجميع والجميع مسئول عن خياراتهم ,المسئولية هنا ليست مركزية بالكلية كما هي ليست فوضوية, هناك نظام تكليف وهناك نظام تعريف والتكليف كما نفهم هو في الجزء الإسترشادي العقلي والتعريف أيضا في جزء منه يخضع له التكليف, بمعنى لولا الوعي التعريفي لم يعبد الله لم يقبل بحقيقة الدين .
الفرق بين التكليف والتعريف من حيث المصدرية أن الأول منصوص ومخصوص ومتقصد بمعنى فيه جانب إلزامي بالتعاط أو بالترك وهو ما يعرف بالحلال والحرام , وهما أبديان مع أبدية النص يدوران وجودا وعدمه به , وحيث أن النص محكوم بقاعدة المطلق يسري على أطلاقه ما لم يقيد بنص أخر مساوي له بالقوة ومن ذات المصدر وبالتالي لا يجوز تقصير أو تمديد حكم النص برأي أو قراءة ذاتية أعتباطية لنص أخر أو مورد أخر وإلا عد ذلك تدخل وتحديد في حق المشرع في فرض حدي الإلزام ,أما التعريف فهو ما لا يجب أن يتحدد به أحد أو شرط التنصيص فيه ملزم, مثلا لا يتوجب على الشارع أن يبين المباح والحلال بنصوص لأنها بالأصل ستعرف من خلال مفهوم المعاكسة لها ,الخمر حرام وكل ما يسمى خمرا حقيقة ويشابهه في الوصف وليس المصداق هو حرام صودا وليس نزولا ,ما هو أشد تأثيرا من الخمر حرام والأقل منه ما لم يسمى عادة خمر فهو مباح بقدر ما يتجنب حقيقة الوصف .
هذا التقسيم لا يعيه العقل الإسلامي بل لا يعترف به ولا بنتائجه لأنه بني حراكه وتحركه على التحوط السلبي من أنتهاك الحرام هذا إذا كان حسن النية وأما إذا كان متعمدا فهو يبني على قاعدة المشكوك في حكمه حرام حتى تتبين جليا حليته وهذا أيضا مناقض لقاعدة الأصل في الأشياء الحلية والبراءة, من هنا لا يمكن أن يتحرك العقل الديني نحو أبتداع مفاهيم وأفكار جديدة لأنه مبتلى بالفرز ومجهد حاله في وضع حدود ضخمة للفرز بين اللونين دون أن يتذكر أن الحياة ليست بيضاء كما هي ليست سوداء ,بل هي مزيج متعدد من الألوان والافكار والروى جميعا تشترك وتشارك في بناء العقل بقدر أو بأخر .
من أساسيات العمل الفكري الحر شرط تخليه عن الفكرة المسبقة التي تحكم بالبديهيات أو المسلمات أو التي تبرر للفكرة المسلم بها، الجمود والثبات والحصانة من التغيير والتحديث تحت أي علة أو فكرة أخرى , التفكير الحر يعتمد على حقيقية الديناميكية الزمنية في الحكم على أية حاله مادية أو معنوية لأن الحرية أساسا تعني أحترام الزمن وقوانينه, من جهة أخرى هناك حقيقية نسبية أخرى كثيرا من المفكرين لا يؤمنون بها ضرورة حتمية أو حتى تكتيكيا وإن تكاد تكون قاعدة عامة وهي تخلي الفكر عموما وخاصة شديد التأثر بالتوجهات العلمية الصارمة والفلسفية المعاصرة من مفاهيم الثبوتية والإطلاق والتماميه والكمال، التي أصبحت عبء فكري ووجودي يجب التخلص منه أو على الأقل عدم الركون له في المجالات العملية والنظرية التي يراد لها أن تكون أصيلة وقابلة للتطور .
لا ندع شيئا فريدا ولا نبتكر مفاهيم من خارج منظومة الواقع عندما ننادي اهل الفكر والمنظرين وصناع الرؤى والاستراتيجيات بهذا الكلام، وإنما نحاول أن نذكر بعض العقول والأقلام التي ما زالت لحد هذه اللحظة الزمنية يتعاطون مع الكتابة بنفس وروح ومنهج ما قبل النصف من القرن، ويعتبرون أن النجاح في توصيل الفكرة أهم من محاولة أستفزاز العقل وقيادته لعوالم فكرية أبعد من حدود الواقع , ويعتبرون أن تحرير العقل المبدع من إطارية الممكن والمعقول إنما هي محاولة لا تجدي نفعا، ويصفونها بأنها نوعا من التعالي أو البطر الفكري اللا منتج , وهنا ينبري أصحاب الفهم الضعيف والمتوسط ممن لا يستطيعون أن يجدوا في عالم الفكر المتجدد شيئا مما يبحثون عنه أو يفهمونه للدفاع عن فكرة التبسيط بل والتساهل الذي يصل لحد السذاجة وأحيانا الانحطاط الفكري دون تقدير لأهمية تحرير الفكر والخروج من دائرة التبسيط .
الكتابة في زمن العولمة والحداثة لم تعد كما كانت تبحث عن تسطير بناءات فكرية ومعرفية على مجموعة حقائق أو مجموعة مسلمات، بل صار المنهج اليوم أن نبني العمارة الفكرية مرتبطة بمفهوم الأفتراض أولا والعمل على تقديم مفاهيم متحركة تقود الفكر للحركة وتسمو به وليس الاستقرار في العقول والكتب ,أي بمعنى أدق أصبحت الكتابة والبحث الفكري أكثر ثورية وأشد في قلقها النابع من كون جوهر الفكرة يمتلك طاقة حركية لا تثبت على نقاط محددة تعتبرها نهايات بل كل نقطة هي مشروع لحركة جديدة وكل نقطة تقودنا غلى سلسلة من النقاط اللاحقة، وبذلك نتغلب على قولبة الفكر ونخرج العقل البشري من فكرة سكونية الوجود إلى قاعدة أن لا شيء ثابت وكل مطلق هو وهم بقدر ما يمنح العقل سلطة كشف ونقد واستشراف مع حد الزمن .
الذين يتوهمون أنهم قادرون على إعادة أنتاج الفكر الساكن في قبور التاريخ وتسخيره لخدمة الإنسانية لا يمكن أن يطرحوا نموذجا خارج تلك المقابر بكل ما فيها من أمراض ومن جمود وتحجر، وبالتالي أرى من المحال أن يتخلصوا من أزمتهم الفكرية المغلقة بالثوابت، حتى لو أنتجوا كم هائل من الفكر والرؤى التي تراوح مكانها، وسط عالم لا يقبلوا أن يبحثوا له عن عنوان جديد أو ممر جديد، وطالما أنهم يؤمنون بما قيل وما وصل وما أستقر الذهن عليه وينصاعون له ,إن مهمة تجديد الفكر تقوم على قاعدتين مهمتين الأولى أعترافنا أن الزمن حاكم مطلق في إستيلاد الفكر وتجديد مقوماته ونظرياته ومناهجه، وبالتالي لا يمكن ان ننكر الحركية الذاتية له , وثانيا أن الجديد ليس دائما يعني هدم مفاهيم وأفكار ثبت الواقع على أنها قادرة على الملائمة والمطاوعة مع الزمن وبالتالي المعيار ليس خارجيا فقط في الحكم بل للذات الفكرية والمفكرة دور في التمييز والانتخاب .
من المهم جدا الان تحرير المنظومة الفكرية والمعرفية من المفاهيم التقليدية ومحاولة فتح الباب امام الأشكال والأنماط الفكرية التي تغزو العقل الإنساني خارج حدود الزمان والمكان، تبعا لحقيقة أن العقل الإنساني واحد وبإمكانه أن يتتبع الخطوات الأساسية التي يخطوها العقل الآخر بذات الأتجاه مع ملاحظة أن التطور والتحديث، ليس قصوريا ولا محددا بعالم دون أخر ,أنه يعيش أساسيا داخل منحنيات التفكير ذاته حين يمنح الظرف المناسب، وأوله الحرية والتدريب والملائمة وتجنيبه شروط المكان وشروط الخصيصة الضيقة للواقع , التجربة الإنسانية واحدة في التكوين وواحدة بالهدف والغاية أما ما يشغلها ويمزق مساراتها هو فعل الأنا الفردية والجمعية والتي لا بد أن تحجم بحدود أحترام وجودها الطبيعي ليس أكثر .
مهمة الكاتب الحداثوي والمتوافق مع غايات التطور والمنسجم مع روحية وإرادة الارتقاء هنا تتحدد من خلال وعي الوعي المستجد والمتجدد ,وعي بقدرة الفكر والثقافة والمعرفة من أنها أدوات صنع الإنسان الجديد والمناهج المعبرة عن إرادة الحياة بكل ما تعني كلمة حياة من دلالات الحركة والتطور والبحث عن محالات الحرية الإنسانية في أن تكون أساس إرادة الإنسان القابل للترقي، هي ذات الإرادة التي تصنع النصر على الذات وعلى الممكن وعلى الواقع الذي يرفض مغادرة الزمن التأريخي المأسور والمأزوم بالتراث وتحت عناوين الإصالة الزائفة .
لقد أنتجت الكثير من الأمم التي سبقتنا عياراتها الخاصة ومقاسات العامة في توصيف الجديد والحداثي ونجحت في أن تتجاوز إشكالية التأريخ والتراث بوعيها، أن لا التأريخ وحده قادر أن ينفذها من براثن التخلف والجمود ولا التراث بكل ما فيه من قوة أستطاع أن يقدم نموذج جديد للحداثة الفكرية أو يؤسس لما بعد التأصيل الفكري المرتبط بالتاريخ فقط وليس بالوعي الوجودي , الوعي هو من ساهم وجدد ركائز ومفاهيم الرؤى مستفيدا من كل الإرث الإنساني ومتفاعلا مع إرادة الحياة الحرة للمجتمعات، وبدون هذه الوقائع لم يكن بالإمكان لا للمجتمع الأوربي خاصة ولا الغربي عموما أن يلتقط النقاط الأهم والضرورية في متابعة عصر التنوير وما تلاه من أزمنة وعصور الحداثة وما بعد بعد الحداثة، والتي نحن اليوم نقف على أعتاب عصر الأفتراضية الحر, عصر تتداخل فيه الحقائق مع الخيال واليقين مع الشك وصولا لفكرة أن الوجود محض إحساس وليس كما كان يتصوره البعض أنه المادة الفاعلة التي لا تفنى ولا تستحدث, بل عصر الوقائع اللا نهائية في كل شيء في التصور والتحول والتطور .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في إشكاليات العقل الديني ح2
- الحياة والخلود هم الإنسان الأزلي
- حروب الله أم حروب البشر المتألهين؟
- الفكر السياسي العراقي الراهن بين المراهقة والتخلف.
- العراقيون ومن يقتلهم ولماذا يقتلون؟
- هل من نهاية قريبة لواقع العراق السياسي؟
- ظاهرة الزعامة ورمزية الزعيم في الوعي العراقي
- الدرس..... قصيدة في رثاء الإنسان
- بناء المجتمع بين الرؤية والمنهج العملي
- القطاع المصرفي العراقي الخاص الرؤية والمستقبل
- في ذكرى تحرير الموصل داعش الواقع والصورة والأسباب ح2
- في ذكرى تحرير الموصل داعش الواقع والصورة والأسباب ح1
- مكافحة التطرف والطائفية بين البحث عن الأسباب والمعالجة الواق ...
- الزمن مدار من مدارات البحث عن الوجودية ح1
- الزمن مدار من مدارات البحث عن الوجودية ح2
- رسالتي للرب... عبر صندوق بريد السفارة
- النفط وكورونا والنصف الثاني من عام 2020.
- في فهم المعنى أولا
- أين يبدأ الوعي الإيماني وأين ينتهي؟.
- كونية المستقبل من خلال الأجتماعية التاريخية الجدلية


المزيد.....




- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها
- يهود أفريقيا وإعادة تشكيل المواقف نحو إسرائيل
- إيهود باراك يعلق على الهجوم الإيراني على إسرائيل وتوقيت الرد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - في إشكاليات العقل الديني ح1