أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - يونس برادة - الفعل الحزبي وسؤال الديمقراطية في المغرب: قراءة في طبيعة النظام السياسي المغربي وجوهر الممارسة الحزبية















المزيد.....



الفعل الحزبي وسؤال الديمقراطية في المغرب: قراءة في طبيعة النظام السياسي المغربي وجوهر الممارسة الحزبية


يونس برادة

الحوار المتمدن-العدد: 1594 - 2006 / 6 / 27 - 09:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ملخص

تنشد هذه الدراسة مقاربة منطلقات الممارسة لدى النخبة السياسية المغربية مجدسدة في الاحزاب السياسية استنادا الى طبيعة النظام السياسي وقواعده المعلنة والمضمرة المؤثرة على الفعل الحزبي في معناه ومبناه. فالارتباط بين الديمقراطية كمنظومة متكاملة الحلقات وجوهر الاداءالحزبي يعتبر جدليا وحتميا بقطع النظر عن اختلاف الارضيات وتباين الاطر المرجعية المحددة لطبيعة الفعل الحزبي خاصة وان الحزب السياسي كمنطلق يعبر عن هاجس الرغبة في بلورة تصور للمجتمع ولطبيعة التحرك في اطاره ضمن قناعات معينة تمثل في جوهرها أساس الوجود الحزبي ذاته.

مقدمة للتأصيل

بقطع النظر عن تباين أشكال الانظمة السياسية في الوطن العربي يبدو ان نقطة الالتقاء الاساسية تتمثل -ولو أن ذلك يتجلى بنسب متفاوتة وحسب سياقات سياسية وايديولوجية وتاريخية متضاربة -في سوءال الديمقراطية التي تعد ليس فقط نموذجا نظريا "براديغم" لضبط نطاق الفعل السياسي بل كذلك اطارا جامعا لفلسفة الحكم ومنطلقات التدبير.

وإذا كانت التنمية في البلدان العربية لاتزال مطلبا وغاية، فان ركنها الأساسي يتمثل في سندها السياسي والعقائدي المتمثل في اعمال الديمقراطية كأساس تنموي استراتيجي. وهو واقع ما انفك يراوح مكانه في الوطن العربي الذي لم يحسم أي من مكوناته بعد في الديمقراطية نهجا وتمثلا.

وغني عن البيان أن وجود الاحزاب السياسية يرتبط تاريخيا وواقعيا بالديمقراطية كفلسفة للحكم. وهو ما يطرح اشكالية الوجود الشكلي والوجود الفعلي الوازن في الدينامية السياسية.

من هذا المنطلق يعد الحديث عن الفعل الحزبي والديمقراطية أساسيا، خاصة على مستوى التأصيل النظري لفهم بعض ملامح الازمة التي تسم السلوك الحزبي العربي ومن خلاله جوهر النظام السياسي. فالعلاقة بين الاثنين مطبوعة بالجدلية والتفاعل الحتمي.

وفي هذا السياق، يعن موضوع الفعل الحزبي في المغرب كمثال شاخص عن مسألة الديمقراطية ليس فقط كإشكالية متصلة بتضارب التصورات وتباين التمثلات واختلاف أشكال التفعيل بل كذلك كصيرورة ممتدة تاريخيا ومؤسساتيا.

غير أن التساؤل عن الحزب السياسي في المغرب يظل بالاساس تساوءلا حول طبيعة النظام السياسي، اذ لا يمكن منهجيا تحليل مواطن الخلل في الفعل الحزبي أو مظاهر التعثر في الممارسة الديمقراطية داخل البناء الحزبي دون استقراء الاساس الاستراتيجي المهيكل لهذا السلوك متمثلا في جوهر السلطة السياسية.

لقد كانت المرحلة الاستعمارية في المغرب -1912-1956- إطارا لبروز الأحزاب السياسية منذ 1934 تاريخ انبجاس أول تنظيم حزبي ممثلا في كتلة العمل الوطني التي كانت جسرا موطئا لترادف عدد من المكونات الحزبية في المنطقتين السلطانية الواقعة تحت النفوذ الفرنسي(1) والخليفية الخاضعة للاستعمار الاسباني(2) في صيرورة اكتست طابع رد الفعل على الحماية(3) الفرنسية والأسبانية ارتكازا على استراتجية المواجهة وفق أساليب تمايزت حسب هوية الواقفين وراءها ومرجعياتهم ومنطلقاتهم السياسية مرحليا و استرانيجيا.(4)

وإذا كانت وضعية الاستعمار قد طرحت نفسها كمحدد موضوعي في تفاعل المكونات الحزبية مع الواقع المفروض، فان مرحلة الاستقلال فرضت رهانات جديدة على مستوى البناء السياسي للبلاد خاصة على الصعيد المؤسساتي محاولة إعطاء أبعاد استراتيجية للعهد الجديد من خلال طرح إشكالية القطيعة على مستوى طبيعة النظام السياسي المغربي.

وكانت سنوات الاستقلال في هذا المنحى تجسيدا لتجاذبات مضمون المرتكزات السياسية المراهن عليها إذ ظهر الاختلاف جليا حول منطلقات تأسيس مغرب ما بعد الحماية سواء داخل مكونات أحزاب الحركة الوطنية وفي طليعتها حزب الاستقلال أو بين هذه الأحزاب والمؤسسة الملكية التي راهنت على استثمار شرعيتها لما قبل الحماية وشرعيتها السياسية في عهد الحماية للتموقع كفاعل مركزي ومتحكم في السلطة السياسية ما بعد الحماية.

فالاختلاف حول مضمون السلطة السياسية وصيغ الوصول الى ممارسة تكتسي بعدا ديمقراطيا والتباين حول الاختيارات الاستراتيجية في مغرب الاستقلال ظلت عقبات متواترة في تحقيق التوافق السياسي حول المنطلقات والاهداف ومن خلالها الوسائل والاليات، مما تولد عنه توتر مستمر بين مكونات الطبقة السياسية تبعا لمراحل تطورها وترتيبا على طبيعة تفاعلاتها.

وشكلت طبيعة السلطة السياسية في هذا الخضم محددا محوريا في تطور الحياة السياسية في المغرب، اذ لا يقابل تصورات المعارضة الحزبية -كما تشكلت تاريخيا وتفاعلت مؤسساتيا- لآليات تحقيق الديمقراطية أو على الاقل تسريع وتيرة الدمقرطة إلا تمثل الملكية لدورها المركزي في تحديد قواعد اللعبة السياسية وضبط المجال السياسي بشكل يجعل السلطة السياسية مغلقة في حقيقتها لاتصالها باليات لاضفاء الشرعية ترتكز على البنيات التقليدية للحكم في محدداتها التاريخية -التراثية والسياسية- الدينية والتي ترتهن بها اشكال التحديث السياسي في إطار مفهوم الملكية الدستورية الذي لايمكن استحضاره الا داخل النسق السياسي المغربي ووفق الضوابط التي حددت معالمها الموءسسة الملكية في سياق تعاملها مع المسألة الديمقراطية منذ الحصول على الاستقلال وتمثلها لمدى قلب معادلة التغيير والاستمرارية ومن خلالها العلاقة بين الماضي المؤسسي والحاضر السياسي.(5)

وتطرح في هذا الصدد مسألة الخصوصية السياسية كاستحضار لمرتكزات النظام وهويته العقائدية ومنطلقاته التأسيسية، ومن ثمة كمحاولة لابراز الهوية السياسية(6) في بعديها الافقي المتصل بالسلطة السياسية والعمودي المقترن بالمجتمع المغربي.

وبالوقوف على بعض القراءات التي انبرت الى استنطاق المحيط السياسي المغربي يلاحظ أن اشكالية الخصوصية ظلت وازنة سواء من حيث طبيعة المقاربات أو على مستوى التعامل مع الوقائع انطلاقا من هاجس فهم استمرار النظام السياسي المغربي بمنطق الاستحضار المؤسساتي للموروث السياسي مع توظيف أشكال التحديث في اطار مجال الملكية الدستورية كمعادلة تلازمية لاتخلو من أزمة بنيوية بين النغيير والاستمرار اذ أن طرح الخصوصية لايجد سنده فقط في مقومات مجتمعية محضة بل كذلك على مستوى خطاب الملكية حول نفسها أو تفاعلها مع باقي مكونات الحقل السياسي في المغرب.(7)

في هذا الاتجاه حاو لت بعض الاطروحات التعامل مع لواقع السياسي المغربي باستكناه محدداته المرجعية في مستوياتها التاريخية والانتروبولوجية كأطروحة الباحث الامريكي جون واتربوري في نهاية الستينيات، أمير المؤمنين. الملكية المغربية ونخبتها(8) التي تعتبر اختزالا للتعامل مع الواقع السياسي للمغرب خلال العشرين سنة الاولى من الاستقلال استنادا الى الطرح الانقسامي الذي ينطلق من المحدد القبلي القائم على جدلية الانشطار والانصهار في خضم التنافس الدائم حول أهداف ومصالح متضاربة ليكون موءدى المواجهة أو التكتل استمرار التوازن من جهة(9) والبحث عن زعيم رمز يجسد الاستمرارية من جهة ثانية. وهو طرح تستحيل معه الاحزاب السياسية الى امتداد للنسق القبلي بالياته الانقسامية -القائمة على النسب والسلالة- وتجلياته السلوكية اذ يصبح الملك في ضوء ذلك حكما للفرقاء الذين يعتمدون استراتيجية دفاعية تختزل في التموقع ازاء الاخر والاتجاه الى تكريس الامر الواقع بعيدا عن المواجهة الاستئصالية ليصبح نظام العنف المستمر إفرازا بنيويا للمقومات المجتمعية في مستوياتها الدنيا والعليا على حد سواء.(10)

ولا تختلف أطروحة الباحث الفرنسي ريمي لوفو، الفلاح المغربي حامي العرش(11) التي همت على الخصوص مرحلة الستينيات من حيث نتيجة الجمود السياسي أو سكونية الحقل السياسي الوطني عن هذا المنحى.

وفضلا عن أطروحة الجمود التي راهنت انطلاقا من مقاربة سوسيولوجية على البعد الشمولي لفهم واقع التوازنات السياسية برزت عدد من الدراسات التي حاولت في مجملها قراءة محددات العمل السياسي في المغرب ارتكازا على مقاربات متباينة كالمقاربة الدستورية في بعديها الشكلي والسوسيولوجي والقراءة السياسية التاريخية التي انبرت الى فهم الحاضر من خلال الماضي في سياق ترابط جدلي يختزل الاستمرارية البنيوية لنظام الحكم في المغرب والقراءة السوسيولوجية التي تموقعت في نقط التقاء الفعل السياسي بالمغرب في مستو ياته المتداخلة دينيا وسياسيا بدءا بالمرتكزات المرجعية وانتهاء بتجليات العلاقة بين الفاعلين.

ويمكن الدفع في هذا المنحى بأن مقاربة الحزب داخل النظام السياسي المغربي قد تسهم في ملامسة طبيعة النظام ووضعية الفاعلين انطلاقا من رؤية تجزيئية تتجاوز المستوى الجزئي المحدود لتصبح تشريحية في غاياتها باعتماد التصور الشمولي القائم على الربط بين المكون ومحيطه العام من جهة ووضعيته داخل النظام من جهة ثانية. فقراءة الفعل الحزبي كمكون جزئي في النظام السياسي المغربي تبرز، منهجيا، كإطار لتحليل النظام السياسي القائم انطلاقا من الاحزاب ورصد وضعية الاحزاب انطلاقا من النظام ضمن تصور تفاعلي أساسه الوقوف على السياق وفهم المحددات ورصد التجليات.

ولعل لطرح هذا الموضوع بهذه الصيغة ما يسوغه منهجيا، اذ أن تنامي الخطاب التشكيكي في الاحزاب السياسية بمختلف مشاربها خاصة في تسعينيات القرن العشرين ومطلع هذا القرن بموازاة بداية الحديث عن التحول السياسي وبروز الظاهرة الجمعوية التي أضحت رديفة في بعض الكتابات لخلل العمل الحزبي وتعثرات البناء التنظيمي للاحزاب السياسية(12) بل وانخراط الملكية ذاتها في مساءلة شكل ومضمون الفعل الحزبي(13)، لا يقابله موضوعيا الا اغفال المحددات المركزية للفعل الحزبي في ظل النظام السياسي المغربي وطرح الخلل في العمل الحزبي دون اثارة مسبباته ولا الوقوف على سياقه تاريخيا ومؤسساتيا وايديولوجيا.

وتأسيسا على هذه المعطيات المنهجية تعكف هذه الدراسة على مقاربة الفعل الحزبي في المغرب في فصلين يرصد الاول محددات الفعل بينما ينكب الثاني على ضبط أهم مظاهره انطلاقا من طبيعة النظام السياسي المغربي.

الفصل الأول: محددات الفعل الحزبي بالمغرب

اذا كانت كل سلطة سياسية مهددة من الناحية المبدئية في أساسها(14) من خلال امكانية تطور موازين القوى أو تغير القواعد الضابطة للعمل السياسي، فان قراءة مكانة الفاعلين داخل النظام تمر عبر النفاذ الى الاسس المهيكلة لطبيعة الفعل السياسي والوقوف على قواعد واصول اللعبة السياسية واحتمالات تجاوزها أو خرقها.

على هذا المستوى يمكن الاتجاه بالرأي الى أن الوقوف عند الاسس المركزية للفعل الحزبي بالمغرب تحيل الى محاولة سبر أهم المحددات المهيكلة لهذا الفعل مع ما يستتبع ذلك من انعكاسات على نمط سلوك الاحزاب وتفاعلها أفقيا، داخل النظام، وعموديا، مع المجتمع.

ويمكن في هذا الصدد الارتكاز على محددين محوريين يتجسدان في مركزية المؤسسة الملكية الفرع الأول، وتمثل الوظيفة الحزبية الفرع الثاني.

الفرع الأول: مركزية المؤسسة الملكية

بتأمل عدد من الكتابات التي انصبت على النظام السياسي المغربي خاصة في عهد الاستقلال، يلاحظ أنها جعلت من الموءسسة الملكية قطب رحى هذا النظام اعتمادا أساسا على المقومات التي ترتكز عليها تاريخيا ودينيا وسياسيا واستنادا الى واقع موازين القوى الذي أهل الموءسسة الملكية الى أن تظل محتكرة لما يمكن وصفه بحقيقة السلطة.(15)

أولا - الملكية في الهرم الدستوري

يتصل طرح مكانة الموءسسة الملكية في الهرم الدستوري باشكالية الديمقراطية التي ظلت مناط السجال المستمر بين الملكية وأحزاب الحركة الوطنية منذ الحصول على الاستقلال ولخصت الى حد بعيد الاختلافات الجوهرية القائمة على مستوى تصور كل طرف داخل النظام السياسي.

وتنطلق الملكية في تصورها لمكانتها الدستورية من اعتبارات تتجاوز المنطوق الدستوري لتستحضر جوانب مستمدة من الثقافة السياسية السائدة اعتمادا على شرعية تقليدية تمزج بين الدين والتاريخ.

وعلى هذا الأساس تتجه الملكية الى الدلالات الدينية لتوظيفها في خطابها السياسي قصد تأكيد سموها السياسي الدستوري معتبرة أن أمر الحكم في المغرب يتصل برابطة بين الملك وشعبه والتي تبقى، حسب تعبير الحسن الثاني، أكبر عامل في صنع تاريخنا المديد، فهي التي كفلت استمرار المغرب طيلة قرون تحت سلطة أسلافنا المقدسين كدولة لها كيان محفوظ وحوزة منيعة ومقومات محترمة(16). كما أن عرش المغرب كان على الدوام – كما يقول الملك محمد السادس - أكثر من رمز للسيادة، لأنه ظل ولا يزال، قيادة وطنية مسؤولة واعية لأمانتها العظمى ضمن ملكية شعبية، العرش فيها بالشعب والشعب بالعرش(17).

ومن هذا المنظور اختارت الملكية دستورا، يتلاءم مع التقاليد المغربية والمزاج المغربي والانسية المغربية.(18) وهو ما يفسر التداخلات التي تمزج بين المضمر والمعلن والعرفي والمكتوب في التعامل مع الشأن السياسي في المغرب.

وبصرف النظر عن الاختصاصات الكلاسيكية لرئيس الدولة يبدو أن المكانة السياسية- الدستورية للموءسسة الملكية تحتل موقعا مهيمنا في الهرم الدستوري برمته كما يجسد ذلك الفصل التاسع عشر الذي ينص على أن الملك هو أمير المؤمنين والممثل الاسمي للأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حمى الدين والساهر على احترام الدستور. وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات. وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة.

وبذلك يتجلى نظام الحكم في المغرب ملكيا شكلا ومضمونا، إذ أن الملكية تسود وتحكم. وهذا ما يذهب اليه الملك الراحل الحسن الثاني بقوله: "إن الشعب المغربي اليوم أكثر من أي وقت مضى في حاجة الى ملكية شعبية اسلامية، ولهذا يحكم الملك في المغرب، والشعب نفسه لايستطيع أن يفهم كيف يمكن أن يكون ملكا ولا يحكم، فلكي يستطيع الشعب أن يعيش.. وتكون الدولة محكومة، يجب أن يعمل الملك وأن يأخذ بين يديه سلطاته ويتحمل مسؤولياته"(19)

وإذا كان الفصل التاسع عشر من الدستور مفتاحا مبدئيا لتبين مركز الموءسسة الملكية في البناء الدستوري، فهو يجسد أيضا المنطلقات العقائدية الكبرى التي تراهن عليها الملكية لادارة دفة الحكم في البلاد. وهو ما يفسر استحضار الملك محمد السادس - الذي تو لى السلطة رسميا في 30 يوليوز 1999- لمنطوق هذا النص في خطابه للشعب (20) تأكيدا بذلك لاستمرارية الموءسسة الملكية الاعتبارية والمادية ومركزية مكانتها الدستورية.

وظلت الملكية منذ دستور 1962 محافظة على موقعها المحوري في الهرم الدستوري اذ لم تكن سلطتها محل نقاش أو موضع تقليص فعلي بمناسبة المراجعات الدستورية الاساسية لسنوات 1970 و1972 و1992 و1996.

فاذا كان الملك طبقا للفصل 24 من دستور شتنبر 1996- الذي اعتبرته المعارضة التاريخية الممثلة في جل الاحزاب المنتسبة للحركة الوطنية تطورا ملموسا في القانون الدستوري المغربي - يعين أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول، فالفصل ذاته يؤكد أن الملك هو الذي يعين الوزير الاول دون تحديد للوضعية السياسية التي يتم على أساسها هذا التعيين. كما أن أمر الاعفاء لايخرج عن دائرة المبادرة الملكية متيحا بذلك الدفع بأن الملك يبقى الرئيس الفعلي للجهاز التنفيذي خاصة وأنه يرأس بحكم الفصل الخامس والعشرين من الدستور نفسه المجلس الوزاري، وهو ما يوءهله عمليا الى التأثير أو على الاقل المساهمة الوازنة في تدبير الشأن العام وتوجيه السياسة الحكومية.

ويخول الدستور أيضا للملك التدخل المباشر في الحياة البرلمانية - ومن خلالها طبعا الحياة الحزبية في ارتباطاتها البرلمانية - ليس ققط بواسطة مخاطبة البرلمان دون أن يكون مضمون الخطاب محل نقاش بل أيضا من خلال امكانية حل البرلمان بعد اجراءات شكلية.(21)

وتتوفر الملكية دستوريا على سلطة كبرى في مجال التعيين التي تصنف نظريا في خانة موارد السلطة(21) اذ يعين الملك في الوظائف المدنية والعسكرية كما يعين القضاة باقتراح من المجلس الاعلى للقضاء الذي يرأسه شخصيا.

وانطلاقا من هذه الجوانب، يبدو أن مجالات التحرك السياسي -الدستوري تخول للمؤسسة الملكية إمكانية التحكم المبرم في سائر الموءسسات ليصبح المسلسل الدستوري في المغرب مسلسلا للمحافظة على السلطة(23) التي يضبطها ويوجهها القصر حسب تعبير الباحث الامريكي جون واتربوري.(24)

ثانيا- جوهر السلطة في المغرب

عندما تتحدث الملكية عن نفسها غالبا ما تلجأ الى تمجيد مكانتها السياسية من خلال استحضار بعدين: بعد ديني – سياسي، البيعة والإمامة الشرعية، وبعد تبريري براغماتي، ضمان وحدة اشعب والتراب. فعلى المستوى الأول، تحرص الملكية في مواجهة باقي مكونات الحقل السياسي على ابراز مصدر وجودها بناء على نظرية الحق الالهي التي تجعل من السلطة مسألة توقيفية أجل من أن تكون شأنا عاما، فهي مسألة - يقول الحسن الثاني - لايمكن تفويتها ولا تفويضها 24م لأنها تجسيد لـ بيعة الإمامة الشرعية التي تطوق عنقنا وعنقك- يقول الملك محمد السادس - موصولة بما سبقها على امتداد أزيد من اثني عشر قرنا موثقة السند بكتاب الله وسنة رسوله الكريم ومشدودة العرى الى الدستور المغربي(25).

أما البعد الثاني فيؤكده خطاب الخصوصية الذي يعد أساسا في تحديد شرعيات النظام السياسي المغربي من خلال الاشارة الدائمة والمكثفة الى دور الملكية في تاريخ المغرب. فالحسن الثاني لم يتردد في الجزم بأن الموءسسة الملكية هي التي صنعت المغرب(26) وأنها كانت ضرورة ولزوما(27) إذ ارتبط بها المغرب ارتباطا يصل الى درجة الحتمية التي عبر عنها العاهل المغربي بقوله: "لولا ملكية شعبية لما كان المغرب أبدا""(28).

وفي هذا الاتجاه تتسم الموءسسة الملكية بحضورها الشامل في المجالات المتصلة بالسلطة السياسية، مباشرة، أو بالتبعية، من خلال الاختصاصات الواسعة التي تعود للملكية دستوريا وسياسيا.

ولعل هذا الواقع يجد سنده أساسا في البنية المخزنية للنظام المجسدة في أساليب الحكم التقليدية التي تعتمد على الإرادة والقرار والتعليمات وموازين القوى في التعامل مع القضايا البشرية)29(. كما أن عهد الحماية على مدى عقوده الاربعة لم يكن ليستأصل الموروث المخزني رغم تحويله لدور المخزن التقليدي)30( الذي يظل حاضرا ماديا وسوسيولوجيا وان كان غير وارد صراحة قانونيا ومذهبيا.)31(

وبالوقوف على ملامح السياسة المخزنية في مغرب الاستقلال يتضح أنها قامت في مجملها على تدعيم السلطة المركزية)32( من جهة والتهميش الفعلي للفرقاء السياسيين خاصة أحزاب المعارضة المشكلة من مكونات الحركة الوطنية من جهة ثانية، إضافة إلى إعادة تشكيل الوسائط التقليدية في البوادي واعادة تحريك العالم القروي من الناحية السياسية لجعله ذائذا عن حياض العرش)33( مع الاعتماد على النخب المحلية في المدن والبوادي.(34( واحكام الطوق على الجهاز البيروقراطي. وتعتبر الثقافة الرعوية(36) مناط تمثل النظام المخزني لعلاقته بالمجتمع(37) وأيضا بالطبقة السياسية التي تتحول الى دعامة اسنادية بدل أن تكون طرفا وازنا في القرار السياسي الذي يستحيل بذلك الى قرار شبه مغلق.(38). ويرتكز البعد المخزني للسلطة السياسية الى وجود نوع من التماهي بين الحاكم والمحكوم اذ ملك البلاد هو قبل كل شئ ملك لرعاياه - يقول الحسن الثاني - لأن رعاياه يستحوذون على قلبه(39).

ووفق هذا المنطق تتحول العلاقة بين الملكية والشعب الى ارتباط عضوي لا يحول دونه حائل(40) بما في ذلك المنظمات الوسيطة وفي مقدمتها الاحزاب السياسية. فالعلاقة قبل كل شيء أبوية في كنهها(41). وهو ما يفسر - نظريا على الاقل - الحضور المكثف للمؤسسة الملكية سياسيا ودستوريا ومجتمعيا الى درجة يتحول معها الشأن السياسي الذي يبقى فعلا فوق الأفعال(42) إلى شأن ملكي أولا.(43)

وتعتبر إمارة المؤمنين مستوى ملازما من حيث الجوهر للبنية المخزنية للنظام مع فارق شكلي يتمثل في التنصيص عليها دستوريا من خلال الفصل التاسع عشر لتضمن بذلك الملكية حضورا استراتيجيا في المجال الديني عبر التحكم في السياسة الدينية للدولة(44) وقطع الطريق على حركات الاسلام السياسي واللجوء الى استعمال هذه الصفة على نحو توقيفي في اللحظات الحرجة سياسيا أو حتى في ظروف الفراغ السياسي. وبذلك تبدو الملكية سلطة دينية وسياسية. وهو ما يؤهلها بداهة إلى إخضاع السلطة السياسية لمنطق ما يمكن الاصطلاح عليه بـ التأويل الاستراتيجي الذي يجعلها في حل من كل التبريرات القانونية الصرفة المختزلة في مسألة المشروعية كما تكون قادرة وفق هذا التصور -الذي يكتسي بعدا ميتافيزيقيا حصريا- على وضع التكييفات الملائمة لتصورها للشأن العام في لحظة ما من تطورا لمغرب السياسي .

الفرع الثاني: تمثل الوظيفة الحزبية

تثير إشكالية مكانة الحزب في النظام السياسي المغربي لزوما الوضعية التي سطرها المشرع الدستوري للموءسسة الحزبية ترتيبا على الاختيارات الاستراتيجية للنظام من جهة وطبيعة الرهانات المتصلة بالاحزاب السياسية في المجال السياسي الوطني مرحليا واستراتيجيا من جهة ثانية.

أولا: التعددية الحزبية كمبداء دستوري استراتيجي

تعتبر التعددية الحزبية مظهرا أساسيا في المشهد السياسي المغربي لمغرب الحماية اذ أثمر النضال ضد الاستعمارين الفرنسي، المنطقة السلطانية والأسباني والمنطقة الخليفية(45) حركة وطنية بدأت موحدة وكتلة العمل الوطني سنة 1934 قبل أن تتناسل مكوناتها بموازاة تطور مواجهة الادارة الاستعمارية وتباين المواقف بخصوص استراتيجيات الكفاح. وظهرت الطريق معبدة في مغرب الاستقلال لتكريس واقع راسخ في طور تاريخي موضوعي مغاير خاصة وأن ولوج عهد ما بعد الحماية كان ايذانا باختمار الاختلافات التي كانت مضمرة في الحقبة الاستعمارية قبل أن تبرز ملامحها مع الدخول في مرحلة متباينة أصبحت فيها السلطة السياسية مناط كل تحرك وموضوع كل سجال. فكان أن بزغ واقع الثنائية في المشهد السياسي الايديولوجي مجسدا في التنافر البنيوي بين الثوريين والإصلاحيين والمحافظين والتقدميين والليبراليين والاشتراكيين.

و جعلت الملكية من التعددية الحزبية مبدءا دستوريا ثابتا يلخص مراهنتها على واقع سياسي تعددي ينسجم مع طبيعة الموءسسة الملكية الحاكمة والتحكيمية أولا ويجسد الانتصار السياسي الذي حققته الملكية في صراعها المضمر أو المكشوف مع المكونات الحزبية التاريخية وخاصة في المرحلة الاولى للاستقلال حزبي الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي انفصل عن الاول وكان يحمل لواء خطاب التقدمية والحداثة والتحول الديمقراطي.

وتجد التعددية الحزبية في المغرب ترجمتها الدستورية في البند الثاني من الفصل الثالث من الدستور الذي ينص على أن نظام الحزب الوحيد غير مشروع(46) كما أن الفصل التاسع يشدد في بنده الثالث على حرية جميع المواطنين في تاسيس الجمعيات والانخراط في أية منظمة نقابية وسياسية حسب اختيارهم(47).

واذا كان هذان الفصلان يلتقيان موضوعيا في تصور التعددية الحزبية كاختيار قطعي في النظام الدستوري المغربي فان البند الثاني من الفصل الثالث يثير في منطوقه وعلى مستوى الاحتمالات المتصلة به خمس ملاحظات أساسية:

1/ يلغي هذا البند مبدئيا احتمال وجود حزب قادر على اكتساح الساحة السياسية. وهو تصور يتناقض جوهريا مع التنافس السياسي ولو في حدوده الإفتراضية.

2/ لا يعني - انطلاقا من مقاربة وقائعية بعدية- حظر نظام الحزب الوحيد عدم استساغة تنظيم انتخابات بمشاركة حزب وحيد شريطة ألا يكون طرفا متفردا في المنافسة السياسية حالة انتخابات 1970 التشريعية التي شهدت مشاركة حزب الحركة الشعبية واللامنتمين فيما قاطعتها باقي الأحزاب. فالحظر المقصود يبدو متجها الى طبيعة المشهد الحزبي وليس الى طبيعة المشهد البرلماني.

3/ بناء على منطق الدستور لايستساغ سياسيا تشكيل تحالف حزبي استراتيجي ينصهر في شكل تنظيم موحد يماثل الكتلة التاريخية ويكون قادرا في مرحلة معينة على جعل الاحزاب الاخرى عاجزة عن المنافسة السياسية.

4/ يعتبر التنصييص على عدم مشروعية الحزب الوحيد تاكيدا باللفظ لما ورد بالمعنى. فالحديث في البند الاول من الفصل الثالث عن الاحزاب بصيغة الجمع موءداه التعددية السياسية كما أن اقرار حرية تاسيس الجمعيات السياسية في الفصل التاسع يمثل اعترافا صريحا بوجود تعددية حزبية.

5/ يلتقي هذا البند موضوعيا مع المعنى الذي كرسته الملكية لمفهوم الملكية الدستورية التي توجب حتما - يقول الملك الراحل الحسن الثاني- أحزابا سياسية لا حزبا واحدا.(48)

ثانيا: التحديد الدستوري للوظيفة الحزبية

بقراءة الدستور المغربي يتضح ان المشرع الدستوري انتقل على مستوى ضبط التحرك الوظيفي للحزب السياسي من البعد العام دستور دجنبر 1962 الى مستوى تقليصي ابتداء من دستور 1970.

1/ البعد العام للوظيفة الحزبية في الدستور المغربي

حدد البند الاول من الفصل الثالث من دستور دجنبر 1962 وظيفة الحزب داخل النظام السياسي المغربي في كون // الاحزاب السياسية تساهم في تنظيم المواطنين وتمثيلهم مختزلا بذلك الوظيفة الحزبية في ثنائية التنظيم والتمثيل السياسي مع اضفاء بعد عام على المجال الوظيفي الحزبي من خلال عدم اقحام تنظيمات او هيئات أخرى غير المنظمات السياسية في هذا التحديد.

وبالرجوع الى القانون الدستوري المقارن يلاحظ أن الفصل الرابع من دستور 1958 الفرنسي ينص في بنده الاول على ان الأحزاب السياسية والتجمعات السياسية تساهم في التعبير عن الاقتراع كما ينص الفصل 21 من القانون الاساسي الالماني على ان الاحزاب السياسية تساهم في تشكيل الإرادة السياسية والتعبير عنها.(49)

على هذا المستوى يتبين أن الدستور مضى في تحديد الوظيفة الحزبية ارتكازا على منطقها العام المتعارف عليه في التصنيف الكلاسيكي الذي يحدد ثلاث وظائف للحزب السياسي تتمثل في تشكيل الرأي واختيار المرشحين وتأطير المنتخبين. فتطرق الدستور المغربي لمسألة التنظيم يحيل بداهة على الوظيفة التأطيرية التي تعتبر احدى الوظائف المركزية للحزب السياسي خاصة في المنظومة الثالثية(50)/ من خلال الاحزاب الاساسية المرتبطة بمسلسل التحرير الوطني والتعبئة من اجل بناء الدولة الحديثة.(51)

ولا يختلف التوجه المبدئي للملكية عن هذا التمثل التعبوي الذي يتعين موضوعيا ادراجه في سياقه العام من جهة وتحديد ملامحه استنادا الى المقومات الاستراتيجية للنظام السياسي المغربي من جهة أخرى. وهذا واقع يمكن استشفافه من خلال ما ذهب اليه الملك الحسن الثاني الذي اعتبر أن الاحزاب السياسية اضطلعت في عهد الحماية بمهمة تأطير السكان واذكاء الحس الوطني لتنظيم الاضرابات والمظاهرات.(52) أما دورها في عهد الاستقلال فيجب أن يتجسد - من منظور الملكية- في تأطير السكان من اجل تكوينهم وتنويرهم.(53)

وبذلك تصبح الأحزاب المتماهية مع التصور الملكي للوظيفة الحزبية ناهضة بـ دورها الوطني ومرتعا حقيقيا للتأطير السياسي، على اعتبار أن مجال تحرك الحزب السياسي ومضمون عمله يوءهلانه الى أن يكون الإطار السياسي للرأي العام.(54)

وعلى مستوى التمثيلية يلاحظ أن الدستور المغربي ترك الباب مشرعا دون أن يربط التمثيلية الحزبية للمواطنين بالمسلسل الانتخابي. فتعامل الملكية مع الاحزاب السياسية لا ينطلق بالضرورة من مبدأ الاقتراع أو مدى تمثيلها لقاعدة انتخابية معينة، كما أن الحياة السياسية المغربية منذ الاستقلال عرفت فترات لم يكن فيها للانتخابات أي موطىء قدم، ومع ذلك تعاملت الملكية مع المكونات الحزبية انسجاما مع تقييمها الخاص لمكانة كل حزب على حدة ولثقله السياسي.

وترتبط الوظيفة التمثيلية للاحزاب في مقام اخر بمهمة تأمين الوساطة داخل النظام السياسي.(55) وهو ملا ينسحب من منظور الملكية على منطق النسق السياسي المغربي الذي لايقر بأي وساطة بين الملك والشعب.(56)

ومع ذلك يمكن القول ان دستور 1962 قد أضفى على الوظيفة الحزبية طابعا عاما سرعان ما توارى في خضم تجاذبات الحياة السياسية خاصة منذ اعلان حالة الاستثناء ما بين يونيو 1965 ومارس 1970.

2/ تسييج الوظيفة الحزبية في الدستور المغربي

لجأ المشرع الدستوري وهو الملك أولا وأخيرا منذ 1970 وهو الواقع نفسه بالنسبة للدساتير الثلاثة الاخرى المراجعة لسنوات 1972 و1992 و1996 إلى تسييج وظيفة الحزب في النسق السياسي المغربي. وبذلك أصبح الحزب السياسي مجرد طرف في تنظيم المواطنين وتمثيلهم ترتيبا على منطوق البند الاول من الفصل الثالث من الدستور الذي ينص على أن الاحزاب السياسية والمنظمات النقابية والجماعات المحلية والغرف المهنية تساهم في تنظيم المواطنين وتمثيلهم. ويطرح هذا الإقحام ملاحظات أساسية يمكن إجمالها في أربعة استنتاجات.

أولا: مزج التعديل الدستوري في هذا الباب بين التمثيلة السياسية كمعطى لصيق بالاحزاب السياسية من الناحية المبدئية وتمثيليات أخرى غير مشابهة في جوهرها وفي محصلتها داخل النظام السياسي ككل كالتمثيلية النقابية والمهنية.

ثانيا: ربط هذا البند بين التنظيم في مفهومه العام الذي تنهض به نظريا الاحزاب السياسية والتنظيم في مفهومه الحصري ومعناه الضيق الذي يتعلق بشرائح معينة كالتنظيم النقابي والمهني.

ثالثا: أفرغ هذا البند المسألة التأطيرية من محتواها الحزبي التعبوي بعد أن جعل التنظيم يهم الجماعات المحلية والغرف المهنية، ليصبح التأطير المقصود بذلك تقنيا في مضمونه واجرائيا في أبعاده.

رابعا: بقراءة البند الثاني من الفصل الثالث الذي ينص على أن نظام الحزب الوحيد غير مشروع يبدو أن المشرع الدستوري كان يروم بتسييجه البند الأول من هذا الفصل التنقيص من أهمية التمثيلية السياسية للاحزاب ودورها في المجتمع السياسي عموما، على اعتبار أن البند الثاني ظل حكرا على الاحزاب السياسية.

ويلاحظ أن هذا التعديل - الذي تبقى مع ذلك دلالاته السياسية أكبر من عواقبه الدستورية- جاء بموازاة ادراج صفة جديدة على الموءسسة الملكية اذ أصبح الملك بمقتضى الفصل التاسع عشر هو الممثل الأسمى للأمة،(57) وهو ما يعزز السلطة التقديرية للموءسسة الملكية في التحكم في التوازنات السياسية العامة وتدعيم إمكانيات التأويل الاستراتيجي وفق المنطق الذي ترتئيه الملكية للنسق السياسي المغربي بمختلف مكوناته وأبعاده ومستوياته.

ولعل هذه الصفة تجعل الوظيفة التمثيلية للحزب السياسي- والتي لا يمكن فهم وجوده اصلا في غيابها أو تغييبها(58) في درجة ثانية مقارنة بما يمكن الاصطلاح عليه التمثيلية العليا المجسدة دستوريا وسياسيا في الموءسسة الملكية.

وإذا كانت الملكية تنظر الى الاحزاب السياسية كشريك ضروري - من الناحية المبدئية- في خطاب التحديث السياسي على الأقل في مستوياته الشكلية ضمن استراتيجية الملكية الدستورية فان المراهنة على الأشكال العصرية لم تكن تعني بتاتا من منظور الملكية احداث قطيعة مع البنيات السياسية الموروثة عن عهد ما قبل الحماية، مما أفرز ارثا مزدوجا ارث الماضي بأعرافه وسلوكياته إزاء السلطة وارث الحماية مجسدا في بنية مركبة.(59) وهما إرثان حاول المغرب السياسي المزج بينهما للاستمرار في مضمون ما يسمى بـ الشخصية المغربية.(60)

وكانت لسطوة ارث الماضي اليد العليا في تعامل الملكية مع الاشكال العصرية ومن بينها الاحزاب السياسية حيث الرجوع إلى الماضي يظل نظاما معياريا للتعامل مع الحاضر السياسي.

وانطلاقا من هذه الوضعية يمكن الاتجاه بالرأي الى أن الحقل السياسي المغربي ظل مشوبا -على الاقل منذ الحصول على الاستقلال - بانحصار بنيوي بدءا بالمستوى الدستوري ووصولا الى المنافسة السياسية التي ظلت مجالا مطلبيا للاحزاب التاريخية او المتموقعة في خانة مطالبة النظام. وهو واقع انعكس جوهريا على طبيعة الممارسة الحزبية التي وسمت بمختلف اشكال رد الفعل ضمن نسق مغلق أو دائري يعيد انتاج نفسه دون أن يسائل ذاته أو يعيد تشكيل توازناته وفق منظور استراتيجي أو انطلاقا من تصور براغماتي يوازن بين طبيعة النظام ومتطلبات الفعل الحزبي الطبيعي.

ومن هنا يمكن الوقوف أو على الاقل النبش في بعض ملامح الفعل الحزبي في المغرب وعلاقة ذلك بالممارسة الديمقراطية عموما وداخل البناء الحزبي الوطني على وجه الخصوص.

الفصل الثاني.. إفرازات الفعل الحزبي والإشكال الديمقراطي

بقراءة الممارسة الحزبية في المغرب - على الاقل الى غاية تولي الملك محمد السادس الحكم سنة 1999- يتجلى محددان مركزيان في فهم الاليات المتحكمة في السلوك السياسي للاحزاب المغربية.. محدد العمل في سياق سياسي عام مأزوم ومحدد الانكفاء التنظيمي مع ما يستتبعه من تساوءل حول الديمقراطية الداخلية وخلق الشروط الذاتية لتجاوز انسداد الفعل الحزبي.

الفرع الأول.. هيمنة سياق الازمة

تكمن الاشكالية المركزية في المغرب السياسي منذ الحصول على الاستقلال في التوفيق بين واقع الملكية الحاكمة وتحقيق الديمقراطية كما هي متعارف عليها في المنظومة المرجعية، إذ أن التلازم بين الواقع الاول والمطلب الثاني يكتسي بعدا تنزعيا لاجدال فيه. وظل بالنتيجة السمة المهيمنة على المشهد السياسي الايديولوجي في المغرب حتى في فترة ما اصطلح عليه بحكومة التناوب التوافقي ما بين مارس 1998 وأكتوبر 2002 كتتويج لمسار تصالحي مع المكونات الاساسية في المعارضة الحزبية المغربية وخاصة حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

ومما يسترعي الانتباه في هذا الشأن هو اتسام الحياة الحزبية المغربية بالدوران موضوعيا وذاتيا حول المؤسسة الملكية إما تفاعلا او تجاذبا أو تصارعا بشكل حول الممارسة الحزبية الى رد فعل مستمر في مستوييه السلبي والايجابي ازاء الملكية وخصوصا ازاء تطورات الحقل السياسي والدستوري الوطني.

وبتجاوز انتخابات 27 شتنبر 2002 التشريعية التي اتسمت بنوع من التزكية الضمنية أو الصريحة من قبل الاحزاب الستة والعشرين التي شاركت فيها وأسهمت نسبيا في بلورة بداية الشرعية الديمقراطية،(61) يمكن إخضاع الفترة السابقة لنوع من التصنيف والترتيب المستساغين منهجيا لفهم بعض تجليات هيمنة منطق وسياق الأزمة على مجمل الممارسة الحزبية. وهو ما يمكن الوقوف عليه نسبيا من خلال معطيين متداخلين يتمثلان في أزمة المنافسة السياسية وتشرذم المشهد الحزبي.

أولا.. أزمة المنافسة السياسية

لعل السوءال الذي يطرح نفسه في ظل النظام السياسي المغربي هو مدى وجود مبدأ المنافسة السياسية ومن خلاله مشروعية الحديث عن تنافس مفتوح بين الفرقاء السياسيين خاصة وأن الموءسسة الملكية تقر بهذا المبدأ بل وتجعله أحد ثوابت سياستها الحزبية. وهو ما يمكن رصده جزئيا من خلال الوقوف على طبيعة المنافسة السياسية من جهة وعلى الاشكالية الانتخابية من جهة ثانية.

1- طبيعة المنافسة السياسية..

يمكن قراءة المنافسة السياسية انطلاقا من مستويين.. يرصد الأول السلطة السياسية فيما ينكب الثاني على التوازنات السياسية.

أ/ منافسة خارج السلطة السياسية

بالوقوف على جوهر السلطة السياسية في المغرب يبدو جليا أن المؤسسة الملكية جعلت نفسها فوق المنافسة السياسية مع كونها محور كل العمليات السياسية. فالملكية توءكد طابعها القدسي باعتبارها مؤسسة المؤسسات وهو ما يؤهلها انطلاقا من المنطق السياسي المهيمن الى أن تكون أكبر من أن تخضع لقواعد التنافس السياسي كما يجمل ذلك منطوق الفصل 23 من الدستور الذي ينص على أن شخص الملك مقدس لاتنتهك حرمته.

وتجد قدسية الملكية سندها المرجعي في الانتماء لآل البيت الذي شكل احدى اليات تثبيت شرعية دولة العلويين. ولعل هذا المنطق هو الذي يقصده الملك الراحل الحسن الثاني بقوله ليس الحسن الثاني هو الذي نقدس ولكن وارث دولة العلويين.(62)

ويرتبط مفهوم قدسية السلطة- الذي يصب في خانة السعي الى تحقيق الفعالية السياسية للنظام(63)- بمسألة الإمامة المنصوص عليها دستوريا اذ تصبح إمارة المؤمنين تمظهرا مركزيا لطبيعة السلطة السياسية يوءثر ليس فقط على المجال الديني من خلال اخراجه مؤسساتيا من دائرة التنافس السياسي - كما يلاحظ ذلك الباحث الفرنسي ريمي لوفو-(64) بل بضبط المجال السياسي في كليته بدءا بالاطار العام للفعل الحزبي ووصولا الى قواعد اللعبة السياسية.

ومما يسترعي الانتباه على هذا الصعيد أن التنصيص دستوريا على الامامة لايعني أن المغرب قد دخل مرحلة الدولة الدينية من خلال جعل الشريعة المصدر الوحيد(65) أو على الاقل الا سمى للتشريع بقدر ما يعني نهجا اغلاقيا للمنافسة السياسية وروءية حصرية للشأن العام. ومن هنا فاستعمال الفصل التاسع عشر غالبا ما يتم على نحو توقيفي في اطار سلطة التأويل الاستراتيجي.

وترتيبا على المنطق نفسه يلاحظ أن الاحزاب السياسية المغربية- خاصة منها تلك المصنفة نظريا على الأقل في خانة المكونات القادرة على التأثير-تجد نفسها مسيجة بالتصور الابوي للسلطة السياسية والذي يجعلها حتما خارج المنافسة السياسية. فالملك- يقول الحسن الثاني- هو فوق الجميع وأب الجميع وراعي الجميع.(66) وينتقل هذا التصور من دلالة التحكيم الى دلالة الحكم اذ يصبح مبدأ فصل السلط الذي يعتبر جوهر النظام الديمقراطي وأساس دولة الموءسسات دون معنى على مستوى السلطة الملكية ويتحول الملك الى أب الجميع. أب المشرع وأب المنفذ.(67)

وتحرص الملكية في هذا المنحى على ابراز أن مبدأ فصل السلط ينطبق على المستوى الأدنى(69) أي دون السلطة السياسية، إذ ينسحب على الحكومة والبرلمان ومن خلالهما أو عبرهما الاحزاب السياسية.كما يجد هذا الواقع تعبيره السياسي لدى المؤسسة الملكية في غياب الفصل بين سلطة القصر وسلطة البرلمان(70) لأن ذلك سيجعل الملك مطوقا بمبدأ فصل السلط ومن ثمة طرفا في المنافسة السياسية اذ سيتحول من مجسد للنظام إلى فاعل في النظام.

وفي السياق نفسه تطرح الاستشارات الاستفتائية كمجال لفهم أسس المنافسة السياسية في المغرب باعتبار وجود اللموءسسة الملكية كطرف مباشر اذ أنها هي التي تقترح مضمون المشروع الذي يتعين اجراء الاستفتاء بشأنه. كما أن تعامل الملكية مع هذه الاستفتاءات تعكس نظرتها الاستراتيجية لطبيعة السلطة السياسية أولا ولمضمون التوازنات السياسية الخاصة بالنظام ثانيا.

ويبدو في هذا الصدد ان أستفتاء شتنبر 1992 حول المراجعة الدستورية كان مثالا جليا عن هذا المنحى اذ رغم دعوة أهم أحزاب الكتلة الديمقراطية المشكلة للمعارضة لمقاطعة الاستفتاء لم تخرج النتيجة المعلنة عن النسق شبه الاجماعي اذ مثل الموءيدون 99.96 % كما كان المشاركون في حدود 97.40 %، لتصبح المعارضة داخل وخارج البرلمان مشكلة - وفق هذا المنظور- ما يقل عن ثلاثة في المائة من الناخبين.

ب- منافسة ضمن التوازنات السياسية

تثير مسألة المنافسة السياسية في المغرب من حيث طبيعتها وموءداها اشكالية موقع الاحزاب السياسية في توازنات الملكية الدستورية. فوجود أحزاب متضاربة الروءى أو متبانة التوجهات لم يكن في حد ذاته الا ليخدم مفهوم التعددية الحزبية والسياسية في المغرب . غير أن هذا الوجود غالبا ما لا يرتبط بإمكانية التواجد انطلاقا من منافسة مفتوحة تعتمد على قواعد سياسية مضبوطة يمارس في اطارها كل طرف سياسي بعيدا عن منطق التوازنات المضمرة التي تحول عددا من الفرقاء الى دائرة التهميش السياسي.

وبمقاربة الواقع السياسي المغربي يتضح أن العشرين سنة الاولى من الاستقلال غلبت عليها أزمة مستحكمة تمثلت أساسا في الحلقة المفرغة التي وسمت العلاقة بين الملكية وأحزاب الحركة الوطنية خاصة حزبي الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية من خلال العجز عن تحقيق نوع من التراضي السياسي للخروج بمشروع مجتمعي سياسي يكون أرضية لبناء المجتمع ورسم ملامح هويته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.(71)

ويتأتى القول بأن سياق التعبئة حول الصحراء المغربية منذ 1975 نجح في التخفيف من حدة انعدام التراضي السياسي بين الملكية والمعارضة كما تجسد عبر انخراط الجزء الاساسي من الحركة الوطنية في المسلسل الانتخابي والاطار المؤسساتي الرسمي وفق الترتيبات الاستراتيجية للنظام.

على هذا المستوى يبدو واقع التوازنات السياسية غير المتوازنة(72) لازمة العمل السياسي الحزبي في المغرب ترتيبا على مضمون أو مضامين العلاقة بين الملكية وأحزاب المعارضة. وهو ما يوءثر بالضرورة على المنافسة السياسية المفتوحة ويحولها الى منافسة دائرية مغلقة أو بالاحرى الى مجرد بحث عن مواقع داخل النظام. ويتجلى هذا الوضع شاخصا من خلال ثنائية تنازعية تتمثل في وجود أغلبية حزبية مستمرة تكونها الاحزاب المتماهية مع الاختيارات الاستراتيجية للملكية ومعارضة حزبية مستمرة تنخرط فيها- بحكم هذه التوازنات- المعارضة التاريخية المجسدة اساسا في أحزاب الحركة الوطنية وذلك في ظل مواقع محددة داخل الموءسسات التمثيلية.

ولتجاوز هذا الواقع عمدت الملكية في التسعينيات الى بلورة توازن جديد تمثل في طرح ما وصف بـ التناوب التوافقي الذي قام على اساس اشراك المعارضة التاريخية في العمل الحكومي كطرف مركزي مع تعيين وزير اول من بين صفوفها ممثلا في الكاتب الأول الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وهي تجربة دامت أربع سنوات ما بين مارس 1998 وأكتوبر 2002 وأسهمت في بداية القطيعة مع منطق الاستمرار الحزبي في مواقع محددة سلفا داخل المؤسسات دون أن تثمر تحولا استراتيجيا في معادلة التوازنات السياسية التي تقوم أساسا على قواعد مضمرة لايمكن للشفافية أن تجد موطىء قدم لها في سياقها.

2- الإشكالية الانتخابية

اتسمت الحياة السياسية في المغرب بأزمة مستحكمة على صعيد البناء الموءسساتي تجد أبرز تجلياتها في غياب انتخابات محسومة ومعترف بها. ذلك أن التشكيك في المسار الانتخابي ظل لازمة لكل الاستحقاقات التي شهدها المغرب منذ 1963، وهو ما شكل عقبة أساسية امام تحقيق التراضي السياسي والحسم في قواعد ما يسمى بـ المسلسل الديمقراطي.

ويبدو أن وضعية من هذا القبيل تجعل مبدأ المنافسة السياسية في أزمة دائمة، كما تفرض منهجيا تعاملا حذرا مع مفهوم التمثيلية السياسية ومضمون التعددية الحزبية إذ تتهاوى بداهة الموءشرات الرقمية أغلبية وأقلية ومعها المحددات السوسيولوجية الخاصة بالجوانب المجتمعية المتحكمة في المسار الانتخابي.

ولعل المراحل التي قطعها التشكيك في المسار الانتخابي ترتبط جوهريا بغياب التراضي السياسي بين الملكية وأحزاب الحركة الوطنية أو المعارضة التاريخية بشكل تكون فيه التوازنات الضمنية الخاصة بالاختيارات الاستراتيجية للنظام ولاسيما الحفاظ على السمو السياسي للمؤسسة الملكية المحدد الفاصل في التعامل مع الخارطة السياسية بقطع النظر عن التطور التفاعلي ألتنازعي أو ألتصالحي بين أطراف اللعبة السياسية.

ومع ذلك يمكن الذهاب بالراي الى ان انتخابات شتنبر 2002 التشريعية شكلت في مؤداها تطورا لايمكن تجاهله - رغم بعض المواقف ذات المنحى التشكيكي- (73) على مستوى التوازنات السياسية في المغرب، إذ أتاحت توضيح جملة من المعطيات السياسية واسهمت نسبيا في اعطاء الفعل الانتخابي مدلولا معينا يمكن اختزاله في تجاوز المأزق الانتخابي في مظاهره المعيبة التي تجد سندها في بنية التزوير التي هيكلت الحياة السياسية والنيابية المغربية منذ 1963.(74)

وقبل الدخول في ما سمي بتجربة التناوب التوافقي ظلت أزمة المسار الانتخابي بالنسبة لخطاب المعارضة اطارا لنهج أسلوب المحاكمة السياسية إزاء الأحزاب الموالية للحكومة(75) كما توسلت المعارضة سلوكا تعويضيا على المستوى السياسي اذ أن طرح شرعية الاحزاب المرتبطة عضويا باختيارات النظام يتجه راسا الى وضع حقيقة الخارطة السياسية الانتخابية أمام اشكالية غياب الحسم ومن ثمة الطرح المستمر لشرعية الممارسة السياسية الانتخابية ذاتها كاطار سليم في العمل السياسي بالمغرب.

وتمثل السلوك التعويضي في خطاب ازدرائي تتحول معه هذه الاحزاب إلى تحالف إداري استغلالي انتهازي(76) وأحزاب مصطنعة في أيدي الفئات الحاكمة.(77)

ثانيا: تشرذم المشهد الحزبي

بتامل طبيعة الفعل الحزبي في المغرب منذ الاستقلال الى الان يلاحظ هيمنة منطق التشرذم والنزوع الى التفكك والانشقاق بدل الاتجاه نحو الانصهار أو التكتل. وهو سلوك يعود- حسب بعض الدراسات – (78) إلى الثقافة السياسية السائدة القائمة على الواقع الانقسامي وتمثل العمل السياسي ضمن تصور شخصي غائي بدل أن يكون سلوكا جماعيا أداتيا.

غير أن توجيه النظام لطبيعة التعددية السياسية وسطوة ما وصف بالتوازنات السياسية يعتبر محددا أساسيا في فهم دينامية التشرذم منذ الاستقلال(79) خاصة في ظل غياب منطلقات سياسية استراتيجية وهيمنة الموءقت على كنه العمل السياسي وعدم الحسم في التوجهات الموءسساتية والدستورية.

واللافت للانتباه في هذا الشان هو تناسل أحزاب مرتبطة بالسلطة منذ مطلع الاستقلال كرد فعل على أحزاب الحركة الوطنية التي تهيكل جلها في حمأة مواجهة الاستعمار قبل أن تتعرض بدورها لتجاذبات مغرب الاستقلال بتناقضاته السياسية والدستورية وصراعه حول الاختيارات الاستراتيجية للحكم.

فتعداد ما يربو على الاربعين حزبا مع مطلع الالفية الثالثة- ستة وعشرون منها شاركت في انتخابات شتنبر 2002 التشريعية- ينم في حد ذاته عن دينامية لا يمكن فهم تجلياتها خارج تطور النظام السياسي المغربي كما أن مبررات التواجد أو مسوغات الحرص على التمو قع تختلف جذريا عن الاطار الطبيعي للمارسة الحزبية في المنظومة الديمقراطية. وإلا كيف يمكن فهم تناسل أزيد من عشرين حزبا في الخمس سنوات الاخيرة دون أن يكون لجلها السند الشعبي أو الضرورة المجتمعية التي يمكن أن تبرر فعل التواجد.(80)

واذا كان انقسام حزب الاستقلال منذ 25 يناير 1959 -وظهور الاتحاد الوطني للقوات الشعبية- أهم حدث في تاريخ الانشقاقات الحزبية المغربية(81) فانه لم يعد كونه فاتحة عهد بسلسلة انقسامات داخل الحركة الوطنية نفسها أدى في النهاية الى اضعافها وتقزيم قدرتها التفاوضية ازاء الموءسسة الملكية بشان الاصلاحات السياسية والمؤسساتية.

ومما يسترعي الانتباه ضمن هذه الدينامية هو فشل اهم مكونات اليسار الاصلاحي المغربي في الحفاظ على وحدتها التنظيمية، ذلك أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منذ تأسيسه رسميا سنة 1974 في انشقاق عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية تعرض لانقسامين أثمرا حزبين صغيرين ذي توجه جذري هما حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي الذي ينخرط ضمن الاحزاب المقاطعة للمسلسل الانتخابي والموءتمر الوطني الاتحادي الذي تاسس سنة 2002 مباشرة بعد فشل الموءتمر السادس لحزب الاتحاد الاشتراكي في رص الصفوف والنجاح في صهر توجه تنظيمي ديمقراطي في ظل تجاذبات المشاركة في حكومة التناوب التوافقي و يرتبط التشرذم أيضا بغياب الروء ية الاستراتيجية للفعل التكتلي أو الجبهوي الذي يغلب عليه طابع الموء قت و رد الفعل والمواجهة القاصرة للاحداث السياسية. ولعل المصير الذي الت اليه الكتلة الديمقراطية المشكلة اساسا من حزبي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال كان دليلا على هذا المعطى المعيب في تاريخ الممارسة الحزبية المغربية، اذ بموازاة ظهور الكتلة كقوة تفاوضية في دينامية الاصلاح السياسي والدستوري بالمغرب منذ مايو 1992 تجلت حدودها الطبيعية مع تاسيس حكومة التناوب التوافقي بعد ان كانت أهم النزاعات والتباينات متمحورة حول طرفيها الاساسيين اي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي اللذين فشلا في تدبير اختلافهما ولم يفلحا في تشكيل حكومة ائتلافية بعد انتخابات شتنبر 2002 رغم تصدرهما لنتائجها. فكان تعيين وزير أول خارج المرجعية الحزبية بمثابة معاقبة لهما من الناحية السياسية على اعتبار أنهما لم يعطيا أي مدلول لما تحقق في هذه الانتخابات بل أعادا انتاج ما كان يشكل -الى ماض قريب- قوام استراتيجيتهما المطلبية على مستوى تخليق الحياة السياسية.(83)

وتأسيسا على هذه المحددات يمكن الاتجاه بالرأي الى أن منطق الازمة هيكل الحياة الحزبية برمتها منذ الاستقلال بشكل حولها الى توجه دائري يعيد انتاج المسببات ذاتها والسلوكيات نفسها والنتائج عينها دون تصور تجاوزي او تحولي او إصلاحي. وهو ما يفسر وجود سلوك حزبي مأزوم.

الفرع الثاني: ممارسة حزبية مأزومة

يعيش الفعل الحزبي في المغرب على مفارقة تكاد تلخص جزءا أساسيا من ملامح الازمة الحزبية وهي بلورة خطاب مكثف تختلف تلويناته ومستوياته وتجاذباته حول ديمقراطية النظام في سياق محكوم بمنطق رد الفعل بموازاة انكفاء تنظيمي يكاد يلغي مسألة الديمقراطية الداخلية بل ولا يعطي- ألا في حدود نسبية- أي مدلول للتطور الداخلي والبحث عن شروط الفعالية السياسية.

أولا: عمل حزبي مسيج برد الفعل

تظهر قراءة العمل الحزبي في المغرب هيمنة منطق رد الفعل استنادا الى طبيعة النظام السياسي وارتكازا على توازناته الاساسية التي قامت على غياب المنافسة السياسية المفتوحة وتغييب الاحزاب السياسية الاكثر نفوذا عن المشاركة في صنع القرار. فطبيعة النظام السياسي المغربي هيكلت مسارات التحرك الحزبي وحكمتها بمنطق رد الفعل داخل النظام، لتظل الحياة السياسية مطوقة بالعلاقة التنازعية أو التصالحية بين الملكية والمعارضة تارة بالمواجهة المفتوحة وتارة أخرى بالقبول بالاندماج في الصيرورة الموءسساتية في ظل شروط

اقترن فيها الذاتي بالموضوعي وامتزجت في خضمها مواطن الضعف التنظيمية وغياب الروءية الاستراتيجية وتشرذم الحركة الوطنية بواقع التوازنات الاستراتيجية للحكم في اطار قواعد سياسية يحكمها منطق الرموز وسلطة الضمني وطبيعة التفاعلات واسس السلطة والتنازع بين الحداثة والتقليد.(84)

فثلاثية التقليد والقمع والاحتجاج(85) هيمنت على الحياة السياسية المغربية برمتها وجعلت الفعل السياسي محكوما بنوع من السكونية من حيث استمرار العلاقات ذاتها في ظل سياق غلب عليه انعدام التوافق في حدوده الدنيا حول المنطلقات والتنازع حول الأهداف والصراع المضمر والمعلن حول الوسائل والغايات.

ويمكن في هذا الصدد النحو الى أن المجال الحزبي بالمغرب تجاذبته نظرتان مركزيتان لطبيعة الممارسة الحزبية و لماهية الفعل السياسي في ظل البنيات القائمة: نظرة متماهية مع طرح الملكية للخصوصية السياسية ومن خلالها لمضمون وحدود الممارسة السياسية المستساغة في ظل ثوابت السلطة السياسية بالمغرب أحزاب الأغلبية الدائمة ونظرة أخرى بنت نسقها على قواعد شبه معيارية للفكرة الديمقراطية قبل ان تصطدم بالواقع القائم وبثوابته السياسية والمؤسساتية لتنتج عنها أو تترادف في سياقها روءى مختلفة وتصورات متباينة لما يمكن الوصول اليه مرحليا واستراتيجيا مع ما استتبع ذلك من تشرذم تنظيمي وتجاذب في المنطلقات وركون الى الدوغمائية الرافضة تارة نموذج اليسار الجذري والى الواقعية التصالحية تارة أخرى نموذج حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

وظلت الأحزاب السياسية المغربية على اختلاف مشاربها وتباين منطلقاتها منحصرة في لعبة المواقع التي تبقى من حيث شروطها وتجلياتها امتدادا طبيعيا للعبة التوازنات المتصلة برهانات الحكم المركزية وتصوراته المرحلية والاستراتيجية لمعادلة التغيير والاستمرارية. وبات المشهد الحزبي في مضمونه ثنائي البناء ترتيبا على ثنائية المواقع.. أحزاب تطالب وأخرى تدعم في علاقة اكتست في مجملها طابعا تمتزج فيه السكونية بالانتظارية والترقب تارة ومحاولة البحث عن الصيغ الممكنة للبديل الديمقراطي تارة اخرى.

فثلاثية المطالبة الإصلاحية أو المطالبة الجذرية أو الدعم اللامشروط اقترنت تلازميا بالرهانات الاساسية للفعل الحزبي في مختلف مستوياته، غير أنها عكست من حيث دلالاتها السياسية واقعا انحصاريا يحمل مخاطر شتى في ظل تحولات مجتمعية واقتصادية جارفة ألقت بظلالها بنيويا وتستحث على مواكبتها وترجمتها موءسساتيا وسياسيا.

كما أن المسالة الدستورية- رغم تواري الحديث الملح عنها بعد تولي الملك محمد السادس الحكم ومن ثمة ضمن سياق انتقالي واضح المعالم- تطرح عمليا كعقبة في الانتقال من الطور التنازعي الى المرحلة التصالحية بين المكونات الأساسية في الطبقة السياسية المغربية، وتشكل في مجملها اختزالا لواقع التضارب في المنطلقات ليس فقط حول طبيعة السلطة السياسية، بل كذلك حول حدود التحديث السياسي بمختلف مستوياته في ظل نظام تشكل بنياته التقليدية احدى اليات تثبيت استمرارية شرعيته وتدعيم مركزية سلطاته سياسيا ودستوريا، لتبقى الإشكالية الدستورية حبيسة موازين القوى داخل الحقل السياسي المغربي ومرتهنة بالسياق العام للعلاقة بين الملكية وأحزاب الحركة الوطنية وبالاختيارات المرحلية في ظل التباين بين الممكن والمتعذر والثابت والمتغير في أسس السلطة السياسية.

ولعل التقوقع في وضعية رد الفعل يسهم في عدم مواجهة الاحزاب المغربية لمحك المنافسة وضرورة التطور الداخلي ومساءلة البناء التنظيمي والانخراط في صيرورة اثبات الذات باعتبارها هدفا طبيعيا متصلا في كنهه بامكانية الوصول الى السلطة..وتبدو الملكية في ظل هذا الوضع، القوة السياسية الوحيدة في المغرب التي تحمل تصورا استراتيجيا للحكم ليس فقط لأنها تمتلك أسباب ممارسته، بل أساسا لانسجامها مع نسق حرصها على التواجد الشامل في البناء السياسي والمؤسساتي مقابل تشرذم حزبي واضح المعالم واستمرار في منطق رد الفعل وانتظار اختمار شروط الاصلاح.

ثانيا: الانسداد التنظيمي واشكالية الديمقراطية الداخلية

تعتبر الديمقراطية الداخلية البعد الغائب في الممارسة الحزبية المغربية رغم أن جميع الاحزاب تعطي الانطباع- بنسب متفاوتة- على حرصها على تفعيل قوانينها الداخلية و ممارسة نشاطها السياسي وفق الضوابط التنظيمية وترتيبا على هاجس سلوك سياسي يوصف بالديمقراطية الداخلية.

والواضح أن تبريرات اللجوء الى تاسيس أحزاب جديدة انبرت جلها الى طرح غياب الديمقراطية الداخلية او البحث عن فضاء تنظيمي أرحب يؤمن بالتعددية أو إتاحة مجال متطور للفعل السياسي كمحددات محورية للتواجد على الساحة السياسية.(86) غير أن هيمنة البحث عن موقع وازن- شكليا على الاقل- داخل النظام غيبت عمليا البحث عن السبل الاجرائية لاعمال الديمقراطية الداخلية على المستوى الحزبي خاصة وأن الاهداف تتباين ترتيبا على المنطلقات.

وإذا كانت الأحزاب المصنفة في خانة اليمين الإداري أو التابعة للمصالح الاستراتيجية للنظام تغض الطرف عن الدينامية التنظيمية خاصة وأن هدفها- مهما اختلفت مشاربها- يتمثل في المنافحة عن الملكية القوية والفاعلة والحاضرة،(87) فان واقع حال الاحزاب المصنفة ضمن الحركة الوطنية أو اليسار الاصلاحي او حتى اليسار الجذري تجد نفسها منتجة لسلوك يبتعد في جوهره عن اعطاء أي مدلول للدينامية التنظيمية أو الديمقراطية الداخلية.

ويلاحظ في هذا الخضم استمرار منطق الزعامة وإنتاج وإعادة إنتاج نموذج الشيخ والمريد(88) بشكل يؤدي أحيانا إلى أوضاع تستعصي على الشرح المنطقي أو حتى السياسي المستساغ خاصة وأن التجربة الحزبية المغربية لم تنتج البتة أي تحول في الزعامة أو القيادة الحزبية خارج الانشقاق الفوقي أي في ظل غياب الحركية التنظيمية بشكل تتحول معه الممارسة الحزبية الى ممارسة قيادات أو سلوك نخبة دون أن يكون للقاعدة الحزبية - حتى بالنسبة لتلك التي تكتسي بعدا جماهيريا كالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاستقلال- أي دور حقيقي في صياغة القرار خاصة القرار الاستراتيجي الذي يسم حياة الحزب وموقعه في الخارطة السياسية

واللافت للانتباه أيضا أن الاستمرارية التنظيمية الشكلية تختل أيضا في ظل وضعيات استثنائية اذ يلاحظ تجاوز فعلي لضرورة تنظيم مؤتمرات عامة كما هو الامر عليه مثلا بالنسبة للاتحاد الاشتراكي الذي قاد حكومة التناوب التوافقي والذي لم يعقد موءتمره السادس سنة 2001 إلا بعد مرور اثنتي عشرة سنة من موءتمره الخامس أي بعد تسع سنوات من موعده الأصلي.

وتعتبر تزكية الشخصيات الحزبية في مواقع المسوءولية على العموم نتاج السلطة التقديرية للزعيم أولا وللقيادة المكتب السياسي ثانيا ضمن نسق لايختلف جوهريا عن النسق العام للنظام أي وفق منطق ومنطلق العلاقة الشخصية أو الارتباط العاطفي للتيار السائد داخل الحزب أو العائلي خاصة في المناصب الوزارية في تجاهل شبه تام للاستحقاق ببعديه الحزبي- السياسي والتقني- الموضوعي. وهو ما يوءثر بداهة على التوازن الداخلي للاحزاب ويحولها الى مكونات قابلة للتشرذم.(89)

ويبدو أن النسق المغلق للنظام السياسي انعكس على المكونات الفرعية المتمثلة في الاحزاب السياسية والتي تحولت بدورها- إن لم تكن أصلا- الى دوائر مغلقة تنتج سلوكا سياسيا تغلب عليه لعبة الكواليس أو سياسة الخفاء.

وفي ظل غياب المد الديمقراطي الضروري على مستوى الممارسة الحزبية ينتقل الفعل الحزبي الى ممارسة مصلحية تتغيى المناصب والمراكز وتنشد المواقع دون أن يكون لذلك اي تأثير على مستوى العمل السياسي العام، وكأن الأمر متعلق بجماعات ضاغطة محدودة أكثر منها هيئات سياسية عامة.

** على سبيل الختام **

إذا كان وجود الديمقراطية رهينا بالأحزاب، فان الوظيفة الحزبية المركزية المتمثلة في ممارسة السلطة السياسية أو السعي الى ممارستها لا تتحقق الا في ظل الديمقراطية التي بدونها تستحيل الممارسة الحزبية الى بحث مستمر عن صيغة من صيغ الوهم الديمقراطي بل وحلقة مفرغة يعاد انتاج مضامينها بفعل اجترار مسبباتها.

وبالنسبة لحالة المغرب يمكن الجزم بأن سوءال المراجعة يطرح نفسه أكثر من أي وقت مضى. فالتحولات المجتمعية التي تشهدها البلاد والتحديات المواكبة لذلك تستحث على ضرورة مراهنة النظام برمته على الديمقراطية كمحدد بنيوي للتنمية.وذلك من خلال تأهيل الحقل السياسي وخلق شروط المنافسة الحقيقية والحسم في طبيعة ومضمون وضوابط التوجه الديمقراطي90/0 كما أن الأحزاب السياسية مطالبة بأن تؤسس ثقافة الاختلاف المنتج وألا تنحصر في الخطابات الهامشية والاسئلة المجافية للواقع وأن تعيد النظر في منظومة حركتها ومضمون خطابها وتتفاعل مع الحركية الاجتماعية مع ما يقتضيه ذلك من دينامية تنظيمية وروءية استراتيجية للعمل الحزبي والفعل السياسي بهدف اسئصال أطوار الارتياب التي لا تخلق الا الاغلبيات الصامتة وتؤدي الى ازدراء التسيس والمراهنة على المجهول..

###.الهوامش.###

1/ تحدد جغرافيا وسط المغرب

2/ تحدد جغرافيا شمال وجنوب المغرب

3/ الحماية كاطار قانوني للنموذج الاستعماري الذي خضع له المغرب سنة 1912

4/ يمكن الرجوع في هذا الصدد الى:

- Charles Andrée Julien, le Maroc face aux impérialismes, Paris, édition jeune Afrique, 1978.

- Robert Rezette, les partis politiques marocains, Paris, Puf, 1955.

5/ الرجوع بهذا الخصوص الى :

- John Waterbury, le Commandeur des croyants. la monarchie marocaine et son élite, Paris, Puf, 1975, p 80.

6/ الرجوع بشأن مفهوم الهوية السياسية الى :

- Guy Hermet et autres, Dictionnaire de la science politique, Armand Colin, Paris, 1994, PP 124 - 125.

7/ يونس برادة، وظيفة الحزب في النظام السياسي المغربي، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في القانون العام، جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء، 2000 . ص . 4

8/ مرجع سابق

9/

Paul Pascon, "Segmentation dans la société marocaine", in "Actes de durham" BESM, n° 138-139, 1979, pp107-108.

10/

John Waterbury, Le Commandeur..., op.cit, pp83-102

11/

Remy Leveau, le fellah marocain défenseur du trône, Paris, P.F.N.S.P, 1984.

12/ انظر في هذا الصدد ..

G.Denoeux et L.Gateau,"L essor des associations au Maroc" Maghreb-Machrek (150), octobre - décembre 1995, pp 33-37.

13/ في خطاب 20 غشت 1997 دعا الملك الحسن الثاني / 1961-1999/ الأحزاب السياسية المشاركة في المسلسل الانتخابي الى أن تزيد في // تركيز التربية الوطنية وفي الالتزام بالمسوءولية في التكوين السياسي وفي معرفة تحليل الامور// .

وفي خطاب العرش/ الجلوس/ قال الملك محمد السادس : أصدرنا توجيهاتنا السامية لحكومتنا لوضع تشريع خاص بالاحزاب السياسية يميزها عن الجمعيات، الهدف منه العقلنة والدمقرطة واضفاء الشفافية على تشكيلها وتسييرها وتمويلها وتفادي تحول منع الدستور للحزب الوحيد الى وجود أحزاب وحيدة في الواقع أو الوقوع في خطأ قياس المجتمع الديمقراطي بعدد أحزابه المتفرقة الضعيفة المعبرة عن مطامح ضيقة شخصية بدل أن يقاس بالنوعية الجيدة لأحزابه وبمدى قدرتها الوطنية على التأطير الميداني للمواطنين والتعبير عن تطلعاتهم 30 يوليوز 2001/

14/ الرجوع بهذا الخصوص الى:

Jean Hersh, "La nature du pouvoir", in le pouvoir (ouvrage collectif), Editions de la baconnière, Neuchatel (Suisse), 1978, pp 75-95.

15/ اختزل جون واتربوري النظام السياسي المغربي في الموءسسة الملكية. اما ميشيل كامو فلم يجد بدا من الاعتراف بالهيمنة السياسية للعرش فيما ذهب ريمي لوفو الى أن الموءسسة الملكية تجسد الركن الركين في النظام المغربي . انظر في هذا الصدد تتابعا :

- John Waterbury, Le commandeur..., op. cit.

- Michel Camau, pouvoirs et institutions au Maghreb, Tunis, Ceres production, 1978, p.81.

- Remy Leveau, le fellah marocain..., op. cit, p.263.

16/ خطاب العرش . 3 مارس 1963.

17/ خطاب العرش . 30 يوليوز 2001

18/ خطب وندوات صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني. المجلد السابع. ص. 189.

19/ الحسن الثاني، التحدي، المطبعة الملكية، الطبعة الثانية، 1983، ص. 242

20/ في خطابه بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب . 20 غشت 1999.

21/ تتمثل في استشارة رئيسي مجلسي البرلمان - حسب دستور 1996 الذي أقر الثنائية البرلمانية- ورئيس المجلس الدستوري وتوجيه خطاب للأمة.

22/ يميز الباحث الامريكي أنطوني كيدنس على مستوى تدعيم السلطة وفرض السيطرة بين موارد التخصيص وتهم اساسا أشكال القدرة التي تتيح مراقبة الخيرات وموارد السلطة التي ترمز الى اشكال القدرة التي تمكن من مراقبة الاشخاص والفاعلين.

Anthony Giddens, La Constitution de la société, Paris, PUF, 1987, p.82.

23/

Rkia El Mossadeq, consensus ou jeu de consensus, sochepress, Casablanca 1995, p.35

24/

- John Waterbury, Le commandeur..., op. cit. p.302.

24م/ خطاب الحسن الثاني. 71 فبراير 1972

25/ خطاب الملك محمد السادس في 20 غشت 1999

26/ الحسن الثاني، التحدي، مرجع سابق ، ص . 235

27/ المرجع نفسه. الصفحة نفسها

28/ المرجع نفسه. الصفحة نفسها

29/ محمد جسوس، وضعية علم الاجتماع في المغرب، صحيفة الاتحاد الاشتراكي 16 نونبر 1994 .

30/

- John Waterbury, Le commandeur..., op. cit.p.2.

31/ يرى عبد الله العروي أن الانتقال من وضعية سلطان ومخزن على عهد الحماية الى وضعية ملك وحكومة على عهد الاستقلال يكتسي في أساسه بعدا سيميائيا أكثر منه تعبيرا عن تحول عميق في البنيات السياسية والمجتمعية.

Abdallah Laroui, les origines culturelles et sociales du nationalisme marocain (1830-1912), Maspéro, Paris 1977, p.67.

32/ تقوم الثقافة المخزنية على السعي الى استقرار السلطة المركزية وتثبيتها وادماج المجتمع في دائرتها. أنظر في هذا الصدد:

A.Saaf, "Tendances actuelles de la culture politique des élites marocaines" in le Maroc actuel, C.N.R.S., Paris 1992, p.243.

a33/

- Remy Leveau, le fellah marocain..., op. cit.

34/

D.Benali, "Changement de pacte social et continuité de l ordre politique au Maroc", A.A.N, 1989, p.52.

35/ يرى عبد الله العروي أن الملك الحسن الثاني ارتكز على البيروقراطية العصرية التي تركتها الحماية لتعزيز واتمام البناء الوطني.

A. Laroui, "le Maroc de Hassan II", in Edification d un Etat moderne, Albin Michel, Paris, 1986, pp 42-43.

36/ يمكن تحليل السلوكيات السياسية على ضوء ثلاثة أنواع من الثقافات السياسية وهي الثقافة الرعوية القائمة على هامشية المجتمع وثقافة الاذعان وثقافة المشاركة. أنظر:

J.M Denquin, Science politique, PUF, Paris 1989, p.190.

37/ تعتبر الباحثة جولييت بيسيس أن الدولة في المغرب العربي تعززت بعد النجاح في تصفية الاستعمار غير ان المشكل الذي اعترض سبيلها بعد ذلك تمثل أساسا في علاقتها بالمجتمع وبالبحث عن توازن مفقود. الرجوع في هذا الشان الى:

Juliette Bessis, Maghreb. La traversée du siècle, l harmattan, Paris, 1997, p.520

38/

Dusan Sidjanski, "Décisions closes et décisions ouvertes", R.F.S.P, Volume XV, Avril, 1965, n°2, pp 251-269

39/ خطب وندوات جلالة الملك الحسن الثاني، المجلد الخامس. ص 190

40/ اعتبر الحسن الثاني لدى تعيينه الحاجب الملكي في 3 مارس 1982 ان // الحجابة ليست حائلا يحول بين الراعي ورعيته ولا حاجزا يمتنع معه الاتصال الذي سار على سنته الا سلاف والاخلاف من الملوك وأفراد الشعب. أنظر : -خطب وندوات ...، المجلد السابع . ص. 239

41/ خاطب الحسن الثاني الشعب المغربي اثر محاولة 10 يوليوز 1971 الانقلابية في الصخيرات قائلا: //كنت اليوم شعبي العزيز ستمسي يتيما.

42/

M.Arkoun, Essai sur la pensée politique, Maisonneuve, Paris 1984, p.157

43/

M. Foucoult, "Le pouvoir, comment s exerce-t-il ?" In H.L Dreyfus et autres, Un parcours Philosophique, Paris, Gallimard, pp. 313-314

44/ أي في ميكانيزمات التاطير السايسي للمجال الديني

45/

Robert Rezette, Les partis politiques marocains, Puf, Paris, 1955

46/ الصيغة الاصلية في دستور دجنبر 1962 هي نظام الحزب الوحيد ممنوع في المغرب غير أن المعنى يبقى في نهايته واحدا رغم أن الصيغة الحالية تحيل على المستوى القانوني من خلال مفهوم المشروعية أكثر من الصيغة الاولى التي تكتسي طابع القرار ذي البعد السلطوي .

47/ دستور شتنبر 1996

48/ كلمة الملك الحسن الثاني لدى تنصيبه الحكومة في 9 نونبر 1972.

49/

R.G.Schwarzenberg, Sociologie politique, Monchrestien, Paris, 1988, pp 399-400

50/

David. E.Apter, The politics of modernisation, Chicago, 1969, pp 181-182

51/ المرجع نفسه

52/

Hassan II, La mémoire d un Roi, Plon, Paris, 1993

53/ المرجع نفسه، ص 101

54/ في حديث للملك الحسن الثاني الى مجلة الحوادث اللبنانية بتاريخ 15 مارس 1974

55/

Alain Touraine, Qu est - ce que la démocratie ?, Fayard, 1994, p.222

56/

Hassan II, La mémoire d un Roi, Op.cit, p. 102

57/ يرى الباحث الفرنسي ميشيل كامو أن انتقال الملك دستوريا الى صفة الممثل الاسمى للامة يعني انه أضحى اكبر من مجرد موءسسة وسيطة لممارسة السيادة من طرف الامة.

Michel Camau, " caractère et rôle du constitutionalisme dans les Etats maghrébins", AAN, 1977, p. 383

58/ يرى الباحث الفرنسي دنييل لوي سيلر أن كل حزب يسعى الى احتكار التمثيلية الشرعية لجزء من السكان وهو ما يتأتى من خلال وظيفة الوساطة بين المجتمعين المدني والسياسي في اطار مزدوج يلتقي فيه الصراع بوسائل التحكم فيه.

Danièle- Louis Seiler, Les partis politiques, Armand colin, Paris, 1993, p. 33

59/

J.Waterbury, Le commandeur des croyants..., Op. cit, p. 80

60/

A. Laroui, L histoire du Maghreb , Maspero, Paris, 1970, p. 351

61/ يونس برادة . في استجواب مع صحيفة الاحداث المغربية حول نتائج انتخابات 27 شتنبر 2002 التشريعية. عدد 2 أكتوبر 2002 .

62/ في حديث لمجلة لونوفيل أوبسرفاتور بتاريخ 25 يونيو 1970.

63/ حول مفهوم الفعالية السياسية ودور المقدس في توطيدها، يمكن الرجوع الى:

Madeleine. Grawitz, Lexique des sciences sociales, Paris, Dalloz, 1981, p. 288

64/

Remy Leveau, Le fellah marocain..., Op.cit, p. 67

65/ يرى ريمي لوفو أن المغرب يعيش لائكية واقعية في حياته الاجتماعية من خلال الاخلاق العامة والاستعمال المكثف للغة الفرنسية والنهج المتحرر لو سائل الاعلام.

R.Leveau, "Islam et contrôle politique au Maroc", in : Gellner et Vatin édition, Islam et politique au Maghreb, 1980, pp. 271-280

66/

R.Bourkia, "L Etat et la gestion du symmbolique au Maroc pré-colonial ", In R.Bourkia et N.Hopkins, Le Maghreb : Approches des mécanismes d articulation, Ed. Al kalam, 1991, p. 144

67/ خطاب بمناسبة انتخابات 15 أكتوبر 1992 الجماعية.

68/ يقول الحسن الثاني مخاطبا النواب / 9 أكتوبر 1987: بالنسبة لي ليس هناك فصل السلط. أنا أب الجميع. أب المشرع. أب المنفذ.

69/ خطب وندوات...، المجلد الخامس، ص. 478

70/ خطب وندوات...، المجلد التاسع، ص . 349.

71/ يونس برادة ، وظيفة الحزب في النظام السياسي، م س، ص.95

72/ المرجع نفسه.

73/

Ali El Sarafi, "Tour de vis sécuritaire au Maroc", Le monde diplomatique , Juillet 2003

74/ يونس برادة ضرورة تجاوز الاحزاب السياسية لمرحلة رد الفعل. أسبوعية العمل الديمقراطي. عدد 18- 25 أكتوبر 2002.

75/ وفي مقدمتها التجمع الوطني للاحرار الذي تاسس سنة 1978 والحركة الشعبية ذي التوجه الامازيغي التي تاسست سنة 1958 والاتحاد الدستوري الذي تأسس سنة 1983.

76/ حسب وصف الامين العام السابق لحزب الاستقلال امحمد بوسته .أنظر: الاتحاد الاشتراكي عدد 31 اكتوبر 1993.

77/ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الموءتمر الوطني الخامس، دار النشر المغربية، الدارالببيضاء، 1989، ص. 46

78/ وخاصة دراسة جون واتربوري سنة 1970.

79/ يونس برادة، وظيفة الحزب. م س

80/باستثناء حزب العدالة والتنمية ذي الميول الاسلامية الذي حمل هذا الاسم في اكتوبر 1998 بدل حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية الموءسس سنة 1967 في انشقاق عن الحركة الشعبية يكاد المتتبع لا يفهم أو لا يتفهم مسوغات تاسيس باقي الاحزاب على المستوى المجتمعي في العشر سنوات الاخيرة.

82/ أنظر في هذا الشأن:

A.El Benna, "Naissance et développement de la gauche marocaine issue du mouvement national, le cas de l USFP", Thèse d Etat en sciences politiques, Rabat, 1988.

83/ يونس برادة ضرورة تجاوز الاحزاب. مرجع سابق.

84/ أنظر بهذا الخصوص:

- يونس برادة وظيفة الحزب، م س.

85/ أنظر في هذا الصدد:

A.Claisse, " Le makhzen aujourd hui ", In Le Maroc actuel (ouvrage collectif), C.N.R.S, Paris, 1992

86/ الانشقاق الذي حصل في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مثلا سنة 2001 وظهور الموءتمر الوطني الاتحادي الذي قاده التيار النقابي في الحزب كان متمحورا حول الديمقراطية الداخلية.

87/ مجموعة خطب المعطي بوعبيد الامين العام للحزب من سنة 1990 الى 1994. ص. 162

88/ أنظر في هذا الصدد:

Abdallah Hamoudi, Master and disciple: The cultural fundations of moroccan authoritarianism, The university of Chicago press, Chicago- London, 1997

89/ نموذج الحكومة التي ترأسها التقنوقراطي ادريس جطو منذ أكتوبر 2002 يجسد هذا المنحى اذ ظهرت الاختلافات خاصة داخل أحزاب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والتجمع الوطني للاحرار بسبب التعيينات.

90/ يونس برادة يجب أن يكون مغرب ما بعد 16 ماي مغرب طرح الاسئلة الحقيقية. استجواب مع صحيفة الاحداث المغربية نشر بتاريخ 6 يونيو 2003.



#يونس_برادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- جريمة غامضة والشرطة تبحث عن الجناة.. العثور على سيارة محترقة ...
- صواريخ إيران تتحدى.. قوة جيش إسرائيل تهتز
- الدنمارك تعلن إغلاق سفارتها في العراق
- وكالة الطاقة الذرية تعرب عن قلقها من احتمال استهداف إسرائيل ...
- معلومات سرية وحساسة.. مواقع إسرائيلية رسمية تتعرض للقرصنة
- الفيضانات في تنزانيا تخلف 58 قتيلا وسط تحذيرات من استمرار هط ...
- بطائرة مسيرة.. الجيش الإسرائيلي يزعم اغتيال قيادي في حزب ال ...
- هجمات جديدة متبادلة بين إسرائيل وحزب الله ومقتل قيادي في الح ...
- مؤتمر باريس .. بصيص أمل في دوامة الأزمة السودانية؟
- إعلام: السعودية والإمارات رفضتا فتح مجالهما الجوي للطيران ال ...


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - يونس برادة - الفعل الحزبي وسؤال الديمقراطية في المغرب: قراءة في طبيعة النظام السياسي المغربي وجوهر الممارسة الحزبية