أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - بما فيه الكفاية














المزيد.....

بما فيه الكفاية


محمد الدرقاوي
كاتب وباحث

(Derkaoui Mohamed)


الحوار المتمدن-العدد: 6623 - 2020 / 7 / 19 - 00:25
المحور: الادب والفن
    


بحرارة الابوة عانقها وبحرقة الفراق كان يقبلها...
به كانت متمسكة تضمه تارة واخرى تهوي على يديه تقبلهما دون ان يفتر لها دمع ، كانت تقارن بين طفولتها وهو يلاعبها قويا ،متينا ، يرميها في الهواء ثم يتلقفها وهي ضاحكة ، صائحة بين الخوف والغبطة وبين شيخوخته وقد اعوج له ظهر ، وصار وهنا ضعيفا لا يرفع عكازته الا كما يرفع قدما يخشى أن تخونه فيهوي على الأرض ...
قبل ان ينطلق القطار قال لها وقد ترقرقت دمعات على خده :
ــ أحبك و اتمنى لك سعادة بما يكفي حياتك ..
عانقته بقوة وقالت : ابي لقد عشت بحبك ،وفي رعايتك ومتعتني بعطفك بما فيه الكفاية ، وأتمنى أن أسعدك بدوري يا ابي بما فيه الكفاية ..
تعانقا مرة أخرى ،وكلاهما قد بلل كتف الآخر بدموعه..
حين انطلق القطار ،شرع الأب يتنقل بلهفة عبر نوافذه ، يرى بنته وهي تبتعد عنه شيئا فشيئا ،كانت دموعه تزداد تدفقا ،وهو يلوح بكلتي يديه ..
كنت اتابع هذا المشهد وانا ارى حرقة الابوة حين يحملها انسان واع يحس حب ابنائه الذين يبادلونه حبا بحب ..
استدار الرجل وكانه يتلمس مكانا يهوى عليه من تعب ،ومن غصة فراق
فقد كانت رجلاه تهتزان وكأنهما ماعادا يستطيعان حمل حمل جسده ؛
فسحت له بجانبي مجلسا ...قال بعد أن وضع يمناه على راسي امتنانا :
شكرا يابني اراحتك حياتك بما فيه الكفاية ..
ظل بصري مركزا على جسده الذي كان يرتجف ، وحيث اني احترمت خصوصيته فما احببت ان أكلمه ..
كان رجلا على وشك الثمانين ، أخذت منه الحياة وسامة ماغاب لها اثر باهت على وجهه ، طريقة لباسه تشهد على أناقته وذوقه , ورائحة عطره تترك حوله شذى يملأ المكان ..
بعد فترة ،وقد سكن قليلا رفع بصره الي وكانه يراني اللحظة ، قال:
هل حدث يوما ان ودعت انسانا وانت تعلم انك تراه لآخر مرة ؟
قلت : و لماذا تتوهم انك لن تراها مرة اخرى ؟
تنهد بحرقة .. صمت قليلا ثم قال : هي بنتي الوحيدة بين ذكرين وكلانا يسكن بعيدا عن الآخر ،أمامها تحديات كبيرة فهي تتحمل مسؤولية فوق طاقتها ،ولن تستطيع السفر الي او رؤيتي الا اذا أتت لجنازتي..
قلت وقد احسست غربته وخوفه :
ستراها مرات ومرات بما فيه الكفاية خلال عمر طويل ان شاء الله : اتمنى لك الصحة والعافية بما فيه الكفاية ..
تبسم ضاحكا وقد أدرك ان العبارة قد اثارتني ، ثم تنهد وكأنه يزفر ايامه الخوالي وقال:
ــ هو تعبير قديم حفظته عن والدي يرحمه الله ، يوم كانت حياتنا بسيطة ، قانعين بما قل مما كنا نملكه .. كان ابي لا يتوقف عن ترديد هذه العبارات :
اتمنى ان أكون قد حققت لكم من السعادة مافيه كفاية ..
اتمنى لكم فكرا واضحا لتفهموا حياتكم ومتطلباتها ،حتى تتغلبوا على ايامها الرديئة بما فيه الكفاية ..
اتمنى لكم السعادة لتحافظوا على روح القناعة قيد حياتكم بما فيه الكفاية ..
اتمنى لكم كسبا حلالا لتلبية حاجياتكم بما فيه الكفاية
في قناعة تمنعكم عن التطلع لما في يد غيركم ..
أتمنى لكم صبرا وسعة صدر لتربوا ابناءكم كما تربيتم بما فيه الكفاية ..
واتمنى لكم وداعا لتتمكنوا من صنع وداع الى آخر اللحظات النهائية بما فيه الكفاية ..
غلبته حشرجة البكاء فبدأ يجهش كطفل صغير .. تنهد وهو يرفع صوته متشهدا : لا اله الا الله محمد رسول الله .. اللهم لبيك ،ثم مال برأسه على جانب المقعد .. لا ادري ان كان قد غفا او فارق الحياة ..
يقولون : يلزمك دقيقة لتكتشف فيها شخصا مميزا تقدره ،ويلزمك يوما لتحبه وتحترمه ،ويلزمك عمرا لتنسى مثل هذا الانسان وهيهات ان تنساه ..



#محمد_الدرقاوي (هاشتاغ)       Derkaoui_Mohamed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- افظع من ذئب ، اقوى من شيطان
- وعي على أديم النهر
- غربال السحالي
- هل الحياة يقومها ذبيح ؟
- البحث عن شراع
- موزع الورد
- خلوة عشق
- عيون لن تنسى
- عمر ..رجل لعمري ...(الجزء الثاني من لحظة فرح )
- -اخدم ياتاعس للناعس -
- العاشق أعمى
- بسمة خضراء
- لا حب يعتقل ،لا عشق يبقى
- انكسارات
- عناد ينكسر
- استفسار من طريق السلام
- انتهى مشهد كورونا الأخير
- لحظة فرح
- قصة من وحي صورة
- ارحل


المزيد.....




- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...
- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الدرقاوي - بما فيه الكفاية