أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع - ماجد العلوش - العلمانية , الدين , والخروج من مأزق المزدوجات















المزيد.....



العلمانية , الدين , والخروج من مأزق المزدوجات


ماجد العلوش

الحوار المتمدن-العدد: 1598 - 2006 / 7 / 1 - 00:11
المحور: ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع
    



القرن السابع عشر قرن الصراع بين مقولة حكمت التاريخ وأخرى بدأت تظهر بقوة وتفرض وجودها التدريجي منذ القرن الخامس عشر . اعني الصراع بين مقولة " الحق الالهي " في الحكم و " أنسنة " الوجود الانساني الاجتماعي والسياسي . والحضاري عموما .
التغيرات بدأت ربما مع ما يعرف بنهضة " شارلمان " ( القرن التاسع ) وشملت فيما بعد الفن والادب والدين والسياسة والعلوم , فكانت مدرسة الرسم الالمانية و... شكسبير , و ماكيافل , وبودان , ولوثر وصولا الى " هوبز " و " روسو " . حيث استوى الانسان على عرش المعرفة اولا ليصبح سيد الوجود فيما بعد . تلك المعرفة بنيت - اضافة الى العلم الطبيعي - على فكرة انسنة الوجود والحق والحقيقة في اطار الفضاء اليوناني / الروماني المصفى من شوائب الوثنية .
جاء عقد " هوبز " الاجتماعي ليفسر الدولة باعتبارها نتاج الحاجة البشرية او الخوف من الفناء الجماعي ممزوجا باشكال اولى من العقل , وكونها " ضامنا " لحقوق الجميع من خلال تنازل الجميع عن حقوقهم لها ... تلك هي البدايات للكون المؤنسن التي قادت فيما بعد الى " العلمانية " ... لتاتي فيما بعد " الثورة الفرنسية " وتكنس ماقبلها وتنظف العالم – نظريا على الاقل - من روث القرون التي سبقت ميلاد الكون المؤنسن .
الصراع لم يكن فكريا, على العكس الجانب الفكري فيه كان انعكاسا اكثر مما كان محركا . دون ان يلغي ذلك الدور الفاعل الذي لعبته بعض الافكار في انارة الدرب او تعرية الظلام ( دور روسو كممهد مباشر للثورة الفرنسية ) فجانبه الاقتصادي هو الاكثر وضوحا , لقد شكلت الاكتشافات الطبيعية والجغرافية وتراكم الثروة الاساس الصلب الذي استند الفكر اليه في صراعه , وشعور البرجوازية بضيق السوق الاقطاعية كان وراء تبنيها ودعمها لفكرة الدولة القومية وفي النهاية تداخلت العوامل واعيد بناء الكون من جديد على قاعدة " الانسان اخ الانسان وسيد الطبيعة " .
التاريخ تحقق ممكن على حساب ممكنات واصطفاف الكنيسة وراء الاقطاع جعل الصراع ياخذ بعدا دينيا من جملة الابعاد الاخر , مما يطرح سؤالا : لو لم تقف الكنيسة خلف الاقطاع هل كان من المحتمل تجنب هذا البعد ؟
الجواب يكمن في سؤال آخر : هل كان بامكان الكنيسة ان تقف في غير المكان الذي وقفته ؟ .
ماذا يبقى من الكنيسة اذا قالت : ان الله خلق الكون بموجوداته ومكوناته والانسان مكون الى جانب باقي المكونات تميز عنها لاحقا بالعمل وتفوق عليها بقدرته على توظيف نتائج العمل في ميدان التنظيم الاجتماعي والسياسي وبالتالي فان الطغاة الذين يدعون ان الله " اصطفاهم " لاستعباد البشر هم كذبة ؟
مايبقى منها باختصار : ماهي عليه اليوم . فهل يتصور احد انها كان من الممكن ان تتنازل عن الثروة والسلطة اللتان كانت تتمتع بهما هكذا اكراما لسواد عيون الحقيقة , او التطور , او العدالة , او سمها ماشئت . !
من هنا فالاحتمال الوحيد هو ان تقف الكنيسة خلف الاقطاع وان ياخذ الصراع منحى دينيا وباختصار ان تكون " العلمانية " اما ملحدة او متضادة مع الدين لاغير

لكن هل ضرورة ان تكون العلمانية اليوم ملحدة ؟

الانسان ابن التاريخ , وتاريخ الصراع اثبت بما لايدع مجالا للشك ان افكار الاستبداد والاستعباد آيلة الى زوال لامحالة وكان يفترض ان يشكل التاريخ الاوربي درسا بليغا للقوى الدينية خارج اوربا وهو ما كاد يحدث فعلا في بلادنا لكن فشل مشروع " محمد علي " وضع حدا لمثل هذا الاحتمال . هذا الفشل الذي يعود جزء منه الى أنانية الراسمالية الغربية وقصر نظرها من جهة وقصور الوعي السياسي / التاريخي عند محمد علي من جهة أخرى وملابسات وتعقيدات الواقع العربي من جهة ثالثة لكن بذور النهضة بقيت في الارض العربية تعشب لأوهى قطرات مطر الى ان ظهر النفط . هذا يعني اننا لسنا امام خيارين : اما الدين واما العلمانية والجمع بينهما ممكن ولكن بشروط
ما اريد ان اقوله هو ان الالحاد ليسس شرطا للعلمانية وانما ضرورة اقتضتها مرحلة النشوء وتجاوزها الواقع والمشكلة كانت وتبقى – الى حين – لدى القوى التي تدعي انها تنتمي الى الدين او تمثله

التنوع طبيعة الوجود ( المادي والفكري ) . الخلاف ليس هنا . لكن التنوع شيء , والرفض المطلق شيء آخر وما هو قائم بين الجماعات الاسلامية نفي مطلق وسعي محموم للالغاء . الغاء الاخر ماديا ومعنويا ومن يك بحاجة الى دليل فليقرأ مؤلفات كل الفرق تاريخيا ولينظر الى خارطة الصراعات الاسلامية المعاصرة , وهذا يكفي

صحيح ان هذه الصراعات ليست وليدة اليوم او الامس بل هي نتاج تاريخ طويل ولكن الفارق الجوهري هو ان تلك الصراعات كانت تستوجب قيام شكل من اشكال الدولة تتبنى المذهب ثم تسعى الى فرضه على الاخرين اما اليوم فقد دخلت الجماهير الواسعة ميدان الصراع وهنا الخطورة وآخر نموذجين ماعرف بقضية " الرسوم المسيئة " واحداث الخميس 1/6/006 في بيروت , والتي قد تشكل مقدمة لما سياتي من كوارث حيث تسور كل جماعة بعضا من رموزها وتجعل الاقتراب منهم اقترابا من الذات الالهية وهكذا فقد تنشأ لاحقا جزر الهية على الارض لايحق لاحد النظر اليها , وكم من القرون تتطلب ازالتها ؟ . ان الانفعالية المبالغ فيها والتي اتضح فيها الجانب السياسي الاستثماري خاصة من القوى الاقليمية " المزنوقة " باعتبارها هي التي ضخمت المسألة ربما كان يشكل نوع من " البروفة " الميدانية لاحداث الخميس في بيروت ومقدمة لما سياتي . مع تاكيدنا الواضح على التفريق بين مقام " النبي " واي مقام آخر آيا كان

الآن : هل يمكن تحقيق مجتمع مدني علماني وديمقراطي في ظل دولة تستند الى الشرائع الدينية كمصدر اساسي للتشريع ؟

اولا : كل الدساتير العربية تعتبر الاسلام المصدر الاساسي للتشريع واحيانا الوحيد .
جاء في المادة الثالثة من الدستور السوري :
1 – دين رئيس الجمهورية الاسلام
2 – الفقه الاسلامي مصدر رئيسي للتشريع
ثانيا – يمكن دراسة نموذجين من الاسلام : الاول اسلام فقهي يوصف بالاعتدال يمثله محمد سعيد رمضان البوطي والثاني اسلام سياسي يوصف بانه عقلاني تمثله " جماعة الاخوان المسلمين " في سوريا من خلال برنامجها السياسي المعلن :

" البوطي فقه الاستبداد واستبداد الفقه "
( نعتمد هنا مؤلفه : يغالطونك اذ يقولون , دار الفارابي , ودار اقرأ ط : 3 / 2000 ) الا اذا اشرنا الى مصدر آخر

ينطلق " البوطي " في كل ابحاثه من خلط متعمد بين " العقيدة " كنصوص مقدسة و " الفقه " باعتباره قراءة بشرية لتلك النصوص فيضع " الفقه " بديلا " للعقيدة " وهذه هي الكارثة
يقرأ " البوطي " " العلمانية " بفتح العين لينطلق من تلك القراءة محددا مضمونها باعتبارها دعوة " لاستبدال المجتمعات الاسلامية بارتباطها الديني الارتباط العلمي " ( ص 36 ) ومبررها الوحيد " تقليد واضح لموقف الغرب من الدين " ( ص 37 ) ولكن لماذا ظهرت العلمانية في الغرب ؟
" من المعلوم ان الغربيين الذين آثروا النهج العلماني في مجتمعاتهم بدؤوا قبل كل شيء فاتجهوا الى دينهم الذي كانوا يتعاملون معه فدرسوه دراسة دقيقة , درسوا تاريخه , جذوره , وانتهوا الى يقين بان هذه المقولات الدينية التي تصدرها الكنيسة ليست وحيا تنزل من عند الله على عيسى بن مريم وليس شيئا مما قد قاله الحواريون وانما هو مجموعة مواضعات تراكمت وتزايدت مع الزمن , عن طريق المجامع الكنسية المختلفة فهي مجموعة التزامات اتخذها لنفسه الانسان الغربي وليست احكاما منزلة من عند الله " ( ص38 ) .
قبل كل شيء من اعطى البوطي ( وامثاله ) حق اهانة اكثر من ملياري انسان يدينون بالمسيحية فيقيم دينهم باعتباره " مجموعة مواضعات تراكمت وتزايدت مع الزمن " ؟ وماذا لو قال المسيحيون عن الاسلام نفس العبارة واستخدموا ذات الشواهد لاثباتها . لو جاء الكلام من ملاحدة او لا دينيين لامكن فهم المسألة اما ان تأتي من " فقيه " دين اخر فهذه عنصرية واضحة وعجرفة لا معنى .
هذه الرؤية الى المسيحية بدأت تشيع في الاوساط الاسلامية المعاصرة فقد كانت الرؤية القديمة تتهم المسيحيين بالتحريف اما الان فهي تنكر المسيحية كدين سماوي وتصر على اعتبارها " مواضعات بشرية " يقول ابو محمد المقدسي عن المسيحية : " ديانة مليئة بالتناقضات.. ركبّها بولس… وفرض شركياتها قسطنطين ورقعها وحرَّفها القسيسون والرهبان" ( المقدسي , مقدمة كتابه : رسالة الجفر ) .

واذا ما اخضعنا الاسلام للدراسة كما فعل الغربيون فهو يقبل النتائج ايا كانت " اذا تبين ان الاسلام عبارة عن مجموعة افكار نسجتها رؤى البشر من قبلنا , فانا مع الذين يدعون الى العلمانية " ( ص 42 ) وتقليد الغرب في مسألة " العلمانية تاتى من الجهل بالاسلام " وعندنا اذا سألت صاحب أي حرفة عن مسألة دينية , ما اسرع ان يجيبك قائلا : انا لست صاحب اختصاص بالدين .... اما في الغرب فكل انسان مهما كان اختصاصه لابد ان يجزم بان معرفة تاريخ الكنيسة والمجامع الكنسية من الثقافة العامة التي لابد ان يعرفها ومن ثم فان حكمه للدين او عليه لا ياتي الاعلى بينة واساس " ( ص 43 ) سبحان الله الغربيون كلهم فقهاء شريعة وعندنا لااحد يعرف الشريعة الا هو واذا قبلنا كلامه باعتباره واقعا لنسأله : ماذا كان يفعل خطباء المساجد طوال اربعة عشر قرنا اذا كان كل الموصوفين بالاسلام لايعرفون الف بائه ؟ وماذا تفعل انت بالذات وانت منذ عقدين تقريبا تجود على الناس بطلتك البهية من على شاشة التلفزيون السوري لتحشو في عقول مشاهديك مبادئ دينهم قبل ان تظهر الفضائيات وتتسابق للفوز ببركاتك ؟ وماذا كنت تفعل على امتداد نحو نصف قرن في جامعة دمشق ؟
وهو – البوطي – لايزال ينتظر رأي هؤلاء الذين لم يدرسوا الاسلام بل "جروا على تقليد الغربين في الشوط الاخير " ؟ ! اما هو فقد درس الاسلام " دراسة علمية مستوعبة ومتحررة , حقيقته , وتاريخه , ومصدره " ( ص 44 ) لينتهي الى اكتشاف المفاجآت العظيمة : الانسان لم يخلق نفسه , والله موجود وهو الخالق , ومحمد نبي الله , والقرآن موحى به من الله ؟ ! هذه هي نتيجة " الدراسة العلمية والمستوعبة والمتحررة للاسلام " فالبشرية قضت اربع عشرة قرنا تنتظر " البوطي " ليدرس الاسلام ويخرج عليها بتلك الاكتشافات العظيمة
وكما قلت " البوطي " هنا – اضافة الى كل اغاليطه – يخلط عمدا بين " القرآن " و " الفقه " ليضع العلمانية في مواجهة الدين ولاخيار آخر . ولان " الاسلام " - كما يفهمه البوطي – لم يصنعه البشر – كما المسيحية – لذا فاننا " لانستطيع ان نتبع خطى الغربيين في العلمانية .... واذا كان الامر كذلك فان دعاة العلمانية لايملكون الا خيارين اثنين : اما ان يقولوا لنا بكل جرأة انهم يريدون ان يتبرؤوا من هذه الحقيقة الاسلامية الجاثمة .... واما انهم لايريدون ان ينكروا حقائق الاسلام وجوهره المتمثل في الوحي الالهي ... ومن ثم فلابد ان يكون اليه حل المعضلات السياسية , وحل المعضلات العلمية , وحل المعضلات الاجتماعية .... " ( ص 51 ) فاذا كان الله قد اشترط علينا حتى نكون مسلمين حقا وحقيقة ان نخضع طائعين لحكم السيد – بوطي – باعتباره الوحيد الذي درس الاسلام " دراسة علمية مستوعبة ومتحررة " وان نحكمه في رقابنا سياسيا واجتماعيا و ... فهل الزمنا الله ان نتداوى عند البوطي ايضا وان ننتظر حتى تجود علينا قريحته المباركة بقوانين الرياضيات والفيزياء والفلك و .... والا ما معنى حل المعضلات العلمية ؟

يحدد – البوطي – ثلاث مشاكل اساسية في العالم العربي :

التجزؤ , القضية الفلسطينية , التخلف الحضاري . والقول ان العلمانية هي الحل يعني انها وحدها القادرة على حل تلك المعضلات وهو يعتقد " الاسلام هو الذي وحد هذه الامة " (ص 57 ) بعد ان كانت الامة العربية " مجموعة من قبائل متنافرة متخاصمة ... ولكن الاسلام ... قضى على تلك التجزئة واثبت من وراء ذلك وحدة لاتزال الدهور تخشع لها " ( ص 57 ) ليخلص الى نتيجة ان " الاسلام هو الذي اوجد العروبة وليست العروبة هي التي اوجدت الاسلام " ( ص 58 ) وينسب تلك المقولة الى الرئيس السوري السابق " حافظ اسد " ربما ليسورها بحصانة تمنع الآخرين من الاقتراب منها . أي بعبارة اوضح ليستظل بمظلة الاجهزة الامنية للسلطة في سورية فيقي نفسه شمس الحقيقة .

اما لماذا حدثت التجزئة ؟ فهذا يعود الى تقلص فاعلية الاسلام " الذي كان مهيمنا الى الامس القريب على اجهزة الحكم " ( ص 58 ) ] لايحدد البوطي هذا الامس القريب مع انه يفهم من سياقات متعددة الدولة العثمانية [ فـ : " الخير الكبير الذي اسداه الاسلام الى مجتمعاتنا قد تقلص هو الاخر واعني بالخير الكبير الوحدة التي حققها الاسلام " ( ص 61 ) ثم يسرد التاريخ العربي ( الاسلامي ) بطريقة لاترقى الى مستوى تلميذ في المرحلة الابتدائية متجاوزا كل حقائق الواقع في اطار لغة سردية رومانسية مقيما " المآتم " على انهيار الخلافة العثمانية ( الاسلامية ) التي كانت تؤمن حتى اواخر عهدها الوحدة للامة الاسلامية تلك الوحدة التي تحمي حقوقها وجرى ذلك بتدبير بريطانية والصهيونية ليتساءل : " افكانت تلك الوحدة اذن وقد كانت مصدر قوتنا وتقدمنا ثمرة الحياة العلمانية ام ثمرة الالتزام الصادق بالاسلام "( ص 63 )
ينسى – البوطي - هنا ان ما يعتقده " وحدة الامة الاسلامية " كان يشمل فقط تركيا والعالم العربي – عدا محميات الخليج التي رضيت دولة الخلافة المزعومة بالتنازل عنها للاوربيين - وبعض مناطق البلقان وبالتالي ما شأن ايران الاسلامية التي كانت في صراع مرير وطويل مع " خلافة " البوطي وافغانستان وشرق اسيا والمناطق الاسلامية في افريقيا . على البوطي ان يجيبنا فيما اذا كان يعتبر تلك المناطق من الامة الاسلامية ام ان الامة الاسلامية تشمل فقط العالم العربي ودولة ما مهيمنة عليه بذريعة الاسلام ؟
ثم عليه ان يقرأ تاريخ الامبراطورية التي يندبها ليرى ان حركات التمرد والاستقلال ضد " خلافته " – رحمها الله – هي التي كانت تحدث اثرا ما من التقدم في مواجهة الظلمة المطلقة والظلم المعمم الذان كانت " خلافتـ " ـه تنشرهما بين شعوبها
المشكلة في " البوطي " وفقه الاستبداد عموما التوحيد بين ذواتهم ( المبجلة ) والدين عموما وتاليا بين تلك الذوات والذات الالهية . يضعونك امام خيارين لاثالث لهما اما ان تقبل ما يقولون باعتباره نصوصا الهية غير قابلة للنقاش واما ان تقف في الصف المواجه للذات الالهية مباشرة

لايستطيع البوطي ان يفرق بين ( العالم العربي ) القديم وبين الحجاز باعتباره اقليما عربيا صغيرا فيعمم شكل الحياة الحجازية على الواقع العربي عامة وبالتالي فعندما تقول له ان العرب قبل الاسلام لم يكونوا " قبائل متنافرة " الا في الحجاز يفهم منك مباشرة انك تنكر دور الاسلام في قلب نظام الحياة العربية واذا قلت له : ان مجتمعا كالمجتمع العربي ( الحجازي ) الذي تصفونه بكل تلك السوءات لايستطيع حمل لواء عقيدة كالعقيدة الاسلامية اتهمك بالكفر لانك " تكذب " نصوصا قرآنية يزعمون انها تصف الحياة الحجازية و ....

لا احد يستطيع ان ينكر دور الاسلام في توحيد ( الحجاز ) وتاليا معظم مناطق جزيرة العرب تحت قيادة موحدة والانطلاق منها الى العالم العربي القديم ثم تشكيل النظام الامبراطوري منتصف القرن الثامن الميلادي لكن ما هو خير للاسلام من جهة واقرار بالحقيقة التاريخية من جهة اخرى ان نعترف ان الاسلام لعب دورا حاسما في تكوين " جماعة " منظمة استطاعت ان تفرض وجودها على المجتمع العربي ( الحجازي ) لتجعل منه قاعدة الانطلاق أي تكوين الدولة والسيطرة عليها واستخدامها في تحقيق الاهداف ( وهذا ليس عيبا او سبة بل الطريق التي انتشرت بواسطتها كل الافكار في التاريخ ما قبل الديمقراطية ) وهنا يسقط او يتضاءل دور العامل العقائدي واقعيا لصالح عوامل موضوعية اخر, ومع ان المجال لايحتمل مناقشة موسعة للفكرة فاننا ندلل عليها بشكل سريع بالوقائع التاريخية التالية :
خاض النبي معركة بدر الكبرى في السنة الخامسة عشرة للبعثة ومعه نحو ثلاثمئة مقاتل فيهم عدد لاباس به من الجيل الثاني. أي ابناء المسلمين وبعد سبع سنوات تقريبا خاض معركة " حنين " بعشرات آلاف المقاتلين فهل قضى النبي خمسة عشر عاما لم يقنع سوى بضع مئات واستطاع في سبع سنوات ان يقنع الالاف المؤلفة ؟
على السيد البوطي ان يدرس اكثر دور كل من العقيدة والعوامل الموضوعية لا ان يسرد علينا لغة رومانسية بوصفها الدين والدنيا على حد سواء

الخلافة الاسلامية ( العثمانية ) التي يندب ويلطم على ضياعها لم تحقق لنا القوة والتقدم كما يتوهم بل اخرجتنا من التاريخ والقت بنا في مزابل الوجود ولا زلنا نئن من تبعاتها والانقسامات لم تبدأ بسبب المؤامرات البريطانية والصهيونية ولكن بسبب الطبيعة الامبراطورية للدولة وطالب في المرحلة المتوسطة يعرف ان ( الخلافة ) التي يندبها تفاهمت مع البرتغاليين والهولنديين وغيرهم في الخليج العربي وتعايشت مع وجودهم هناك على حساب مسلمي تلك المناطق في عز دور القوة لتلك الامبراطورية وتاريخها في التخلي عن " مستعمراتها " العربية والاسلامية معروف ودرجة الذل والمهانة التي بلغتها يراها الاعمى قبل البصير وهنا نريد من السيد البوطي جوابا واضحا: هل نواحه على الامبراطورية العثمانية نواح عليها ام تمهيدا لقبول امبراطورية جديدة تتلطى خلف الدين ؟

التجزئة ايها السيد لم تحدث في الامس القريب فقد بدأت بعيد وفاة النبي مباشرة فيما عرف باسم حرب المرتدين التي حسمت بالقوة العسكرية العارية ثم تجددت اثر مقتل الخليفة الثالث ( عثمان ) وتبسيط الامور الى درجة توصيف الصراع على انه " اخوة متحابين متالفين تسرب بينهم هذا الظربان – يقصد عبدالله بن سبأ – فافسد صلة بينهم وسرعان ماعاد الامر الى اعلى درجات الانسجام والانتظام " ( ص 19 ) فيه سذاجة مبالغ فيها وفيه اهانة مابعدها لاصحاب النبي من القيادة فاذا كان اصحابه مع كل مايوصفون به عادة من الايمان العقائدي الحديدي يتسرب بينهم " ظربان " ويفعل بهم كل تلك الافاعيل ويذهب الاف الشهداء العرب ضحية " افساد صلة بينهم " فهل يحق لنا الحديث عن مؤمنين غزو الارض بقلوبهم قبل سيوفهم واقامو العدل و ... اذا كانت قياداتهم بتلك السذاجة التي يتحدث عنها البوطي, واضافة الى السذاجة والاهانة فيه افتراء على التاريخ فالامور ما عادت " الى اعلى درجات الانسجام والانتظام " حتى الساعة بل على العكس يتزايد الصراع حدة كل يوم

يتعرض البوطي لظاهرة الاصلاح الديني التي حاول البعض القيام بها نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين فلا يرى فيها سوى مكيدة بريطانية فقد " اوحت بريطانية عن طريق رسلها الى القائمين بشأن الازهر .... انه ليس بين الامة العربية التي تعيش عصر التخلف بسبب انهيار الخلافة العثمانية وبين ان تنهض كنهضة اوربا العلمية التقدمية الا شيء واحد هو ان يطور الاسلام في المجتمعات الاسلامية " ( ص64 ) , ويبدو - البوطي قد غير رأيه فقد احسن الظن قديما بالمنادين بالاصلاح الديني عندما اعاد الامر الى انبهارهم بالحضارة الغربية " لقد علم عامة الباحثين والمفكرين ان من اهم اسباب نشأة تلك المدرسة ] يقصد مدرسة الاصلاح الديني في مصر [ في حينها الانبهار الذي اصيب به كثير من العقول العربية المسلمة من انباء النهضة العلمية في اوربا " ( فقه السيرة , ط 8 / دار الفكر 1980 ) , فالاصلاحيون الدينيون والقوميون العرب ومحمد علي و ... كلهم الات تعمل بالارادة البريطانية والصهيونية ؟
] لايوضح البوطي رأيه في الحركة الوهابية التي هي حركة اصلاح ديني مشابهة من حيث الرؤية العامة لحركة الاصلاح الديني المصرية وخاضت صراعا مريرا مع الامبراطورية قبل ظهور الحركة المصرية , ولا ندري اذا كان لاهمال الحركة الوهابية من معنى ام انه مجرد اهمال لااكثر [
الحل كما يرى – البوطي – في عودة الامة الى سابق وحدتها – لاندري اذا كانت تلك الوحدة المأمولة تحت راية الخلافة العثمانية ام تحت راية خلافة اخرى – ثم تعود الامة الى الاستقرار النفسي والاجتماعي " ذلك ان الاضطرابات المختلفة التي تفور بها مجتمعاتنا ... مفتعلة ومطبوخة بايدي اعداء الله ومن ثم بايدي اعدائنا " ( ص 68 ) . هذا التوحيد المستمر بيننا وبين الله باعتبارنا " شعبه المختار" احد اهم وسائل الفقه الاستبدادي اذ يعمي البصائر عن الاسباب الحقيقية لكوارثنا ويرمي اللوم على الشعب باعتباره ليس مسلما كما يجب ولذا فالله لاينصره
ليتساءل بعدها البوطي هل حل مشكلة التجزئة باعتبارها المشكلة الام التي تفرعت عنها سائر المشكلات في " مزيد من الابتعاد عن الاسلام واللجوء الى العلمانية ؟ ... ما من عاقل الا ويعلم ان اللجوء الى هذا الحل ترسيخ للمشكلات التي نعاني منها وليس بحال من الاحوال علاجا لها " ( ص 69 ) الم نقل ان البوطي هو العقل والاسلام والذات الالهية ومن لايقبل كلامه فهو مجنون او من اعداء الاسلام او عدو الله ؟ !
وبما اننا سذج واطفال يتم استدراجهم بقطعة حلوى او بمجرد وعد بها فقد ضحكت علينا بريطانية " لقد خدعتنا بريطانية يوم فعلت افاعيلها للقضاء على الخلافة الاسلامية اذ راحت تهمس في آذان السذج والبسطاء من العرب مطمئنة ان عقد الخلافة سينتزع من جيد الاتراك ليحلى به جيد العرب " ( ص 71 )

استدرجنا – البوطي – الى مواقع عديدة ابتعدت بقدر او آخر عن موضوعنا الذي هو العلمانية والدين ولكنه ربط تلك المواضيع ببعضها فاجبرنا على السير وراءه لنتتبع رايه ونخلص الى :

*- العلمانية ليست حاجة فرضتها التطورات العلمية والاقتصادية والاجتماعية للجنس البشري ممثلا في اوربا الناهضة ( ق : 17 ) وانما خلاصة دراسة قام بها الاوربيون لدينهم فلما تبين لهم انه ليس من عند الله بل من وضع الكنيسة استبدلوه بالعلمانية . ولان ديننا من عند الله فلا حاجة بنا للعلمانية لان جزاء صبرنا على الظلم والحرمان واستلاب الكرامة البشرية الجنة باذن الله وهذا يكفينا .
لايرى البوطي عدد الذين يؤدون الصلاة خلف البابا في كل اوربا والعالم المسيحي ولايسمع ادعيتهم ولا أي شيء من هذا القبيل خلاص : " عنزة ولو طارت " . الاوربيون تخلوا عن دينهم القديم ( المسيحية ) واستبدلوه بدين آخر ( العلمانية ) , ولكن لم يقل لنا البوطي ما شأن المسيحيين العرب والاسيويين والافارقة والامريكيين اللاتينيين . هل وصلوا الى ذات النتيجة ؟ ام انهم في الطريق اليها ؟ ام ان ديانتهم تختلف عن ديانة المسيحيين الاوربيين ؟ وما شأن اتباع الديانة اليهودية من المتطرفين اليهود في فلسطين او من العلمانيين اليهود في كافة انحاء العالم وما اذا كان هؤلاء ايضا اطفالا سذج ضحكت عليهم بريطانيا فانحرفوا صوب العلمانية . ام ان الدين اليهودي هو الاخر " مواضعات بشرية تراكمت مع الزمن " ؟ واديان شرق اسيا ؟ ام ان جميع الاديان – باستثناء الاسلام – ينطبق عليها الحكم ذاته ؟ !

* - الحل يكمن في الايمان وبالتالي فجميع مشاكلنا سببها ضعف الايمان او الابتعاد عن الاسلام ومن هنا فالواقع الاجتماعي والسياسي والثقافة الاستبدادية التي يخدمها ويروج لها ودرجة التطور الحضاري عموما ليست ذات معنى

يتعرض – البوطي – لقضية الديمقراطية ويخلص من خلال بعض السرديات الى ان " الاسلام الحقيقي اذا حكم فلن يضيق السبيل الى الحرية ابدا ولن يوصد بابا من ابواب الشورى او الديمقراطية السليمة ] وانا لااتحدث عن الديمقراطية المزيفة [ " ( ص 128 ) ويربط التكليف بالحرية مستشهدا ببعض النصوص القرآنية وان الله " لايلزم عباده في الدنيا بان يتمسكوا بشرائعه وانما يطلب منهم ان يلتزموا بها طوعا ولايلزمهم بها كرها , افيملك الحكام ان يجبروهم بما لم يجبر , هو , به الناس " ( ص 130 ) ] نسي البوطي هنا اية السيف ومفهوم النسخ ربما لانها تتناقض مع الاحلام الوردية التي يرسمها لنا [ لذلك هو يقر بحق الاخرين – ايا كانوا – باعلان ارائهم وان يتم التعاطي معهم بالحوار ويستدل على ذلك من بين استدلالاته بقوله " في القرن الثاني الهجري ولدت الفرق الباطلة المنحرفة وتكاثر بعضها من بعض وقد خرج البعض منها عن ربقة الاسلام ووقع في مزالق الكفر ... منها المعتزلة بكل فرقهم , المرجئة , الجهمية , الحشوية , , القدرية , الجبرية , الخوارج .... ] نسي فرق الشيعة ؟ ! [ لقد ترك هؤلاء الناس يتحدثون كما يشاؤون , ويدللون على افكارهم الزائفة كما يحبون " ( ص 133 ) ولكن تلك الحرية مشروطة بضابطين اضافة الى وجود حكم اسلامي يطبق الشريعة " كما امر الله وكما كان سيدنا محمد يطبقها " ( ص 135 ) الضابط الاول ان تكون افكار المعارضة ذاتية فاذا تبين " ان هنالك وحيا خارجيا يقود هذه المعارضة .... فان على الدولة في هذه الحال ان تصادر تلك الحريات .... لانها خادم لافكار اجنبية لاعلاقة لهذه الامة بها " ( ص 136 ) الضابط الثاني " ان لا تتجه انشطة المعارضة وانشطة المذاهب السياسية اوالثقافية او الفكرية الاخرى الى تقويض الحكم الاسلامي . أي لا تتجه الى القضاء على الاسلام ذاته وجوهره من خلال القضاء على هذه الحكم فاذا تبين للدولة ان المعارضة تتجه الى هذا القصد فمما لاريب فيه ان هذه الحرية يجب ان تصادر " ( ص 137 ) ويعتبر الشرطين السابقين " ما يقضي به النظام العالمي كله , وهو ما تسير عليه دول العالم اجمع " ( ص 139 )
يصر البوطي على التوحيد بين ذاته الجليلة والذات الالهية في كل موقع فهو الذي يقرر الفرق الضالة والمنحرفة او الخارجة عن ربقة الاسلام او المنزلقة الى الكفر في اطار عقلية ( الفرقة الناجية ) التي تهتدي بظلامها كل الفرق الاسلامية وهو الذي يقرر ماهو الحكم الاسلامي الصحيح من المدعي والديمقراطية الحقيقية من المزيفة وفي النهاية هو وحده من : " بيده الملك واليه المصير " اذ من حقه ان ينبش وراء الافكار ليقرر ايها نبع من ذات الجماعة المعارضة وايها اوحي به اليها من الخارج وان يفتش في قلوبها ليعرف فيما اذا كانت تعتقد الخير فيما ترى ام تهدف الى تقويض الحكم الاسلامي او – وهنا الطامة الكبرى – القضاء على الاسلام نفسه باعتبار ان هذا الاسلام يتجسد في اشخاص معينين آ تاهم الله تفويضا بالحكم باسمه وتمثيل دينه بل والحلول محله , وفي النهاية ديمقراطية " البوطي " جبهة اسلامية تقدمية " و " هيئة كبار العلماء " و " هيئة تشخيص مصلحة النظام " و " مجلس شورى المجاهدين " بدل " الجبهة الوطنية التقدمية " وهياكل واشباح تسبح باسم السلطان الذي يمثل الله على الارض بدل السلاطين الذين يمثلون القومية والاشتراكية و ... أي نخرج من" تحت الدلف لتحت المزراب "

يطرح البوطي مسألة " الردة " فيفرق بين حالتين : الاولى سرية أي بين الشخص ونفسه " في هذه الحالة لا يلاحقه احد ولايتجسس عليه لمعرفة دخيلة نفسه احد " ( ص 139 ) كثر خيره فقد ترك للناس مساحة من الحرية هي دواخلها وربما فكر مع الايام و " اهتدى " الى طريقة يقتحم بها دواخل الناس فيحرمهم من تلك الحرية العظيمة
الحالة الثانية " يجعل من ارتداده اعلانا كبيرا ... متحدثا بلسانه او كاتبا بقلمه " ( ص 139 ) فانه " ولا شك أبى الا ان يحيل نفسه الى جرثومة تسري بالعدوى في المجتمع .... ] لاحظ كيف يصف الاخر [ الاسلام لا ياخذ ه هنا بجريرة اختياره دينا مكان دين .... لانه جعل من عمله هذا سلاح حرب ضد المجتمع او ضد الدولة التي هو فيها " ( ص 140 ) مبررا ذلك " اذ كان بوسعه لو لم يضمر الحرابة لنظام المجتمع الذي هو فيه ان يجتر عقيدته الجديدة بينه وبين نفسه في داره .... او كان بوسعه ان يخرج من هذا المجتمع فيلتحق بمجتمع آخر ليبعد شره عن المجتمع الذي كان فيه " ( ص 139 / 140 ) .
دعوة صريحة الى النفاق والانتهازية والظهور بوجوه متعددة وايضا الى التطهير العنصري على اسس دينية وطائفية تلك هي الديمقراطية الاسلامية كما يفهما البوطي ويدعونا الى ملأ الدنيا زغاريدا ابتهاجا بها ونسخة ( ولكن بمفردات اسلامية ) عن كل ادعاءات الانظمة الاستبدادية التي تنشء حزب كل الناس وتجبر الشعب باكمله على الانخراط فيه ولا تهم القناعة لان المطلوب ان تصفق فقط وتقطع لسانك أي ان تحتفظ بعقيدتك في داخلك والا تعرضتك لمحاكم التفتيش بجريرة ترويج اقاويل تضعف من عزيمة الامة .
هكذا : التاريخ مجرد رغبات افراد وبالتالي لاحاجة لنا بها لان ديننا من عند الله وليس مواضعات بشرية كما المسيحية
* - القصة وما فيها – ورغم انف التاريخ – تختصر في ابتعادنا عن الاسلام والحل في عودتنا اليه وبالتالي فالشروط الموضوعية مجرد اوهام , او اكاذيب اخترعتها بريطانية للضحك علينا
* - الديمقراطية مقرة في الاسلام ولكن شرط الا تكون اداة للتامر على الاسلام او الحكم الذي يمثله
اليس هذا هو منطق الاستبداد بعينه مستخدما الفاظا اخرى ؟

ثانيا – الاخوان المسلمون بين المطرقة والسندان

لناخذ نموذجا ترك صدى واسعا عند نشره . اذ اعتبر تطورا في فهم جماعات الاسلام السياسي . اقصد البرنامج السياسي لجماعة الاخوان المسلمين في سورية , ولنناقش فقط مفهومي الدولة والمواطنة في هذا البرنامج .

مفهوم الدولة "

تقرر " الجماعة " ان " الاسلام لم يقرر مصدرا غيبيا للسلطة .. ولم ينشىء في بنيانه ما يعرف بالمؤسسة الدينية لا بصورة فرد ولا طبقة ولا مؤسسة – الباب الثالث / بين الدولة الاسلامية والدولة الدينية " كما ترى " الفارق بين الدولة الاسلامية والدولة الدينية هو ان مصدر الولايات في الدولة الاسلامية هو الاختيار القائم على الرضا بين اهل الحل والعقد وبين الامام الذي يقع عليه الاختيار ... / لا توضح لنا الجماعة مصدر الولايات في الدولة الدينية ؟ / وخيار الامة وبيعتها هي التي تمنح الحاكم او صاحب الولاية حقه في السمع والطاعة أي تمنحه السلطة , والسمع والطاعة في التصور الاسلامي حق ذو وجهين مدني مستمد من العاقد .... وشرعي ينبع من طاعة الله سبحانه وتعالى .. لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ..... وتبقى الامة المنشئة للعقد ابتداء هي المشرفة عليه والرقيبة على وفاء الامام .... تملك الحق في خلعه ... – الباب الثالث / مفهوم الدولة " 0 مالذي يمكن فهمه من هذ النص الطويل ؟ الدولة المنشودة هي دولة اسلامية : هويتها الاسلام , وكذلك دينها " وهو المصدر الاساسي والمرجعية العليا للتشريع – الباب التاسع / الفقرة الاولى " فهل بعد هذا يبقى من فرق حقيقي ( واقعي ) بين الدولة الاسلامية والدولة الدينية ؟

* - قد نجد دولا حديثة كثيرة تهتم " بمعاش " الناس وتترك لهم شأن " معادهم " ولكننا لن نجد دولة في التاريخ كان همها الوحيد البحث في " معاد " الناس " ولن نجد دولة طوال العصور الوسطى وما قبل لاتعـنى بـ " المعاد " بالمعنى العام للمفهوم أي : الشؤون الدينية 0 والدولة التي تقوم في ظلال الالهة هي دولة دينية اما التوازن/ عدم التوازن بين " القصر" و " المعبد " فتحدده قدرة أي من الطرفين على جعل العلاقة مع الطرف الاخرللـ " الثالوث " أي : " المخفر" اقوى 0 واذا كانت الدولة تقوم في ظلال الالهة فان الحاكم – بالتاكيد – يقوم في تلك الظلال ايضا أي انه ظل الالهة يستمد مشروعيته منها ويصبح أي كلام اخر – في احسن الاحوال – كلاما قابلا للنقاش ليس الا

في الدولة الديمقراطية : التعددية السياسية والحزبية لا تقع في " ظلال المرجعية العامة للدولة – فقرة التداولية " لان التعددية الثقافية هي الشرط الطبيعي والمقدمة اللازمة ضرورة للتعدديات الاخرى 0
الجماعة لا زالت ترى ان " الحاكمية " لله وحده استنادا الى النص القرآني " ان الحكم الا لله امر الا تعبدوا الا اياه " ومع ان " الحكم " هنا ليس مفهوما سياسيا بل " عقائديا " يتصل بالمشيئة , فان " الجماعة " تسير على خطى الرؤية التقليدية المعاصرة التي تصر على البعد السياسي للمفهوم والمشكلة ليست في الفهم بقدر ما هي في النتائج المترتبة على هذا الفهم اذ ترى " الجماعة " انه" تحدد دور المجتهد المسلم على مر العصور في البناء على القواعد الاساسية للاحكام الربانية لوضع الصيغ القانونية التي تحقق المقاصدالعامة للشريعة اولا في صوغ الاحكام التفصيلية مثل احكام الاسرة والزواج .... وصوغ القوانين الضابطة للاطر والجزئيات التي تحقق المصالح – الباب السادس / مفهوم الحاكمية " اننا هنا ازاء فضاء دائري يعطي مساحة للغة الانشاء ليعود الى نقطة البداية الاساسية 0 ان التحوير اللغوي لا يخلق مفاهيم محددة فبقاء " الحاكمية " لله و " التفسير " للمسلم المجتهد يعيدنا الى كهنوتية واضحة ويتحول " البرلمان " الى مؤسسة دينية مهمتها تفسير الشريعة لا اكثر وهذا يشكل الغاء لاي فارق بين الدولة " الاسلامية " والدولة الدينية الذي تقول به "الجماعة " 0

في مفهوم المواطنة :

" الجماعة " ترى ان " المواطنة " او الجنسية التي تمنحها الدولة لرعاياها قد حلت محل مفهوم اهل الذمة – الباب الثالث / ثالثا " ان " الجماعة " تقفز هنا على الدلالة السياسية والبعد التاريخي لمفهوم " الجنسية " ومفهوم " اهل الذمة " الاول يشمل جميع مواطني الدولة اما الثاني فيقوم على التصنيف والاول يرتب واجبات اتجاه الدولة ويقرر حقوقا للمواطن بوصفه مواطنا في حين ان الثاني يرتب واجبات لـ " فئة " اتجاه الدولة ويقرر حقوقا خاصا بهم ولهم وايا كانت هذه الواجبات والحقوق ومهما حاول البعض تبريرها او تزيينها فانها في النهاية واجبات وحقوق " فئة " وليس مواطنين 0
يضرب الاستاذ " مصطفى السباعي " مثلا مقارنا بين " الجزية " و " الزكاة " فيقول : " لو ان هناك مسلما يملك مليون درهم لوجب عليه في زكاة ماله خمسة وعشرين الف درهم بنسبة اثنين ونصف بالمئة وهو القدر الشرعي لفريضة الزكاة , ولو ان هناك له جارا مسيحيا يملك مليون درهم ايضا لما وجب عليه في السنة كلها الا ثمانية واربعون درهما فقط " ( ضريبة الجزية ) ويضيف الاستاذ متسائلا : " فاين يكون الاستغلال في مثل هذا النظام – نظام السلم والحرب في الاسلام / محاضرة القاها الاستاذ السباعي في بيروت 17-4-1953 " ويذهب في تفسير " الجزية " بوصفها ( بدل الخدمة العسكرية ) اما لماذا يعفى اهل الذمة من الخدمة العسكرية فيذهب " الاستاذ " الى ان " الجيش الاسلامي انما يحارب لاداء رسالة التحرير الاسلامية الى العالم فليس من العدالة ان يجبر شعب لا يؤمن بمبادىء هذه الرسالة على تقديم شبابه وبذل دمائه في سبيلها 0 هذا هو التفسير الصحيح لاعفاء الذميين من الخدمة العسكرية في الجيش الاسلامي – المحاضرة السابقة نفسها - وهنا نتساءل : اذا كانت هذه هي مهمة الجيش الاسلامي ( وبالتالي مهمة الدولة الاسلامية منطقيا ) فكيف يمكن ان يكون هذا الجيش وطنيا ؟ ان الجيش الوطني يقاتل دفاعا عن حدود الوطن وامن ابنائه وليس من اجل قيم وعقائد ايا كانت والا فقد اعطينا المشروعية لتلك الجيوش التي تدعي انها تقاتل من اجل رسالة 0

ان هذه الامثلة والتفاسير تؤكد ما ذهبنا اليه حول حقوق المواطن وحقوق الذمي و المسألة لا تكمن في الموازنة : ايهما يتعرض للاستغلال اكثر ؟ ومن حقوقه اكبر ؟ وانما في التمايز بين المواطنين بغض النظر عن الطرف الاكثر استفادة من هذا التمايز وهو ما يلغي مفهوم المواطنة نفسه من خلال الغائه للمساواة ولا يغير من هذا شيء الاقرار بحق " الذمي " باسقاط الجزية عنه اذا قرر الالتحاق بالجيش لانه يتوجب عليه هنا الايمان بـ " رسالة " هذا الجيش 0 أي : عليه ان يختار بين " الجزية " وبين التخلي عن اعتقاده سواء الديني او الفكري ولا يغير التخلي الطوعي في المسألة شيئا لان هذا التخلي شرط مسبقا .

ترى " الجماعة " ان مفهوم المواطنة " مفهوم قديم يعبر عن انتماء الفرد الى كيان – دولة المواطنة "
وتستعير نموذج ( دستور المدينة ) الذي وقع بين " النبي " وسكان " يثرب " الاصليين باعتباره مثالا رائدا عن مفهوم المواطنة " ان اول من وضع اسس المواطنة في الارض العربية هو رسول الله / ص / حين دون في وثيقة المدينة المنورة .... " وان ماضمته الوثيقة " تاصيلا شرعيا لهذا المفهوم العصري حين شرعت الانتماء الوطني .. - الباب الثالث / ثالثا " . تبدو القراءة – هنا - اكثرقسرية اذ ان الوثيقة المذكورة لا تحدد حقوق مواطنين كما فهمت " الجماعة " بل التزامات متبادلة بين جماعات متجاورة جغرافيا وهي ( الوثيقة ) في كل الاحوال لاتخرج عن صيغ التحالفات العشائرية الشائعة في " جزيرة العرب "0

صحيح ان "الجماعة " تقول بمساواة المواطنين في الحقوق والواجبات ولكنها ربما لاتعرف ان التحديد العقائدي للدولة هو الغاء لابسط اشكال المساواة تلك اذ انه ( التحديد ) يجعل من الطرف المحدد ( بكسر الدال ) وصيا على الدولة وهذا ما يبرز بوضوح في النص الذي تستعيره " الجماعة " من السباعي وتتبناه " اننا حين نعلن اننا جميعا مواطنون في هذا الوطن متساوون في الحقوق والواجبات فهذا لايعني اننا نسمح لاي انسان ان يستغل هذه المواطنة ويستغل العروبة والقومية ليطعن في دين هذه الامة ويسخر بتاريخها – الباب الثالث /ثالثا " ومن : " لايعني اننا نسمح " هذه تنفتح ابواب جهنم, فتصبح الرؤية الاخرى خروجا على "الدستور " يستوجب العقوبة في اوقات الطمانينة , والاجتثاث في ساعات الازمة وتحت عباءة " الوصاية " تلك يتم تصفية الحسابات السياسية والمللية على حد سواء .

لماذا الممارسات الاستبدادية في الانظمة العربية ؟

دراسة التطور السياسي للدول العربية المعاصرة تظهر اصليين اثنيين للممارسة السياسية او صفتين واضحتين للدولة السياسية العربية المعاصرة
* - الاصل الاول هو الدولة العقائدية : ذلك ان مثل هذه الدولة تتطلب تحديد " مرجعية " ما للدولة وهذا التحديد يشكل اولا نفيا للدولة الوطنية غير المتشكلة تاريخيا او قفزا فوقها , وفي الحالتين قطع الطريق على عملية التطور التاريخي ( الطبيعي ) للدولة الوطنية قيد التشكل , ( ذلك ان الدول العربية المعاصرة ومعظم دول العالم الثالث تفتقر الى مشروعية النشوء الطبيعي / التاريخي , وهي دول اصطناعية استلزمتها تسويات القرن التاسع عشر وتوازنات القرن العشرين في اوربا ) وثانيا خلق " صفوة " وصية على الدولة بداية ثم مالكة لها في مراحل لاحقة 0
* - الاصل الثاني هو الدولة الشمولية وما يستتبعه من اشكال لاحقة تنتج اليا عن الدولة الشمولية 0
في الاصل الاول تبدأ الدولة عقائدية قومية او دينية وتحت ضغط الواقع تتحول الى دولة طائفية ضرورة أي : ننتقل من دولة ( القومية العربية ) او (الدولة الاسلامية ) – وما ينطبق عليهما ينطبق على غيرهما من العقائد القومية والدينية – الى دولة ( القومية العربية الاشتراكية ) او الى ( الدولة الاسلامية السنية او الشيعية ) هكذا من العقائدية الى الطائفية ثم الى المذهبية فتصبح الدولة القومية هي دولة " البعث " او " الناصرية " او غيرها وتصبح الدولة الاسلامية هي الدولة " الوهابية " او غيرها ثم تتدرج الامور الى "الشخصانية " فتنحصر العقيدة , والدولة في شخص " القادة التاريخيين " بدء من مختار ابعد قرية , والذي تتشكل لديه قناعة انه الضامن الوحيد ليس لوجود الدولة وحسب بل لاستمرار الكون برمته , فالشخص هو الدولة , والدولة هي الشخص , و يصبح " ملا " المسجد هو المفسر الوحيد للشريعة والواهب لصكوك الغفران والخازن على ابواب النيران 0

الاصل الثاني مرتبط بالاول اذ ان الدولة العقائدية دولة اقصائية ضرورة , حاجتها الى اقصاء العقائد الاخرى يدفعها الى السيطرة على مفاصل الحياة العامة , فتسيطر على الجيش , والاجهزة الامنية , والثقافة , والاقتصاد , والاعلام , والتربية , أي تتماهى السلطة باعتبارها ( الحامل التاريخي ) للعقيدة , والدولة باعتبارها مجال تعين العقيدة 0
هكذا اذا : الدولة العقائدية تقود ضرورة الى الدولة الشمولية أي المسيطرة على مفاصل الحياة العامة كطريق وحيدة لتحويل العقيدة القطاعية الى عقيدة مجتمعية ( عقيدة المجتمع باسره ) فتضطر الى الاقصاء , وهذا يتطلب العنف ضرورة من جهة ومن جهة اخرى يشعر المقصيين بالتهميش والدونية ويضعهم تحت دائرة المراقبة والشك

المواجهة العقائدية من جهة والتحول التد ريجي من العقائدية الى الطائفية ( وتاليا الى المذهبية والشخصانية ) يزيد الحامل التاريخي للعقيدة ( السلطة ) شعورا بالخوف فيندفع اكثر في المواجهة . هكذا تصبح العقيدة مشروعا مؤجلا لصالح امن الحامل العقائدي ( السلطة ) فتتحول الدولة الشمولية الى دولة امنية ويفتح الباب واسعا امام المخصيين للدخول في الدولة ( السلطة ) , وتحت العباءة العقائدية تتم تصفية الحسابات الشخصية , وبناء الاقطاعيات ,

قلنا سابقا : ان الدول العربية المعاصرة تفتقد مشروعية النشوء الطبيعي , وانها دول اصطناعية . هذه الحقيقة الواقعية كانت بلاء على العرب ذلك ان تلك الدول لم تاتي على مقاس احد ( فيما بعد تبين انها لم تاتي حتى على مقاس خالقيها الاوربيين )
القوميون و ( القومجيون ) على حد سواء وجدوا فيها اعتداء على كرامتهم القومية ومعاندة للتاريخ واعتبروها " عرضا " زائلا ولم يكنوا لها احتراما باي مقدار بل وبعضهم راى في الكوارث التي تعرضت لها دليلا تاريخيا ساطعا على صحة احلامهم

الاسلاميون بدافع اوهام التاريخ واحلام امراض عضال لم يروا في كل جوانب الصراعات الداخلية والبينية والدولية سوى مؤامرة يشارك فيها الكون برمته . لاهدف لها سوى القضاء على الاسلام وانطلاقا من تلك الرؤية تحدد الهدف باقامة خلافة اسلامية عالمية تمر على جثث الدول العربية ( الوطنية )

اليسار بانواعه وتنوعاته وقبائله وعشائره أخذ مقولة ماركس حول الدولة باعتبارها زائلة لامحالة و " القومية " باعتبارها " منتج " راسمالي عفن تجاوزته الثورات ( والعنتريات ) . اخذ تلك العبارات باعتبارها نصوصا في كتاب مقدس خارج تحليلات " ماركس " نفسه وخارج سياقات التاريخ .

البرجوازيات العربية ( خاصة المصرية والسورية ) كانت اعجز من ان تحمل الدولة الوطنية على اكتافها لاعتبارات تاريخية وبنيوية على المستويين المادي والثقافي .

القوى العشائرية التقليدية ( خاصة الخليجية ) حسمت موقفها مبكرا وارتضت بتحويل " حمى " الرعي السابقة الى دول متطابقة الى هذا الحد او ذاك مع تكوين العشائر التي قبلت مشروع تحويل " المراعي " الى دول

العلاقة السابقة بين الدول العربية ( الوطنية ) والحوامل الاجتماعية القائمة فعلا على الارض لم تسمح باستمرار التطور الطبيعي لتك الدول وان تباينت وسيلة القطع تلك تبعا للواقع المحلي .

دول وثب فيها العسكر الثوري الفلاحي الى السلطة تحت شعارات رائجة وهموم مزمنة ووجد شرعيته فيما يمثله نظريا من اوهام القومية وهموم القطاعات الواسعة من الشعب الباحثة عن التعليم والعمل والمشاركة في الحياة وانتهى الى 9 / 4 / 003 ( ليس العراق هو النموذج الوحيد حتما )

دول ( الخليج تحديدا ) تبنت ايديولوجيا الاسلام الامبراطوري في صيغة محلية وساعدها ثراؤها المفاجئ على الظهور – ولو الى حين – بمظهر النجاح , واحتاطت للفشل باستغلال ثرائها لخلق نماذج حياة مشابهة لها في المدن العربية التي شهدت بواكير المشروع النهضوي وخنق أي محاولة في دول الثقل المعنوي العربية للخروج من مآزق التنمية الاجتماعية والسياسية المتعثرة

الدول العربية التي لم تسلك ايا من الخطين السابقين لم تخرج عن الفضاء التاريخي فوقعت هي ايضا تحت حلم التحديث من الاعلى وتحول هذا الحلم بدوره من ايديولوجيا فئة الى عقيدة مجتمعية مفروضة بالقوة على المجتمع ( تونس افضل نموذج )

ماذا تعني القراءة السريعة السابقة لنماذج الدول العربية المعاصرة ؟

ببساطة تؤكد ان جميع الدول العربية حكمت من قبل قوى عقائدية حاولت تحويل عقائدها الى عقيدة للدولة فتحولت الدولة الى دولة شمولية ضرورة .
دون ان نغفل بالتاكيد الدور الحاسم الذي لعبه المستوى المتدني جدا للتطور الاجتماعي والثقافي والاقتصادي للمجتمعات العربية في بداية القرن العشرين ( تاريخ نشوء الدول العربية المعاصرة ) في ايهام او توهيم تلك المجتمعات بان مايقدم لها من قبل نخبها هو الحل السحري لما تعانيه ولا يمكن اغفال الصراع بين العرب - كجزء من حركة التحرر العالمي – والغرب الاستعماري ولا صراع المعسكرين وتشابكات الوضع الدولي والتي سمحت لمن حالفه الحظ واقام ارتباطاته مبكرا او قفز الى السلطة على حين غرة في الاستمرار بهذه السلطة , والقضية الفلسطينية التي تواطأت جميع النخب الفاعلة في العالم العربي ( ونجحت ) في ادخالها الى عمق الوجدان العربي الشعبي وتحويلها لاحقا بسطارا يغلق افواه كل العرب .

لقد تتبعنا هنا الاصول السياسية لانظمة الحكم العربية مفترضين ان المشكلة تتعلق بالوعي وليس بالاخلاق أي ان اؤلئك الذين دعوا الى الدول العقائدية في بداية الامر لم يخطر ببالهم قط ان تتحول تلك الدول الى مجرد فرع مخابرات يحتجز فيه الشعب والتاريخ والعقائد في زنزانة واحدة ثم يختصر كل اؤلئك في شخص " القائد – الاله "

العلمانية وضرورة تطوير البناء السياسي للاسلام

اوضحنا مفهوم العلمانية سابقا كما نراه او كما نعتقد انه يخدم قضايانا كامة لها سياقاتها التاريخية الخاصة وظروفها الموضوعية المتعينة – دون ان نقع بالتاكيد في حفرة الخصوصية التي يروج لها المستبدون – وما من احد يستطيع ان ينكر حجم الحركات الاسلامية ودورها الفاعل والذي نتج عن عوامل عديدة ليس الآن مجال مناقشتها ومن هنا فالمسؤولية كبيرة على هذه الحركات وعليها – فيما نرى - ان تتخذ الخطوات التالية :

* - ان تقلع الحركات الاسلامية عن الاعتقاد انها تملك وحدها الحقيقة المطلقة وهذا يرتب عليها قبول العيش في كون مؤنسن اذا كانت عاجزة هي نفسها عن انسنة الكون وفي هذا السياق عليها التخلي عن الاعتقاد ان " الله " هو اله اسلامي حصرا مهمته في هذا الوجود نصرة المسلمين وانهم وكلاؤه الحصريون على الارض , والايمان ان " الاله " اله للبشرية وللاديان وان الدنيا " تؤخذ غلابا " – كما قال شوقي - وهذا يعني التوقف عن جلد الذات او تبرير الاستبداد عبر طمس الوقائع والحقائق .

* - ان مشاكلنا ليست نتاج ضعف الايمان والحل ليس في زيادة " جرعة " الايمان فالناس العاديون مؤمنون حتما . ان مشاكلنا تاريخية نتجت بسبب تخلفنا الحضاري عبر – وخلال – قرون . هذه المشاكل بدأت مع فشلنا في انتاج شروط حياة مادية وفكرية تتناسب وتطور الانسان في بلادنا وفشلنا في التفاعل مع الامم التي استطاعت انتاج مثل تلك الشروط وظهور – والادق استمرار – طبقة فقهاء السلطان المروجين للاستبداد تحت يافطات دينية متوهمة او موهومة .
* - لكل عصر شروطه التاريخية وقدرتنا في القرن السابع على انشاء دولة - وتحويلها لاحقا الى امبراطورية – ليست معجزة فريدة في التاريخ فقد سبقتنا – ولحقتنا - امم وتفوقت علينا في هذا المضمار ونحن انفسنا استطعنا بناء دول وامبراطوريات قبل القرن السابع , وتوهيم الناس ان ما انجز في القرن السابع استثناء في التاريخ البشري ذر للرماد في العيون ايا كانت النوايا

استمرار الحنين الى عصور سابقة وصبغها بالالوان الوردية وتصوير تاريخنا على انه صفحة ناصعة البياض ومحاولة تبرير جرائم الحكام والاباطرة بصياغات لغوية جميلة على شاكلة " ومع ذلك فقد يخطىء وقد يغضب فينحرف الى ظلم " ( يغالطونك .. : ص 21 ) تلحق اذى كبيرا بسعينا للحاق بالركب الانساني

وعلى الآخرين ايضا ان يدركوا :

* - من الضروري القول ان المشكلة ليست في الاسلام كما يريد ان يصور فقهاء الاستبداد . المشكلة في فهم هؤلاء الفقهاء للاسلام وفي اصرارهم على ربطه بالدولة وضرورة ان يدرك هؤلاء ان كل جهودهم لن تساوي اكثر من الدريهمات التي يقبضونها من السلطان ولكن حكم التاريخ سيكون قاسيا ولا تغرنهم مظاهر الحفاوة الكاذبة التي يستقبلون بها اليوم في المكاتب او الفضائيات

* - من الضروري التفريق بين " فقهاء السلطان " والحركات الاسلامية السياسية وجماعات العنف حتى لو التقوا في بعض مظاهر الفهم لطبيعة الدين او لموقعه في الحياة العامة ذالك ان مثل هذا التفريق يسمح بالحوار الوطني الذي سيقود حتما الى حل ما تدريجي لمفهوم السلطة

* - العلمانية وبغض النظر عن السياق التاريخي للمفهوم ودلالاته الواقعية في النهاية انما تعني العيش في كون مؤنسن أي اسقاط " الحق الالهي " , في الحكم وليس اسقاط حق الجماعات الدينية في الوصول الى السلطة وقبول الجميع بالعيش بامن وسلام حقيقين وليس امنا وسلاما لغويين والابتعاد عن الاشتراطات المسبقة كونها تشكل وصاية بالمعنى الحقيقي وتفتح الباب في لحظة ما امام الاستبداد

* - لا شك ان المعضلة الاساسية تتمثل في غياب النموذج الحضاري الواقعي في جميع الدول العربية والاسلامية مما يبقي لحجة " الفردوس المفقود " وهجا ما ومن هنا فعلى الساعين لتغيير الواقع ان يولوا مهمة بناء النموذج الاهمية التي تستحقها وبناء هذا النموذج هو فعل واقعي وليس حوارا فكريا فقط ويشمل البنى المادية والثقافية ومن هنا تاتي اهمية حركات الاسلام السياسي اللا عنفي في الاقرار الواضح والصريح بتبني منظومة حقوق الانسان والمواثيق الدولية ذات الصلة بغض النظر عن بعض ملاحظاتهم عليها وان يتخلوا في هذا الاطار عن ربط الدولة بمرجعية دينية مثلما يتوجب على الاخرين التخلي عن ربط الدولة بمرجعياتهم دون ان يلغي ذلك حق الجميع بالاحتفاظ بمرجعياتهم باعتبارها مرجعيات فئوية او حزبية

* - الدولة العلمانية – بالمعنى المبسط الذي اوضحناه سابقا – لم تعد ترفا فكريا بل ضرورة وجودية تحدد طبيعة المستقبل . نعم نحن امام خيارين : اما الفناء , واما الدولة العلمانية . ذلك ان تلك الدولة هي التي تؤمن الحقوق الانسانية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لجميع ابنائها وتؤمن التداول السلمي للسلطة بعد ان تكف عن كونها سلطة متسلطة همها النهب والاخضاع فتتحول الى سلطة بمعنى اداة لادارة شؤون البلد وفق رغباته اهله .



#ماجد_العلوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المشروع الإسلامي بين مطرقة الموروث وسندان الاندماج / قراءة ن ...


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- ما بعد الإيمان / المنصور جعفر
- العلمانية والدولة والدين والمجتمع / محمد النعماني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع - ماجد العلوش - العلمانية , الدين , والخروج من مأزق المزدوجات