أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جوزفين كوركيس البوتاني - من يوميات ممرضة















المزيد.....


من يوميات ممرضة


جوزفين كوركيس البوتاني

الحوار المتمدن-العدد: 6617 - 2020 / 7 / 13 - 11:06
المحور: الادب والفن
    


برتقالة
نادت الممرضة..ارجوك..اسرعي إلي
فأنا اعاني اوجاعاً فظيعة.اسرعت الممرضة
اليهاقائلة اهدئي عزيزتي
سأعطيك مسكناً اخر لحين موعد حقنك ابرة المورفين
اجابت المريضة ..لا ..يا امينةكفي عن اعطائي هذه المسكنات
لقد مللت من المسكنات والمهدئات ومعدتي لم تعد تتحمل ذلك
ارجوكِ اسحبي هذا (النيدل )من يدي لا اريد هذا المغذي
انا اعرف اني اعيش لحظاتي الاخيرة دعوني اموت بسلام
فلا شيء يجري كما تريدون الوقت فات واعرف ايضا الطفلة ماتت
لقد ماتت ملوثة بجراحاتي فأنا لم اسمع صراخها اثناء ولادتي
لا تخفي عني. فلم اعد ابالي بشيء ارجوكِ
اخرجيني من صالة الولادة خذيني الى الردهة
ريثما يحضر زوجي ليأخذني الى البيت. لأموت بين اهل بيتي
رغم اني اعرف هو لا يعرف انني احتضر
لقد جاء بي اول امس هنا وتركني وعاد الى القرية.
قال لي سأعود لاحقاً
غير انه لم يعد لعله مشغول ومعتقدا اني بخير مثل كل مرة يتركني
ويمضي بعد ثلاثة ايام يآت ويأخذني
ولكن هذه المرة ليست مثل كل مرة..
أنا في طريقي الى الموت ..اقتربت امينة منها قائلة.سأأخذك الى الردهة
وابقى معك لحين حضور زوجك
يا هدية لا تقلقي انا لن اترككِ وحدك
ولكن اوعديني بعدم التفوه بكلام فارغ .
مدت يدها وسحبت ابرة المغذي عنها ثم قالت لها افتحي ساقيكِ
ثم وضعت سطلاً صغيرا بين فخذيها
واخذت تضغط على بطنها المنفوخةواخرجت كل الجراحة
حتى امتلء السطل ثم قالت للمعينةيا خالة صبيحة
ساعديني لننقل المريضة الى الردهة
ومن بعدها نظيفي المكان من فضلك.
بعد ان وضعت المريضة هدية في الردهة جلست امينة بجانبها
بعدما قامت بأرسال خلف الدكتورة التي قامت بأجراء العملية للمريضة هدية
التي كانت قد نبهت الممرضة امينة بمتابعة حالتهاحتى اخر لحظة
مؤكدةلها ان تقوم بتحقيق اي رغبة للمريضة قالت لها افعلي اي شيء تطلبه منك
لان المريضة تقريبا منتهية .
وجاءت الدكتورة وبدأت تفحص المريضة
وحزن عميق يغلف وجهها السمح ثم نظرت الى امينة قائلة
كما قلت لكِ افعلِ كل ماتطلبه منكِ ثم خرجت دون ان تنبس بكلمة
ادركت امينة ان المريضة ميؤوس منها تنهدت امينة
وقالت بصوت هادئ هيا يا هدية حدثيني
لما لم يحضر زوجك اليوم ألم تتصلي به بعد..!
تنهدت هدية قائلة:
يبدو انه لم يعد يحتاجني او لعله مشغول جدا(والله اعلم)
كما تعلمين اننا نعيش في قرية
تبعد عن المدينة اكثر من ساعة وان لزوجي مزرعة كبيرة جدا
ونحن اسرة كبيرة .ان لزوجي ثلاثة زوجات وأنا الزوجة الوسطى
قبل عام تزوج علي بحجة اني لم اعد اصلح للفراش
بحجة اني كبرت علما انا في الثانية والثلاثين من عمري وهو بعمر ابي
تقريبا عندما تزوجني لقد بدلني بأبنته من زوجته الاولى
(اي كصة بكصة ) مع ابي ولي ثلاث صبيان الاول في الثامنة من عمره والثاني
في السادسة اما الثالث في الثالثة من عمره
واخشى ان يطول غيابي
عنهم وقد لا اعود اليهم اطلاقاًوياخوفي من ظيني الثاني.
ان لزوجي ثلاثة بيوت ملاصقة ببعضها
الكبيرة لديها عشرة ابناء حتى لقبت بالاصلية
وانا لي ثلاث صبيان
اما الزوجة الثالثة هي الان حامل بشهرها الرابع وهو مقسم وقته بيننا
ولذا معظم المسؤليات كانت ملقيا على عاتقي
لان الكبيرة تعمل في الحقول هي وبناتهاوانا اعمل في المواشي والبيت والخبز
والصغيرة تقوم بتحضير الجبن واللبن والقيمير في البيت لكونها الصغيرة
فهي لا تخرج الى الحقول هي تعمل في البيت كما تعلمين نحن نساء القرية نختلف
عنكم انتن نساء المدينة
قاطعتا امينة قائلة
إذن كل العمل ملقي عليكن .
إذن هو ما ذايعمل طيلة الذي ماذا يفعل.؟ اخبرني.

ردت هدية هو يلم المحصول ويأخذه الى العلوى
ويذهب باللبن والجبن والقيمر الى المدينة ..
اما نحن نعمل منذ الفجر لحين صلاة المغرب
هذه هي حياتنا نحن نساء الريف تعب في تعب
ثم صمتت هدية هنيهة ثم تابعت قائلة:
صديقني يا امينةانا لم احقد يوماً على زوجة ابي التي هو ابنة زوجي
لاني اعرف هي الاخرى ضحية مثلي
كل ما هناك إنتقلت المليكة من اباها الى ابي كما انتقلتُ انا من ابي الى اباها
اي تبادل بنا من مزرعة الى مزرعة التي كنا نعمل بها منذ نعومة اظفارنا
ثم صمتت مرة اخرى وغفت قليلاًأغلقت عينيها الخضرواتان الذي إزدادت بريقاً
نهضت امينة بحذر وجست نبضهابحذر وخوف علماًهي على علم انها تحتضر.
مسألة وقت لا اكثر لأنها تعاني من مرض العضال
لقد نال منها المرض نسبة النجاة صفر لأن التشخيص جاء متأخراً جدا
نتيجة اهمال لصحتها انها مصابة بسرطان الرحم
والمرض قد إستفحل وانتشر في الجسم كلهُ ولا جدوى من إستئصاله
فالمرض اكتشف اثناء الولادة عندما كانت في حالة المخاض
والدكتورة بذلت كل جهدها ولكن دون جدوى.
همست امينة هي ترقب مريضتها لنفسها يا الهي امنحها مزيدا من الوقت
على الاقل لحين تعود الى بيتها ارحم هذه المخلوقة
المرمية هنا وحدها دون ان يكون احد بجانبها تمعنت بملامحها
كانت رائعة الجمال. جمال ريفي رباني لم تشوههُ مستحضرات المدينة.
تتأمل جسدها الممشوق التعب اثر نزيف حاد جسداً اصفر لونهُ
وأخذت تصلي بصوت مسموع يا آلهي ساعدها امنحها مزيدا من الوقت.
لضم ابناءها على صدرها ولو دقائق
قاطع صوت هدية صلاة امينة قائلة
يا امينة كم انتِ حزينة لأجلي .وكم أنا شاكرة لكِ هذا
كما تعلمين إن يد الله فوق كل شيء
وأنا امرأة مؤمنة فكل ما يآت من عند الله علياأن اتقبلهُ
أبتسمت امية بمراة قائلة وهي تتحاشى النظر إليها
اعتقد انكِ الان افضل حالاً ولان بعد ان عدتِ الى رشدك وتبدين افضل حالاً
دعينا نثرثر قليلاً حدثيني قليلاً عن نفسك عن حياتك وانا بدوري سأحدثك عني
ما رأيك ..؟
هه.ياهدية هل احببت حياتك
هل كنتِ سعيدة رغم كل ما مررت به
ردت هدية بأسى يا عزيزتي لم يكن لي الوقت الكافي لأفكر إن كنتُ سعيدة ام حزينة
فنحن القرويات لا مجال لنا لأي شيء حتى زوجي الذي انجبتُ منه ثلاث صبيان
الى هذه اللحظة لا اعرف إن كنتُ احبهُ ام اعطف عليه ام اخافهُ كما كنت اخاف ابي
عن اي سعادة وحب تتحدثين انا فقط جربتُ حب الامومة الذي لا حب على الارض
يضاهيهِ
ثم اضافت وهي تسأل امينة هل انتِ متزوجة يا امينة
اجابت امينة بود لا يا عزيزتي لم اجرب الزواج بعد انا
اصلاً لا افكر حالياً في الزواج لي حياتي واعمل بجد واصرف على نفسي
لستُ مستعدة ان اكون تابعاً لأحد
طالما استطيع ان اربي نفسي. الا في حالة التقي بمن يستحقني.
فأنا لا يعوزني شيء سوى رجل طيب وامومة لأطفال لم يولدوا بعد
أتعرفين يا هدية الزمن تغير يا عزيزتي
لو انكِ خيرت معظم النساء الان بين زواج تقليدي وزواج مبني على ستجدين
فضلن العزوبية على الزواج التقليدي.
ولكن كما تعلمين مجتمعنا لايزال يملك النظرة الغير بريئة لكل من فاتها القطار
ومعظم من التقيتهن اكتشفوا انهن تزوجن فقط لاسكات المجتمع
هناك قلة من تجدين تزوجن ممن يحبهن
والبعض للتخلص من المسؤلية ولكن انا يا هدية لي مبدئي في الحياة
لن اتزوج الا بمن احبهُ ولا زلتُ ابحث عنه او انتظر قدومهِ يا عزيزتي.
هل انتِ معي يا هدية هل تفهمين ما قصدتُ
ردت هدية بصوت تعب لا اعرف لماذا انتن اهل المدن
لماذا تعتقدن إن القرويات ساذجات
صحيح لا وقت لينا لنقرر او نفكر في الامر لكننا نفهم الحياة ونستذوقها جيدا
فالطبيعة كفيلة بتعليمنا مدي جمال الحياة اننا نفهمها بالفطرة افضل منكن
كما قلت لاننا لسنا ملك انفسنا فنحن ملكية تتنقل من والى
هكذا هو الحال عندنا تتنقلين وانتِ صامتة
تصورِ احياناً يستبدلون المرأة بالبقرةومعظما تمنح هبة لمن يستحقها
احياناً لشيخ القرية او امام جامع او رجل من العشيرة لديه رتبة في الجيش
تصوري نمنح (كصوغة) هل سمعت بذلك من قبل وغالباً اجملهن تهدى
لمن وصل الى السلطة وذلك ليُسِرالعائلة الكريمة
التي تتحول بمرور الوقت الى عائلة غنية. أتعرفين ابنة خالي اهداها خالي هدية العيد
لمسؤول كبير ثم صمتت وانتفخت بطنها
من جديد وبدأت تتعرق وفتحت ما بين ساقاها وهي تقول
امينة لقد عاد الوجع اخبريني متى سيحضر زوجي متى ارى ابنائي
هل لكِ ان تتصلي بزوجي أرجوكِ افعلي هذا لأجلي
ليستعجل بالمجيءا ويآت بأبنائي اريد ان اراهم لاخر مرة أجهشت في البكاء
والخوف من ان تموت دون ان تودع ابناءها
سحبت امينة الطبلة المعلقة على السرير وقامت بنقل رقم هاتفها على باطن يدها
وقالت لها سأذهب الى الاستعلامات واتصل به اهدئي يا عزيزتي
هل انتِ بخير هل تريدين ان تشربي قليلاً من الماء
أعدك ستضمينهم الى حضنك
تناولت كأسا من الماء قائلة هل ترغبين بشرب الماء
اجابت لا اريد شيء اريد ان ارى ابنائي
تماسكت امينة كعادتها بحكم عملها الانساني
الذي علمها من خلال هذه المواقف كيف تضبط نفسها واظهار
عدم الاكتراث.وكيف تتعامل برقة وحكمة اولاً لأبعاد الخوف عن المريض
ثانياً لدعم المريض واطمئنانيه بأي طريقة قالت لها على رسلك ما هذا الهراء
انتِ بخير ثم تركتها وخرجت للإتصال بزوجها وبعد عشر دقائق عادت
لتطمئنها بأنها تركت رقم الهاتف عند موظف البدالة هو يسحاول
الاتصال بزوجها ليبلغه رسالتها
هي حاولت لكن الخطوط مقطوعة في القرية
اعتقد قبل حلول المساء سيكون زوجك هنا
لان الموظف سيحاول الوصول اليه بأي طريقة
بعد نصف ساعة اتصل موظف البدالة
قائلاً حاولت ولكن عبثاً
هنا صرخت فرحة امينة قائلة ابشري يا هدية
زوجك في طريقهِ اليك لقد استطاع الوصول اليه اهدئي عزيزتي
انه قادم
إنفرجت اساريرها وهي تتمتم صلاتاً خافتاً ليصلوا بسرعة ثم شكرت امينة
وكانت قد ازدادت شحوباً وغارت عيناها وتصلبت ساقاها
واخذ يزرق جسدها رويدا رويداوباتت تقريباًغائبة عن الوعي
تألمت امينة وبدأت تعدلها محاولة ان تضع وسادة تحت رأسها
وقامت بحقنها بأبرة مهدئة
و موظف البدالة يزال يحاول ولكن دون جدوى
اخذت تصلي ليصل زوجها قبل فوات الاوان
قالت هدية بعد ان عادت الى وعيها من جديد
هل تعتقدين سيصلون اخبريني يا امينة
ردت امينة بغضب
ما هذا الكلام نعم سيصلون وستذهبين معهم
اين ايمانك يا امرأة هل انتِ المريض الوحيد في العالم. وهل كل من يمرض يموت
قوي ايمانك وصلي بدل ان تتذمري وانا واثقة انك ستعودين معهم الى البيت
لا تجعليني اخرج عن طوعي
قولي يارب حالات كثيرة اسوء من حالتك عادوا سالمين
بعد مشوار فظيع مع المرض
من واجبها ان تهدأ من روعة المريض بأي طريقة الى اخر لحظة.
وهذه اصعب مواقف التي لا تحبذها في عملها هذا لكن هذا واجبها
ثم فجأة ضاق تنفسها وتقيأت دماً اسرعت امينة الى الدكتورة تطلب النجدة وجاءت
الدكتورة مسرعة اخذت تجس نبضها ثم اخذت تجهش في البكاء
طالبةرؤية ابناءها والعرق يتصبب منهابغزارة
تارة يبرد جسدها وطورا يعود الى طبيعته
وبعد اكثر من نصف ساعة عادت هدية هادئة
وعاد الهدوء الى الردهة بعد ان قامت خالة صبيحة
بمساعدة امينة بتغير ملابسها وشرشفها ولملمت كل شيء
ثم خرجت وهي تدعو لها بالشفاء العاجل
ثم نظرت هدية الى امينة الجالسة بقربها على الكرسي شاردة بعيدا
لا اعرف كيف اشكرك يا امينة لقد اتعبتكِ معي
ردت امينة لا يا هدية هذا واجبي وانت اطيب امرأة رأيتها في حياتي
تحاول امينة جاهدة اخفاء حزنها العميق اتجاه هذه المرأة التي احبتها كثيرا
وها هي تعيش مآساتها تشاركها الوجع تراقب بأسى كائنرائع يتحطم
بالتدريج يخبو رويدا رويدا بدد صوت هدية صمت الردهة فجأة
لان معظم المرضى نائمون
إلا هدية التي كانت تقاوم ملك الموت لعل تحضن ابناءها ولو دقيقة
قالت هدية لأمينة هل تعرفين يا امينة ماذا اشتهي في هذه اللحظة
اجابت امينة هه قولي يا هدية ماذا تشتهين
ردت هدية ربما ستضحكين علي لو قلت لك ولكن لا يهم انه اخر ما تشتهيهِ
نفسي لدرجة اشم رائحتها هنا اعتقد حتى انت تشمين رائحتها
ردت امينة بصوت يملئه قولي ياهدية انا في الخدمة
فقط اخبريني ماهوفي هذه الدقيقة
ردت هدية آه نفسي تشتهي برتقالة
اود في هذه اللحظة لو إن برتقالة مقشرة بين يدي
اريد أأكل برتقالة ثم اخذت تحدث نفسها لكم تمنيت اشياء كثيرة
ولكن كلها لم تتحقق ذهبت سدى مثل باقي أخواتها كما تعلمين نحن في زمن
الحصار لقد اليغينا اشياء كثيرة من حياتنا بحجة لنستطيع ان نآت بالاهم
صحيح زوجي ميسور الحال لكنه لا يستطيع ان يوفر برتقال لثلاث بيوت
لشدة غلاءها حالها حال باقي الاطعمة اهم شيء في جدول الاطعمة
عندنا في القرية هو الخبز واللبن
والخضروات التي نقوم بزرعها كما تعلمين كل محاصلنا هي خضروات
والحنطة والشعير والسمسم والذرةوالبقوليات انها مهمة عندنا يا امينة
والسمسم من المحاصيل المهمة ونستعمله كثيرا خصوصا على الخبز
او نصنع حلاوة السمسم التي نشتهر بها حلاوتنا تصنع من الدبس والهال والسمسم
بدأت تثرثر وتقول اي كلام غالبا ناتج من الخوف الذي اخذ يزداد بمرور الوقت
بدأت امينة تسأل نفسها بصوت عالي قائلة
يا آلهي من اين احصل على برتقالة ونحن في شهر السابع
فجأة تذكرت الغرف الخصوصية
قالت من يدري لعلي اجد هناك عندهم برتقال
فأكثر اصحابها من الميسورين الحال عادة اصحابها
دائما يملئون غرف مرضاهم بالفاكهة الباهضة الثمن
اكثر اصحابها من التجار والضباط وغانيات يصرف عليهم جيب رجل ثري
وموظفوا بنوك ورؤساء عشائر
لهذا هرعت الى الغرف الخصوصية باحثة عن برتقالة لهدية
تذكرت امنية غرف زوجة ذلك الضابط النزيلة القديمة
كانت امرأة شابة تعاني من نزيفا شديدا منذ زمنا
حتى باتت صديقة لامينة زوجها رجل مهم رغم انه لم يعد مهما عندها
التي جعلها المرض نزيلة دائمة
ولا احد يعرف سبب نزفها كل ما يقومون به هو ايقاف النزف وبعد فترة تراها
تعود الى حالتها وعلى هذه الحالة منذ شهور هي امرأة طيبة مبتلية بمرض غريب
والزوج كل ما يفعلهُ لأجلها هو تجهيز هذه الغرفة لها وملئها بكل ما تريد نفسها
متمنياًلها الشفاء العاجل دخلت امينة وهي تعبة وقلبها يخفق بشدة
اليها حييتها قائلة
هل اجد عندك برتقالة يا سلمى
اجابت من الطلب وهي رافعة حاجيبها بتعجب نعم
لدي يا امينة من حسن حظك بالامس
جلب لي زوجا كيساً كبيراص بأمكانك أخذه كلهُ يا امينة
ردت امينة لا يا سلمى فقط برتقالة واحدة لا غير هناك امرأة تحتضر
طلبت مني برتقالة بعيد عنك يا سلمى
اكفهر وجه سلمى كأن امينة تزف لها موعد وفاتها
ذهبت الى كومدينة عند السرير واخرجت برتقالة من الكيس بعد ان شكرت سلمى
قالت سلمى لامينة يا له من طلب غريب يا لها من امنية متوضعة يا امينة
من تكون تك المرأة اصرت قائلة ارجوكِ خذي كل الكيس ردت امينة
لا اظن انها تلحق تأكلهُ
يا عزيزيتي هذا إذا لحقت بأكل هذه البرتقالة ثم مضت مسرعة الى الردهة
اقتربت من هدية وقالت لها بصوت هامس لقد عثرت على برتقالة يا هدية
نظرت هدية الى البرتقالة فرحة وهي تشكر امينة كم انت رائعة
ثم اضافت قائلة هل تعرفين كم كنت اشتهيه ولكن حيائي من زوجي
كان يمنعني من ان اطلبه لاني اعرف ظروف الحصار وحجم العائلة
تصوري ابسط الاشياء كانت تبدو مستحيلة لي كنت اخاف البوح بها
كي لا يسيء الظن بي ولكن الان لم يعد اي شيء يهمني انها طلبة الموت
صدقيني لست خائفة لاني سأفارق الحياة وانما كل ما يؤلمني هو مفارقة ابنائي
اما باقي الامور لا اعتقد انها تستحق العيش او الندم عليها
ثم صمتت هدية وهي ترقب امينة وهي تقشر لها البرتقالة امنيتها الوحيدة
ثم اضافت قائلة اسرعي من فضلك اريد ان اذوق طعم البرتقال
وبعد ان انهت امينة من قشر البرتقالة قامت بتقسيمها لها
اضافت هدية وهي تتأمل برتقالتها سأغادر الحياة وفي فمي طعم برتقالة
وسأموت وانا محرومة من اشياء كثيرة لا يهم قد يظن البعض انها امنية
لا تصدق وقد يضحك البعض علي لتفاهة الامنية ولكن لا يهمني
فليضحك من يشاء ولكنها الحقيقة قالتها بمرارة وسخرية
انها امنية امرأة تحتضر وعندما وضعت امينة البرتقالة بين يد هدية
صرخت هدية صرخة الموت تصاحبها شهقة الاحتضار ثم سقطت البرتقالة
من بين يديها وتدحرجت حتى اصطدمت بقدم الدكتورة
عندما هرعت على صوت هدية واسلمت الروح
صاحت امينة بوجع ارجوكِ يا هدية لا تموتي كلي برتقالتك اولاً
حققي على الاقل شيئاً إن كان تافهاً ارجوكِ
ثم نظرت الى الدكتورة قائلة انظري يا دكتورة لقد اصطدمت قدماكِ بأمنية هدية
أمنية كادت تحققها لو لا يد المنية ثم اخذت تبكي بحرقة كان عليها ان تأكلها
جلست امينة عل كرسيها منهارة وهي شبهُ عاجزة
عن فعل اي شيء لاعنة زوجها واباها والمجتمع وكل الذين تسببوا بقتلها
قالت بحزن وهي تبكي يا دكتورة لقد قتلوها لو فكرنا ملياً
انه قتل مع سبق الاصرار والترصد لكم كانت نقية هذه المرأة
اقتربت الدكتورة وغطت وجه هدية بوجع وهي تقول الموت حق
ثم اخذت تربت على كتف امينة قائلة
يا امينة انا اكثر حزناً منك عليها ولكن ما باليد حلية هذا قدرها وانه يومها
ولكل منا يوم انها انقى مريضة رأيتها في حياتي ولكن هذا حكم الله
لقد بذلت كل ما في وسعي ولكن الوقت كان متأخراًجدا لقد كانت مهملة حد الذي
ماتت لا احد بجانبها لكم انا اسفا عليها
ثم اخذت الطبلة لتكتب تقريراً عن سبب الوفاة والدموع تنهمر من عينيها
لا تعرف إن كانت تبكي على هدية ام على كل نساء اللواتي ممرناعليها
وفي اليوم الثالث حضر الزوج لإستلام الجثة
كأن شيء لم يكن
كل ما قام به هو هز رأسه بأسى بالغاً
قائلاً كانت مصرة ان تنجب بنتاً وها البنت تقضي عليها
ثم ادار ظهره ومضى بعد ان وقع على استلامه للجثة
ومضت الايام ولكن طيف هدية ملازما لامينة بقيت صورتها مطبوعة في الذاكرة
كلما قشرت برتقالة تنهمر دموعها وتنتابها غصة كغصة هدية يوم اسلمت الروح
دون ان تحقق امنيتها حتى غدت عادة عندها كلما فكرت بزيارة احد واياً
كانت المناسبة تشتري كيساً كبيرامن البرتقال لاي انسان قريبا كان ام غريبا
وبهذا ارتبطاسم هدية بالبرتقال ولكن احد لا يعرف ما سر هذه الهدية الغريبة التي
اصبحت عادة لدى الكثير واحد لم يكتشف ما سر ولعها بالبرتقال
سوى هي والدكتورة التي عادة تحتفظ بأسرار مرضاها
لذا كلما كانا نتا تلتقيان هي وامينة وكل واحدة تسأل الاخرى
هل لا زالت رائحة البرتقال تفوح منك ترد كل للاخرى اجل .
هدية تحولت الى برتقالة تأخذ هدية الى كل مريض
حد الذي كلما قمت بقشر برتقالة
اقف دقيقة صمت على روحها دون ان ينتبه احد..!
2003-4-4
كركوك



#جوزفين_كوركيس_البوتاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لحظات مكسورة الجزء 15
- لانزر لا هذر 9
- هيا عودي إلى النوم
- يوميات امرأة في زمن القحط
- فن التخلي
- مقارنة
- سرير زوجة الامبراطور نابليون
- شذرات
- خرز ملونة
- هو وهي
- من يوميات شاهدة أعماها الخوف
- لانزر ولا هذر جزء 8
- قدم من هولندا
- عشعشت الفئران في بيتي
- جمعية التابوت الأسود
- كل ما في القلب هو في العين
- آه لو تعلمين
- طباشير
- عندك عضلات عندك حضارات
- سألت نينا


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جوزفين كوركيس البوتاني - من يوميات ممرضة