أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود يوسف بكير - أوهام وآمال الإصلاح الديني















المزيد.....

أوهام وآمال الإصلاح الديني


محمود يوسف بكير

الحوار المتمدن-العدد: 6615 - 2020 / 7 / 10 - 00:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


‏ ‏الإصلاح الديني في عالمنا العربي لا يقل أهمية عن الإصلاح الاقتصادي الذي ندعوا إليه دائما في العديد من المقالات وهو أصعب واكثر تعقيدا لأن الدين هو الأساس الذي تقوم عليه منظومة العلاقات الإنسانية والتعليم والفكر والثقافة والفنون في مجتمعاتنا ‏العربية. فإذا ما كان هذا الأساس أي الدين مغلقا وغير قابل للتطور والتوافق مع التقدم العلمي والحضاري وحقوق الانسان المعاصر فإننا سنظل أسرى الماضي ومعادين للعقلانية والحداثة والتقدم أو على أقل تقدير غير مبالين بهم ‏ومتشككين فيمن يعتنقهم. ‏كما أن تخلف البنيان الثقافي والفكري في أي مجتمع ينعكس بالضرورة وبشكل سلبي على قوى وعلاقات الإنتاج والبنيان الاقتصادي ككل كما ثبت لنا عبر تاريخ الفكر الاقتصادي.

‏وهناك شبه إجماع بين جميع التيارات السياسية والدينية والمذاهب الفكرية على أن هناك تخلف واضح في آلية عمل العقل الديني بدأت ‏في القرن 13 الميلادي ومن وقتها ونحن نعاني من التدهور الحضاري في كل شيء وهو ذات الوقت الذي شهد بداية ‏التفوق الحضاري والمعرفي الأوروبي. ولم تعد مسألة تخلف العالم الإسلامي محل جدل طوال هذه القرون وأصبحت القضية تدور حول أسباب هذا التخلف وكيفية التعامل معه. ومؤخرا ظهرت محاولات عجيبة للتغطية على هذا ‏التخلف من خلال الإعتداد المبالغ فيه بالحضارة الإسلامية القديمة والتغني بأمجاد الماضي بدعوى الأصالة والمحافظة على الثوابت ،هذا بالرغم من خطورة هذا النهج في تكريس حالة من الرضا بما نحن فيه من تخلف والهروب من استحقاق البحث في مسألة غياب أي دور للدين في معالجة أمراض مجتمعاتنا العربية و التي يمكن أجملها في الاستبداد والفساد والظلم الاجتماعي و غياب منظومة ‏الحريات الفردية للإنسان العربي و تفاقم مشكلة فجوة الدخل والثروة بين الأغنياء والفقراء وعدم المساواة بين الرجل والمرأة ....وقائمة المشاكل لا نهاية لها. ‏
كل هذه المشاكل أدت إلى محاولات عديدة للإصلاح الديني في العالم العربي وقد أخذت هذه المحاولات زخما كبيرا في القرن الماضي ولكن ما لبث أن تم وأدها بسرعة بواسطة المؤسسات والحركات الدينية القوية المدعومة شعبيا. كما نشأت أيضا حركات للإصلاح من داخل المؤسسة الدينية نفسها وقد حاولت ‏هذه الحركات التركيز على أسباب تراجع الأمة الإسلامية وأسباب تجمد الفكر الإسلامي وانفصاله عن الواقع وكيفية التعامل مع اختلاف مفاهيم ومعاني ومصطلحات الإسلام وتناقض فتاواه، وكيفية مواجهة التحدي الثقافي والحضاري الغربي. ‏ومن أبرز المصلحين القدماء الإمام محمد عبده ولنا مقال في هذا الموقع عن فكره ورؤاه الإصلاحية.
‏وفي العصر الحالي حاول الشيخ يوسف القرضاوي إرساء مبادئ إصلاحية من خلال ما اسماه بالوسطية بمعنى إيجاد موقف وسط ما بين الأصالة والمعاصرة وأن نجتهد لعصرنا كما اجتهد الاوائل لعصرهم. ولكن انتهى الأمر به كما نعتقد الى عودته الى التفكير بعقول الأوائل. ‏نقول هذا لانه انتهى إلى ضرورة تطبيق منهج تفسير القرآن بالقرآن وبالسنة وتفسيرات الصحابة والأئمة والأخذ بمطلق اللغة. وبالنتيجة انتهت محاولات القرضاوى الإصلاحية إلى حيثما بدأت.
وفي رأينا المتواضع وبختصار شديد فإنه يمكن بيان أسباب صعوبة الإصلاح الديني في عالمنا العربي وأسباب تعثر كل المحاولات الإصلاحية المخلصة قديما وحديثا من خلال تتبع المصادر المقدسة الثلاث التي تتحكم في الفكر الإسلامي وفي وعي الجماهير وهي القرآن والسنة والتفسير وما يتضمنه من الأحكام والإجماع والقياس والاستحسان.
‏والمصدر الاخير بمكوناته المختلفة هو العنصر البشري في الموضوع هو أخطر المصادر الثلاث بالرغم من كل ما أحتواه من اختلافات وتناقضات بين الأئمة. وقد أكتسب قداسته بحكم الزمن الطويل الذي مر عليه دون أن يخضع لأي نقد أو تحقيق علمي باعتباره في النهاية عمل بشري بالرغم مما يدعيه من معرفته بنوايا الله ومقاصد رسوله.
‏وفي النهاية استغل هذا المصدر ‏حقيقة ان القرآن والسنة نصوص صامتة تحتمل تأويلات عديدة لكي يصبح هو المرجع الرسمي والوحيد لفهم الإسلام المتداول بينما توارى المصدران الأساسيان وهما القرآن والسنة خلف حواجز وأسوار عالية من التفسيرات والمذاهب والفتاوى وتحول الدين من نصوص سهلة نزلت الى مجموعة بسيطة من البدو إلى لوغاريتمات معقدة لا يقوى على فهمها إلا فقهاء وعلماء متمرسين، وويل لمن يحاول أن يجتهد في أي قضية دينية من خارج المؤسسة الدينية. ومع الوقت بدأ نفوذ الموسسة الدينية في التمدد ليشمل مسؤولية منح الشرعية للاختراعات العلمية الجديدة والعمليات المصرفية والأنشطة الفنية والرياضية. ورجال الدين هنا في غاية الدهاء حيث تصدر أحكامهم المتعلقة بالأنشطة والمجالات التي لا يلمون بتفاصيلها الفنية ويؤثر فيها الواقع بشكل واضح ‘تصد عادة وفق أدلة ظنية وليست قطعية بحيث يسهل تعديلها أو التراجع عنها عند الضرورة. أما الأحكام التي تصدر بأدلة قطعية فإنك لا تجد فيها أي أثر للواقع لانه يصعب تغييرها وهي عادة أحكام نظرية لا يبالي الناس بها. ‏ونود أن نؤكد هنا على أننا نتحدث عن العالم العربي الإسلامي وليس عن العالم الإسلامي ككل حيث نجحت دول ذات غالبية مسلمة مثل تركيا وماليزيا وإندونيسيا في تحقيق تقدم جيد في سياساتها التنموية أفضل بمراحل من التجارب التنموية في العالم العربي. وهذا يعني أن مشاكل العالم العربي ليس سهلة الحل بالمرة.

الاصلاح الديني الذي ينشده الجميع هو الإصلاح الذي يحرر العقل الديني من قيوده لينطلق ويبدع دون خوف وهو الاصلاح الذي يجعل من الدين حارسا وضامنا لتمتع الناس بحقهم في الحياة الكريمة ويدعمهم في محاربة الاستبداد والفساد والقهر والظلم الاجتماعي بدلا من أن يدعوهم الي الصبر والدعاء مقابل أجر كبير ينتظرهم في العالم الآخر. ولا يحتاج الأمر إلى فراسة كبيرة للقول بإنه عندما يتعايش الدين ورجاله في وئام وانسجام ودون تبرم مع كل ما حولهم من فساد واستبداد وظلم فإن الدين يفقد وظيفته وما هو منشود منه في إصلاح وإسعاد العباد.
هذا هو الإصلاح الديني الذي يصبو الناس إليه ويتحدثون عنه طوال قرون دون أي تقدم في ألواقع المعاش بل إن أحوال الناس تزداد تدهورا من جيل لآخر ولا يسلمون بعضهم البعض سوى رايات العار والشعارات الجوفاء والخطب العصماء.
والخلاصة أن الناس لا تتقدم إلا بعقولها وفي ظل التضييق المفروض على العقل العربي واستحالة فك الحصار المضروب على الانسان العربي من قبل التحالف الجهنمي وغير المعلن بين السلطة والدين ورأس المال والموروث الثقافي الذي أوضحناه أعلاه فإنه لا أمل في حدوث إي انفراج في مسألة الاصلاح الديني في العصر الحالي. ‏
وبالرغم من إنني من المؤمنين بضرورة فصل الدين عن الدولة وأن يكون الدين شأن خاص وأنه لا يجوز فرض أي معتقد على الآخرين إلا أن عالمنا العربي لا يفهم هذا ولا زالت الغالبية العظمى من أبناءه ترى أن الإسلام هو الحل وليس الرأسمالية أو الشيوعية أو الاشتراكية وهي مذاهب لا يرغبون حتى في فهمها. ومن ثم لابأس من محاولة ‏تلبية طموحاتهم من الناحية النظرية بأن يكون الإسلام هو الحل كما يرون ولكن السؤال القديم سوف يطل برأسه من جديد أي إسلام؟ هل هو الإسلام الحالي الذي فشل طوال هذه القرون أم إسلام إصلاحي جديد وكيف يكون هذا وكل أبواب الاجتهاد مغلقة؟ وهكذا سنظل في هذه الدائرة العبثية المغلقة.

مستشار اقتصادي



#محمود_يوسف_بكير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحن والعالم والأزمة النقدية القادمة
- صالح كامل الانسان والمفكر ورجل الأعمال
- كتاب اللامساواة لبيكيتي-ماركس الحديث
- الديموقراطية وحقوق الإنسان ما بعد الكورونا
- الكورونا ومستقبل النظام الاقتصادي العالمي
- مستقبل الدولار وما يحدث حاليا
- محمود يوسف بكير - كاتب وباحث في الشئون الاقتصادية والإنسانية ...
- هل لازال هنآك أمل؟
- من روائع الفكر الفلسفي
- كيف تؤثر الثقافة في الاقتصاد
- لماذا يكرهون المسلمين؟
- ماذا يريد سفاح السودان الجديد
- في نقد العقل الأيديولوجي
- المشكلة الكبرى في الاقتصاد العالمي
- تطور هام في نظام التحويلات الدولية
- هل ستصمد الصين أمام ترامب؟
- صراع أهل القرآن وأهل الأحاديث
- هل يمكن أن نضع عواطفنا في جيوبنا؟
- محمود يوسف بكير - كاتب وباحث في الشئون الاقتصادية والإنسانية ...
- البشير من الاستبداد إلى الجنون


المزيد.....




- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمود يوسف بكير - أوهام وآمال الإصلاح الديني