أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فوزي حامد الهيتي - ابن خلدون في عيون وردية















المزيد.....

ابن خلدون في عيون وردية


فوزي حامد الهيتي

الحوار المتمدن-العدد: 6614 - 2020 / 7 / 9 - 14:24
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ابن خلدون بعيون وردية


كُتِبَ عن الوردي وابن خلدون، وقراءة الأول للثاني وآرائه فيه الكثير من المقالات والدراسات الجادة ، ولا غرابة أن ينال هذا الموضوع عناية الباحثين، فالوردي هو من هو .. لايحتاج الى تعريف وثناء ومديح، فنحن ما زلنا نتوكأ على تحليلاته ومقولاته الإجتماعية بالرغم من مرور عقود على دراساته الإجتماعية. أود في هذا المقال أن أقف عند صورة ابن خلدون الفيلسوف كما يراها الوردي.
بدأ لا بد من الإشارة الى أن الوردي حدد من البداية هدفين له من دراسة ابن خلدون أو بمعنى أدق موضوعتين رئيستين هما منطق ابن خلدون، والثاني ( دراسة العوامل الفكرية واللا فكرية التي ساعدته ) على إنشاء نظريته ... النظرية التي رأى فيها الوردي أنها طفرة في الدراسات الإجتماعية، إرتقى فيها صاحبها من منهج الوعظ والإرشاء والخطابة الذي كان سائداً زمانه وحتى بعده بقرون إلى منهج جديد تماما لم نعهده إلا في الدراسات العلمية الحديثة. وهذا يعني أن الجانب المنطقي ومن ثم المنهج الخلدوني هو الذي سيحظى بالعناية الأكبر في دراسة الوردي. وهذا صحيح ولكن نرى الوردي يستعرض أحياناً آراء ابن خلدون في الفلسفة ونقده لها وموقفه منها تستحق الوقوف عندها. أن دراسته لإبن خلدون تعد من الدراسات الجادة المبكرة . وبالرغم من تأكيد الوردي على أن هدف ابن خلدون هو الكشف عن القوانين المحركة لحياة الناس الواقعية .. سواء كانت هذه القوانين حميدة أو ذميمة وتأكيده أكثر على على خروج ابن خلدون عن النسق الفكري العام الذي كان سائداً في زمانه إلا أنا نرى له آراء في موقف ابن خلدون من الفلسفة لا نراها دقيقة تماماً فهو يرى أن ابن خلدون قد أخفى إشتغاله بالفلسفة في بداية حياته وتأليفه بها لأنه كان يخشى الفقاء وما يمكن أن يسببوه له من متاعب مثلما حصل مع ابن رشد قبله . وعلى أساس هذا الرأي يبرر الوردي هجوم ابن خلدون على الفلسفة وابطال منتحليها في فصول مخصصة في المقدمة. فابن خلدون وفقاً لما يراه الوردي لم ينشق عن أسلافه من الفلاسفة من أفلاطون وأرسطو مروراً بالفارابي وابن سينا وابن رشد وصولاً إليه في الميتافيزيقا. أي أنه في هذا الجانب لم يخالفهم لكنه كان يخشى أن يتعرض لأذى الفقاء مثلما تعرض أسلافه من الفلاسفة. ويؤكد الوردي أن إبن خلدون وبالرغم من هذا الموقف المتستر من الفلسفة وابتعاده عن الإشتغال بها في حياته المتأخرة فهو فيلسوف بالرغم منه ، إذا ما وسعنا من دلالة مفهوم الفلسفة بما يستعمله الباحثون اليوم لها من دلالة تشمل كل الأنشطة العقلية النقدية. أي ، بحسب الوردي، أننا إذا ما تحررنا من دلالتها القديمة التي تعني أن الفلسفة هي كل من إتبع الفلاسفة اليونانيين رؤية ومنهجاً هو فيلسوف وبخلافه لا يعد فيلسوفا ، الى دلالتها الجديدة اليوم التي تشمل كل أنشطة العقل النقدية في مجالات الحياة المختلفة عندها سيكون ابن خلدون فيلسوفاً بل فيلسوفاً كبيراً لا يقل عن غيره من الفلاسفة الغربيين اليوم.
لاشك أن مايقوله الوردي في توصيف ابن خلدون فيلسوفاً بهذه الدلالة هو صحيح تماماً ولكن غير الصحيح القول أن ابن خلدون ذاته لم يكن واعياً بهذا التمييز بين الدلالتين للفلسفة. وأن نقده لها كان بدافع التورية وخوفاً من لطمة الفقيه، وليس تأسيساً لفهم جديد للفلسفة ووظيفتها تخالف ما كان سائدأ. وبعبارة أخرى نرى أن ابن خلدون كان ثائراً على الأنساق الميتافيزيقية والفلسفة القديمة بعامة مثلما كان ثائراً ضد المنطق الأرسطي الصوري بل أن ثورته ضد المنطق الأرسطي جاء إمتداد لثورته ضد الفلسفة التقليدية الإسلامية التي سادت حتى عصره واستمرت كذلك من بعده .
إستخدم ابن خلدون توصيفاً جديد لنشاطه الفلسفي هو مصطلح الحكمة ، يقول في الصفحة الأولى من المقدمة واصفاً علم العمران البشري الذي هو بصدد التأسيس له والتعريف به ( في باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومباديها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق وجدير بأن يعد في علومها وخليق ) . فهو علم يتصف بالنظر والتحقيق والبحث عن مبادئ الظواهر المدروسة والعلم بكيفياتها وتعليل لكل ذلك، ولهذه التوصيفات والشروط العامة المتوافرة فيه فهو كما يقول علم أصيل في الحكمة والأولى أن يعد من علومها . وهذا يعني أن ابن خلدون يصف نشاطه العلمي النقدي في المقدمة أن حكمة. لكن نراه في موضع آخر من المقدمة حين نقد الفلسفة وأبطل منتحليها كما أشار الوردي يستخدم لفظة الفلسفة وليس الحكمة فهذا يعني أن دلالة الحكمة لديه هي غير دلالة الفلسفة. هل هذا التمييز من باب التورية والمخاتلة أيضاً ؟؟ لنرى.
أن نقد إبن خلدون للفلسفة اليونانية والإلهيات بالذات لم يكن مداراة للإنغلاق الفكري الذي كان سائداً في عصره وقبل ذلك ... بل كان نقده ينطلق من أسس معرفية تحدث هو عنها في المقدمة وربما كان كتاب المقدمة ذاته ثمرة علمية لهذا التوجه المعرفي والمنهجي الذي سار عليه ، وقد وضح لنا محمد عابد الجابري في كتابه نحن والتراث هذه الأسس المعرفية إذ نرى أن ابن خلدون يقسم الناس حسب قدراتهم المعرفية الى ثلاثة مستويات هي:
1- مستوى قادر بالطبع وبلا تمرن على إدراك المعقولات والأجسام البريئة من المادة وكل عالم ما فوق فلك القمر وهم الأنبياء والرسل . وهؤلاء معرفتهم يقينية لما تتصف به نفوسهم من إستعداد لذلك .
2- أنفس قادرة على إدراك هذه المعقولات بالتمرن وطول النظر وهم الفلاسفة والحكماء الإشراقيين والمتصوفة .
3- وأنفس غير قادرة لا بالطبع ولا بالتمرن على إدراك تلك الحقائق وهم عامة الجمهور. ويشير ابن خلدون أن الصنف الثاني يتفاوتون فيما بينهم فيما يمكن أن يحصلون عليه من معقولات ودرجة يقينيتها ومهما بلغوا من معرفة يبقى هناك شك ما فيما يصرحون به. لذلك يدعونا ابن خلدون أن نأخذ المعلومات المتعلقة بعالم ما فوق فلك القمر سماعاً وخبراً عن الأنبياء والرسل ليقينية ما يخبرونا عنه .
على أساس هذا المنطلق المعرفي يبني ابن خلدون نقده للإلهيات اليونانية ويقيم رفضه للميتافيزيقا اليونانية . وهو موقف يعد فعلاً ثورة على النسق الميتافيزيقي اليوناني عززه في نقده للمنطق الأرسطي الذي يقول عنه ابن خلدون لا ينفعنا في تصحيح أفكارنا ولا في تحصيل معرفة جديدة بل ينفعنا فقط في تنسيق أفكارنا وعرضها بشكل متسق . إن ثورة ابن خلدون تتمثل في توجيه العقل البشري إلى مسألة العمران البشري واكتشاف عالمنا المادي الذي ندركه ويمكن بناء معرفة علمية حوله، أي توجيه العقل البشري لفهم عالمنا الذي نعيش به والإبتعاد عن الأنساق الميتافيزيقية التي إختلف حولها الفلاسفة ولم تقدم لنا ثمرة ونفع في التعاطي مع مشكلاتنا اليومية ، والمنطق الأرسطي ذاته لا يعيننا في هذا المجال لأنه ينطلق من تصورات كلية أما الواقع المتغير والمتحرك على الدوام فيحتاج منطق آخر هو المنطق الإستقرائي التجريبي الذي ينطلق من المحسوسات لبناء معرفة وأحكام كلية.
الغريب أن محمد عابد الجابري الذي نبهنا إلى هذه الأسس المعرفية لإبن خلدون المشار إليها في أعلاه وفصل فيها لا يوافق تماماً على ما يقوله على الوردي والمتمثل في تجاوز ابن خلدون للمنطق الأرسطي واعتماده على على المنهج الإستقرائي التجريبي بل يرى أن كثيراً من مقولات أرسطو في الصورة والمادة وبعضا من مقولاته المنطقية نلاحظها واضحة في ثنايا المقدمة وبعامة يرى الجابري أن ابن خلدون لم يتجاوز تماما النسق المعرفي والفكري الذي كان سائداً في زمانه. نحن نعتقد أن ذلك في مبالغة بالرغم من وجود هذه المصطلحات في القاموس الخلدوني لكننا نقول ما قاله الوردي أن ابن خلدون ما كان له أن ينجز علمه الجديد وهو واعٍ بجدته ( علم العمران البشري ) لو لم يتحرر تماما من المنطق الأرسطي ونضيف إليه النسق الميتافيزيقي الذي كان حاكما في زمانه . لهذ يمكن القول أن المشروع الخلدوني يعد مسارا جديدا للفلسفة العربية الإسلامية حاول فيه معالجة جملة من الإشكاليات والتحديات التي كانت تواجه مجتمعه آنذلك لا مجال هنا للحديث عنها ولكننا نؤكد هنا فقط أن هذا النسق الفلسفي الخلدوني يجد تبريراته داخل النسق الثقافي والحضاري للمجتمع الذي كان يعيش فيه. ولكن للأسف لم نجد من يكمله داخل الثقافة العربية الإسلامية وكان إبن خلدون يدرك ويلاحظ ذلك لأن رياح النهضة وحركة التأريح وجد لها مسار آخر في منطقة أخرى هي الغرب كما نبه هو في مقدمته . وهو ما حصل بالفعل . حيث نشأة نهضة أوربا الحديثة بالثورة على الفلسفة الأرسطية وسلطتها المعرفية مثلما ثاروا على الكنيسة والإقطاع. لهذا يمكن القول وبلا تردد أن ابن خلدون هو فيلسوف وفق التعريف المعاصر للفلسفة كما يقول علي الوردي بذلك.



#فوزي_حامد_الهيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرابح في الانتخابات
- ثابت شعبان والفعل الاصلاحي التنويري
- لو اسمعت حيا يارفاعي
- السجناء السياسيين ومؤسستهم العتيدة
- ماركس ضد الماركسية
- نحو بناء مجتمع مدني مفتوح
- هل هناك حل لازمة العنف الطائفي في العراق
- الصراع الحضاري والحلم الفلسفي : قراءة اولية في فلسفة مدني صا ...
- الوداع الاخير لمدني صالح ... الانسان الفيلسوف


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فوزي حامد الهيتي - ابن خلدون في عيون وردية