أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جورج حداد - الحرب الباردة والحرب التجارية الاميركية ضد الصين















المزيد.....

الحرب الباردة والحرب التجارية الاميركية ضد الصين


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 6612 - 2020 / 7 / 7 - 15:18
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


إعداد: جورج حداد*


قبل ان ينجلي دخان الحرب العالمية الثانية، وخلال زيارته للولايات المتحدة الاميركية سنة 1946، وفي خطاب له امام احدى الكليات العسكرية، اطلق ونستون تشرشل اشارة انطلاق الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي (والمعسكر الاشتراكي السابق الذي كان قيد التشكل) بالقول ان الدول الامبريالية المسماة "دمقراطية" (جدا دمقراطية!!!) ارتكبت خطأ كبيرا بوقف الحرب، وانه بعد القضاء على المحور الفاشي، كان ينبغي على تلك الدول ان تواصل الحرب ضد الاتحاد السوفياتي السابق، وتنجز الهدف الهتلري باحتلال موسكو والقضاء على الكرملين الذي كان شبحه ـ ولا يزال ـ يرعب كل اوروبا (واسيا واميركا!) منذ عهد القياصرة.
وفي تلك اللحظة التاريخية كانت الولايات المتحدة الاميركية تتفوق على الاتحاد السوفياتي بالتفرد في امتلاك القنبلة الذرية. وكان الاتحاد السوفياتي مدمرا تدميرا شبه كامل.
ونظريا كان بامكان الجيوش الاميركية والغربية ان تشن هجوما مباغتا وتقتحم الاراضي الروسية المحروقة وتقوم بعملية انزال جوي للوحدات الخاصة في قلب موسكو وتحتل الكرملين ذاته وتدك للارض مقر البطريركية الارثوذكسية الروسية.
ولكن الامبريالية الاميركية والغربية "الدمقراطية" احجمت عن الاقدام على هذا العدوان الجنوني لاسباب جوهرية اهمها:
اولا ـ ان العلم الاحمر للجيش السوفياتي كان يرفرف عاليا في برلين. وملايين الجنود والضباط الروس والسوفيات كانوا ينتشرون في اوروبا الشرقية التي ساهموا في تحريرها من النازية. والاحزاب الشيوعية الاوروبية التي شاركت في المقاومة الشعبية ضد النازية كانت لا تزال تمتشق السلاح من باريس الى روما والى اثينا. وهذا يعني انه في حال وقوع عدوان "دمقراطي" غربي ضد موسكو، فإن الجيوش السوفياتية المتواجدة في اوروبا الشرقية، وبالتعاون مع الاحزاب الشيوعية الاوروبية المسلحة وحلفائها، كانت ستقوم بهجوم مضاد يتمثل في قفزة نمر واحدة تسيطر فيها الحركة الشيوعية على جميع الاراضي الاوروبية، وترفع الاعلام الحمراء في جميع المدن الاوروبية، ولا يعود بامكان السير ونستون تشرشل ان يعود الى لندن، ويبقى "ضيفا" عند اسياده الجدد الاميركان. وطبعا لن يكون حينذاك بامكان الاميركان قصف اوروبا كلها بالقنابل الذرية. وبالمقابل كان سيتم عزل جميع القوات الاميركية المعتدية في اوروبا وسحقها بلا رحمة واعادتها الى اميركا بالتوابيت.
ثانيا ـ ان قوات الجيش الشعبي الصيني بقيادة الحزب الشيوعي وماو تسي تونغ، والتي بلغ تعدادها عشرات الملايين، كانت قد حررت الارياف وتدق ابواب جميع المدن الصينية واولها بيكين. وكانت الثورات الشعبية التحررية بقيادة الاحزاب الشيوعية تلتهب في كل الشرق الاقصى ومنطقة الهند الصينية. وكانت الثورة التحررية "السلمية" بقيادة المهاتما غاندي تلتهب بوجه الانكليز في شبه القارة الهندية، ويمكن "بفركة كعب" ان تتحول الى ثورة حمراء شيوعية. اي ان غالبية الاراضي والاكثرية السكانية في القارة الاسيوية كانت مرشحة لانتصار الثورات المعادية للامبريالية الغربية، التي كانت مهددة ان لا يبقى لها من مناطق نفوذ في الشرق سوى المناطق التركية ـ العربية ـ الاسلامية وافريقيا. اي المناطق التي كانت لا تزال "تدفن رؤوسها في الماضي" وتعيش "خارج التاريخ".
وثالثا ـ في 1947 فجّر الاتحاد السوفياتي قنبلته النووية (الهيدروجينية) الاولى. وهي اكثر فتكا من القنبلة الذرية. وبذلك فقدت الولايات المتحدة الاميركية الى الابد احتكارها للسلاح النووي.
لهذه الاسباب احجمت الامبريالية "الدمقراطية"، الاميركية والغربية، عن تطبيق نصيحة ونستون تشرشل ومهاجمة روسيا السوفياتية في حينه. ولكن هذا لا يعني انها تخلت عن سياستها العدوانية المعادية للشيوعية والمعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفياتي وروسيا. وتاريخيا تعتبر خطبة ونستون تشرشل في تلك الكلية الحربية الاميركية سنة 1946 نقطة انطلاق الغرب الامبريالي في الحرب الباردة ضد الشرق، الشيوعي بشكل خاص والطامح الى التحرر من الامبريالية والكولونيالية بشكل عام.
ومنذ تلك الخطبة لونستون تشرشل حتى الان اتخذت الحرب الباردة شكلين ستراتيجيين رئيسيين:
الاول ـ سباق التسلح، ولا سيما النووي، بين اميركا وروسيا. وقد اعتمدت اميركا على ضخامة اقتصادها الطفيلي لتكديس كميات هائلة من شتى انواع الاسلحة لتطويق الاتحاد السوفياتي بالقواعد والاساطيل الحربية على اختلافها، لخنقه وشله عسكريا، من جهة، ولتحقيق الارباح الاسطورية للتكتلات الاحتكارية الرأسمالية، من جهة اخرى. اي ان اميركا اعتمدت على "كمية" الاسلحة الفتاكة من اجل الحصول على مزيد من الارباح.
اما روسيا، ولا سيما في العهد البوتيني، فقد انتهجت سياسة تطوير الصواريخ "لتقريب المسافة" مع اميركا، وسياسة التطوير "النوعي" للاسلحة، بشكل يسبق باجيال الاسلحة الاميركية. ويمكن القول ان روسيا كسبت هذا السباق بتفوق واصبحت اميركا مهددة بالفناء في الساعة الاولى من اي صدام شامل بين البلدين اللدودين. والقادة الستراتيجيون الاميركيون اصبحوا "مقتنعين" بهذا الواقع ولهذا هم اكثر اعتدالا من كاراكوزات السياسة الاميركية. واميركا اليوم "تتمرن" بشكل ذليل على التخلي عن لغة الغطرسة الحربية وقرقعة السلاح بوجه روسيا.
والثاني ـ مع الاذعان لواقع التفوق العسكري الروسي، فإن اميركا هي "مطمئنة" ان روسيا لن تهاجمها الا في حالة الدفاع عن النفس. ويبقى الهم الاكبر لاميركا هو احتمال التفوق الاقتصادي الصيني عليها.
والنزاع التجاري الراهن بين اميركا والصين هو احد عناصر الصراع لاجل الزعامة الاقتصادية العالمية. وفي الـ70 سنة الماضية انتهجت اميركا مع الصين سياسات متناقضة تماما. فبعد انتصار الثورة الصينية بقيادة الحزب الشيوعي في 1949، عوملت بكين كعدو ايديولوجي وعسكري ـ سياسي لواشنطن. ولكن بعد زيارة الرئيس الاميركي نيكسون للصين في 1972 انقلبت السياسة الاميركية 180 درجة، وسعت الادارة الاميركية لاستمالة الصين اليها للوقوف ضد الاتحاد السوفياتي. وفي الوقت ذاته كانت الادارة الاميركية تعمل لتحريك كل اشكال المعارضة ("الليبيرالية"، والاتنية ـ التيبتية، والدينية ـ الاسلامية الاويغورية) ضد القيادة الشيوعية الصينية. وبعد احداث ساحة تيان آن مين سنة 1989، وسحق المعارضةة الموالية لاميركا، انقلبت السياسة الاميركية مرة اخرى وبدأت في تطبيق العقوبات ضد الصين. ومع ذلك فطوال السنوات الثلاثين الماضية عملت الشركات الاميركية بشكل محموم للدخول الى السوق الصينية "الجذابة" والاستثمار فيها. وتمت مضاعفة التجارة بين البلدين، وتوظيف مليارات الدولارات في الاقتصاد الصيني متسارع النمو. وحتى قبل 11 ـ 12 سنة فقط كانت واشنطن تقترح على بكين تقسيم العالم تجاريا بينهما (واتخذت هذه المفهومة تسمية "الثنائي العولمي" او G-2)، محاولة ان تستخدم هذا "التعاون" كمطية للاحتفاظ بزعامتها في الاقتصاد والسياسة العالميين. ولكن اميركا توصلت في نهاية المطاف الى الاستنتاج بأنها لا يمكن ان تعيق النهوض الاقتصادي للصين الا بشن الحرب الهجينة والحرب التجارية عليها.
وانطلاقا من هذه الرؤية الستراتيجية بدأت اميركا بحشد الاساطيل الحربية وحاملات الطائرات والصواريخ النووية متوسطة المدى في بحر الصين الجنوبي وقرب الحدود الصينية.
وفي الوقت ذاته بدأت العمل بشكل محموم لتقويض المواقع الاقتصادية الصينية في الساحة العالمية، وخصوصا عرقلة تقدم الصين في تحقيق برنامجها التجاري ـ الاقتصادي ـ الثقافي ـ الدبلوماسي الضخم المسمى "حزام واحد، طريق واحد" والهادف الى بعث وتطوير "طريق الحرير" القديم وتوصيله الى النصف الغربي للكرة الارضية ومده الى بلدان اميركا اللاتينية ذاتها. ووضعت واشنطن هدفا رئيسيا لها ان تمنع الصين من احتلال مركز الاولوية العالمية في حقل التكنولوجيا العالية، والابحاث والابتكارات في حقل الذكاء الصناعي وما الى ذلك. وكتتويج لكل ذلك بدأت اميركا بشن حرب اعلامية واسعة النطاق ضد الصين.
وتدخل الحرب التجارية الحالية في هذا السياق، بوصفها حلقة مركزية في المعركة الاميركية ضد الصين. ويأمل فريق ترامب التوصل الى نجاحات سريعة على هذه "الجبهة"، باستخدام وسائل عدوانية كالعقوبات غير المبررة، وخرق قواعد منظمة التجارة الدولية، والتنصل من الاتفاقات الدولية الموقعة سابقا من قبل اميركا، والقرصنة والابتزاز، والتهديدات والضغوط ضد سيادة الدول وضد البيزنس القانوني. وقد فرضت اميركا ترامب ضرائب جمركية اضافية على السلع الصينية، بمئات مليارات الدولارات.
ولكن كل هذه السياسة العدائية ضد الصين، لم تجد اميركا نفعا. فبالرغم من جميع المضايقات، فإن الاقتصاد الصيني يواصل التقدم بثبات والنمو بنسب ارفع بكثير من الاقتصاد الاميركي المأزوم. ولن يكون حظ اميركا على جبهة الحرب التجارية ضد العملاق الصيني، افضل من حظها على جبهة سباق التسلح ضد العملاق الروسي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اميركا الاطلسية تنهزم والمحور الشرقي الجديد يتقدم
- اميركا على عتبة ثورة شعبوية فوضوية
- الرأسمالية الاحتكارية الاميركية تحشرج في ايامها الاخيرة
- الجماهير الشعبية الاميركية تتدرب ميدانيا على الثورة الانارخي ...
- الحرب الباردة الاميركية ترتد على اميركا
- الحوسلة الرأسمالية ل-شعب الله المختار-
- تركيا المهزومة في سوريا تواصل عدوانها في شرقي المتوسط وليبيا
- رئيس المخابرات الخارجية الروسية: سنبني نظاما عالميا جديدا مت ...
- اميركا تخسر الحرب الباردة الجديدة ضد روسيا وحلفائها
- المحور الشرقي الجديد بمواجهة الكتلة الاميركية الغربية
- الكورونا يقوض اسس النظام الليبيرالي الرأسمالي الغربي
- اوروبا: -رجل العالم المريض-!
- مسار حرب النفط بين اميركا وروسيا
- هل تدشن ايطاليا بداية النهاية لوجود الاتحاد الاوروبي؟
- صندوق النقد الدولي وفيروس ترامب
- خطر العدوان على الابواب والخاصرة الرخوة للمقاومة في لبنان
- انهيار اسعار النفط والبورصات وانقلاب السحر على الساحر
- لبنان بيضة القبان وتركيا ستخسر معركة النفط والغاز
- النزاع التركي اليوناني والنفط والغاز في شرقي المتوسط
- فينزويلا شوكة في حلق الامبريالية الاميركية


المزيد.....




- ما هي صفقة الصواريخ التي أرسلتها أمريكا لأوكرانيا سرا بعد أش ...
- الرئيس الموريتاني يترشح لولاية رئاسية ثانية وأخيرة -تلبية لن ...
- واشنطن تستأنف مساعداتها العسكرية لأوكرانيا بعد شهور من التوق ...
- شهداء بقصف إسرائيلي 3 منازل في رفح واحتدام المعارك وسط غزة
- إعلام إسرائيلي: مجلسا الحرب والكابينت يناقشان اليوم بنود صفق ...
- روسيا تعلن عن اتفاق مع أوكرانيا لتبادل أطفال
- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جورج حداد - الحرب الباردة والحرب التجارية الاميركية ضد الصين