أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدلي عبد الفتاح شبيطه - الغريب















المزيد.....



الغريب


عدلي عبد الفتاح شبيطه

الحوار المتمدن-العدد: 6611 - 2020 / 7 / 6 - 18:21
المحور: الادب والفن
    


قصة: عدلي شبيطة


إنحنى عواد وأمسك بكلتا يديه بزمام العربة وأخذ يجرّها ببطئ شديد باتجاه شرفة بيته. قبل أن يوقفها في مكانها وقف بنفسه محتارا بأي اتجاه عليه أن يُجلِس زوجته هذا الصباح. نظر إلى السماء مفكرا، الأفكار كانت اليوم تعج برأسه كما في بقية أيام الأسبوع. عواد أبكر هذا الصباح بخروجه إلى الشرفة، قبل الشروق. عند خروجه من البيت كانت قد بدأت جلبة الصباح الاولى. الدجاج وبقية الماشية تدافعت حوله. الحمائم حامت حول رأسه فيما وقف هو على الشرفة متمعنا بما حوله. كان عواد يتفقد بنظراته القليلَ الذي يملكه مما خلّفه له الغريب، والد زوجته، نجمة.
وتساءل، ما هي التركة التي أبقاها له الغريب؟
حصان أعرج، معزاة عجوز، بعض الدجاجات والحمائم وعربة قديمة مهترئة وفوق هذا كله، ابنته نجمة، السمينة المريضة.
بعد ان تأكد أن كل بهائمه في مكانها نزل إلى الساحة ليطعمها. الحصان كان أول ما يتناول الطعام، تليه المعزاة ثم الدجاجات والحمام. كان هذا نظاما يوميا ثابتا. عندما كان يتجه إلى العربة كان يندب حظه ويشتم اليوم الذي تعرف فيه على نجمه بل وعلى اليوم الذي ولد فيه أيضا. في كل صباح كان يضطر إلى الوقوف مكان الحصان وجر العربة ليقترب بها أكثر ما يمكن نحو الشرفة كي يتمكن من رفع زوجته نجمة السمينة والمريضة إلى العجلة أو للدقة، أن يهبط بها من الشرفة إلى العربة.
عواد، رجل قصير القامة هزيل ونحيل، يقوم بكل شيء بما يميزه من بطء. ليس فقط بسبب محدوديته الجسدية وبنيته الهشة المشوهة، بل أنه أيضا يعاني من عيوب ومصاعب أخرى وبالأساس من إعاقات تنمّ جهله.
عندما انهى عمل الصباح وأطعم نزلاء الساحة واقترب العربة إلى الشرفة وقبل أن يدخل إلى البيت ليحضر زوجته نجمة، وقف ثانية مترددا ومتخبطا. يستصعب القرار في أي جهة يجلسها. الحقيقة أن هذه بالنسبة له هي المعضلة الأصعب وقضية القضايا التي تشغله، ليس فقط في ساعات الصباح انما في منامه، في أي جهة ستجلس بجانبه في مقعد العربة؟

عواد رفع رأسه ناظرا إلى السماء ثانية. أشعة الشمس التي تسللت عبر غيوم الربيع في نيسان أبهرت أنظاره واستقرت على العربة. طأطأ نظره نحو العربة محاولا التخمين إن كان سينجح بإجلاس زوجته نجمة باتجاه الشمس.
إنه يكرّر المحاولة كل صباح دون أن ينجح ويبقى دائما ضحية الشمس، "هكذا يتهيأ له"، وهي، زوجته تنجح دائماً أن تكون في جهة الظل. إنها بالطبع تراوغني، قال لنفسه. هذه المرة هو مصر على موقفه بألا يفشل. وضع عواد يديه خلف ظهره وأخذ يتمشى في الساحة مفكّرا. فجأة رفع رأسه ملقيا بنظره نحو العربة. متفاجئا من نفسه تذكّر بأنه يوقف العربة يوميا في نفس الجانب والاتجاه نحو الشرفة ولكنه المرة فكّر بتغيير الاتجاه. قام بجر العربة وركنها بالاتجاه المعاكس. اتّجه نحو الحصان، أمسكه من رسنه، اوقفه بين ذراعيّ العربة. ألقى البردعة على ظهر الحصان. ربط أذرع العربة. ربط البردعة بالحصان وربط الحصان بالعربة. مغترا بنفسه، دخل ببطء وبخطوات قصيرة عاد إلى البيت. زوجته كانت تجلس على فرشة أرضية تنتظره بفارغ الصبر لا تفهم سبب تأخره هذا الصباح. عندما سمعت وطأ خطواته تقترب صاحت باتجاهه متسائلة بغضب أين أنت لقد أدركنا الوقت لقد بلغت الشمس سمت السماء. لم يأبه بغضبها. ابتسم بخبث وأجاب بصوت هادئ وخفيض بأن كل شي جاهز. اتجه نحوها وأمسك بذراعيها بكلتا يديه مساعدا إياها بالوقوف على قدميها. واصل مرافقتها خلال مشيها البطيئ إلى خارج البيت نحو الشرفة. رفعها بحذر إلى العربة وأجلسها بجانبه شاعرا بالارتياح. هذه المرة كان مقتنعا بأنه نجح بمراوغتها ليكون هو في الظل بعيدا عن أشعة الشمس.
في مشوارهم اليومي الثابت هذا، كان الحصان الهزيل والأعرج يجرّ العربة بصعوبة وهي تصدر الضجيج بمشيتها المختلة بين أزقة القرية. نجمة السمينة احتلت معظم المقعد. بصعوبة تركت متسعا ما لعواد الذي دفعته إلى طرف المقعد. أمسكت نجمة بالحابل ووجّهت الحصان. أشعة الشمس التي انصبت على عواد أغضبته كالعادة. هذه المرة اتهمها بالسحر وبدأ بالصراخ عليها قائلا أريد المعرفة ما السحر الذي تقومين به لتجعلي أشعة الشمس تقصدني دائما؟ استمر الجدل ساعات. أي تبرير من طرفها لم يقنعه. لم يشغله أي شيء أكثر من لغز سقوط أشعة الشمس عليه. نجمة التي رافقها الحزن والأسى أشغلتها أسرار وأسئلة عدة أكثر مصيرية وجدية. إنها لم تتحرر بعد من التفكير بموت أمها ومن ثم بموت أبيها بعدها بفترة قصيرة، لكن ما أشغلها أكثر من هذا كله كان بكاء أبيها تحت الشجرة ولماذا نعت نفسه بالغريب؟
منظر الحصان والعربة إضافة إلى تلاشي عواد بجانب نجمة ببنيتها الضخمة شكّلا مشهدا هزليا يوميا مثيرا لسخرية سكان القرية والمارة. الأولاد أيضا، كانوا ينتظرونهما بعد المدرسة، وعندما كانوا يسمعون ضجيج العربة المتهالكة كانوا يتربصون بهما، يحيطونهما ويلاحقونهما متضاحكين مرددين بعض الأغاني ذات الكلمات النابية ويشتمونهما. قسم من الأولاد رموهم بما أوتيت أيديهم وأحيانا بالبيض. كان الخوف يبدو على عواد ونجمة فينكفئون عاجزين عن الدفاع عن أنفسهم. أحيانا كانت تسيل دموعهم خوفا وحزنا. غالبية الناس الذين كانوا يتواجدون لم يحاولوا الدفاع عنهم أو مساعدتهم، القلائل فقط كانوا يتدخلون أحيانا ويبعدونهم.
عند وصولهم إلى أطراف القرية كانوا ينتظرون وصول قطعان البقر في طريقها إلى المراعي. كانوا يتتبعون القطعان ليلتقطوا براز البهائم. كانت هذه مهمة عواد، بينما تجلس نجمة في العربة وتوجه الحصان. ولكن عواد أخذ بجمع كل ما يعترض طريقه من حطب وجذوع الأشجار. يجمعها، يفرّقها إلى حزم مختلفة ويضعها في العربة. لقد جمع أيضا الأعشاب لإطعام المعزاة والطيور.
في آخر النهار شقوا طريقهم إلى البيت بعد يوم عمل مضن منهكين خائري القوى وقد قطعوا درب الآلام والذي يعج يوميا بمسبّات وإهانات لا تنضب. وعند وصولهم إلى البيت كان عواد ينزل أولا عن العربة، يجرّ الحصان إلى جانب الشرفة، ومن ثم ينقل زوجته من العربة إلى الشرفة ويسارع - نسبة لوتيرته- لإفراغ العربة من حمولتها. أولا، كان ينزل الحزم والأعشاب وأخيرا كان ينثر الرفش في باحة البيت لتجفيفه. بعد عدة أيام كانوا ينتقون حبات الشعير من الرفش ومن ثم يعبئونه في قفف ليوزعوه كسماد ووقود لطوابين القرية وبالمقابل كان الناس يقدمون لهم، مقايضة، الطعام وبخاصة البيض والخبز.
أنهى عواد عمله، أرجع الحصان وأطعم المعزاة والطيور وجلس ليستريح قليلا بجانب زوجته، نجمة. بعد جلوسه بجانبها إنتبه إلى دموع تنهمر على وجنتيها. كانت تبكي بصمت. اقترب منها وداعبها. لماذا تبكين؟ سأل واقترب أكثر. نجمة لم تجب وواصلت البكاء. عواد ورغم سذاجته فهم ما الذي يحل بزوجته. بالتأكيد تذكرت والديها، خمّن. هذه ليست المرة الأولى التي يلحظ فيها بكاءها. لقد أدرك ما يجول في خاطرها وما الذي يقلقها. امسك بيدها واحتضنها بقوة. منذ وقت طويل لم يجلسا قريبين بهذا الشكل. نجمة شعرت بدفء جسمه وهدأت. خيم الصمت من جديد لكنه سمعها تتمتم أشياء غريبة وغير مفهومة. "أنا الغريب، أمشي لوحدي، أسابق الدرب فتدركني!".
راقب عواد من الشرفة ما يدور في باحة الدار. انتبه إلى ديك الجيران يقفز من على الجدار ويحط بين دجاجاته. وقد رآه يتقافز من دجاجة إلى أخرى. لفت المشهد انتباهه وأثار فضوله. أثار المشهد لدى عواد مشاعر دفينة وأفكار غريبة. لقد لفت انتباه نجمة إلى ما يدور في الساحة وتساءل: لماذا يوجد لدينا ديك جميل وقوي كديك الجيران هذا؟. ما حاجتنا إلى ديك كهذا، أجابته. ليكون لدينا ديك جميل كالجيران وليزاوج دجاجاتنا، أجابها. لكن لدى الجيران أطفال أيضا، أجابته. أطرق عواد صامتا. شعرت نجمة بالندم على ما قالته. تابعت وقالت كأنها تتراجع: ليس هنالك ما هو أبسط من هذا إن كنت تتيح للدجاجات أن ترقد على البيض فخلال فترة قصيرة سيكون لدينا الكثير من الصيصان من الإناث والذكور. عواد بدا كأنه يفكر ثم قال: صحيح يا نجمة، كيف لم نفكر في هذا؟.
بعد وقت قصير كان عواد يغرق مجددا بتفكير عميق. ماذا جرى يا عواد لماذا أنت صامت؟ سألت. إنني أفكر بالمعزاة. لماذا، ماذا مع المعزاة؟ تساءلت. عندما عملت راعيا لدى المختار كنت آخذ الماعز إلى تيس البدوي لتخصيبها، لماذا لا نأخذ معزاتنا للتخصيب؟ سأل وأضاف قائلا: ستحمل وتلد الماعز وسيكون لنا قطيع كبير كالمختار. لا يا عواد أن هذا لن ينجح مع معزاتنا، هل نسيت بانها طاعنة بالسن وضعيفة؟ نعم يا نجمة، هز رأسه كإشارة للموافقة ولكنه تذكر شيئا وقال: لدى المختار كانت هنالك معزاة ضعيفة ومريضة لم تكن صغيرة السن وعندما شفيت حملت لكنها نفقت خلال الولادة وأولادها كذلك نفقوا. قد يكون الحق معك، قالت نجمة، فلنأخذها إلى البدوي غدا ونتشاور معه. نعم يا نجمة نعم سنأخذها غدا إلى البدوي، قال بتلهف.
نجمة ابنة عائلة نبيلة ومعروفة، بعد انتهاء الحرب ووفق الاتفاقيات التي أبرمت بين الدول قسّمت قريتها إلى قسمين، قسم ظل في حدود المملكة الأردنية وأصبح القسم الثاني تحت الولاية الاسرائيلية. كل عائلتها الموسعة كانت وظلت في الجانب الأردني. في الجانب الاسرائيلي ظلت فقط عائلتها الصغيرة: نجمة ابنة العاشرة ووالداها.
بعد تقسيم القرية والانفصال عن العائلة الموسعة، تدهور الوضع الاقتصادي للعائلة إلى الحضيض. بداية، لم يكن بوسعهم الوصول إلى الأرض للعناية بمزروعاتهم، بسب حظر التجول الذي فرضه الحكم العسكري. بعد ذلك أعلن عن المنطقة كلها أنها منطقة إطلاق نار ومنطقة عسكرية مغلقة. صودرت الأراضي وبضمنها الحقول التابعة للعائلة وتم ضمها إلى البلدة اليهودية المجاورة للقرية. محصول الموسم ذهب سدى ولم يبق للعائلة أي أملاك أو مصادر رزق. والدا نجمة فقدا مكانتهما الاجتماعية واضطرا إلى الخروج لأعمال مؤقتة. الغريب، والد نجمة، ورغم الحصار، لم يستطع الانقطاع عن حقل الجميز (والذي أطلق عليه هذا الاسم بسبب جميزتين كانتا هناك منذ مئات السنين) كان مرتبطا عاطفيا بهذا الحقل أكثر من كل الحقول والبيارات الأخرى. حقل الجميز كان يحظى بالعناية على امتداد سنوات طويلة من قبل جدّ الغريب، طابت ذكراه. الجد الذي كان غنيا وصاحب أملاك كثيرة أحب حقل الجميز وكان يقضي فيه مع الغريب معظم أوقات فراغه، لقد كان هذا الحقل سببا لفخر الجد أمام زواره رفيعي المستوى. حقل الجميز الذي أحاطه سور عال وكانت بوابته فولاذية ثقيلة، ضم بداخله أشجارا من كل الأصناف، بتشكيلة لم يكن منها في كل البلاد والتي تم استيرادها خصيصا من كافة أقطاب المعمورة. الجد ومع مرور السنوات، طعن بالسن ووهنت قواه فأورث الحقل للغريب الذي اعتمد عليه. الغريب، حافظ على إرث جده وواصل الاعتناء بالحقل وأضاف إليه أصنافا استوائية جديدة. لقد أقام أيضا زاوية خاصة للحيوانات المختلفة. رغم حظر التجول واصل زيارة البستان يوميا واهتم به بإخلاص. لم يستصعب التسلل إليه لأنه كان متاخما لبيوت القرية. هو ونجمة أيضا التي دأبت على مرافقته اعتادا على قضاء الوقت وتبادل الأحاديث في الحقل وفي زاوية الحيوانات.
الغريب الذي كان ملزما بالاهتمام بلقمة عيش عائلته انضم إلى مجموعة رجال استصدروا تصاريح للعمل في حقول الكيبوتس المجاور لقريتهم. الغريب لم يكن معتادا على العمل الجسدي الشاق إلا أنه لم يكن لديه أي مبرر، واندمج بالعمل رغم كل الصعاب. نجمة كانت تستيقظ مبكرا كل صباح لوداعه وتنتظره بفارغ الصبر. رغبت بحرارة أن تنضم إليه. وهو الأمر الذي لم يكن مقبولا. حينها، في صباح ما، ضعف أمام إلحاحها واضطر أن يأخذها معه. نجمة فرحت كثيرا. عندما وصلوا إلى مكان العمل في البيارة وزّع المسؤول، الذي كان عراقي الأصل، على العمال المعاول والأمشاط والطواري، ولم يستسغ -بأقل تعبير- حضور الطفلة مع والدها. غضب على الغريب وصرخ به أمام طفلته. الغريب توسّل وحاول الشرح لكن المدير رفض الإصغاء وأمر الغريب بألا يحضرها مجددا. أضاف وقال: أطلب منك أيضا التوقف عن أناشيدك، لا تعتقد بأنني لم أفهم. مشهد الصراخ والجدل عكر مزاج نجمة وبدأت بالبكاء. أخذ الوالد معوله، دخل بين الأشجار وبدأ يعمل كالبقية. نجمة الباكية كانت تتراكض حوله.
كعادته، بدأ الغريب يردد أناشيده الحزينة، وبقية العمال يرددونها خلفه كالجوقة، وبعد كل أغنية كان يصرخ ويقول "وأنا الغريب". هكذا كان يمرِّر يومه، يغني ويصمت بالتناوب دون أن يتحدث. لكنه كان دائما ينهي بنفس الجملة "..وأنا الغريب". بالنسبة للطفلة نجمة كان كل شيء غريبا. لم تسمعه أبدا يغني أو يصرخ. لم تفهم الكلمات الغريبة الصادرة عنه وبخاصة صرخاته المتوالية وأنا الغريب. عندما اقتربت منه خلال غنائه انتبهت نجمة بأنه كان يبكي خلال الغناء. لم تفهم لماذا، لكنها بكت هي أيضا بصمت.
في آخر النهار، ومع عودتهم إلى البيت أسرعت نجمة إلى أمها لتحكي لها ما مر عليها خلال اليوم. أكثر من ذلك فلقد كانت لدى نجمة أسئلة وأفكار عديدة لطرحها أمام والدتها. أحزنها أن ترى بكاء والدها، القوي المتين، وكطفلة فقد أثار فضولها أن تعرف ما معنى قوله "أنا الغريب". الأم التي صفعتها الصدمة لرؤية الحزن في أعين ابنتها شعرت بقشعريرة واستصعبت التنفس، تنحنحت وحاولت إخفاء انفعالها عن أعين ابنتها، كان من الصعب على الأم أن تشرح لابنتها معنى الأمور، لذا اكتفت بجواب مجرد وقصير وحوّلت انتباه ابنتها إلى موضوع آخر. نجمة، ورغم جيلها الصغير فهمت بأنهم يحاولون إخفاء أمور هامة عنها، ولكن لم يكن لديها من توجه إليه الأسئلة. الأسئلة التي ظلت مفتوحة تراكمت في ذاكرتها ولاحقتها كل أيام حياتها حتى هذا اليوم.
بعد عدة سنوات، لفظت الأم أنفاسها الأخيرة بشكل فجائي أمام أعين ابنتها التي كانت تجلس بجوارها. موت الأم كان بالنسبة لها ضربة قاسية غيرت تصرفاتها من النقيض إلى النقيض. تحولت نجمة إلى عدائية وشرسة، ومالت إلى الإضرار بنفسها. كان مزاجها متقلبا بين لحظة وأخرى. لم تسيطر على نفسها، وكانت تفشو غليلها بالأكل، وتزجّ إلى فمها كل ما طالت يداها. اعتادت على الاختفاء من البيت لساعات طويلة. كان الغريب يضطر إلى الخروج للبحث عنها بعد يوم العمل الشاق. في أغلب الأحيان كان يجدها تجلس بجوار بوابة بستان الجميز. لاحظ الغريب بأنها كانت تبدو هادئة ومطمئنة في كل مرة كان يأخذها من هناك. فهم الغريب بأن هذه وسيلة جيدة لعلاج الطفلة، فاهتم بأخذها إلى الحقل يوميا وكانا يقضيان الوقت معا بين الأشجار ومع الحيوانات والطيور. وضع الطفلة أخذ بالتحسن. كان هذا التحسن يشجّع الغريب. توقف عن الخروج إلى العمل وخصّص معظم وقته وجهده للاهتمام بها. في صباح ما، وعندما وصل الغريب إلى البستان مع نجمة وجدا بأن الطريق كانت مغلقة والبوابة مقفلة بسلاسل وأقفال. بحثا عن ثغرة بالسور ولم يجدا. شعر الغريب بنفسه مخدوعا ولا حيلة بيده. لم يعرف كيف يشرح للطفلة من أغلق الطريق ولماذا. لم ترد العودة إلى المنزل إنما باللعب مع الحيوانات والطيور. ومع ذلك واصلا الحضور كل صباح إلى البستان. كانا يسيران حول الجدار، يجلسان تحت الشجرة بجوار البوابة ومن ثم يعودان إلى المنزل. استصعب الغريب الإجابة عن الأسئلة التي لم تتوقف الطفلة عن طرحها. لقد سألت: أبي من يهتم بأمر الحيوانات والطيور؟ من يهتم بأرنبي؟ من يروي الأشجار؟ كما أنها تذكرت أمها وسألت: أبي أين ذهبت أمي من أخذها وهل ستعود؟ بالنسبة للغريب، السؤال الأصعب والأكثر مفاجأة كان عندما سألته عن سبب بكائه تحت الشجرة. كل الأسئلة ضغطت الغريب وأدخلته إلى حالة من القلق. مع غياب الأجوبة والاهتمام بأسئلتها طرأ تراجع بتصرف الطفلة. وضعها الجسدي والنفسي أخذ بالازدياد سوءا. نظر الغريب بقلق كبير إلى وضعها الآخذ بالتدهور أمام ناظريه. كمن قسا عليه الدهر بسلب احترامه أمواله وزوجته منه، ها هو يأخذ منه الأغلى عليه، نجمة ابنته.
الغريب استصعب تحمل هذه الأعباء وفقد كل صلة بالواقع. سيطرت عليه مشاعر الحزن، الأسى، الأسف والاكتئاب. جلس كل اليوم يردد بينه وبين نفسه، أحيانا بصوت عال وأحيانا أخرى بصوت منخفص: أنا الغريب، أمشي لوحدي، أسابق الدرب فتدركني!"
جملة الغريب لم تكن مفهومة لدى الجميع لكنها انتشرت في القرية وأصبحت لازمة يرددها الجميع. الكل كانوا يرددونها حتى الأولاد.
لم يمر وقت طويل وقد وجد في منزله مفارقا الحياة. من الصعب وصف حالة نجمة بعد وفاة الأب. بعد انتهاء طقوس الدفن اختفت نجمة. الناس الذين خرجوا للبحث عنها لم يجدوها. في اليوم التالي صباحا وجدها العمال ملقية أمام بوابة بستان الجميز. لقد عرفوها من أيام عملهم مع المرحوم.
نادى العمال نساءهم من القرية ليأتين ويأخذنها. عندما جاءت النساء لم تتحدث أو تتعاون معهن، بل صمتت. صمتها هادر. بدت واضحة على وجهها ملامح التعب، الإرهاق والغضب. في كل مرة كانت النساء تحاول أخذها كانت تهرب باتجاه البوابة وتحاول التسلق عليها. لقد تسلقت وسقطت، تسلقت وسقطت وفي كل مرة كانت تنهض وتحاول المرة تلو المرة. وفجأة تمسكت بكلتا يديها بالبوابة وبدأت تتأرجح وتركلها بقدميها، كل هذا حدث أمام أعين العمال وزوجاتهم اللواتي حاولن الإمساك بها دون فائدة. وفي النهاية، ابتعدت وركضت بكل قوتها باتجاه البوابة واصطدمت بها بجسمها كله وبكل قوة. سقطت ولم تنهض. إحدى النساء ذهبت نحوها، انحنت إليها، داعبتها واحتضنتها. سكبت الماء على رأسها وغسّلتها، رتّبت لها شعرها وربطته. امرأة أخرى بدّلت لها قميصها الممزّق. كلاهما دعمنها وأوقفنها على قدميها. وقتها، انفجرت باكية. هذه أول مرة تبكي فيها بعد موت أمها. نظرت إلى بقية النساء والرجال الذين وقفوا حولها وركضت نحو البوابة ثانية، تمسكت بها بيديها، أدارت رأسها. مرت بنظراتها على كل الحاضرين الذين أحاطوها وبدأت تصرخ نحوهم. صوتها الذي يمزق القلب كسّر الصمت، كلماتها القاسية حفرت في الهواء وسقطت كالصخور على آذانهم عندما انفجرت بهم: "إخترقوا البوابة، لماذا أنتم واقفون، لماذا تصمتون؟ تعالوا نخترق البوابة. نحن مجبورون أن نخترقها. إنكم جبناء، إنكم أوغاد وقد ضيعتم كل شيء.."
مرت الأيام، والرجال الذين لم يعرفوا كيف يتعاملون مع نجمة المراهقة والمزعجة تجمعوا لجلسة استشارية مع المختار. اقتراح المختار كان تزويج نجمة لعواد، راعي ماشيته. بلا تضييع للوقت، جعل المختار الزوجين يلتقيان في بيته ونقلهما إلى العيش في بيت الغريب، بيت نجمة. كان عواد ابن جندي تركي أحبّ راقصة غجرية ففرّ من الجيش العثماني وألقى بزيه العسكري لينضم إلى رحلات الغجر الذين كانوا رحّلا وعاشوا في الخيام في ضواحي القرى العربية، واعتاشوا أساسا مما جذب اهتمام القرويين من الرقص والألعاب البهلوانية والغناء. الجندي الذي تعلّم الإيقاع، تزوج بالراقصة الغجرية وأصبح طبّالها. بعد عدة سنوات ولد عواد، ابنهما الوحيد. في أواخر الحرب العالمية الأولى عندما كان عواد في عامه الأول، اختفى والداه ونُقل الطفل إلى المختار، الذي اهتم بسلامته ورعايته.
التفكير بالدجاج والماعز، أطار النوم من عينيّ عواد، الذي لم يكن قادرا على الغفو طيلة الليلة، لقد انتظر بفارغ الصبر حلول الصباح. مع صياح الديك الأول، ومع حزمة الضوء الأولى، قفز مسرعا من سريره وخرج إلى الساحة. سريعا، أنهى مهام الصباح، أطعم ماشيته، وسحب العجلة ليوقفها بجانب الشرفة. هذه المرة، لم يفكر باتجاهات الشمس وبالجانب الذي سيجلس فيه زوجته نجمة. ربط الحصان بالعربة، وحمّل عليها المعزاة ثم عاد راكضا نحو البيت دون تضييع للوقت. ساعد نجمة وأحضرها مباشرة إلى العربة. أمسكت نجمة بالحابل وأرشدها عواد إلى الطريق إلى البدوي الذي يسكن في الاتجاه المعاكس لمسارهما اليومي الذي اعتاداه. شرقا نحو الشمس. كلما احتدت حرارة الشمس كانا يقتربان أكثر من هدفهما. عواد وبغير عادته، صبر بصمت ولم يقل شيئا. البدوي الذي رأى مشهد الزوجين البائس التعيس والمعزاة العجوز، أشار بيده وأشاح بوجهه قائلا بغضب وبلهجة مستهزئة: "ألا تخجلون من إحضار معزاة عجوز كهذه؟ ألم تنتبهوا بأن الزمن قد نسيها وراءه؟" تركهما البدوي وأقفل عائدا إلى خيمته. عواد الذي عرف الرجل منذ كان يعمل راعيا لماشية المختار بدا واثقا بموقفه غير المهادن، قفز عن العربة وركض خلف الرجل محاولا إقناعه، وقد ادعى بأن المختار هو الذي أرسله وبأنه مستعد لدفع أي ثمن. البدوي الذي بدا محرجا وغير قانع، استصعب رفض طلب المختار. أخذ المعزاة إلى التيس وبعد جهد كبير جعلهما يتزاوجان.
لمفاجأة الجميع وبعكس كل الاحتمالات، فقد حملت المعزاة. عواد الذي انتبه إلى بطنها الآخذة بالتكور كان فرحا وكذلك كانت نجمة. لقد شعر الزوجان بأن فترة نهاية الحمل واقتراب الولادة قد مرت ببطء ثقيل.
وفي المقابل، واصلت الدجاجات الرقود. فقس البيض وامتلأت الساحة بالفراخ الجميلة زاهية الألوان. بين تلك الفراخ التي كبرت كان هنالك ديك بدا جميلا بشكل خاص، أجمل من ديوك الجيران، صوته قوي وذنبه طويلة وألوانها متوهجة ، برزت بلونها الأحمر القاني.
مع انتهاء فترة حملها، أنجبت المعزاة ماعزين ذكرين. لقد خيب الأمر أمل الزوجين اللذين انتظرا اناثا وحلما بقطيع كقطيع المختار. أحد الماعزين كبر ونما بسرعة، حتى بدا كأنه حصان وكان شعره الأملس البرّاق أسودا، وفروة طويلة زيّنت رقبته وخط أبيض امتد من جبينه إلى أنفه. عواد أحب هذا التيس وارتبط به كما أحب الديك. لقد اهتم بهما ورعاهما. نمت للتيس قرون مفتولة. كان عواد، لدى خروجه مع نجمة إلى العمل كل يوم يتعمد أن يأخذ معه التيس الذي أثار انتباه المارة في أزقة القرية. لقد انفعل الناس من كبره وشكله الخاص. تعامُل الناس الذين اعتادوا أن يسخروا من عواد وزوجته بدأ يتغير شيئا فشيئا.
مع خروجهم من ساحة الدار كان الديك يركض خلف العربة ويرافقهم. في الطريق كان الديك يقفز إلى العربة ويجلس بجانب التيس وفي بعض الأحيان كان يستلقي على ظهره. انتبه عواد إلى العلاقة الخاصة التي تطورت بين الديك والتيس! كان عواد ينظر برضا تام إلى الديك وهو يقفز من العربة ملاحقا الدجاجات للتزاوج معها.
صعقت المفاجأة عواد، عندما رأى الناس الذين يريدون تخصيب معزاهم مع تيسه يتزاحمون على بيته ويطرقون بابه. في البداية كان الأمر صعبا عليه ولم يعرف كيف يتعامل معهم.
مع الوقت وبمساعدة زوجته نجمة، رتّب الأمور، أقر قواعد وغير أخرى! وبعكس المتّبع، لم يرغب أن يأتي الناس إلى بيته. لقد أحب أن يذهب برفقة تيسه إلى بيوت الناس. أراد أن يروه يجلس في العربة برفقة التيس والديك منتصب القامة، مرفوع الرأس ممتلئا بالفخر والرضا. الناس الذين كانوا عند نواصي الطرق يتجاهلونه أو يسبونه طيلة مشواره، باتوا يستقبلونه بحفاوة ومحبة في منازلهم ليحظى باحترام الملوك. امتلأ عواد رضا، غبطة وفخرا في كل مرة رأى فيها تيسه يقفز بشبق على معزاة فتستكين له وديكه "يحتل" الدجاجات. من الصعب وصف شعوره وعيونه الصغيرة وهي تلمع بدفء وفرح حال دخول الحلبة برفقة تيسه. كلهم ينظرون إليه وحده. اختلطت مشاعره ورأى نفسه الأكبر والأقوى من الجميع. تراكض بتسارع ناتج عن رغبة داخلية قوية بالتشبه بالتيس. بذل كل قوته بشكل غير واع لتقليد حركات التيس. لم تزعجه حبات العرق التي غطت جبينه وسالت على عينيه ووجهه. عواد الذي انتفخ لشدة الفرح، رأى نفسه بحلف مقدس مع التيس والديك، حلف بين ذكور لم يجد هويته الجنسية إلا بينهم، وبفضلهم أعيد له احترامه الضائع وكبرياؤه الذكري.
وضعُ الزوجين الاقتصادي والاجتماعي تحسّن كثيرا، وأصبحا مقبولين في المجتمع، الناس دعوهم إلى الحفلات والمناسبات الاجتماعية. بدأ عواد يتردد على الديوان، وهو ما لم يحلم به حين كان راعيا لدى المختار، فقد أصبح اليوم مقبولا، بل مرغوبا به. تحسن وضعه الصحي بفضل التغذية الجيدة، وشكله الخارجي أصبح أفضل بكثير. مع الوقت، وكلما اشتهر التيس أكثر بصفاته الساحرة الخارقة، كانت مكانة عواد تتعزز. نجمة، ورغم كل التغيرات لم يطرأ أي تحسن أو تغيّر بوضعها النفسي. بقيت نجمة عالقة مع الأسئلة ذاتها التي لم تتلق عليها إجابات حين كانت طفلة، هذه الأسئلة طفت وتعالت ومعها صور ومشاهد من الطفولة: الفقر، القلة، موت الأم، موت الأب، الانفصال عن الأقارب، وفوق كل هذا منظر والدها يبكي تحت الشجرة ويصرخ "وأنا الغريب".!
في أحد الأيام جلس الزوجان على الشرفة، يشاهدان ما يدور في الساحة. راقب عواد باهتمام كبير الديك الذي استلقى على ظهر التيس في "استراحة المحاربين"، قالها برضا تام وقد بدا فرحا بنصيبه وراضيا بالحلف الناشئ بين هذين الذكرين متميزي النوعية. في حين كان يجلس بجانب زوجته نجمة، غفا وحلم، رأى نفسه في الحلم تيسا يتقافز من معزاة إلى أخرى. أيقظته نجمة وطلبت منه أن يدخل ويكمل نومه في البيت. عواد، الذي فارق حلمه بأسف وقلب كسير، تساءل بحزن لماذا منحه الله إياهما وحرمه مما لديهما؟
في ساعة الغسق، عندما تميل الشمس إلى الاختفاء في الأفق الساحر والغرق خلف البيارات، كانت رياح غربية باردة تحمل روائح الحمضيات وعبق البيارات تهبّ على نجمة التي كانت تجلس على الشرفة مطلة على الساحة ونزلائها الذين كانوا يستقبلون الظلمة بتكاسل ولم يكن ما يعكر الهدوء والطمأنينة. نجمة تحب الهدوء والطمأنينة عند الشفق، في ساعات الصباح الباكر ومع الغروب، بعد الظهيرة. أحبت نجمة الإنفراد، أحبت أن تكون مع نفسها. روائح الحمضيات أثارت لديها ذكريات ومغامرات من الطفولة، من الأيام الحلوة في حضن عائلتها، مع الأهل والأقارب. وكذلك فإن آلام الماضي طرقت ذاكرتها ، مستصعبة الاستيعاب كيف اختفت الأيام الجميلة دون أي ذكر في قاع التاريخ وتركتها بلا أي رحمة لقسوة الزمن. وكيف انقلب عالمها بلحظة؟ كيف تغيرت حياتها فأصبحت المرأة الأتعس على وجه الأرض؟
طرقات على الباب قطعت أفكارها، اخترقت السكينة والطمأنينة. من هناك؟ صرخت نجمة. فأجابها صوت امرأة "نجمة، جئت أتحدث معك بموضوع هام، افتحي الباب لو سمحت". "الباب مفتوح، تفضلي"، قالت بلهجة مترددة بلا تفكير وبارتباك ما. دفعت المرأة الباب ودخلت إلى الساحة متجهة رأسا نحو الشرفة. لقد حيّت نجمة وسارعت بالجلوس إلى جانبها. نجمة المرتبكة لم تعرف المرأة. حافظت على هدوئها ولم تتحرك من مكانها. المرأة وبلا أي مقدمات أو إهدار للوقت باشرت الحديث هامسة "جدك رحمه الله كان صديق زوجي المخلص. صحتي زوجي تدهورت وهو اليوم على سرير الموت وقد طلب مني قبل موته أن آتي إليك وأعترف أمامك كاشفة لك تفاصيل عرفها هو عن مأساتك العائلية."
أقوال المرأة الغريبة التي سارعت بمغادرة نجمة شاقة طريق عودتها إلى منزلها، أضاءت أمام نجمة جوانب مظلمة لم تكن تعرفها عن تاريخ القرية عموما وتاريخ عائلتها خصوصا. أثارت لديها ذكريات، وأيقظت مشاعر وأحاسيس غريبة ومختلطة. من جانب واحد، أشعرها الاستماع لأشياء معينة براحة معينة، وبالمقابل فقد كانت هنالك أشياء أثارت لديها غضبا كبيرا، اشمئزازا وكراهية.
شعرت نجمة بارتياح، خاصة عندما عرفت بأن جدها قاد المعارضة للاستسلام. لقد رفض تقسيم القرية وتسليمها. هذا الموقف ناقض موقف المختار الذي خنع للإملاءات، فتعاون مع المحتل ووقّع على تسليم القرية وتقسيمها. جد نجمة، مع مجموعة من المحاربين من القرية، وبمساعدة محاربين آخرين أتوا من القرى المجاورة، رفضوا تسليم أسلحتهم وواصلوا القتال. المختار، وفي أعقاب نجاح المحاربين بمنع دخول الجيش إلى القرية شعر بأنه مهدد وبأن مكانته تتزعزع ومصيره في خطر. لقد قاد الجنود إلى معقل المحاربين في عمق الغابة وبين البيارات. احاطوهم الجنود وفي ساعة متأخرة من الليل هاجموهم وأبقوا خلفهم عددا كبيرا من القتلى والجرحى. أُخذ البعض إلى الأسر وتمكن بعض آخر من الهرب. كان جد نجمة، من بين المصابين بشدة، وكان أبوها بين الناجين وقد تمكن من قبر والده تحت شجرة في بيارة تابعة للعائلة وفق ما أوصاه به قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة بين ذراعيه.
وقد همست الزوجة في أذني نجمة أيضا أشياء أغاظتها وأثارت لديها الاشمئزاز. لقد كشفت لها أن المختار ورجاله هم من نبشوا قبر جدها وأخفوا جثته. نجمة لم تعرف أن القبر قد نبش ولم تفهم ما هي الدوافع لذلك. وقد شرحت لها المرأة بأن سكان الكيبوتس، خافوا من أن يتحول القبر إلى مكان مقدس ويحج إليه الناس، فعارضوا بقاءه في منطقة باتت تحت سيطرتهم. طالبوا الحاكم العسكري بإزالة القبر ونقله إلى موقع خارج سلطتهم. الحاكم العسكري ألقى هذه المهمة على المختار وأمره بإتمامها سرا.
حكت المرأة لنجمة عن أشياء أخرى كثيرة، وعن أحداث وقعت حين كانت طفلة صغيرة. وكان من بين هذه القصص بأن زوجها كان أحد العمال الذين تمكنوا من الحصول على تصريح بالعمل مع والدها وبقية العمال في الكيبوتس وبأنه كان شاهدا على اللحظة التي اكتشف فيها الغريب بأن قبر والده قد نبش. وبأن زوجها لن ينسى أبدا ردة الغريب على مشهد القبر المحطم تحت الشجرة، عندما أجهش ببكاء مرير بلا أي توقف، ولول كرضيع ورفض أن يهدأ إلى أن عاد لغنائه الحزين وقد ردد العمال معه فصرخ صرخته الشهيرة "أنا الغريب.."



#عدلي_عبد_الفتاح_شبيطه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابو شاؤول


المزيد.....




- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدلي عبد الفتاح شبيطه - الغريب