أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - برهان غليون - الطائفية وتقويض الدولة الوطنية















المزيد.....

الطائفية وتقويض الدولة الوطنية


برهان غليون

الحوار المتمدن-العدد: 1592 - 2006 / 6 / 25 - 14:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في كتابي المنشور عام 1990 بعنوان نظام الطائفية، من الدولة إلى القبيلة، طرحت نظرية تقول بأن الطائفية تنتمي إلى مجال السياسة لا إلى مجال الدين والعقيدة، وأنها تشكل سوقا موازية، أي سوداء للسياسة، أكثر مما تعكس دفاعا متعصبا عن دين أو مذهب. وفكرة السوق السوداء أو الموازية في السياسة تتنافى مع الاعتقاد السائد بأن الطائفية تقليد عربي قديم ومستمر، وتجعل منها ظاهرة مرتبطة بحقبة الحداثة الجديدة وطابعها المفارق معا. فنظام الملل التقليدي الذي عرفته المجتمعات الاسلامية، وأعطت الدولة العثمانية صيغته الأخيرة الراقية، يختلف كليا في مضمونه وطبيعته عن نظام الطائفية بالمعنى الذي نقصده اليوم. فعلاقة السلطة التقليدية بالمجتمع كانت تمر حتما بالتجمعات الأهلية، بل كان احترام هذه التجمعات من قبل السلطة وحفظ مصالحها الخاصة، يفترض الاعتراف بها كملل أو كجماعات مستقلة ومتميزة، ويستدعي تنظيما لهذه المصالح يأخذ بالاعتبار تعددها وتباين مواقعها وعقائدها. وكان وجود هذه الجماعات الأهلية والاعتراف بها ضمانا لحرية الأفراد النسبية وأمنهم معا. في حين كان الافتقار إلى مثل هذا الاعتراف بالتنظيمات الأهلية يعني في الدولة التقليدية خطر الإضرار الدائم بمصالحها، وتعريض أفرادها لكل المخاطر الداخلية والخارجية. ولهذا يشكل التنظيم الطائفي في المجتمعات القديمة التي كانت السياسة فيها حكرا للنخبة الارستقراطية النمط الطبيعي، بل المتقدم، لتنظيم العلاقة بين النخبة الحاكمة والمجتمع على أساس من العدل وحفظ المصالح الخاصة وتوازنها معا. ونظام الملل هو الذي حفظ التعددية الطائفية والقومية في الشرق، بينما كانت نتيجة غياب هذا التنظيم الحروب الدينية ورفض التعددية وتشابك السلطة الدينية والزمنية، وتعسف السلطة الفردية التي تبيح لنفسها التلاعب بمصالح الأفراد والجماعات من دون رقيب ولا حسيب حسب حاجتها ومصالحها.
لكن الأمر اختلف كثيرا مع نشوء المجتمع السياسي الحديث الذي يفترض أن السلطة مستمده فيه من الشعب بأكمله، وان كل فرد هو في الوقت نفسه مواطن، أي مسؤول، وله حق المشاركة في صوغ السياسات المتبعة. وللمشاركة هذه أثر مباشر على تقرير المصير العام. قعلى نوعية هذه المشاركة يتوقف مستقبل السياسة نفسها، وطبيعة السلطة القائمة، وربما استمرار الدولة أو عدم استمرارها كإطار وطني جامع، في ما وراء التمايز بين الجماعات الأهلية. ولا يعتمد الحفاظ على وحدة الدولة والجماعة السياسية هنا على وجود حاكم مترفع يقف موقف الحكم من جميع المصالح والتجمعات والأفراد، ويقضي في شؤونها، كما هو الحال في الممالك والسلطنات القديمة، ولكن على اختيار المواطنين أنفسهم، وصحة هذا الاختيار. فأي تأثير على الناخب أو المواطن المشارك في تقرير المصير العام، من خارج الحقل السياسي وما يعنيه من تفضيل بين البرامج السياسية المطروحه، سواء عن طريق شراء الأصوات بالمال أو استخدام الولاءات الدينية او الأقوامية، يعطل الهدف من الاختيار، ويفسد السياسة والدولة الحديثتين، بقدر ما يسمح بتكوين مراكز قوى أهلية داخل الإدارة السياسية تعمل على خدمة المصالح الخاصة، وتمنع من التعبير الشفاف عن إرادة المجتمع الكلي، أو من ترجمة وحدته، من حيث هو إطار سياسي قانوني يجمع بين أعضاء متساوين وبنشيء بينهم مصلحة مشتركة، لا من حيث هو مجتمع أهلي يبحث فيه كل فرد عن مصالح خاصة. إن الطائفية ترد السياسي إلى الأهلي وتلغي إمكانية نشوء دولة من النوع الوطني الحديث.
فإذا كانت الدولة الامبرطورية تقوم على عقد بين طوائف وجماعات متباينة ومتمايزة، يجسده التسليم لملك حكم، هو رمز السياسة والسلطة بامتياز، وظيفته السهر على استمرار التوازنات واحترام المقامات، وهو ما كان يطلق عليه اسم العدل، فإن الاجتماع السياسي الحديث، يقوم على عقد بين أفراد أحرار ومستقلين يجسده دستور واحد يخضع له الجميع، بما في ذلك الرئيس أو الحاكم. وهو يفترض الحريات الفردية كعامل مؤسس فيه. وكل ما يضعف شروط بناء هذا العقد او الأساس الاختياري له، أو يلغي المنافسة الحرة على مناصب المسؤولية، يقود إلى تقويض أسس الدولة الحديثة والقضاء على الحريات الفردية المرتبطة بها، وعلى الفرد المواطن نفسه، لصالح عودة الانتماءات والعصبيات الماقبل سياسية.

فالاختراقات الطائفية، ونحن نعني بالطائفية العلاقات القائمة على العصبية الطبيعية، سواء أكانت دينية أو قبلية، هي العملة السياسة الفاسدة والسوق المغشوشة التي تمثل في حقل السياسة ما تمثله السوق السوداء في ميدان الاقتصاد، من حيث أنها تقوم على إلغاء المنافسة النزيهة والمعايير الواحدة واستخدام الاحتكار والتلاعب وسيلة لتحقيق أرباح غير مشروعة للطرف المتحكم بها.

من هنا تفسد الطائفية المنافسة السياسية النزيهة، بقدر ما تعطل العملية التمثيلية وتحرم الجماعات الأخرى من احتلال مناصب المسؤولية والمشاركة في القرارات السياسية وتعطل آلية بناء الصعيد العمومي أو المعبر عن عمومية الدولة وارتفاعها فوق جميع المصالح الخاصة والجزئية. والأصل في حصول ذلك حدوث أمرين متناقضين في العديد من المجتمعات ما بعد الاستعمارية: الأول هو نشوء الدولة الحديثة نفسها وتوسع دائرة اشتغال مفهوم السياسة الوطنية المرتبط بها، أي من حيث هي سياسة مدنية، يتنافس على أرضيتها الأفراد على النفوذ إلى مناصب السلطة والمسؤولية، ضمن شروط متساوية، وليست حكرا على طبقة أو نخبة أو فرد. والأمر الثاني بقاء المجتمع المدني ومنظماتها الحديثة في حالة من التأخرالذي يمنعه من ممارسة دوره في ضبط التطور الكبير في سلطة الدولة ونفوذها. مما يشجع أصحاب المصالح والطامحين إلى الاستفادة من هذه الدولة القوية الجديدة، وما يرتبط بالنفوذ إليها من مصالح، إلى السعي إلى السيطرة عليها بجميع الوسائل، وفي مقدمها استخدام العصبيات الدينية والأقوامية. والنتيجة تمكين أصحاب المصالح الخاصة من التحكم بمواقع رئيسية في الدولة، وفرض أجندة خاصة عليها لا تهتم ببناء إطار السياسة الوطنية، ولا تخضع إلا لحسابات جزئية، وبالتالي تقويض أسس العملية السياسية، وقطع الطريق على وصول قيادات وطنية مجسدة لمفهوم الدولة وممثلة لعموم الشعب إلى مناصب السلطة والمسؤولية، وإخضاع الدولة والامساك بمؤسساتها من الداخل وتفريغها جميعا من محتواها العمومي.
يقود هذا الوضع إلى أحد أمرين، نشاهد تظاهراتهما كل يوم في الأخبار الدولية. الأمر الأول تحويل الدولة إلى مزرعة خصوصية لأصحاب السلطة والنفوذ من زعماء الطوائف والعشائر والجماعات القومية المسيطرة. والثاني إطلاق فتيل حرب أهلية مستمرة، تتغذى من إرادة منع الطرف المسيطر من الاستئثار بالثروة، أو الاستئثار بها بدله. وما لم تبرز قوى جديدة من خارج العصبيات المتحاربة، ويتكون رأي عام مدرك أن الدولة ليست إطار تقاسم المغانم، وتنمية المصالح الخاصة وتعظيمها، وإنما هي بالعكس الإطار الوحيد لتجاوزها، وبناء فضاء العمومية، القانوني والإنساني، الذي لا قانون ولا نظام ولا سلام من دونه، سيكون من الصعب الخروج من الحرب الأهلية. ذلك أن كل صيغة للاقتسام يفرضها ميزان قوى قائم، ستكون معرضة بالضرورة للنقض من قبل القوى والجماعات التي خسرت في الجولة السابقة. فالمطلوب للخروج من الحرب ليس قسمة عادلة للدولة، ولكن بالعكس رفع الدولة عن مبدأ القسمة نفسه، وتحويلها إلى إطار الاستثمار المشترك في الأخوة الوطنية والإنسانية، أي بناء دولة المواطنة والمواطنية. فليس هناك دولة مع الطائفية وليست الدولة الطائفية دولة بالمعنى الحقيقي للكلمة بقدر ما هي فوضى سياسية دائمة.



#برهان_غليون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التوسع في العنف لا يحل مأزق النظام
- عندما يتحول الاصلاح إلى معضلة
- الأسدية في السياسة
- اغتيال الثقافة بعد اغتيال السياسة
- دفاعا عن ابن خلدون في مئويته السادسة
- في مخاطر إجهاض مشاريعنا الاصلاحية
- في سبيل مبادرة دولية لإطلاق الحوارات الوطنية الممنوعة
- إشكالية الاصلاح وإشكالاته في العالم العربي
- رؤية لمستقبل سورية الديمقراطية
- في أصل الضياع العربي
- الحداثة الرثة أنتجت من القهر أكثر مما أطلقت من الحريات
- غواية الطائفية في سورية والبلاد العربية
- بين رفض التدخل الأجنبي والعداء للخارج
- دعم الديكتاتورية باسم المصلحة القومية
- الانجرار وراء الحرب الحضارية ليس مصلحة إسلامية
- موارد التسلطية العربية
- وحش الاستبداد
- الخروج الكارثي للعالم العربي من الحقبة الوطنية
- محنة الوطنية في سورية والبلاد العربية
- عن العطالة السياسية في المجتمعات العربية


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - برهان غليون - الطائفية وتقويض الدولة الوطنية