أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نايل شامة - لماذا تخلفت مصر وتقدمت اليابان؟














المزيد.....

لماذا تخلفت مصر وتقدمت اليابان؟


نايل شامة

الحوار المتمدن-العدد: 6609 - 2020 / 7 / 3 - 01:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تأخر الأمة العربية عن ركب العصر، وطول انتظار شعوبها للنهضة التي لم تأت، في الوقت الذي قطعت فيه أمماً عديدة – شرقاً وغرباً – خطوات حثيثة نحو التقدم والرقي، مسألة ينبغي أن تكون في صدارة اهتمام مثقفيها، ولذلك فمن المهم مقارنة مشروعي النهضة المصرية واليابانية والنظر لأسباب فشل الأول ونجاح الثاني.
لقد ذكر المفكرون أسباباً عدة يمكن أن تُطرح كأسباب لهذا التباين في تجربتي البلدين. قبل الخوض في تلك الأسباب، لعل من المناسب الإشارة إلى أن محاولات التحديث في كلاً من مصر واليابان قد تزامنت بالفعل، بل إن عدداً من الحقائق السياسية والمؤشرات الإقتصادية تظهر أن مصر كانت أفضل حالاً من اليابان في القرن التاسع عشر، وحتى بدايات القرن العشرين، وبالتالي أكثر تأهيلاً لقيام نهضة حقيقية. ففي عام 1913م مثلاً، كان نصيب الفرد في مصر من إجمالي الناتج المحلي أعلى من نظيره في اليابان، كما كان نصيب المواطن المصري من التجارة الخارجية لبلده ضعف نصيب المواطن الياباني. ثم أن شبكة المواصلات المصرية كانت أكثر تطوراً من نظيرتها اليابانية، فالسكك الحديدية كانت أكثر اتساعاً وشمولاً، والمجاري المائية – بفضل نهر النيل – وصلت جميع سكان القطر المصري تقريباً.
شهدت نفس الفترة فائضاً كبيراً في الإنتاج الزراعي أيضاً. فقد زاد معدل إنتاجية الفدان في الفترة من 1821م وحتى نهاية القرن أكثر من إثني عشر ضعفاً، فيما عانى اليابانيون من ندرة الموارد، وقسوة الطبيعة. كذلك كانت مصر في العام 1800م مجتمعاً حضرياً بامتياز، فمجموع سكان المدن التي يزيد عدد سكانها عن 5000 نسمة وصل إلى 150000 نسمة. والمعروف أن نجاح التحديث يعتمد على وجود قاعدة حضرية كبيرة. ولا ينبغي أن يغيب عن بالنا في هذا الإطار تمتع مصر بسلطة مركزية قوية، وتقاليد بيروقراطية راسخة منذ آلاف السنين، وهو بلا جدال شرط جوهري لنجاح أي مشروع تحديثي طموح.
لماذا فشل المصريون إذن فيما نجح فيه اليابانيون؟ الواقع أن عدة عوامل تضافرت لتسهم في قصة النجاح اليابانية، ولتخصم من رصيد مصر، وحظوظها في النجاح:
أولاً، موقع مصر الجغرافي المتميز في قلب العالم القديم كان وبالاً عليها، إذ تعرضت بسببه إلى موجات لا تنقطع من التدخل الأجنبي، بينما كان موقع اليابان في طرف الكرة الأرضية عاملاً مساعداً لها على إنجاز نهضتها في هدوء. لقد عاشت اليابان فترة امتدت لثلاثة قرون في سلام، ولذلك انخفض فيها معدل الإنفاق على التسليح، بينما اضطرت مصر تحت قيادة محمد على والخديوي إسماعيل إلى تخصيص ميزانيات ضخمة للإنفاق العسكري، جاءت دون شك على حساب عملية التنمية.
ثانياً، كانت معدلات التنمية البشرية في اليابان مرتفعة بشكل لافت في القرنين التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ففي عام 1907م، تجاوزت نسبة انخراط الأطفال في المرحلة الابتدائية 97%. في المقابل، وصلت نسبة الأمية في مصر في نفس العام إلى 93%. وتشير الأرقام إلى أن جميع مؤشرات الصحة العامة كمعدلات الولادة والوفيات كانت إيجابية للغاية، بالقياس للمعدلات العالمية وقتها. ويُلاحظ أن عدد سكان اليابان ظل ثابتاً عند حدود الثلاثين مليوناً لمدة تربو على المائة وخمسين عاماً، فيما شهدت مصر انفجاراً سكانياً أثر بضراوة على جهود التنمية. شهدت مسيرة التنمية أيضاً حضوراً قوياً للمرأة اليابانية، حتى أن عدد النساء العاملات في المصانع فاق عدد الرجال بحلول العقد الأخير من القرن التاسع عشر، أما حال المرأة في مصر وقتها – بل وحتى الآن – فلا يحتاج إلى تذكير.
العامل الثالث يرتبط باهتمامات الطلبة اليابانيين الذين ركزوا - كما أشار أستاذ الاقتصاد الراحل تشارلز عيسوي في أحد أبحاثه - على دراسة العلوم والرياضيات والفيزياء، فيما فضل أغلبية الدارسين المصريين دراسة الآداب والقانون. وبديهي أن الفجوة التكنولوجية الحالية مدينة في جزء غير صغير لذلك التوجه المبكر، والذي استغلته الحكومات اليابانية المتعاقبة لبناء قاعدة علمية، أدهشت العالم المتقدم نفسه.
إضافة إلى ذلك، تمتعت اليابان بدرجة عالية من التجانس الاجتماعي، فبفعل توحد اللغة والدين والعادات والنسق القيمي، انصهر اليابانيون في بوتقة واحدة، تندر فيها الشقوق والشروخ. ويروي التاريخ قصصاً كثيرة لبسالة مقاتلي الساموراي والكاميكازي، الذين ضحوا بأنفسهم من أجل رفعة مجتمعاتهم. ولعل نفس تلك الروح هي التي ساعدتهم على السمو فوق هزيمة الحرب العالمية الثانية المهينة، ومآسي هيروشيما وناجازاكي المريرة، لبناء بلادهم من جديد.
ليس كل الماضي تاريخاً، فسجلات كتب التاريخ لا تحتفظ إلا بالوقائع التي تستحق التسجيل، وأهم ما يُسجل في واقع الأمر هو ما يًمكن أن يفيد البشرية في حاضرها ومستقبلها. وفي العالم العربي اليوم، حيث يتزاوج الاستبداد والفساد بلا شرعية، فيما تنخفض معدلات التنمية البشرية إلى الحضيض، وترزح الشعوب تحت وطأة الفقر والجهل والمرض، نحتاج حقاً أن نعيد النظر في قصة النجاح اليابانية، لعلها تضيء لنا الطريق فيما ينبغي عمله، حتى نستعيد في القرن الحادي والعشرين ما أضعناه في القرنين التاسع عشر والعشرين.



#نايل_شامة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصر والنيل: الحياة والخطر
- السلطوية الفاشلة وكورونا: هل تخسر مصر معركتها؟
- ماذا أدرك حسني مبارك؟
- عن أشباه الدول في العصر الحديث
- لعنة إسرائيل الأخرى
- المجلس العسكري ومستقبل الديمقراطية في مصر
- مصر: أصنام سقطت، وأصنام تأبى أن تسقط


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نايل شامة - لماذا تخلفت مصر وتقدمت اليابان؟