أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 2














المزيد.....

بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6605 - 2020 / 6 / 29 - 20:54
المحور: الادب والفن
    


في السيارة، المتجهة شمالاً، أركبَ صالح إلى جانبه كبرى الأولاد، رودا، بينما امرأته والأولاد الثلاثة جلسوا في المقعد الخلفيّ. برغم ما حملوه من زاد معهم، فإنهم توقفوا في حمص لتناول الغداء في المطعم. بوصولهم إلى حلب مساءً، حلوا ضيوفاً على رجلٍ سبقَ وعهد إليه صالح قيادة الحافلة الكبيرة، التي اشتراها حديثاً لتسييرها على خط الجزيرة. هذا الرجل، وكان يدعى " عبده "، هوَ بالأساس من إحدى قرى عفرين لكنه عمل منذ شبابه في حلب كسائق. لقد تعرّفَ إليه صاحبُ الحافلة عن طريق " رشيد "، ابنُ صديق أبيه القديم، حنّان، الذي عمل في حياته مستخدماً في خانٍ على طريق الشام. رشيد، من ناحيته، خدم في سلاح الدرك بدمشق ثم تزوج ابنةَ موسي الكبيرة من امرأته الثانية؛ شقيقة صالح.
" هل تثق بالقرويين في المزرعة، وأنهم لن يمدوا أيديهم إلى أغراضنا؟ "، سأل صالحُ السائقَ. هذا الأخير، أغمض عينيه دلالة على الفهم ثم أجابَ: " بالطبع إنهم أمناء، مثلما أنهم يراقبون بعضهم بعضاً! ". السائق، سبقَ أن حمل في الحافلة أمتعة وأثاثاً من منزل معلّمه في دمشق، فأوصلها إلى المزرعة، الكائنة على طرف بلدة رأس العين ( سَري كاني ). على الأثر، تبادل صالح وريما نظرةً تعبّر عن الاطمئنان. آوى الضيوف إلى الفراش مبكراً، كونهم سيتابعون السفرَ في الغد إلى الجزيرة. صباحاً، اجتمعوا مع مضيفيهم على سفرة الفطور ومن ثم أسرعوا يتجهزون لمتابعة الرحلة. ريما، وكانت قد ارتاحت لامرأة السائق، طلبتُ منه في لحظة الوداع أن يصطحبها في إحدى المرات إلى المزرعة. رد الرجل مبتسماً، فيما يحدق ببطن امرأته الكبير: " بكل سرور، بعدما تضع وليدها ".

***
ملكية صالح الزراعية، كانت تقع على بعد عشر كيلومترات تقريباً من بلدة رأس العين. على عكس البلدة، التي مروا بها خطفاً للتمتع بمرأى مناظرها الطبيعية الخلابة، وجدوا المكان المفترض أن تبنى فيه المزرعة. لقد كان أشبه بخرابة، بالكاد يمكن تمييزه عن أكواخ القرويين الرثة. ما أن نزل الأولاد، فعرفوا أنهم وصلوا إلى نهاية الرحلة، إلا وصاحوا بصوت واحد وبنبرة استنكار: " هنا سنعيش؟ ". تجاهلهم الأب، ومضى بالسيارة كي يركنها في مكان ظليل. مع أن الوقت في أوان الربيع المبكر، سطعت الشمس بقوة في فترة الظهيرة. بينما الأولاد يركلون بحنق الأحجارَ ويدوسون على الأشواك، اتجهت ريما إلى البيت بغيَة تفقد الأثاث والأمتعة. كان ثمة حجرتان متلاصقتان، وحجرة ثالثة يبدو أنها تستخدم كمطبخ وحمّام. الأسقف كان خشبها جديداً، لكن لم تكن النوافذ قد رُكبت بعد.
" في الغد، سيأتي إلينا جيشٌ من العمال بما في ذلك حدادٌ ونجار "، قالها صالح بشيءٍ من الحرج إزاء نظرات امرأته. إذ حضرَ قبل أقل من شهر إلى المزرعة، وأشرفَ على بناء البيت بنفسه. ثم أردفَ، متقدماً خطواتٍ باتجاه الخارج: " سأجعلُ المكانَ نسخةً عن منزلنا في الشام، ولهذا السبب تجدين الأرض المخصصة للحديقة قد تم حفرها بعمق عدة أمتار. إذ سيُصعد منها إلى أرض الديار بوساطة سلم حجريّ من عدة أدراج "
" وهل يعرفون البلاط في هذه البقعة الريفية، النائية؟ "، قاطعته ريما بسؤالها. ابتسمَ وهوَ يخلع الطربوش الأحمر، لتجفيف رأسه من العرق بمنديل أخرجه من جيب سترته: " بالطبع لا يعرفون، لكننا مع ذلك سنتدبّر الأمرَ منذ الغد "، أجابَ في ثقة.

***
بالفعل، قدم ذلك الجيش الموسوم وكان على رأسه مشرفٌ، متوسط العُمر، عليه هيئة رجال الدين. " عشير " هذا، لاحَ كأنه معلّم بجميع الاختصاصات بما في ذلك أمور الزراعة. عند ذلك، شبّهته ريما بصوفيّ سوق بلدة ديريك؛ بحَسَب ما كان والدها يصفه. سرعان ما عقدت صداقة مع امرأة الرجل، وكانت هذه تكبرها ببضعة أعوام. كانت تُدعى " حَسّي "، سمراء بملامح غير متناسقة مع قصر في القامة. لكنها كانت شأن رجلها، شعلة من النشاط وعلى شيء من السذاجة. ولداها، وكان أحدهما في نحو التاسعة من عُمره والآخر يصغره قليلاً، دأبا على التباغض والمشاحنة مذ وصولهما إلى المزرعة. مع مرور الوقت، انفتح كلاهما على أولاد السيّد؛ وإن في تهيّب ورهبة بادئ الأمر.
" المنزل أضحى مقبولاً للسكن، أخيراً "، قالت ريما لرجلها وذلك بعد أسبوعين من حلولهما في المزرعة. ثم استدركت: " لكن علينا التفكيرَ الآنَ بمستقبل البنات، وكيفَ سنلحقهن بالمدارس ". بادر صالح من فوره للرد، وكأنما فكّر سلفاً بالموضوع: " ثمة مدرسة ابتدائية مختلطة في البلدة، يدرس فيها أبناء النصارى "
" هل ستُلحق بناتنا بمدرسة للنصارى، ومختلطة أيضاً؟ "، أوقفته ريما بهذا السؤال. رفع الرجلُ حاجبيه، ليجيب من ثم باستهانة: " إنهن ما زلن أطفالاً، يا امرأة ". واستطرد مبتسماً: " أم أنك وقعتِ تحت تأثير صوفيّ المزرعة؟ ". أدركت أنه يقصد ملا عشير، فبادلته الابتسام وقالت متنهدة: " ليت أنني أعرفُ تحت تأثير مَن وقعت أنت، لكي تأتي بنا من الشام إلى هذه البقعة النائية والمنسية؟ ". أطرق الرجل برأسه، ولم يُجب بشيء.
بناته الثلاث، كن يستقبلنه كل يوم حينَ يعود إلى البيت بالصراخ: " متى نعود إلى الشام، أبتاه؟ ". ثم يأخذن بشد شعر رأسه، فيما هوَ يقهقه بتسامح. قبل حلول الخريف بقليل، أفرحَ قلوبهن بعض الشيء حينَ أخبرهن بأنه سجلهن بمدرسة ابتدائية تقع في البلدة، وسيقوم يومياً بتوصيلهن في السيارة ذهاباً وإياباً.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الثاني عشر
- ثمنُ المكالمة
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثاني عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الثاني عشر
- بضعة أعوام ريما: الفصل الحادي عشر/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الحادي عشر/ 4
- بضعة أعوام ريما: الفصل الحادي عشر/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الحادي عشر
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل العاشر
- بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 3
- عصير الحصرم 78
- الباب الصغير
- بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل التاسع
- بضعة أعوام ريما: الفصل التاسع/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل التاسع
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثامن/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثامن/ 4


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: الفصل الثالث عشر/ 2