أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - أبق حيث الغناء 6















المزيد.....

أبق حيث الغناء 6


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 6605 - 2020 / 6 / 29 - 14:13
المحور: الادب والفن
    


توقعت أن يرحبوا بي بحرارة أو على أقل تقدير أن يتعاملوا معي كإنسان ظلمه وطنه. رأيت النظرات السخيفة كسخافتهم، والبائسة للكثير منهم، فيها حقارة وعدم اهتمام، وكأني وباء أو حامل لمرض الجذام أو أي مرض معدي، قسم كبير منهم بمجرد أن سمع باسم سجين سياسي بالقرب منه غادر الطاولة إلى طاولة أخرى، شعرت أنهم شعروا بالاشمئزاز والخوف وأنهم ثقيلي الدم، يفوح منهم رائحة الخراء، قلت لنفسي في تلك الساعة:
ـ هؤلاء نخبة المجتمع، ممثليه الحقوقيون الذين يدافعون عنه. إذا كان هؤلاء المحامون بهذه الحقارة فماذا نقول عن الناس العاديون أو البسطاء؟
شعرت بإحراج الأخ خليل أمام زملاءه وأمامي، وشعرت بالعار من نفسي ومن هذا الوطن المسمى سوريا الذي سجنت من أجلها، قلت لنفسي:
ـ لم نكسب أي شيء، لا المجتمع ولا الناس ولا الأهل ولا رفاقنا في السجن ولا زملائنا ولا اصدقائنا القدامى، لا في الداخل ولا في الخارج، بل هناك من الذين كنت أعول عليهم كثيرًا كانوا الأحقر والأحط إنسانية اللعنة عليهم واحد أثر واحد.
لقد خسرت وظيفتي ورواتبي طوال ثلاثة عشرة عامًا، وعمري ثم اتحول إلى نكرة أمام نفسي ومجتمع.
كنت اعتقد بمجرد أن أخرج من السجن سأرى الترحيب في عيون الناس، بيد ان هذا لم يحدث، كان وهمًا، بالعكس عندما كنت أركب سيارة تكسي في شوارع الشام ويبمجرد أن يعرف أنني كنت سجينًا، كان يزيد سرقته لي، ولم أر أي تعاطف من الذين رايتهم أو شرحت لهم وضعي، قلت لنفسي كلمات كثيرة رددتها في فضاء نفسي:
ـ من تحاربه السلطة، يتحول المرء إلى مكروه الأب والأم والأولاد، وتهرب منه النساء والجمال واللذة والفرح، ويصبح كائن منفصل عن مكانه، ويصبح إنسان مكروه، تخاف الحيطان منه، وتتبرأ منه الأنهار والجبال والسماء.
هناك من يتكلم عنه بالخفاء ويهرب منه، ويحسب ألف حساب لخطواته وعواقب هذه الخطوات.
في إحدى المرات دخلنا محلًا لصديق برفقة زوج أختي المقيم في السويد، بمجرد أن جلسنا، دخل عنصران من الأمن لهذا المحل، السوبر ماركت، أخرج الزبائن، وأردت الخروج، قال لي بلغة حازمة:
ـ أبق. أجلس على الكرسي، نريد التحث معك. نحن من الأمن السياسي، وعلى الجميع أن يخرج بما فيهم صاحب المحل. وأجلس زوج أختي أيضًا.
أول شيء طرحت عليهما سؤالًا:
ـ كيف عرفتما أننا هنا، لقد خرجنا من البيت قبل ساعتين والنصف الساعة، وتجولنا في السوق كله، هل كنتما وراءنا طوال هذه المدة؟
ـ نحن نعرف أين تذهب.
ـ أنا لا أصدق أنكما بهذه القدرة، هناك من أعطاكما شيفرة تحركاتنا لستم بهذا الذكاء.
ـ سنسألك بضعة اسئلة.
ـ ولماذا تبقون على زوج أختي محجوزًا، مشكلتكم معي؟
ـ نريد أن نطرح عليه بعض الاسئلة.
ـ هذا الشاب غادر سوريا في عمر سبع سنين ولا يعرف أي شيء عن سوريا. أطلق سراحه واسألني أنا.
ـ نريده
شعرت بأن هناك حالة استعراض مجانية فارغة، وأنهم كانوا يستطيعون المجيء إلى البيت، فلماذا هذه الحركات الخلبية؟ بيد أني بقيت مستغربًا طوال الوقت، ومضى مسؤول اللقاء يسألني تلك الاسئلة التافهة عن اسمي واسم أخواتي وأين يقيمون، وعن ظروفي وماذا أعمل وماذا سأعمل، قلت لهما:
ـ وماذا يهمكم هذه الأسئلة، كنت في السجن ثلاثة عشرة سنة، ثم تأتي بعد كل هذه السنوات الطوال لتركض من شارع لشارع ورائي وتراقبني لتطرح علي هذه الاسئلة الفارغة، تتناول أسمي وأسم أهلي واصدقائي، وتخرج الناس من المحل وتخيفهم، وتحولني إلى كائن مكروه وملاحق وتزرع الشك والرعب في نفوس الناس، يا لهذه الدولة الذكية، يا لهذا الذكاء الخارق، معقول أنكم تطرحون مثل هذه الاسئلة الفارغة وأنا كنت مسجونًا لديكم، طيب، ما دمتم حريصون على كل شيء، ماذا تفيدكم هذه الاسئلة الفارغة
ـ هي فارغة بالنسبة لك، أما بالنسبة لنا فهي مهمة.
وما هي أهميتها؟
ـ نحن نحدد ذلك.
بمجرد أن خرجا اتصلت بأبي، قلت له:
ـ هل سأل عني أي إنسان، صديق قريب أو بعيد؟
ـ لا لم يتصل أي إنسان ولم يسأل عنك أحدهم
بعد خروجي من السجن بأسبوعين، ألتقى بي أحد الأصدقاء، قال:
ـ رياض الترك سيأتي إلى الحسكة، يريد أن يلتقي بك. قلت له:
ـ لست جاهزًا لهذا اللقاء. لدي الكثير من الالتزمات، سأسافر إلى دمشق، لدي الكثير من اللقاءات مع الأصدقاء، مع أهل زملائي الذين ما زالوا في سجن تدمر، علي واجب لقاء أهلهم في دمشق واللأذقية وحلب والسلمية وبانياس من أجل إدخال الاطئنان في قلوبهم، لأننا كنا دون زيارة مدة خمس سنوات، ولولا وفاة حافظ الأسد لربما كنا سنبقى سنوات طويلة أخرى، وعند عودتي ربما نلتقي وربما لا.
ـ لقد ألح علي بلقائك، أن أخبرك. وها أنا خبرتك
ـ لن التقّي به، لست مضطرًا. الموضوع لايهمني. ممكن في المستقبل التقّي به كصديق وسجين سابق.
في اليوم الثاني مساءً ذهب نجيب إلى عمله، نزلت إلى الطرف الأخر من الحي واتجهت نحو حدائق الملك عبد الله، وانتظرت في محطة حافلات النقل الداخلي، وبمجرد أن وصلت حافلة ركبتها لاتعرف على معالم عمان، والمسافات القصيرة والطويلة بها.
كان الليل في بدايته، ركبت إلى جانب السائق، وفي هذه الأثناء كان الإعلام العالمي بدأ يمهد الطريق لاحتلال أفغانستان، ويشير إلى بعض الدول الذين وراء التفجيرات التي طالت منظمة التجارة العالمية، قلت لنفسي:
ـ سيوجهون التهمة للعرب والمسلمين، للقاعدة، لصاحبه أسامة بن لأدن، لأن هناك اتهامات له بأنه الذي فجر المدمرة الأمريكية يو إس إس كول في الثاني عشر من أكتوبر العام 2000، أي قبل أقل من سنة من هذا التاريخ، وهناك شبهات كثيرة تدور في هذا الاتجاه. وكنت اقرأ عن كتاب صراع الحضارات أو صدام الحضارات لصاموئيل هنتغتون الذي صدر في العام 1996 وتبنته وزارة الخارجية الامريكية، وتصنيفها الحضارات التي تهدد الحضارة الغربية إلى ثمانية وأولها الحضارة الإسلامية.
التوجس والقلق سيطرا علي من هذه الأنباء، وتملكني الخوف من المستقبل. إذًا هناك صناعة عدو، نحن أولهم، وسيمتد إلى عشرات السنين. وربما يؤثر على مصيري في الأردن
كان الركاب ينزلون من حافلة النقل الداخلي بهدوء، في المحطات المخصصة لها، وكنت التفت بين الفينة والأخرى إلى الوراء، مستغربًا من تناقص الركاب دون أن يدخلها ركب جديد، طرحت على السائق سؤالًا عن عمان:
ـ ما سر هدوء الناس في الأردن؟ حركتهم بطيئة، ولا يبتسمون؟
لم يبتسم السائق، ولم يثره السؤال:
ـ الأخ من سوريا؟
ـ نعم.
ـ ولماذا تريدهم يبتسمون، الرجل لا يبتسم؟
ـ يشعر المرء القادم إلى هذا البلد أن هموم العالم كله على كتفيه.
ـ وهل الإنسان السوري يبتسم؟
ـ تشعر في ملامحه الإنسان في بلدنا أنه نشيط ومرح ومرن، ويبتسم وفيه حيوية.
ـ حياة الأردني صعبة، موارده قليلة ودخله قليل.
ـ تحمل الناس في سوريا أضعاف ما تحملته البلدان العربية، مع هذا لا أراه مستكينًا، بل واثبًا.
ثم طرح علي سؤالًا:
ـ هل سمعت بالطائرات التي فجرت المباني؟ قلت له:
ـ نعم، سمعت عن الأحداث من صديق لي، لم أرها في التلفزيون. ربما سيحتلون أفغانستان أو العراق، وأظن أن الإتهام سيوجه لنا، للعرب. وسيدمرون المنطقة. الولايات المتحدة تملك أقوى جيوش العالم وأكثرها فتكًا. وستحول شعوبنا إلى بدائية.
ـ ماذا تقول، وهل تعتقد أن الأسلحة تستطيع أن تهزم العقيدة؟
ـ نعم، تستطيع.
ـ اسكت يا رجل. اسكت. لا شيء يستطيع أن يهزم العقيدة. وسترى كيف سينتصر الإسلام على العلم والولايات المتحدة.
لم أتكلم، صمت. قلت في نفسي:
ـ لقد وضعت نفسي في مكان لا أعرفه، ومن الواجب أن لا انخرط في هكذا حديث مجاني مع إنسان لا أعرفه، شبه جاهل. كما لا أعرف رد فعله، ومدى تقبله كلامي. انا في دولة، الأردن، لا أعرف الكثير عنها، جئته قبل يومين أو ثلاثة.
ليست مسؤوليتي أن أزعز إيمان هذا الرجل البسيط، قدرته على العيش تكمن في إيمانه بربه. علي أن لا أدخل الشك إلى قلبه. ليس مهمًا الدخول في حوار مع إنسان أمي سياسيًا، لا يملك ثقافة أو وعيًا بقضايا السياسة العالمية. إنه جاهل طالما كان تفكيره كله يتمحور حول الدين.
في اليوم الثاني، مضى نجيب يأخذني معه ليعرفني على عمان، على المولات، الشوارع الكبيرة، المحلات العامة، الصيارفة، بائعي الهواتف المحمولة، محلات الثياب، ومحلات السيارات الجديدة، صالونات الحلاقة، أحياء عمان المترامية الأطراف على جبالها الكثيرة.
ثم ذهبنا إلى محل لشراء اللحمة، اشترينا من اللحام ما نريده، وبصل وبقدونس وبندورة، جهزنا وجبة الغذاء، وجلسنا فوق السطح نشاهد عمان الجميلة الساحرة.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبق حيث الغناء ـ 5 ـ
- أبق حيث الغناء 4
- أن تقرأ لوليتا في طهران
- أبق حيث الغناء 3
- روائح عنبرية
- أبق حيث الغناء 2
- الرجوم
- رقص منفرد على الجمر
- أبق حيث الغناء 1
- كل البشر كاذبون
- المكتبة في الليل
- الساعة الخامسة والعشرون
- اعترافات خارجة عن الحياء
- اللهب المزدوج
- عزلة صاخبة جدًا
- مذكرات نعيم أفندي
- الراقدة على الصليب
- في البادية السورية
- التمرد 5
- التمرد 4


المزيد.....




- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - أبق حيث الغناء 6