أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - التجاني بولعوالي - هكذا أنصف تودوروف الإسلام والمسلمين!















المزيد.....

هكذا أنصف تودوروف الإسلام والمسلمين!


التجاني بولعوالي
مفكر وباحث

(Tijani Boulaouali)


الحوار المتمدن-العدد: 6603 - 2020 / 6 / 27 - 04:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن النظرة إلى كل أجنبي عن الحضارة الأوروبية والغربية على أنه بربري، وأن الإنسان الأبيض أفضل من الإنسان الأسود أو الأحمر، وأن الثقافة الأوروبية متحضرة وغيرها متخلف، هي في الحقيقة أحكام مسبقة وصور نمطية تكاد تنقلب إلى مسلمات في التاريخ الأوروبي، ويسعى المفكر تزفيتان تودوروف في كتابه الماتع "الخوف من البرابرة" إلى تقويض الكثير منها عبر مساءلة العقل الأوروبي بتجرد علمي وصراحة صادمة، وهو يثبت بأنه ليس ثمة ثقافة متوحشة في حد ذاتها، وأن أي ثقافة لا تظل دوما متحضرة. كما أن الذي يثمن التعامل على أساس أخلاقي متحضر لا يمكن أن يسكنه الخوف من البرابرة، وهو يقصد بذلك الغرب الذي يعبر دوما عن خوفه من الآخر البربري، وما هذا الخوف إلا انعكاس لتعامله اللا متحضر مع من يسميهم البرابرة!
وقصد استيعاب هذه الرؤية ينبغي التريت عند تعريف تودوروف لمصطلح البربرية (أو الوحشية والهمجية). فبعد تفكيكه لمختلف معاني هذا المصطلح، ارتأى أن يعتمد المعنى الذي مؤداه أن البربرية هي إنكار (عدم الاعتراف) الإنسانية الكاملة للآخر. ويعود أصل هذا التعريف إلى اليونان، حيث كان يُطلق البرابرة على من ينكر إنسانية الآخرين الكاملة، وهذا هو الفارق الجوهري بينهم وبين الغير، فهم يخرجون بذلك الآخر من دائرة الإنسانية.
ثم إن تودوروف يعتقد أن مقياس التحضر يتعلق بطبيعة سلوك الناس وليس بإنتاج المنتوجات الثقافية والآليات التكنولوجية، لأنها ترتبط بالرفاهية وليس بالفضيلة والأخلاق. ويدعم تفسيره هذا بوقائع من التاريخ الأوروبي كالإبادة الجماعية التي تعرض لها اليهود على يد النازية، والقنابل الذرية التي راح ضحيتها الأبرياء، ليؤكد بأن الوحشية أو البربرية انبثقت من قلب الحضارة الأوروبية، وهكذا يفند حجج أولئك الذين يرون أن الغرب متفوق على أساس ما هو ثقافي.
هذا إن عبر عن شيء، فإنه يعبر عن أن تودوروف يظل كعادته متمسكا بمبضع النقد التاريخي، وهذا ما يسلكه في هذا الكتاب حيث يخلخل العديد من المفاهيم والمسلمات الغربية المتداولة في السياسة والإعلام. وهو يرى أن القيم الإنسانية كالحرية والمساواة والعلمانية وحقوق الإنسان التي تتبجح بها الأنظمة الغربية لا يمكن أن تُنزل على أرض الواقع عن طريق الإكراه. فإذا كان الغرب يريد فعلا تحقيق هذه المبادئ، يجب عليه أولا أن يبدأ بسحب جيوشه من أفغانستان والعراق، وغلق السجون والمعتقلات السياسية، ودعم الفلسطينيين لإنشاء دولتهم المستقلة. وحتى يتسنى لنا توجيه اهتمام شعوب هذه البلدان إلى قضاياهم الداخلية، ينبغي رفع مختلف الأسباب الخارجية عنهم، التي يعتبر الغرب هو المسؤول عنها.
وعلى النحو نفسه، يمضي الكاتب في معالجته لعلاقة الإسلام بالغرب، إذ يمكن اعتبار كتاب الخوف من البرابرة شهادة إيجابية أخرى في حق الإسلام، خطها قلم مفكر غربي من العيار الثقيل لينصف بها المجتمع الإسلامي الذي يتعرض منذ عقود لضربات الإعلام والسياسة. وتعتبر هذه الشهادة سيفا ذا حدين؛ أولهما يحمل ردا مفحما على صناع نظرية الصراع الحضاري ومروجيها وداعيمها، من أمثال هانينغتون وبرنارد لويس وفالاشي، الذين يرون في الإسلام خطرا أخضر وتهديدا "بربريا" يحدق بالمجتمعات الغربية المتحضرة، لذلك يتحتم اجتثاث الجذور التي تُغذي ذلك التهديد عن طريق مختلف آليات المواجهة الحادة والمحتدمة. وثانيهما يرد الاعتبار للإسلام دينا وأتباعا. يقول تودوروف في هذا الصدد: لقد تم اختزال المسلمين الذين يصلون إلى المليار نسمة ويسكنون في عشرات البلدان في الإسلام فحسب، (وهو يقصد بذلك البعد الديني دون غيره من الأبعاد) كأن المسلمين مختلفون كليا عن الشرائح الإنسانية الأخرى، ولا يمكن فهم سلوكاتهم إلا من خلال نظارة الدين. ثم إن الإسلام يُختزل كذلك في الإسلام السياسي والإرهاب، فابن لادن يعبر بشكل أقل عن حقيقة الإسلام، بالضبط كما يعبر هيتلر عن حقيقة الغرب، بل ويعبر عن ذلك أقل بكثير من المسلمين كلهم. ثم يستطرد مؤكدا أنه لا داعي لهذه الهجمات على الإسلام، فهي غير ضرورية إذا كنا نطمح إلى الاندماج في مسار الديمقراطية، كما أنه يكفي أن نفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي، هذا الفصل الذي ليس بغريب عن الدين الإسلامي. وأكثر من ذلك، فإن القرآن يتضمن العديد من النصوص التي لا تتعارض والديمقراطية.
ولا يقف تودوروف عند هذا الحد، بقدر ما يشير إلى أنه يمكن المراهنة على فئة مهمة داخل المجتمع الإسلامي، تدعو إلى إسلام منفتح ومتنور يستثمر مختلف الإمكانات النصية والثقافية والاجتماعية التي تحض على التسامح والاحترام والحوار. فهو يستكنه أن الإسلام ليس واحدا، وأنه لا يمكن اختزال كل المسلمين في كتلة متجانسة. حقا إن خطر التعميم وارد، غير أن الدلائل التاريخية تفند ذلك من الأساس، إذ أنه سبق للمسلمين أن استقروا في الكثير من البلدان غير الإسلامية، فتفاعلوا مع القوانين المعتمدة هناك واحترموها دون أي مشكل.
خلاصة القول، إن كتاب الخوف من البرابرة يستحق وصفه بـ "القيم"، لأنه يعتبر من الدراسات العلمية النادرة التي اشتغلت بجرأة نقدية على النرجسية الغربية، فعملت على تشريح مختلف قضاياها، سواء على المستوى التاريخي الممتد من المرحلة اليونانية إلى العصر الحديث، أم على المستوى الواقعي بما ينطوي عليه من إشكالات ويسفر عنه من مستجدات، وقد حظي الإسلام بحيز عريض عبر معظم فصول ومباحث وفقرات الكتاب، ما دام يشكل اليوم الهاجس الأكبر الذي يشغل بال الدوائر السياسية والإعلامية والأكاديمية الغربية، إلا أن تودوروف لم يؤول الإسلام على أنه مدعاة للخوف، بقدر ما دعا إلى التعامل بموضوعية مع المكون الإسلامي داخل المجتمعات الغربية، فأنصف بذلك الإسلام والمسلمين في أكثر من مناسبة وموضع، وهو يركز على الدور الحضاري الذي أداه الإسلام ولا يمكن إنكاره أو تجاهله، كما يتضح من خلال الفقرة الآتية التي يرد فيها على بابا الفاتيكان السابق: "إن الفضل يرجع إلى ابن رشد وغيره من العلماء المسلمين في نقل تراث الفكر اليوناني إلى اللاهوتيين والفلاسفة الأوروبيين، وخصوصا توما الإكويني الذي وفق في القرن الثالث عشر ما بين الفلسفة (الأرسطية) والدين (المسيحي). إن بنيديكتوس السادس عشر (يقصد البابا) يستلهم توما الإكويني، غير أن توما الإكويني لم يكن يجهل ابن رشد المسلم".



#التجاني_بولعوالي (هاشتاغ)       Tijani_Boulaouali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أي تفسير هو الأنسب لوباء كورونا؟
- أيها المسؤولون.. رفقا بإعلامنا المحلي؟
- درس -داعشي- عارم يبعثر أوراق الغرب بخصوص ظاهرة الإرهاب
- نحو مقاربة أخلاقية لظاهرة إهدار الغذاء
- مغاربة هولندا يعززون حضورهم في البرلمان الهولندي
- الحكومة المغربية بين غموض الأداء ومنطق الإرضاء
- حلقة دراسية حول سبل معالجة الصور النمطية
- السيناريو السوسيو – اقتصادي هو الحل
- الدسترة الجزئية والمشروطة للغة الأمازيغية
- الحركة الاحتجاجية بالمغرب ورهانات التعديل الدستوري
- إطلاق الجائزة الأدبية في صنفي الشعر العربي الفصيح والأمازيغي ...
- أي موقع للمهاجر المغربي في مشروع الجهوية الموسعة؟
- سقوط آل القذافي.. واسترداد الحلم الليبي المغتال
- خيوط لفهم معادلة الثورة المصرية وسيناريو المرحلة القادمة
- الدرس التونسي والامتحان المصري
- محددات العلاقات المغربية الإسبانية وتحدياتها
- العرب ومسألة القراءة!
- إعلان أُنفيرس حول مكانة الإسلام في أوروبا الجديدة
- أزمة الحكومة أم حكومة الأزمة في هولندا؟
- مغاربة هولندا وسلاح الاندماج الرياضي


المزيد.....




- إزالة واتساب وثريدز من متجر التطبيقات في الصين.. وأبل توضح ل ...
- -التصعيد الإسرائيلي الإيراني يُظهر أن البلدين لا يقرآن بعضهم ...
- أسطول الحرية يستعد لاختراق الحصار الإسرائيلي على غزة
- ما مصير الحج السنوي لكنيس الغريبة في تونس في ظل حرب غزة؟
- -حزب الله- يكشف تفاصيل جديدة حول العملية المزدوجة في عرب الع ...
- زاخاروفا: عسكرة الاتحاد الأوروبي ستضعف موقعه في عالم متعدد ا ...
- تفكيك شبكة إجرامية ومصادرة كميات من المخدرات غرب الجزائر
- ماكرون يؤكد سعيه -لتجنب التصعيد بين لبنان واسرائيل-
- زيلينسكي يلوم أعضاء حلف -الناتو- ويوجز تذمره بخمس نقاط
- -بلومبيرغ-: برلين تقدم شكوى بعد تسريب تقرير الخلاف بين رئيس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - التجاني بولعوالي - هكذا أنصف تودوروف الإسلام والمسلمين!