أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم مكاوي - وقت مستقطع















المزيد.....

وقت مستقطع


عبد الرحيم مكاوي

الحوار المتمدن-العدد: 6602 - 2020 / 6 / 25 - 21:31
المحور: الادب والفن
    


هو، واحد من الناس، في أواخر العشرينات من عمره. واقف بجانب كرسي يتسع لشخصين في إحدى الأماكن العمومية، في الهواء الطلق يستهلك سجائر الإنتظار، السيجارة تلوى الأخرى. و بينما ينظر إلى ساعة هاتفه المحمول يقول مع نفسه في صمت :" يعني هل المرأة لا تستطيع أن تكون مرأة إلا إذا تأخرت أم ماذا ؟".
هي، واحدة من الناس، في منتصف العشرينات من عمرها، لديها موعد معه. إنّها قادمة على بعد حوالي مئة و خمسون متر من مكان وقوفه، " جميلة هي حتى عندما تمشي بسرعة واحد كيلومتر في الساعة" يقول هو مع نفسه في صمت .
وصلت هي عند هو. وبعد اللّحظات التي بدت له أعوام من إنتظار وصول التي هي جميلة حتى عندما تتأخر. واقفين بجانب الكرسي مقابلين بعضهما البعض، هو ينظر إلى أثرٍ يعود لجرح عميق و قديم على جبهتها، ذلك الأثر الذي يحكي عن جزء من حياتها، ذلك الأثر الذي زادها نصف الجمال فوق جمالها حتى أصبحت جميلة و نصف .
واقفين بجانب الكرسي مقابلين بعضهما البعض، هو فرحان، وهي خجلانة.
ــ هو : ألم أخبركِ في المرّة الماضية بأن لا تلبسي ثانيةً هذا الحذاء ذو الكعب العالي ؟
= هي : بلى ، لقد أخبَرْتني ، و أنا أيضا لا أحب هذا الحذاء. ولكن ، لقد تمزق حذائي الشتوي الآخر الذي لا يحتوي على كعب، فلم أجد إلا هذا الذي أرسلته لي عمتي التي تقيم في فرنسا، إنّ عمتي العانس ترسل الهدايا حسب ذوقها الخاص و الذي يتعلق دائما بالموضة و الأغلى ثمنًا.
ــ (لم يجد ماذا يقول و يكاد مخه أن ينفجر، و لم يفهم أين هي المشكلة بالتحديد؟ رغم أنه يعرف أين هي بالتحديد)
= هل تأخرت عليكَ كثيرا ؟
ــ إجلسي ، أو .. لا تجلسي .. ، أنا أقصد هيا لنذهب إلى تلك الكافِتيريا.
الجو مشمس لكنه بارد قليلا. بدءا يتمشيان بينما يمرّان على رَجُل عجوز جالس يرمي فتات الخبز ليطعم الحمام، و في بقية أنحاء العالم حروب تملأ الأرض و ضيق فيه لن نرضى، و بينما خجلانة تمسك بذراع فرحان، سينما الحياة مستمرة.. .
وصلا إلى تلك الكافتيريا الهادئة نوعا ما. يجلسان في طاولة في إحدى الزوايا المفضلة عندهما حيث تبدو لهما مثل طاولات آخر القسم أيام الدراسة، لكن هذه المرّة يجلسان مقابلين بعضهما البعض، و فوق الطاولة يوجد فنجانين من القهوة الساخنة، و كأسين من الماء، و منديلين أبيضين، و محفظتها، و علبة سجائره، و منفضة سجائر رخامية مربعة الشكل سوداء اللّون .
ــ (ساكت يبحث عن كلمات ملائمة ليبدأ بها الحديث ، بل كلمات و فقط )
= هل أنا مخطأة في شيء ما ؟
ــ صوتكِ جميل
= (تبتسم و لم تستطِع أن تنطق)
ــ أنا لم أقصد أن أخجلك
= (اِزدادت خجلا)
ــ (يقول مع نفسه في صمت) "عليها اللّعنة، جميلة هي حتى عندما تكون في صراع مع خجلها اللّعين"
أشعل سيجارة، ثم نظر إلى الساعة في الهاتف المحمول و وجدها تشير إلى الرابعة و النصف عصرا، ثم قام كلاهما بالصمت لحوالي سبع دقائق، ثم بعد ذلك اِستأنفا حديثهما ..
ــ (وهو يبتسم) أرأيتِ ؟ ، لقد قمنا بِسبع دقائق صمت
= (وهي تبتسم أيضا) نعم، ربما كان ذلك من أجل ضحايا الحرب .
ــ (وهو يضحك) نعم ، لقد بدأنا بالصمت كأنّنا سنبدأ في لعب مباراة خيرية لمساعدة عائلات الضحايا، لكن من أين تأتين بهذه الأمثلة الحيّة ؟
= (تضحك بخجل كبير)
ــ أيتها .. .
يتحدثان و يضحكان بهمس، و يبدوان في سعادة كبيرة الآن حتى أصبح الوقت يشعر بعدم الوجود بينهما، فأخذ يحاول أن يفرض نفسه بينهما باِستخدام القوة، أو بالأحرى باِستخدام السرعة.
صاحب الكافتيريا يُكثر من وضع " الموسيقى الهادئة، المقطوعة رقم 20 " لفريدريك شوبان، و كأن صاحب الكافتيريا تلك خبير في الموسيقى التصويرية . كما أنّ جلّ مصابيح المحل لها أضواء خافتة تجعل المكان شبه مُظلم و شبه مُضيء، بينما سينما الحياة مستمرة .. .
ــ (يحاول أن يبدو مازحًا) تخيلي لو كان النّظر يعيش بدون عينيك ؟
= هل تقصد بدونك ؟ لا ، لن يكون له معنى
ــ (ينظر إلى جفنيها) هل تعلمين بأنك ساحرة ؟ و لقد صدق محمود حين قال : "على هذه الأرض ما يستحق الحياة" حتى و إنْ صدق حين قال : "لا شيء يعجبني"
= محمود من؟
ــ محمود درويش
= لماذا حين تتكلّم عن الشعراء تناديهم بأسماءهم دون ألقابهم مثلما يتكلّم واحد من الناس عن أصدقاء طفولته ؟
ــ ربّما هي هكذا الصداقة التي بين الشعراء
= جنونكَ
ــ عيناكِ
أشعل سيجارة، ثم صمتا بضع لحظات، ثم بعد ذلك اِستأنفا حديثهما..
ــ و لكنّ أحلام الشعراء قد لا تقوى دائما على الوقاية من البرد، و أنت تعلمين ذلك
= أنتَ تجعلني ..
ــ (يقاطعها) لا أنا أجعلكِ و لا هم يحزنون، و لا تكملي الكلام و جفنيك ذابلين هكذا لأنّهما يجعلانني سكران، و السكران لا يقوى على إخفاء الحقيقة. سنكمل حديثنا هذا لاحقا لأنّ الساعة الآن تشير إلى السادسة مساءًا ، و يجب علينا أن نُسرع قليلا لكي لا يلحق بك الظلام قبل وصولكِ إلى بيتكم.
= حقا إنّها السادسة ؟؟
ــ نعم
= لقد مضى الوقت بسرعة
ــ لو كان الوقت رجُلاً لقتلته ، هيا بنا
= أراك تغار عليَّ حتى من الوقت؟
ــ هيا بنا إنّه وقت.
و بعد أن أنهيا ترتيب أمورهما يغادران الكافتيريا، و في بقية أنحاء العالم حروب تملأ الأرض و ضيق فيه لن نرضى، بينما خجلانة تمسك بذراع فرحان يتمشيان ذاهبين إلى محطة الرّكاب، و هناك سيأخذ كل واحد منهما طريقه .. و سينما الحياة مستمرة .. .
إستفاق من نومه، فوجد نفسه مستلقي على سريره الإنفرادي في الغرفة، ثم إلتفت جانباً و عيناه بالكاد تعرف ما يراه، أمسك هاتفه المحمول و نظر إلى الساعة فوجدها تشير إلى السادسة مساءا، الجو مشمس لكنّه بارد قليلا، ثم قال مع نفسه بصمت: " اللّعنة على أحلام القيلولة، لا تقوى حتى على الوقاية من البرد بعد الإستيقاظ من النوم بعد العصر، كانت فتاة جميلة حتى و لو جاءت حافية القدمين، لكنّه البرد، و كانت جميلة حتى عندما تتأخر، لكن لو كنتُ أدري أنني داخل حُلم لاِنتهزتُ الفرصة أكثر، و أقبّلها من ذلك الأثر على جبهتها الذي جعلها جميلة و نصف، لعلّ ذلك يدفئها، إذا لم تمُت خجلاً ".



#عبد_الرحيم_مكاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما يرويه التراب للتراب
- حديث يضمّ في حديث (قراءة في بعض قصص حازم شحادة)
- جيم جارموش يصوّر مذكراته السينمائية .. الموتى لا يموتون
- جمع الشامي على المغربي .. سينمائيًا


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الرحيم مكاوي - وقت مستقطع