أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد حسن - البئر (قصة قصيرة)















المزيد.....

البئر (قصة قصيرة)


محمد عبد حسن

الحوار المتمدن-العدد: 6602 - 2020 / 6 / 25 - 10:51
المحور: الادب والفن
    


بدت الطرق أمامي سوداء، بمستطيل أبيض يرسمه الضوء المتسلل من الباب الموارب حيث يبدو جسدي كمارد جبار وسط بقعة ضوء جثة هائلة، ساقان قصيرتان، والرأس يتحدب لا يكاد يبين بين الأكتاف المرتعشة.
أستدير، تصغر جثة المارد، يلتهمها الضوء، تتحول مع الأرجل إلى مجرد خط معتم وسط مستطيل مضاء بدأت كل من زواياه المتقابلة تضيق وتتسع. اختفى، واختفت معه بعض معالم كان الضوء المتنفس يكشفها: نافذة واطئة، صفيحة قمامة، بركة ماء قذر، جثة جرذ كبير يتشممها قط أسود.
أتكأ ريثما أتبين معالم طريقي. تسربت برودة الطين إلى كتفي، تتسلل إلى ظهري، تحتل ساقي، وسطي، أرتجف. استحضر المعالم، أحدد الانعطافات. الشجرة بجذعها الهائل، أتركها على يساري، أتوغل. أترك القرية خلفي: الجدران الطينية الراكعة ، سيقان الرجال المشمرة ، الملامح المختفية خلف (الفوط) و(اليشامغ)، الهموم المزمنة، ترسبات ماض سحيق، روائح بخور أطعمة فاسدة ، أجساد تنضح عرقاً. أتركها خلفي، تلوك أيامها متخلقة حول مواقد يجعل الدخان المتصاعد منها العيون تقطر والأنوف ترشح السعال يطغي على لغط الهمهمات المكبوتة. أتركها خلفي. أكتشف طريقي بصعوبة ٍ. القرية تغيّرت. شوارع جديدة فتحت، أكواخ ثم أخرى حشرت وسط أكواخها المتداعية/ بيتٌ تهدّم. أسمعهم يتحدثون. أركض لأرى السلسلة التي تربطني إلى الجذع المتيبس وسط الباحة لا تسمح لي بالابتعاد. أستدير، أرى القفل الكبير الصدئ، وأراها: تجلس بباب غرفتها تنظر إليّ وعيونها تقطر.
***
- ألم يتحسّن؟
- ما زال، كما ترين، على حاله. ولولا أني أربطه لما استطعت حتى أن أهيئ له لقمة.
- كل هذا بسبب البئر، يقولون أنه كان يذهب كثيراً إليها، يذهب وحده!
- كنتُ أراه يخرج إلى البئر. إلى غيرها، لا أدري.
- البئر مسكونة.
- وعندما يعود كان ينام مباشرة دون أن يقول أو يأكل شيئاً.
- الله يشفيه. زوجي يقول: إنك أصبحتَ رجلاً لكثرة الشعر على جسدي
- تعالي إلى الداخل
- لا.. هنا أحسن، الضوء غزير وسترين أفضل.
- لأحكم غلق الباب.
***
دون أن أشعر وجدتُ نفسي أقترب من المقبرة. كنت وسط الطريق بين كومة البيوت والقبور: طريق ترابي عار، على اليسار.. كان التراب وحده، فيما يبدو صف أشجار نخيل يحرس ضفة النهر، على اليمين. بدت القبور قبراً واحداً بقبّة خضراء كبيرة في الوسط. مع اقترابي تنفصل بشكل صفوف. اقترب، يستقلّ كل منها عن الآخر. أقترب. تتضح حدودها، ألوانها حجوم الشواهد، خضرة القبة الداكنة بهلالها الصدئ ومصباحها المحطم. دخلت مجتازاً خطاً من سعف يابس مغروز في الأرض بسور المقبرة. دخلت من الباب: فتحة وسط السور، ومع دخل كلب أبقع عبر شق في السور السعفي لم أتبين مكانه. رأيته يقفز إلى الداخل. وقفت. كان يرفع رجله ويبول. أحسست بامتلاء مثانتي، (للمقابر حرمة) .. كانت أمي تقول (الموتى يعيشون في مملكة الله). مسحت أسفل بطني براحتي ثم أمسكته. تسربت قطرات بول على فخذي. الكلب يبتعد عن الزبد الذي غطّى بقعة البول. أرسلت عيوني باتجاهه حتى اختفى وسط القبور. أرخيتُ قبضتي عنه. أخطو إلى الزاوية .. أقصى اليمين، حيث الغرفة الطابوق بقفلها الكبير المتدلّي على الباب الحديد/ كان التابوت يبتعد متأرجحاً فوق الأكتاف. القرية أمامي غائمة. ضباب يحجب عني البيوت، يغيّب الأزقة الموحلة ، يمحوها. وجدتُ البيت بصعوبة. ابتسمتْ ، كانت، وهي تحدثني تستر جسدها بالباب: غير موجود. أدخل المفتاح. قلتُ له. غابت قليلاً، ثم قدّمتْ لي المفتاح بوجه ٍ ميت/ والبئر بسوره الطابوقي المغطّى بأملاح بيضاء، أسندت ظهري إليه، كنتُ ألهث، مثانتي تكاد تنفجر، اتجهتُ خلف الغرفة لأبول.
***
- هل انتهيت من الرقبة؟ يبدو هادئاً ؟؟
- نعم. بقي زغبٌ ناعم على الصدر. أمام الغرباء يبدو هادئاً. أزخِ الثوب عن كتفيك، وعندما أحضر له كتاباً
- أخشى أن أثيره. هل مازال يقرأ؟
- لا.. لا تخافي. لم يعد يعرف أو يحسّ شيئاً. أحياناً، عندما يثور أحضر له كتاباً.
- إلى هنا؟
- آسف قليلاً. أعطيه واحداً، يقلبهُ ثم يرميه. أحضر له آخر إلى هنا يكفي. آخر حتى أحصل له على واحد يلهيه النهار كلّه. زوجك محق. منذ متى لم تأتني؟
- فترة طويلة. لقد تغيّر.. تغيّر كثيراً !
- مَنْ ؟ زوجك ؟
- لا ، هو !
***
أزحت الغطاء عن رأسي فأبصرت حزم القصب المتراصة فوق خشب (الجندل). دعكت عيني. الغرفة لا أكاد أعرفها، تبدو واسعة مظلمة كانت غرفتي، بنافذة واحدة أوصلتها قبل أن أنام. أتذكر ذلك وهذه لا نوافذ فيها أو خالية إلا من صندوق ٍ حديدي أزرق. كنتُ أملك واحداً أزرق في غرفتي، ولكنه ليس كبيراً كهذا! تلمسّت عيني. رأسي. جسدي. كنتُ واقفاً قرب الصندوق ورائي يكاد يخترق السقف. فتحتهُ. وجدتهُ مليئاً بالكتب: كتبٌ كثيرة. أغلفة ملونة ممزقة. أوراق صفر. نهضت متجهاً إلى الباب. لا بدّ أن شيئاً ما تغيّر. قوة ما حملتني إلى هنا. كان واطئاً. عليّ أن أحني قامتي وأخرج! يا إلهي لم أكن أفعل ذلك. كتفي تلامس عارضة الباب العلوية. رأسي بمواجهة الجدار الطيني المتشقق. خطوات.. رأسي يخترق الجدار. الباحة الخلفيّة خالية إلا من كومة ثياب سود وجذع متيبس هناك.. في طرفها البعيد. كنتُ محتاجاً لإفراغ أمعائي ومثانتي. استحيتُ أن أسألها. اقتربتُ من الكتلة السوداء. وجدتها أمي. سألتها. وقفت تنظر إليّ ثم دلتني بأصبعها. لمْ تقلْ شيئاً، أو ربما قالت ولم أسمعها. عادت تكنس، وعندما خرجت، اقتادتني إلى الجذع المتيبس،، قربه سلسلة غليظة بقفل كبير صدئ. أخرجتُ المفتاح. ربطتني إلى الجذع. حاولتُ أن أكلمها. لساني قطعة حديد. صرختُ، صوتي علاه الصدأ. خرجتْ من باب مظلم في الركن تحمل طبقاً. قدمتهُ لي. التهمته. رميتها به. تهشّم. جمعتُ حطامه وهي تنظر إليّ. شفاهها تتحرك. ألقتها في الخارج وعادت بصحبة امرأة لا أعرفها.. نعم لا أعرفها.
أحسّت بالخجل من تطلعها إليّ، مربوطاً بالسلاسل كالمجنون. جلست ساكناً. جلستْ. أغلقت أمي الباب بالرتاج وغابت في إحدى الغرف. عباءتها مكوّمة بحضنها، تنظر إليّ. ساكناً كنتُ. ألتهم استدارة الوجه، تكوّر النهدين. أفخاذها كالمرايا، فتحتهما. كانت تتحدث إلى أمي. تنظر إليّ بين فترة وأخرى. وأنا أنظر إليها الوقت كله وجسدي كالعظم.
***
- قالوا: خُذيه إلى قبر السيد. اربطيه إلى الضريح
- وأخذته؟
- أخذتهُ. وما أن اقتربنا من المقبرة أفلت من يدي راكضاً إلى البئر ثم إلى غرفة المغسل الموصدة. بقي يطرق الباب بيديه حتى وصلت إليه.
- .............
- صامتاً.. كان يبكي. ولم أسمع صوتهُ منذ ذلك الصباح
- وربطتيه؟
- النهار كله. نام طويلاً. وعندما استيقظ بقي هادئاً، حتى ونحن نعود كان يسير إلى جانبي كالطفل وبعد أن وصلنا ربطته هناك.
***
يسحرني الهدوء هناك. كنت أحتفظ بالكتاب بكيس ورقي تحت إبطي، أتجوّل بين القبور. أوراقه صفر ، متهرئة. أقرأ الشواهد، تشير الفضول. أتأمل رحلة عمر: هنا يرقد... لذلك أخفيته بكيس سميك. أجثم عند شاهدة قبر أخرى. أداري سرّه، يا قارئاً كتابي، وسرّي معه، الفاتحة. أقرأها وأنهض من القبر بدون شاهدة. مجرد صفين من طابوق متآكل.. منخور، مخسوف تنتهي الجولة. أشدّ ساعدي على الكتاب متجها إلى البئر لأطفئ عطشي. أتناول الصفيحة الصدئة. ألقي بها إلى الجوف المظلم. أتابع اهتزاز الحبل، توتره.. يرتخي. أترك (شمس المعارف الكبرى) على الأرض. أصفه بعناية. أشعر وأنا أسحب الحبلَ، بثقل الصفيحة. أسحب. لا بدّ من أنها امتلأت. أسحب. يصلني صوت ارتطامها بجدران البئر. تظهر متأرجحة كالبندول تقترب من حافة البئر بقفزات متعاقبة. أتناولها. يبلل الماء صدري. أمسح فمي بكمي. أتناول كتابي متجهاً إلى الغرفة/ هاك نسخة من المفتاح. ستنفعك. لا بدّ أن تقرأ في مكان هادئ.. آمن. ستكتشف كم كنت تافهاً. كم أضعت من وقتك بعيداً عن الحقيقة التي لا تقدمها لك كتبك إنها تغيبها عنك لتبحث عنها في كتاب آخر وآخر وآخر، حتى جمعت كل هذا العدد الكتب ثم ماذا؟ ألمْ تغير حتى نفسك. هذا الكتاب سيقودك إلى النور. فقط عليك أن تصبر، تتحمل. توضأ أولاً، ثم ارسم لك دائرة على الأرض. اجلس في وسطها واقرأ وإيّاك أن تخرج منها مهما حصل. سيحاولون إثارتك، تخويفك. قد تصاب بلوثة إن خرجت منها. خذ الكتاب/.
دفعت الباب فظهرت أمامي دكّة غسل الموتى الأسمنتية ببقع بيض بفعل الصابون المتبقي. حنفيتان صدئتان تحتهما إبريقان من نحاس مسود، على الحائط.. قطعة ليف معلقة بمسمار يظهر ذيله فقط من الجدار الطابوقي على اليمين: طبقة غبار تكسو بلاطات خرسانية متشققة. بقايا تابوت مهشم مركونة بجانب الحائط. مكنسة مكسورة وقدر نحاسي كبير. رسمت دائرة فرش وسطها قطعة قماش وجدتها منشورة على بقايا التابوت. جلستُ أقرأ, بيدي مسبحة طويلة خضراء استخدمها لتضبط عدد التسبيحات كما هو مكتوب، لا تزيد ولا تنقص، وكذلك الأوراد. كن دقيقاً، فالزيادة أو النقصان تعني أن ذهنك مشوش، بعيد. عندها سيفسد كل شيء/ أقلّب حياتها بين أصابعي وأنا أقرأ. دخلت، لا أعرف من أين. فالباب أوصدته من الداخل قبل أن أجلس، والنافذة الوحيدة خلفي لا تسع لدخول جسد كالذي انتصب أمامي: عجوز شمطاء، عارية تماماً، جلد منكمش.. مقطّع بأخاديد كثيرة، نهداها كثمار ٍ تُركت دون قطف حتى نشفت. عظام الوجه ناتئة. الخدود غائرة بين الفكين. تضحك. تظهر أسنانها المنخورة بشكل مقزز، مخيف. قرفصت أمامي وبدأت تتبول وهي تنظر إليّ. تركت القراءة، مثبتاً بصري على الأسنان المنخورة. البول الذي غطى أرضية الغرفة. نظرتُ، ما زال البول ينبثق من بين فخذيها. ضاعت الدائرة. هاجمتني رائحة زنخة. تذكرت وصيته. كان البول يرتفع / سيحاولون إثارتك، تخويفك. قد تصاب بلوثة إن خرجت منها/ أتنفس بصعوبة / فقط عليك أن تصبر/ يمتلئ صدري برائحة النشادر/ تتحمل / يرتفع البول إلى صدري.. أصفر كثيفاً. اختنق، دافئاً يلامس رقبتي. غرقت الدكّة. طاف القدر، الأباريق.. بقايا التابوت على بحر البول، وهي مازالت على حالها: مقرفصة تبول. أحكمت غلق فمي. ستنهض.. كنتُ أحدّثُ نفسي، ستكف، هذا يكفي، يكفي، يكفي، يكـفــ.... نهضتُ راكضاً.. تركتُ الكتابَ، المسبحة تركتها، فقدتها، متجهاً إلى البئر. أرخيتُ الحبل. غابت الصفيحة في الجوف المظلم. يصلني صوت ارتطامها بسطح الماء. أسحب. ترتفع. اسحب. تصل. أتناولها. أسكب الماء على رأسي. ألقي بها إلى البئر. أسحب، أتلقفها. أرميها مرة أخرى، وأخرى. أغسل جسدي من بقايا البول. أخلّصه من الرائحة. آخر صفيحة قلبتها فوق رأسي ثم وضعتها على سور البئر. اتجهتُ إلى المغسل. الغرفة جافة لا أثر للبول. بقايا التابوت مكانها. القدر وسط الدائرة.. كان الكتابُ مفتوحاً.. مقلوباً فوق المسبحة.
***
- ولم يتكلم ؟
- لم يتكلم. في البداية كان يصرخ عندما يريد شيئاً. والآن بمجرد أن ينظر لي أعرف ما يريد.
- لم ينفعهُ السيد إذن؟
- .....
- هل انتهيت
- تقريباً
- يجب أن أذهب قبل أن يعود
***
تهزّني فاستيقظ. السلسلة مكومة قربي. تقودني إلى الغرفة. المفتاح بيدها، أبيض كالفضة وآخر يتأرجح في خيط أخضر. فراشي قرب الجدار، وهي مجاور الباب. أنام حتى يشرق فجرٌ فضي آخر، جديد، ناصع (إيّاك أن تلوثه، اجلس هادئاً) وجلست. كانت نائمة. في الخارج.. يضيء المصباح باحة خالية إلا من جذع متيبس، سلسلة في أحد طرفيها قفل كبير... صدئ. طرف الخيط الآخر يظهر من تحت الوسادة. سحبته بهدوء. ظهر المفتاح الفضي أولاً، يلتمع. ما تزال نائمة. /لنقرأ معاً. وهو ؟ غير موجود. لقد أوصدت الباب، والمفتاح ها هو. خبأته بصدرها. خذه إن كنت تريده. ترددتُ. مددت يداً مرتجفة إلى الصدر الممتلئ/. كان قد بدأ يظهر من تحت الوسادة. ظهر كله، أمسكته كي لا يهرب/ تضحك .. الآن بإمكانك الخروج تركتها نائمة. ابتلع الباب عنق المفتاح بأكمله. ستصرخ إذا استيقظت ولم تجدني. تبحث عني. أين؟ لا أدري أين وصلت؟ الطريق تغيرت.. الشجرة لا أثر لها. أتركها على يساري. أتوغل في العمق. سأجد العجوز هناك تبول. لقد أغرقت القبور. قلتُ له: رأيتها ثم جئتك راكضاً، يجب أن نمنعها.. سنغرق كلنا. هاك ثيابي ، هاك شمها، ستجد الرائحة. خفتُ أن أذهب إلى البئر. سأغتسل في البئر.. إذا أردت أن تتبول ، نادني. أصرخ. أفعل اي شيء.. لا تبول في ثيابك فهمت؟ اخلع "دشداشتك" الآن واغتسل. هذا هو الماء. ثيابك نظيفة معلقة في المسمار.. خلف الباب.. أغلقت الباب، فبانت "الدشداشة" بلون رصاصي تكاد تلامس الأرض. سكبتُ الماء على رأسي. رميت الصفيحة إلى البئر. بقيت أنتظرها. جالساً، متكئاً على وسادة قطنية أسطوانية طويلة. ظهرت بثوب فاضح، تطوقني بأذرع مكتنزة.. سينقل إليك جنونه. أترك العلب هناك.. تهمس بإذني. يضعها أمامه. يشعل النار. تتعالى الأبخرة. يفتح كتابه بجانب كوب مليء بالزعفران وريشة يفرغ بعضاً من محتويات العلب في النار. تتعالى الأبخرة. روائح مختلفة لا أميز منها إلا رائحة "الحرمل". أسمع همهماته. خطواته وهو يطوف حول الموقد وأنا في الغرفة المجاورة .. وحدي أتقلب. أنظر من النافذة علّي أصطاد رجلاً يمرّ.. أترك الكتاب الآن.. أخذته مني وألقته بعيداً ثم تركتني. تناولته وخرجت. بقيت مضطجعة. ربما استيقظت الآن ولم تجدني سحبت المفتاح من تحت وسادتها وهي نائمة. ثيابي منقوعة بالبول. قلت لها: العجوز هي التي بالت علي. كل يوم تفعل ذلك. كل ليلة تأتي. تجلس بقربي. تبتسم. أرى أسنانها المنخورة. تبول حتى أغرق. تخرج. ترفض أن تقودني إلى الحمّام لأغتسل. سأغتسل بالبئر. فقط اتركني أذهب. أتناول الصفيحة. أتركها تسقط. أتابع اهتزاز الحبل. توتره. أسمعها تصفع وجه الماء. يرتخي الحبل. أمسكه. أسحبه. أحس ثقلها. لا أبد من أنها ممتلئة. أسحب. يصلني صوت تجدد تحررها من الماء. اصطدامها بجدران البئر. تظهر متأرجحة. تقترب أتناولها بيدي. أسكب الماء على رأسي ثم ألقي بها مرة أخرى وأتنفس بعمق.
كانون أول / 1992
مايس / 1993



#محمد_عبد_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من تداعيات الحجر المنزلي
- أجور المدارس الأهلية بين الدولة والمستثمر.. والمواطن
- وقت الأزمات: مَنْ يجد مَنْ؟
- القصر (قصة قصيرة)
- الحصار على إيران في هذا الظرف الاستثنائي.. كشف لعورة العالم ...
- تساؤلات
- بائع الأحلام - قصة قصيرة -
- ألوان القصيدة القزحية
- صندوق دعم العمل الفدائي
- بين نصين
- العراقي.. بين الشّح والندى
- نحن.. و (البوعزيزي)
- تظاهرات الشعب.. وموافقات الحكومة
- سفارة البحرين.. الخاصرة الأضعف
- اعتذار متأخر من شهدائنا
- الشهيد قدّوري حسين عبد الله (أبو النّور) ناضل من أجل الخبز. ...
- النهر / قصة قصيرة
- كتاب (السائرون نحو المجد).. تأليف الوثيقة!
- البصرة.. وسوق (الپالات) (تساؤلات)
- الطائر .. يا صديقي / قصة قصيرة جدًا


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبد حسن - البئر (قصة قصيرة)