أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وسيم بنيان - خريف الرسام














المزيد.....

خريف الرسام


وسيم بنيان

الحوار المتمدن-العدد: 6598 - 2020 / 6 / 21 - 22:37
المحور: الادب والفن
    


نظر من نافذة غرفته رمادية الجدران، وما زالت اللفافة التي تناسى أن يواصل احراقها،
خامدة بين فكي سبابته ووسطاه.
 كانت الغيوم تجري متسارعة فوق الهضاب، الممتدة خارجا،من سياط النفخات الرياحية المجنونة،وكأنها تصر على الإطاحة بباب الكوخ التي اخذت تختض بشكل مخيف، وتعالى أزيزها منسابا بين عزف المزلاج، وإيقاعات طبول النافذة بائسة الإحكام. استفاق لحظة من ذهوله، وحاول ان يتذكر من اين التقط عبارة :(الغيوم على اشكالها تتمرد)،فلم يفلح.اعاد نظره إلى داخل الحجرة التي تغطت أرضيتها بلوحات ممزقة وأخرى لم تكتمل بعد،وقد تناثرت على الحواف وفي الزوايا.رفع رأسه نحو الجدار الوحيد الناجي من الانفطار، وتكريما لاستثنائية تحمله، وشحهُ بلوحته التي ظلت زمنا طويلا خارج شهوة التغير.انتصفت فيها تلك العجوز طاعنة السن بملامحها المرعبة، حيث نقشت بتجاعيد وجهها الخريطة المأساوية للتاريخ البشري.اتشحت بالسواد وترصعت سحنتها بقشرة رمادية باهتة، افترشت تراب الأرض بينما اثنت قدميها ممسكة بإصرار عنيف عود ثقاب، توقف شرار لهبه امام فوهة لفافتها.
 سمر وجهه مجددا امام لوحته المستقبلية، منذ أيام طويلة وهي ساكنة فوق محملها بوداعة الحمل الوليد.تنبه إلى لفافته مجددا، وكأنما سمع استغاثتها وتوسلهـــــــــا بإنهاء وظيفتها، فعاود إشعالها من جديد. سحب المنفضة القريبة أليه فتهاوت الاعقاب إلى الأرض من شدة الازدحام. وهبت فجأة ريحاً عاتية تسللت من بوابة ونافذة الكوخ بسهولة، طايرت معها كميه كبيرة من موقده الذي لم يوقد منذ أسابيع رغم البرد القارص.اصر على التكاسل وليس في نيته اختراق وحدته وصمته،من اجل أن ينزل من صومعته  الجبلية لإحضار الحطب واستجلاب الدفئ.
توقفت الرياح عن نفخها مستعيضة بالأمطار المنهمرة بعنف،هيج جنون البرق والرعد، اللذان فشلا في إخراج الرسام من نضوب مخيلته المتحجرة،بعد تصحر طويل فرض عليه أن يشعر بثقل وجوده الذي لا يحتمل.  اشاح بوجهه  مجددا نحو النافذة، مغيراً اتجاه الجهة المنظورة.كانت الشجرة التي تقع في أقصى اليمين منزوعة الأوراق بالكامل، وقد انكسر غصنا صلبا جديدا منها بفأس الرياح العاتية.نظر إلى اسفل جذعها فرأى الأوراق المصفرة الذابلة،وقد التاثت بالطين وعلى جانبها كان كلبه المحتضر متهاوياً داخل بيته الخشبي الصغير.بينما انطرحت قطعة من اللحم اليابس قبالته منذ أيام، وابتدأ الآن يصدر نباحا يدل على مرض ثقيل الوطأة.حاول أخيرا كسر طوق الصمت داخل تهاوي اشيائه،رفع فرشاته المتيبسة منذ ايام، حل شعراتها بالماء وامسك تشكيلته اللونية الجافة أيضا ودعك يبوستها بيبوسة فرشاته، محاولا استعادة بقايا حياتها.وبذهن شارد ووجه يصعب تفسيره شرع يلطخ القماشة بالأسود الغامق، وبضربات مشتتة، وكأنها قطرات مطر عابثتها الرياح.ملأ بعدها الفراغات بأشرطة متعرجة داخلها.ثم خط خطا  بمساحة إصبعين عرضا في أعلى اللوحة، تخللته نقط حمر.وبنفس المسافة باللون الأصفر  فالرمادي،حتى لامست أخر هذه الخيوط اللونية سطح أول البقع السود. غمس أخيرا فرشاه باللون البني وظل يضرب بتوتر فوق الأشرطة.
كان الجرح الذي نقش في أعلى فخذه الأيمن، نتيجة ضربة فأس طائشة وهو يحاول الاحتطاب قبل فترة طويلة،قد التهب نتيجة الإهمال.إذ اكتفى بلفه بخرقه بالية جفت الدماء فوق سطحها وتوسع الجرح تحتها، فلا يند عنه خلا التغافل التام لعالم أشيائه.تمادى كثيرا في الكسل وحاول أن يطرد بأسه وسأمه بسأم الأشياء البشعة التي تحيط عالم حجرته، واستغنى عن الاستحمام لأن البرد اكثر من أن يحتمل داخل حيز جدرانه.وعلى الرغم من تدثره ببطانية غالبا الا ان البرد لم يتركه ابدا.ومع كثرة اللفافات التبغية التي يستهلكها اصبح صدره يعزف ألحانا سعالية مرعبة مزدوجة البرد والدخان.ولخنق اخر أنفاس النشاط اعد لنفسه صحيفة معدنية، استخدمها سابقا بصفة مخزن صغير للمادة التبغية،ومع نفاذ التبغ صار يستخدمها لقضاء حاجته،كي لا يضطر للذهاب إلى بيت الكنيف القذر.حيث سدت آلته التي تصرف المواد  ذات الرائحة الزنخة، واصبحت حينها الرائحة لا تطاق.فشعر بأن  الصفيحة انظف منها، وتوفر له الجهد والوقت كذلك. لكنها اخذت تعبق بدروها برائحة عطنة، وقد زادت الآن لأنه استخدمها قبل قليل.
سمع نبحة مرتجفة من كلبه الهرم،تبعها بنبحة اكثر ارتجافاً،وبدأت نباحاته تتباطأ رويدا رويدا نحو هاوية الفراغ.أصاخ سمعه قليلا وعاد ناظرا من النافذة.كانت الأمطار قد توقفت خارجا ولف فضاء الحجرة سكون رطب.يبدو ان البوابة تعبت من الرقص فقررت انهاءاهتزاها،وكذلك فعلت النافذة.قال في نفسه بعد عدم سماعه لنبحة جديدة : وداعا يا صديقي الوفي لقد آن لك أن تنفق فوق ضفاف بحر الحياة،بشراع الموت.
عاد محدقا في عمق لوحته،شعر بذهول عجيب،فقد الاتصال تماما بعالم أشيائه.اراد أن يضع إطارا للوحته غريبة المحتوى،حرك فرشاته دون أن ينظر أليها لاستغراقه في اللوحة. ومن غير أن يشعر غمسها بالصحيفة  ولون،فنتأ حولها اطار خرائياً،وبعد ان انهى رسمته بالغ في شد بطانيته،وغط امامها في نوم عميق.ان خطر لشخص ما ان يمر بجوار كوخه اليوم،فسيسمع بالطبع شخيره...



#وسيم_بنيان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غثاء
- ثغثغة
- هواجس
- خياطة
- غراب وردي
- موج القطرة
- مفارقات: نحو محراب علي
- حمى باردة
- شاعر
- برزخ الصمت والبوح
- معزوفة لكوفيد
- مصيرنا: بين محرقتين
- شفرة حزب الله
- العراق و معنى الدولة
- اردوغان : خطوة قبل الهاوية
- قد وارامكو والكارثة العرببة
- ملاحظتان عاجلتان
- سؤال العيد للصهاينة العرب*
- لهذا اغني
- نقوش على جلد الشبق5


المزيد.....




- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وسيم بنيان - خريف الرسام