|
نكسة حزيران بداية نكوص العرب
ادهم ابراهيم
(Adham Ibraheem)
الحوار المتمدن-العدد: 6598 - 2020 / 6 / 21 - 14:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما تخلصنا من الحكم العثماني سرنا في طريق التحضر والتمدن ، وتركنا كثير من العادات والتقاليد البالية . وظهر عندنا كتاب ومؤلفين علمانيين يؤمنون بفصل الدين عن السياسة ، وينبذون التعصب او الدعوات الطائفية . وكان الشعراء في العراق من امثال الزهاوي والرصافي يحثون الناس على السير في طريق الرقي والتقدم . وقد كانت مصر رائدة في طريق التقدم ، حتى افلام الخمسينات والستينات تعبر تعبيرا دقيقا عن واقع المجتمعات العربية والدعوة للنهوض والتقدم , وكان الفكر السياسي السوري سباق في الدعوة الى الاشتراكية والعدالة الاجتماعية ، كما كان اللبنانيون يتباهون عن حق بدولتهم الراقية التي كانت محط انظار الدول العربية والشباب العربي الذين يتمنون الدراسة فيها ، واغلب الشعوب العربية تصطاف في ربوع لبنان الراقية المتحضرة . لقد كانت المجتمعات العربية تسير على طريق التقدم والتحضر بخطوات ثابتة مستمرة ، وهناك توسع مستمر للافكار التقدمية في مجالات الحياة كافة ، كل ذلك بسبب التفكير الجاد للنخب الاجتماعية للخلاص من التخلف والجهل والامية وترك التقاليد والعادات القديمة المتخلفة . ولكن بعد نكسة حزيران المشؤومة عام 1967 بدأت اصوات تنادي بترك الافكار والعقائد القومية والتقدمية ، والدعوة لتبني الاسلام السياسي تحت شعار انه الحل . وبذلك فان نكسة حزيران لم تكن هزيمة عسكرية عادية ، بل كانت هزة قوية للفكر العربي المعاصر . وعندما انهارت الانظمة الشيوعية في نهاية الثمانينات ، تم التركيز على فشل الفكر الاشتراكي العربي ، وقدمت مشاريع اسلاموية باعتبارها البديل عن كل الافكار والعقائد السابقة . وقد سعت الدول الغربية لتسويق الاسلام السياسي في الدول العربية ، وكان الدافع لذلك منع ظهور اي حركة او فكر تقدمي حضاري بديل ، واحتواء التململ الجماهيري . ثم جرى في وقت لاحق تدجين الانتفاضات العربية ، وتم العمل على نطاق واسع لتغيير السلوك العربي من التوجه القومي الاشتراكي الى الاسلامي الشكلي ، الخالي من القيم الاسلامية الحقيقية ، فظهرت حركات اسلاموية راديكالية تبنت الهجوم على كل ماينتمي الى الثقافة والفن والحضارة الانسانية ، على اعتبارها نشاطات تتعارض مع الدين .
وهنا بدأ الشك واليأس يدب في اوساط الشعوب العربية فدخلت في اشكالية الواقع المأزوم ، خصوصا بعد شيطنة الربيع العربي او بالاحرى اسلمته . فتدخلت دول عديدة في كل من سوريا والعراق ، وتمكن الاخوان المسلمين من حكم مصر بدعم غربي واضح ، خصوصا بعد زيارة اوباما الى الازهر وتشجيعه للحركات الاسلامية . والكل يتذكر كيف غضبت هيلاري كلنتون وزيرة الخارجية الامريكية من مصر بعد حركة الجيش التصحيحية المستندة على التظاهرات المليونية المعارضة لحكم الاخوان .
اما ايران فقد دخلت الى العراق بمباركة الولايات المتحدة لملئ الفراغ الحاصل بعد انسحاب القوات الامريكية منه . كما دخلت ايران في سوريا تحت ذريعة مكافحة الارهاب ، فزادت الطين بله .
وعمت الفوضى بعد تسخير داعش كآلات للقتل والعبث خصوصا في سوريا والعراق والقضاء على ماتبقى من العقيدة الانسانية المدنية المتحضرة ، وتم كل ذلك وسط صمت العالم (الديموقراطي الحر) ، كما كان الجميع حريصون على الديموقراطية البشعة على الطريقة الأمريكية في العراق . ديموقراطية المكونات والطوائف المتناحرة ، التي حصدت فيما بعد الالاف بل الملايين بين قتل وتهجير ونفي .
ان ماعرف بالربيع العربي قد تحول من ثورات وانتفاضات لاصلاح الانظمة الديكتاتورية الى ادوات هدم للمدن العريقة ولكل المكتسبات المتحققة في هذه الدول تحت لافتة الديموقراطية تارة كما جرى في العراق ، او الاسلام السياسي كما جرى في مصر وسوريا وتونس والان في ليبيا . وبالشعارات الدينية والطائفية تم خداع الجماهير العربية من المحيط الى الخليج ، فركض الجميع وراءها كالسراب ، حتى تم القضاء على السلم الاهلي وتقسيم المجتمعات العربية على وفق ايديولوجيات طوباوية وهمية لايمكن تحقيقها على ارض الواقع فانتشرت الفوضى غير الخلاقة نتيجة التدخلات الاجنبية والمال السياسي ، والاعلام المشبوه القائم على الكذب والافتراء ، والتلاعب بعواطف الشعوب بشعارات تعمق الصراعات المحلية .
ورغم كل ذلك نجد الشباب الواعي في مصر اولا ثم في العراق ولبنان قد تبينوا خطل الاطروحات الاسلاموية المشبوهة ، فانتفضوا ضدها ، كما قاوموا الفساد الاداري والسياسي، وتغييب الوعي الوطني والقومي من قبل الاحزاب والجماعات الاسلامية والطائفية ، فتراجع الخطاب الاسلاموي امام الحداثة الشبابية الناهضة ، واستمرت قوى التغيير بالتأثير على المشهد السياسي والاجتماعي العربي ، رغم الملاحقات الامنية واستخدام القوة والبطش من الانظمة المتخلفة ، وخصوصا في العراق ولبنان التي مازالت تعتقد بامكانية استمرارها بالحكم .
ان قطاعات شعبية كبيرة مستمرة في نضالها ضد الفساد والتخلف وترفض العودة الى الخلف ، كما ترفض الاستسلام لقوى الردة الجديدة ، وخصوصا في العراق وسوريا وليبيا والسودان والجزائر . وفي مصر تجري مواجهات يومية مع قوى التخلف والردة التي تحمل شعارات اسلامية وبمساعدات مشبوهة من جهات معادية لنهضة الشعوب العربية ، اما تونس فمازالت تقاوم حركة النهضة الاسلامية في محاولاتها لادخال البلاد في نفق مظلم من التدخلات الاقليمية .
وكل ذلك يدل على وجود مؤشرات قوية للخروج من حالة الفوضى العامة، وعودة الوعي الوطني والقومي للشباب العربي الواعي الرافض للاطروحات الدينية والطائفية المتخلفة والمتطلع الى التجديد والتقدم ، وسيكون النصر حليف الشعوب المناضلة ، والتحرر من الضغوط والتدخلات الاجنبية ، فالشعوب العربية من الشعوب الحية التي لاتنام على ضيم . ادهم إبراهيم
.
#ادهم_ابراهيم (هاشتاغ)
Adham_Ibraheem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نشأة العقائد اليهودية
-
الخيارات المتاحة امام الكاظمي
-
زراعة الشرائح الالكترونية والاخ الاكبر
-
سمات المجتمع العراقي . . وعودة الوعي
-
سياسيو السلطة بين الأقوال والافعال
-
اسباب انتشار covid19 في مناطق دون اخرى
-
مصطفى الكاظمي وكابينته الوزارية
-
الحب اساس الأمن الانساني
-
الحجر الصحي في زمن كورونا
-
مستقبل التعليم مابعد كورونا
-
ترشيح عدنان الزرفي والمستقبل المجهول
-
نظرية اجنحة الفراشة . . الكورونا انموذجا
-
المرأة العراقية نخلة شامخة
-
الثورة مستمرة رغم دسائس السلطة
-
الحرب السلوكية
-
الانسان والموت
-
المستضعفون في الارض
-
لم يعد الوقت في صالح السلطة
-
ليبيا وصراع المصالح
-
المثقف الفاعل والوعي
المزيد.....
-
تحليل لـCNN: إيران وإسرائيل اختارتا تجنب حربا شاملة.. في الو
...
-
ماذا دار في أول اتصال بين وزيري دفاع أمريكا وإسرائيل بعد الض
...
-
المقاتلة الأميركية الرائدة غير فعالة في السياسة الخارجية
-
هل يوجد كوكب غير مكتشف في حافة نظامنا الشمسي؟
-
ماذا يعني ظهور علامات بيضاء على الأظافر؟
-
5 أطعمة غنية بالكولاجين قد تجعلك تبدو أصغر سنا!
-
واشنطن تدعو إسرائيل لمنع هجمات المستوطنين بالضفة
-
الولايات المتحدة توافق على سحب قواتها من النيجر
-
ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع
...
-
هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|