أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم سبتي - برج النعام / قصة قصيرة














المزيد.....

برج النعام / قصة قصيرة


ابراهيم سبتي

الحوار المتمدن-العدد: 1590 - 2006 / 6 / 23 - 11:04
المحور: الادب والفن
    



بلدته التي بدت بيوتها كحبات متناثرة تخترقها سكة الحديد من وسطها، في مخيلته تعاقبت صور شتى تدفعه ليلملم شتاته قبل الوصول اليها.. كانت رغباته تهتاج في كل خطوة على الأرض التي تتماوج أمامه وسط السراب المتراقص الواصل حد الأفق.. خطواته يجرها بعناء، وجهه يتفصد بحبات العرق وعيناه مدفونتان في تجاويف غائرة، يقف صامتاً يدير عينيه برعب حقيقي تلاحقه لعنات كل بيوت البلدة المستظلة تحت افياء نخيلها السامق منذ أن غادرها قبل سنين طويلة..
نظراته تندفع نحو المكان وكأنه يراه أول مرة.. هتف به صوت انطلق من رأسه.. انتظر لحظة! ماذا تنوي فعله بعد كل تلك السنين؟ إنك لا تعلم ما الذي سيحدث لهؤلاء الناس عندما يرونك؟ تصرف بحكمة الكبار وارجع!
حكايته ، الحديث الذي لا ينقطع منذ كل تلك السنين، ظل اسمه يتكرر في البيوت والمجالس، لم ينسه أحد أبداً..
جلس فوق تلة صغيرة فقفزت صور أهله وناسه تمر أمامه مسرعة وعاد الصوت ثانية..
ماذا تنوي فعله في البلدة؟
ـ سأقول الحقيقة: سأخبرهم بكل شيء! سأقول لهم رحلت مع الغرباء.. أو أقول لهم خدعوني ولم أرحل معهم قط..
إنهم يتذكرون هؤلاء الرجال أصحاب اللحى الشقراء والنظارات البرونزية الذين جاؤوا قبل سنين طويلة ليحفروا هنا.. يومها لم يعرف الناس ما الذي يحدث لبلدتهم.. وحدي أنا اقتربت منهم.. هابوني أول الأمر لكني طمأنتهم، ثم غمرني شعور غريب وبدت أبواب العالم تنفتح لي بمجيئهم قالوا لي:
-نحن قوم لا ننسى ما يقدمه لنا أصدقاؤنا من خدمات! ثم همس أحدهم في أذني وسألني:
-أتعمل معنا؟ سندفع لك أجراً جيداً! /قلت في نفسي هذه فرصتي/ فأجبته بسرور غريب..
-لا أريد أجراً.. سأعمل لقاء أخذي معكم!
-قلت إنهم سوف يغيرون حياتي هناك.. سألقى الجنة الموعودة.. لقد وعدوني بأحلام وردية.. لكنهم لم يأخذوني خدعوني وهربوا بعد أن حصلوا على كل شيء.. كل شيء.. هربوا وتركوني أجوب الميناء انظر إلى البحر بحسرة.. بعدها همت في المدن، أبكي ساعات طويلة، وفي الليل افترش أقرب رصيف لأنام وأصحو صباحاً انتظر عودتهم، لعلهم يفون بما وعدوني به.. قالوا لي إنك تبدو شاباً يحسن التعامل مع الغرباء.. سترافقنا إلى بلادنا كصديق عزيز لقاء مساعدتنا.. إن بلدتكم تنام فوق كنوز كبيرة لا تعرفون قيمتها لا أنت ولا غيرك! كنوز لا تقدر بثمن.. قلت لهم: ذهب مثلاً! قالوا: أغلى.. أغلى بكثير..
- وما الذي تطلبون مني؟!
- أجابوني بلطف.. تقنع أهالي البلدة بالرحيل عن مساكنهم.. كلهم.. أعطهم ما يطلبونه.. لا تبخل بشيء فنحن الذين سندفع! وبعدها ستسافر معنا وسنجد لك عملاَ يليق بفتى ذكي مثلك..
ابتدأت بأهلي.. رحت أقنع والدي وأخوتي.. أغريتهم برغم انحسار فسحة الأمل.. ظل والدي يبكي بحرقة وهو يسمعني كلماته التي لم أفهمها ولم أكن مستعداً لسماعها أصلاً.. وبعد أسبوع شد على يدي وكلمني ثانية بحزن..
ـ أتريدنا أن نرحل لنمنحك تذكرة الحياة!
ثم أغمض عينيه وراح في نوم عميق لا رجعة منه.. عدت إلى الغرباء وطلبت مزيداً من الوقت.. لكنهم قالوا لي سنغير الخطة.. سوف نحفر في مكان أخر بعيداً عن العيون والبيوت، وسوف نصل إلى البلدة في نهاية الأمر.. وهناك في الطرف الشمالي قرب السكة ستمسك بالمعول وتحفر.. قبلت على الفور.. بعد أيام انتهى كل شيء.. كانت الحفرة واسعة وعميقة، نزلنا جميعاً فيها.. كنا أربعة.. أخرجنا أحجاراً وألواحاً طينية وتماثيل مختلفة من الحجر الأسود والأبيض.. حملوها وذهبوا مسرعين وبقيت أحرس الحفرة الكبيرة كما أمروني.. مرت الأيام تتلاحق ولم أر أي واحد منهم.. أصابني الفزع من أفكار مرت برأسي وقررت الانطلاق أبحث عنهم في الميناء لأنهم قالوا لي مرة أن بلادهم تقع خلف البحر ولكني عدت أجر خيبتي..
نهض من مكانه وزعق منادياً.. اسمعوني، انطلق بعدها نحو ساحة البلدة وصرخ بأعلى صوته..
-اسمعوني.. أحكي لكم ألمي.. لقد خذلتكم وأعلم أنكم لا تريدون سماعي.. تجمعت النسوة وتزاحم الرجال للوصول إلى الساحة التي ملأها دوي القطار القادم .. مدوا رقابهم كالنعام .. تسارعوا لرؤية الرجل بهيئته الغريبة، شعر منفوش ووجه مغبر يختفي بين طيات لحية شعثاء وثياب رثة ممزقة..
-اتذكرونني.. أنا صاحب تلك الحفرة.. لقد حفرتها بيدي هاتين.. جئت أقول لكم إني رجعت بعد أن مت ألف مرة منذ فارقتكم.. لقد خدعوني ورحلوا.. انزلوا حكمكم علي فأنا استحق كل عقاب.. البيوت تهتز كلما تقدم القطار بعرباته الهرمة نحو الساحة.. الدوي المفزع يتصاعد برهبة بينما راحت صرخاته المذعورة تختفي في لجة الصخب.. تقدموا نحو الرجل الهائج الواقف في الجانب الآخر من السكة.. السكة صارت تفصل بينهما.. مر القطار مخترقاً وسط البلدة فصار حاجزاً طويلاً بين الناس الواقفين بتأهب والرجل المفزوع وسرعان ما تلاشى ذلك الحاجز واختفت آخر عربة فظهرت الساحة خالية خلف السكة.. كانت الأعين قد سقطت على خلاء مقفر خال.. تبادل الناس نظرات الذهول وتقدموا مسرعين فتعالت الصرخات تملأ الفضاء المشحون بالرهبة.. وقف الجميع مطرقي الرؤوس حول بقايا جسم بشري متناثر فوق الحصى المحصور بين القضبان.. حملوه ورموا به في الحفرة الشاخصة منذ سنين طويلة وراحوا يهيلون التراب عليها لتختفي إلى الأبد..



#ابراهيم_سبتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كمال سبتي يؤرخ لاربعينيته
- كل الطرق / قصة قصيرة
- عشر قصص قصيرة جدا
- ارض منزوعة الظلال / قصة قصيرة
- ليلة بكاء الكلب / قصة قصيرة
- امنية موتي / قصة قصيرة
- الاحتفاء بعذابات القصة
- عوني كرومي : مسافر ليل يرحل مبكرا ايضا
- رجل متضفدع / قصة قصيرة
- آخر الغروب / قصة قصيرة
- ملحمة جلجامش .. النص من فكرة الخلود الى محنة الموت
- موت المؤلف وخلود الاثر
- محنة القصة القصيرة جدا
- قصص قصيرة جدا
- قصتان قصيرتان جدا
- عين الذاكرة
- الشاعر شهيدا : وهل كان الشاعر سوى موت على وشك الانبعاث ؟
- قريبا .. كمال سبتي .. المراثي
- كمال شاعر المدن


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم سبتي - برج النعام / قصة قصيرة