أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - محكوم علينا بالحرية














المزيد.....

محكوم علينا بالحرية


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6595 - 2020 / 6 / 17 - 19:25
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من المفارقات الغريبة في عالمنا المعاصر، أن يكون الوعي بالحرية وممارستها يزداد ويتعمق في المجتمعات التي تديرها دكتاتوريات متسلطة ودموية. سارتر، فيلسوف الحرية أكد أكثر من مرة بأنه لم يكن حرا في حياته كما كان تحت الإحتلال النازي لفرنسا. فتحت نير القهر والطغيان يتعمق الشعور بالحرية وضرورتها، فالدكتاتورية لا توجد في مجتمع من العبيد. في المجتمعات الدكتاتورية، الإنسان الحر يمارس حريته الضرورية والأكثر إلحاحا، فيقول كلمته أو يناضل بالسلاح، فتمتلئ لذلك السجون والمقابر بالأحرار الذين اختاروا رفض الإنصياع والإستسلام والإنبطاح أمام الطاغية. والطاغية ذاته لا يمكن أن يكون طاغية بدون هؤلاء الرجال والنساء الذين يرفضون سلطته ويبصقون على المال والثروات والإمتيازات والمراتب التي يغريهم بها. ومن ناحية أخرى، فإن أي نظام دكتاتوري لا يستطيع أن يدوم ويمارس سلطانه المطلق على جميع نواحي الحياة الإجتماعية والسياسية والثقافية بدون "العبيد" الذين أختاروا ممارسة حريتهم في مساندة النظام القمعي والإندماج فيه، مكونين بذلك هيكله المادي وسلاحه وقاعدته الأساسية التي يمارس من خلالها قبضته الحديدية على بقية المواطنين. فليس هناك إذا إنسان حر وآخر لا يتمتع بالحرية، الإنسان حر حرية مطلقة، وحتى عندما يقرر التخلي عن حريته، فإن ذلك يعبر عن هذه الحرية ويؤكدها، فنحن محكوم علينا بالحرية. ولكن ماذا نقول في وجود السجون والقمع البوليسي وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرقابة عن الصحافة والسينما والمسرح والفن عموما، ألا يعني كل ذلك غياب الحرية للذين تمارس ضدهم كل هذه الإختراقات لما يسمى بحقوق الإنسان؟ من المتعارف عليه تسمية كل أنواع القمع التي تمارسها الأنظمة الدكتاتورية والسلطوية الفاشية بسياسة " تكبيل الحريات " أو منع الحريات الأساسية وتكبيل الأفواه .. إلخ. ولابد للتأكيد هنا على أن كل هذه السياسات القمعية مهما بلغت درجة عنفها وضراوتها، فإنها لايمكن أن تمس جوهر الحرية الإنسانية ولا يمكنها أن تخترق قدس أقداس الضمير الإنساني. إن هذه القوى المادية الخارجية، بأدواتها السلطوية كالبوليس والمباحث والسجون والتعذيب أو التهديد، أو بأدواتها الفكرية أو الدينية لا تستطيع سوى أن تمنع الإنسان الرافض من ممارسة بعض الأعمال التي يراها حيوية بالنسبة لقناعته أو من قول كلمته الضرورية، أي أنها تمنع تمظهر الحرية وتجسدها في الواقع الملموس. فمهما كان القمع والسجن والتعذيب والتهديد، تبقى حريتنا كاملة ومطلقة، ونستطيع في كل لحظة، أمام التهديد بالقتل مثلا أن نختار الحياة ونعلن قبولنا للشروط المطلوبة، كما يمكن أن نواصل الرفض ونختار الموت بدلا من الإذعان. الحرية والإنسان شيء واحد، فهي جوهره ومصدر كونه إنسانا. وحتى لا يساء فهم ما نريد قوله، نؤكد بأننا لا نفصل بين الحرية المطلقة المرتبطة بالوجود الإنساني وبين ممارسة هذه الحرية وتجسيدها في الواقع الإجتماعي، الذي نريد قوله هو أن قمع مظاهر الحرية ومنعها لا يعني بالضرورة إلغاء الحرية كمصدر لهذه المظاهر والتجليات.
وجود الإنسان مرتبط إرتباطا أنطولوجيا بالحرية، فالوجود كالحرية ليس صفة تضاف للإنسان من الخارج، وجود الإنسان حرا، هو الحدث الأولي والجذري المؤسس للبشرية عموما. فالإنسان ليس حجرا أوكرسيا أو شجرة، فهذه الأشياء كائنة، ولكنها تفتقر للوجود، حيث تكون في ذاتها منغلقة على كينونتها بدون وعي وبدون منافذ للخروج للعالم وتكوين علاقات معه. فالحجر غير قادر على الفعل، وغير قادر على الإختيار بين أن يبقى حجرا أو يتحول إلى سلاح في يد أطفال الإنتفاضة. الإنسان إذا هو إختيار دائم وتحول وصيرورة مستمرة ولا تنتهي أو تتوقف إلا بالموت. وهذا الإختيار الحر الدائم هو المكون لماهية الإنسان وهويته الحقيقية المتطورة على مدار الزمن.
يقول محمود درويش في قصيدة للحرية:
ويستجوبونه :
لماذا تغّني ؟
يردُّ عليهم :
لأنُي أُغنّي
وقد فتَّشوا صدرَهُ
فلم يجدوا غير قلبهْ
وقد فتشوا قلبَهُ
فلم يجدوا غير شعبهْ
وقد فتَّشوا صوتَهُ
فلم يجدوا غير حزنهْ
وقد فتَّشوا حزنَهُ
فلم يجدوا غير سجنهْ
وقد فتَّشوا سجنَهْ
فلم يجدوا غير أنفسهم في القيود



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة ليليث
- دفاعا عن المثلية
- الله يزور نيوتن
- داغرمان - الفنان والموت
- ستيج داجرمان .. أو الحياة المضعوطة
- بخصوص ذكرى أول مايو
- الهروب للأمس البعيد
- زمن الإختناق
- السيدة ليليث
- السيد إبليس
- السيد آدم
- دحو الأرض والسماء
- أسطورة التكوين في التراث الإسلامي
- كتاب الموتى
- عن الموت والفكر الميت
- عن النمل وكلام الله
- القلب الخفي لعدوى الكوفيد
- كوفيد ١٩
- الله كعدو شخصي
- العقل الديني مرآة العقل الذكوري


المزيد.....




- نتنياهو يأذن لمديري الموساد والشاباك بالعودة إلى مفاوضات الد ...
- رئيس وزراء بولندا يكشف عن -جدال مثير- أشعله نظيره الإسباني ف ...
- دراسة رسمية تكشف أهم المجالات التي ينتشر فيها الفساد بالمغرب ...
- تشابي ألونسو يستعد لإعلان قرار حاسم بشأن مستقبله مع نادي ليف ...
- الجيش الروسي يكشف تفاصيل دقيقة عن ضربات قوية وجهها للقوات ال ...
- مصر.. إعادة افتتاح أشهر وأقدم مساجد البلاد بعد شهرين من إغلا ...
- قائد القوات الأوكرانية: تحولنا إلى وضع الدفاع وهدفنا وقف خسا ...
- مقتل شخص وإصابة اثنين إثر سقوط مسيّرة أوكرانية على مبنى سكني ...
- استطلاع يظهر تحولا ملحوظا في الرأي العام الأمريكي بحرب غزة
- معتمر -عملاق- في الحرم المكي يثير تفاعلا كبيرا على السوشيال ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - محكوم علينا بالحرية