أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمد عصام لعروسي - السياسة الخارجية المغربية إزاء العالم الإسلامي: مرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة.















المزيد.....



السياسة الخارجية المغربية إزاء العالم الإسلامي: مرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة.


محمد عصام لعروسي

الحوار المتمدن-العدد: 1589 - 2006 / 6 / 22 - 09:20
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


ترجع طبيعة الاهتمام المغربي بالعالم الإسلامي، إلى القواسم المشتركة التي تجمعه بدول هذه المنطقة، ذلك أن المملكة المغربية كانت في مقدمة البلدان التي بادرت إلى التضامن مع العالم الإسلامي عبر الانشغال بالقضايا التي تحبل بها هذه المنطقة، وفي مقدمتها قضية الصراع العربي الإسرائيلي التي تتمحور حولها أية سياسة خارجية عربية ذات بعد قومي وإسلامي.
لا غرو أن خصوصية هذه العلاقة تقتضي بداهة تحديد الإطار العام الذي تشتغل فيه الدبلوماسية المغربية، ودراسة التمفصلات التي تميز علاقة المغرب بالعالم الإسلامي دون غيره من المناطق، عبر الإلمام بمجالات التعاون والتفاعل بين المغرب وهدا التكتل الإقليمي، لهذا فإن المغرب ينضوي ضمن البلدان العربية والإسلامية المعتدلة التي تحاول أن تتبنى مواقف ايجابية للدفاع عن الإستراتيجية السياسية، الاقتصادية والثقافية، وعن التخطيط المستقبلي والإستراتيجي للنهضة التربوية والعلمية والثقافية للعالم الإسلامي وآليات تنفيذ إستراتيجية تطوير العلوم والتكنولوجية في هذه البلدان.
إن إسهام المغرب داخل منظمة المؤتمر الإسلامي واحتضان مقر المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وتعاونه مع المؤسسات المالية الإسلامية خلال مرحلة التسعينيات وبداية الألفية الثالثة، يوضح إصرار المغرب على تبني رؤية واسعة لتدارس الأوضاع العامة للعالم الإسلامي وتطوير الحلقات المترابطة مع الإصلاح السياسي والاقتصادي باعتباره المدخل الحقيقي لأي إقلاع حضاري، مع الدعوة إلى تبني خطاب منفتح وعقلاني وإسلام معتدل يتواءم واحترام البناء االحداتي للأمة الإسلامية.
لا شك أن اختيار موضوع السياسة الخارجية المغربية إزاء العالم الإسلامي، جاء استجابة لأهمية نظرية، تتمثل في توجه حقل العلاقات الدولية نحو المزيد من التخصص والدقة في توصيف وتحليل التفاعلات الدولية، وكذا أهمية الدراسات والبحوث التي تعنى بالإلمام بجوانب التفاعل المختلفة بين دول العالم أي ما يعرف بالدراسات الجهوية « area studies »، حيث نجد العديد من مراكز الأبحاث الأكاديمية والعلمية في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا مثلا تصرف ميزانيات ضخمة لدراسة أوضاع الدول الداخلية ومكانتها داخل النظام الدولي، كما هو الشأن بالنسبة لمعهد" بروكنز"، مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأمريكي و المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، إضافة إلى الحركية المتنامية للخبراء الإستراتيجيين في انجاز التقارير الدورية حول الدول الإسلامية.
في هذا السياق، فإن دراسة سياسة المغرب الخارجية إزاء العالم الإسلامي، تهدف بالأساس إلى تغطية وإدراك طبيعة ونوعية هذه العلاقات، وملامسة درجة التفاعل بين هذه الدول على كافة الأصعدة، وخاصة أن معاينة الجوانب الداخلية والخارجية لهذا التكتل غير المتجانس جغرافيا تسمح بإدراك حجم تفاعله مع المحيط الجهوي والدولي؛ قياسا مع المتغيرات الدولية التي من أبرز سماتها، ارتفاع وثيرة التدخلات السياسية والعسكرية الأمريكية داخل بعض دول العالم الإسلامي، وتواصل أزمة الشرق الأوسط واستئثار الولايات المتحدة الأمريكية بإدارة معظم القضايا والأزمات الدولية بشكل أحادي، وتسارع وتيرة التدفقات عبر القومية من سلع وخدمات وأفكار بما يعرف بمفهوم العولمة الاقتصادية، الذي يعني الاندماج وفق نموذج واحد يقترض الهيمنة ونشر النفوذ وفرض إيديولوجيا الاحتكار الليبرالي من طرف القوى الكبرى، فهذه المستجدات الحاصلة في حقل العلاقات الدولية تثير تساؤلات عريضة حول مدى تأثر السياسة الخارجية الوطنية نحو العالم الإسلامي بتداعيات النظام الدولي.
إن الرغبة في دراسة السلوك الخارجي المغربي تجاه المحيط الإسلامي في مرحلة التحول الأساسية التي تشهدها العلاقات الدولية، هو بالأساس مطمح أكاديمي يحاول البحث عن تأصيل نظري ومقاربة موضوعية، حيث يلاحظ أن الدراسات التي تناولت موضوع السياسة الخارجية المغربية تتميز بندرتها وبالقفز على الإطارات المرجعية، الشيء الذي يحول دون تحقيق التراكم المعرفي وبناء خطاب علمي من شأنه مد العون للباحثين في شؤون السياسة الخارجية، ويمكنهم بالتالي من بلورة تصور واضح ومتكامل حول النهج الخارجي للمغرب.
و يمكن استنتاج هذه الملاحظة، من خلال رصد أهم الدراسات والأبحاث التي تناولت السياسة الخارجية المغربية والتي تغيب في مجملها أدوات استيعاب ميكانيزمات السلوك الخارجي الذي يبقى إشكالا مستعصيا على الفهم، في ظل غياب إمكانية استخدام المقاربات النظرية الخاصة بدراسة العلاقات الدولية وتوصيف النظام الدولي ومحاولة استعمالها في دراسة الظواهر الدولية ومن بينها علاقة التأثير والتفاعل بين العوامل الخارجية والأنظمة الوطنية على مستوى عملية اتخاذ القرار الخارجي، وأيضا غياب المعطيات وبنوك المعلومات المتعلقة بالدوافع المساهمة في اتخاذ القرار، والأجهزة المسئولة عن اتخاذه وكذا النتائج المترتبة عنه.
لا مندوحة من أن البحث في توجهات السياسة الخارجية المغربية إزاء العالم الإسلامي ككتلة موضوع صراعات إستراتيجية في العلاقات الدولية، ظل محكوما بضغوطات يمارسها النسق الدولي بفاعليه، مؤسساته ووقائعه، من هنا فأن الدراسة حاولت تقديم مقاربة لدينامية هده العلاقات صعودا وهبوطا، مع تسجيل نوع من النزوع المغربي نحو المزيد من تفعيل هذه العلاقات والارتقاء بها إلى مصاف العلاقات المتميزة، خاصة في ظل الظرفية الراهنة التي تتميز بغياب الصراع بين الشرق والغرب واعتبار العالم الإسلامي ليس كفاعل أساسي في العلاقات الدولية، وإنما مجرد موضوع لتدخلات مستقبلية من طرف الغرب، وكمصدر للأفكار الأصولية المتطرفة وتربة مناسبة للإرهاب والتطرف الديني فحسب .
فالإشكالية الجوهرية لهذه الدراسة، تمحورت حول محاولة تفكيك العلاقة بين السياسة الخارجية المغربية والعالم الإسلامي، ومعرفة طبيعة هذه العلاقة والمشروع السياسي والاقتصادي الحضاري والثقافي الذي قد يكون موضوع شراكة بديلة بين المغرب وهدا الجزء من العالم، وضغوطات المحيط الدولي المتنقل في وقائعه من صراع القطبية الثنائية إلى صراعات القطبية الأحادية أو المتعددة أو من الحرب الباردة إلى مرحلة ما بعد الحرب الباردة.
تتناول الإشكالية أيضا، مدى تأثير التحولات الدولية على مستوى التفاعلات بين المغرب و العالم الإسلامي بعد نهاية الحرب الباردة، و المحددات المساهمة في رسم الخطوط العريضة لهذه السياسة، وكذا الرهانات الإستراتيجية والاقتصادية المفروضة على المغرب لمواجهة إذعانات المحيط الدولي والدفاع عن مصالحه الوطنية ومتابعة الكيفية التي تشتغل بها الدبلوماسية المغربية لتخفيف ضغوطات النسق الدولي وإكراها ته، وأخيرا الوقوف عند التحديات التي تواجه الدبلوماسية المغربية بمختلف مؤسساتها وفاعليها.
ولفهم وتعميق هده الإشكالية، ارتأينا تقسيمها إلى إشكاليات فرعية تبدأ بمحاولة تشخيص الإطار العلائقي الذي يجمع المغرب بهذه الدول، بدءا بمعاينة إطار العلاقات المتعددة الأطراف، أي دور المغرب داخل المنظمات الجهوية الكبرى كمنظمة المؤتمر الإسلامي، جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية، وكذلك الشأن بالنسبة للمنظمات المتخصصة المنبثقة عن هذه الكيانات سواء الاقتصادية والثقافية والفكرية وغيرها، دلك أن التوجه نحو التكتلات الإقليمية حقيقة أصبحت تمليها أهمية دور الدبلوماسية الجماعية التي تحولت إلى آلية اندماج جديدة وهامة في مواجهة المنافسة الاقتصادية والحضارية التي تجسدها باقي التكتلات الاقتصادية الموجودة في المحيط الدولي الإتحاد الأوربي، منظمة آسيان، منظمة الدول الأمريكية، فإلى أي حد يترجم المغرب توجهاته واهتماماته بالعالم الإسلامي عبر منظمة المؤتمر الإسلامي؟
إضافة إلى ذلك، فان دراسة العلاقات الثنائية تسمح بدورها بإيجاد المؤشرات الإجرائية الكفيلة بمد الباحث بأدوات الاشتغال الضرورية لإدراك جوانب من السياسة الخارجية للمغرب نحو دول العالم الإسلامي موضوع دراستنا، وذلك بناء على قياس درجة حيوية وديناميكية العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية، وقد سارع المغرب في الآونة الأخيرة إلى توقيع العديد من اتفاقيات التعاون مع الدول الإسلامية كما هو الشأن بالنسبة لاتفاقيات التبادل الحر مع مصر وتركيا (تم توقيعها في غضون سنة 2004 ودخلت حيز التنفيذ في يناير 2006، وتنص الاتفاقية المذكورة على تفكيك تدريجي للرسوم وإنشاء منطقة للتبادل الحر الصناعي وتحرير تجارة الخدمات)، وهدا ما يوضح نسبيا محاولة المغرب إيجاد منافذ جديدة يتجاوز من خلالها حالة الجمود التي باتت تطبع علاقته بالدول الإسلامية.
لا شك أن تحديد الإشكالية الرئيسية للموضوع ووضع المنهج الملائم لتحليلها، يتطلب مسبقا استحضار الإطار النظري والمرجعي للظاهرة المدروسة، بمعنى محاولة تشخيص أهم النظريات والمقتربات الرائجة في حقل العلاقات الدولية للاستعانة بها في تحليل الموضوع، وقد وظفنا في هذا المجال المقتربات النظرية التالية:
أولا- النظريات المتعلقة بتشخيص طبيعة النظام الدولي.
ثانيا- المقاربات المهتمة بتحليل مفهوم القدرة والقوة لدى الدول، و التركيز على وجه الخصوص على إسهامات المدرسة الواقعية.
ثالثا- الدراسات الجيوستراتيجية المعروفة بدراسة المناطق.
العمل على توظيف واستقراء الإطار الإتفاقي الذي يربط المغرب بالعالم الإسلامي، وذلك بجرد وتحليل معظم الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعها المغرب مع دول هذه المنظومة، سواء منها السياسية؛ الاقتصادية والثقافية، إن على المستوى المتعدد الأطراف أو على مستوى العلاقات الثنائية.
من جانب أخر، فالاعتماد على المؤشرات القانونية المتمثلة في معاينة حجم المعاهدات والاتفاقيات والبروتوكولات؛ من شأنه إعطاء نظرة جزئية على شكل السلوك الخارجي المغربي من زاوية العلاقات السياسية والاقتصادية التي تربط المغرب مع هذه البلدان، كما أن حجم الزيارات الرسمية المتبادلة بين قيادات هذه البلدان ساهمت في وضع البنيات الأولى للتعاون في شتى المجالات، بداية بتمتين العلاقات السياسية؛ كما أن الاعتماد على مؤشرات قطاعية حول حجم التبادل الاقتصادي والثقافي والدبلوماسي، أفضى إلى استنتاج معطيات واضحة عن هذا التعاون خلال السنوات موضوع الدراسة ومدى تأثير الأحداث والتحولات الإقليمية على وثيرة التفاعلات البينية.
في تحليل إشكالية موضوع الدراسة، تم الاعتماد على منهج رئيسي ومجموعة مناهج ثانوية، ذلك أن دراسة السياسة الخارجية للمغرب إزاء العالم الإسلامي تستوجب الاستعانة بمجموعة من المناهج المرتبطة بدراسة العلاقات الدولية كحقل معرفي يتميز بالتداخل الشديد بين السلوك الدبلوماسي من جهة ودور الجيوسياسية الدولية والجهوية من جهة ثانية.
إن توظيف مجموعة من المناهج الإجرائية، تفرضه طبيعة الدراسة التي تتداخل فيها العديد من العوامل الرئيسية والثانوية، وكذلك المقاربات النظرية التي لاشك أنها تساعد على إعطاء المفاتيح النموذجية للتحقق من الفرضيات وتأطيرها بشكل علمي.
راهنت هذه الدراسة على استعمال المنهج النسقي، من خلال دراسة كيفية انتقال وتحول ضغوطات دولية وأحيانا انفعالات دولية إلى قرارات ومواقف دبلوماسية، حيث ركزنا الاهتمام على دراسة السياسة الخارجية المغربية وجوانب التداخل مع العالم الإسلامي والقضايا التي تعني بها؛ وكذا التداخل أو التنافر بين عناصر النسق الدولي (الجيوستراتيجية الدولية) والنسق الإقليمي والوطني، ويعتبر هذا استجابة شرطية لضرورة تحليل المجال الخارجي نتيجة للتحولات الجذرية التي يشهدها للنظام الدولي، لاسيما مع ارتفاع درجة الاعتماد المتبادل بفعل الثورات الكبرى التي شهدتها الإنسانية في كافة المجالات وخاصة في ميدان الاتصال والمعلومات.
إن توظيف هذا المنهج، يساعد على مقاربة محتوى هذه السياسات إزاء مختلف مناطق العالم الإسلامي، مع التركيز في إطار العلاقات الثنائية على بعض المناطق دون غيرها لتوفر الحد الأدنى من شروط التعاون والتفاعل بينها وبين المغرب.
في عالم ما بعد الحرب الباردة؛ أصبح واضحا أن صياغة القرارات الخارجية تكرس حتما التداخل الواضح بين الديناميات الداخلية والخارجية، إلى حد أصبح من الصعب وضع حدود بارزة بين ما يندرج ضمن السياسة الداخلية، وما يرتبط بالممارسة الخارجية للدولة، فاستعمال المنهج النسقي يعبد الطريق لإدراك العوامل المساهمة في عملية صنع القرار الخارجي، وتأثير ذلك على تفاعل المغرب مع الدول الإسلامية، وكذلك فهم المحددات العامة للسلوك الخارجي، وعلى سبيل المثال، رصد تأثير العوامل الداخلية والخارجية في السلوك الخارجي للمغرب، وخاصة بعد الانتقال إلى عهد الملك محمد السادس، حيث طفت فوق السطح رؤيا جديدة تؤسس لنهج جديد في معالجة القضايا الداخلية،تتجلى في تبني خيار الانفتاح السياسي (تسوية ملفات المعتقلين وضحايا الاختفاء القسري، قضايا حقوق الإنسان والحريات العامة)، و المضي في تحقيق الإنجازات الاقتصادية. هده الانشغالات ساهمت بشكل ملحوظ في غياب المغرب كمحاور ومفاوض أساسي في الأزمات العربية والإسلامية مكتفيا بتسجيل حضور رسمي في الملتقيات والمؤتمرات الإسلامية، كما لم يعد يتدخل في صياغة مبادرات تتعلق بالقضية الفلسطينية كما هو الشأن في مرحلة الثمانينات وبداية التسعينات، مع تسجيل تراجع لدور لجنة القدس التي ارتبطت مند بداية تأسيسها بالمغرب.
من جهة أخرى، فان توظيف المنهج النسقي يتضح أيضا من خلال إدراك آليات الضبط التي تحكم النظام الدولي، الادعانات الخارجية التي تؤثر على رسم السياسة الخارجية المغربية إزاء العالم الإسلامي، ونورد يهدا الخصوص دور الضغوطات الدولية وأولوية المصلحة الوطنية) قضية الصحراء المغربية( في اختيار المغرب للشراكة الأوربية والأمريكية بدل التعاون مع العالم الإسلامي المنقسم على نفسه، إضافة إلى الحفاظ على نوع من الاستمرارية لهده السياسة كلما تعلق الأمر بأولويات المصلحة القومية، مع الاعتراف بوجود قنوات متنوعة تدافع عن هده المصلحة وتمثلها خارج الحدود سواء في إطار الدبلوماسية الاقتصادية والدبلوماسية البرلمانية أو الشعبية، حيث تكاثرت مبادرات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية العابرة للحدود الهادفة إلى التعريف بعدالة القضايا الوطنية.
إلى جانب هذا المنهج، تم الاعتماد على بعض المناهج المكملة كالمنهج التاريخي و ذلك من خلال مواكبة الأحداث والتطورات التي ميزت علاقة المغرب بالعالم الإسلامي بعد نهاية مرحلة الثنائية القطبية، و لمعرفة الرواسب والمرجعيات التاريخية للممارسة الخارجية؛ وكذلك للاستدلال والبرهنة على بعض الفرضيات والوقائع القادرة على تفسير محددات السياسة الخارجية والمغربية تجاه العالم الإسلامي، مع تجاوز السرد الكرونولوجي الذي من شأنه أن يضفي طابع الرتابة على الموضوع، هذه النظرة التاريخية تساهم دون شك في قياس الاستمرارية أو التغيير في الممارسة الدبلوماسية المغربية والمصالح الحيوية للمغرب.
من ناحية أخرى، فتوظيف المنهج المقارن نعتبره مفيدا، من خلال تسليط الضوء على تفاعل المغرب مع باقي المناطق الجغرافية ومقارنتها بالعالم الإسلامي من الناحية الكمية والكيفية، مما يعطي نظرة تقريبية حول حجم التعاون سواء السياسي والاقتصادي مع هذه البلدان، حيث نستطيع عبر هذه الآلية استنتاج توجهات سلوك السياسة الخارجية المغربية وموقعها داخل التوازنات الإقليمية وعلاقتها بباقي القوى السياسية والاقتصادية الإقليمية.
وللإشارة أيضا، فان استخدام التحليل القانوني والإحصائي واعتماد المنهج الاستقرائي، يمكن من رصد العلاقات المتعددة والثنائية الأطراف خلال فترة زمنية معينة، الشيء الذي يترتب عنه التأكيد على التحليل الكمي والكيفي من خلال جمع المعطيات والتوصل إلى تفسيرات تركز على واقع هذه التفاعلات كما هي على أرض الواقع وليس كما يجب أن تكون، حيث أن الاعتماد على أسلوب الإحصاء ولغة الأرقام يعتبر آلية مناسبة لتعميم النتائج ومقارنتها وتحليلها وتفسيرها بناء على إجراء مقارنات إحصائية تهم التفاعلات الموازية للمغرب مع مناطق ودول أخرى.
فانطلاقا من هذه المقاربة العملية والإجرائية، نستطيع أن نصل إلى تحديد واستخلاص نتائج هذه التفاعلات مقارنة مع مناطق ودول أخرى تشكل محور الاهتمام بالنسبة للمغرب، أي ملاحظة التغيير الذي يطرأ على المعطيات الإحصائية ارتفاعا وانخفاضا، وتحليل الأسباب الكامنة وراء ذلك والتوجهات الحقيقية للسياسة الخارجية المغربية وإذعانات المحيط الدولي والالتزامات الشرطية والقانونية التي تحد من فعالية هذا النهج الدبلوماسي المغربي نحو العالم الإسلامي، إضافة إلى دراسة آفاق ورهانات هذه السياسة وآليات تطوير نسق هذه العلاقات مع الحفاظ على المصالح الوطنية ومراعاة عنصر التوازن الإقليمي.
بناء على هده المعطيات تم تقسيم البحث إلى قسمين :
 في القسم الأول حاولنا الإجابة عن تساؤلات جوهرية تتعلق بدينامية الاندماج والتفاعل بين المغرب والعالم الإسلامي مع التركيز الشديد على ماهية وطبيعة هذه العلاقات، و دراسة مجالات التعاون سواء على الصعيد المؤسساتي و الإقليمي و خاصة من كشف النقاب على إسهام المغرب داخل منظمة المؤتمر الإسلامي و لجانه وهيئاته المتخصصة سواء منها السياسية والاقتصادية و الثقافية، و من جهة ثانية أحاطت الدراسة بمستوى و حجم العلاقات الثنائية التي تربطه بالدول الإسلامية.
 أما بالنسبة للقسم الثاني فقد خصصناه لدراسة محددات وآفاق التفاعل بين المغرب والعالم الإسلامي بعد نهاية الحرب الباردة، والرهانات الاستراتيجية لإنعاش وتقوية هذه العلاقات.
بعد اختبار جملة من الفرضيات في هذا البحث، واستعمال المقاربات النظرية والمرجعية التي ساهمت في معالجة الإشكالية الجوهرية واستخدام العديد من المؤشرات الإجرائية في مقاربة السياسة الخارجية المغربية، توصلنا إلى الاستنتاجات التالية :
- عدم توفر المغرب على رؤيا إستراتيجية واضحة المعالم إزاء العالم الإسلامي، مع اعتباره منطقة ثانوية بالنظر إلى حجم التفاعلات الضئيلة التي تربط المغرب بالدول الإسلامية، والتي تقدر بنسبة تقل عن 3 من الحجم الإجمالي للمبادلات الاقتصادية مع الدول الأجنبية.
- تميز هذه العلاقات بالانحسار سواء على مستوى العلاقات المتعددة الأطراف أو على صعيد العلاقات الثنائية، فبالرغم من الطابع الارتجالي وعدم الاستقرار الذي يطبع هذه العلاقات، فإنها قد سجلت في مرحلة التسعينات بعض الانتعاش من خلال العودة إلى التعاون مع البلدان الإسلامية كخيار تفرضه طبيعة التحالفات السياسية وتعقد البيئة الدولية، وإعادة تمتين العلاقات الدبلوماسية مع دول عربية وإسلامية كسوريا ومصر ودول الخليج العربي، بالمقابل عدم إعطاء أهمية كبرى للجانب الاتفاقي مع الدول الآسيوية الإسلامية كاندونيسيا، ماليزيا وتركيا، رغم أن هذه الدول أصبحت تساهم بقسط وافر في تنمية العلاقات الاقتصادية مع مجموعة دول الجنوب.
- تأثر العلاقات السياسية بين المغرب والدول الإسلامية بالطابع الشخصي للعلاقات بين قيادات بعض هده الدول، ويتجلى دلك في استغلال شبكة من الروابط والعلاقات الشخصية التي نسجها النظام السياسي المغربي عبر التاريخ مع مجموعة من قادة الدول العربية والإسلامية، الشيء الذي يفسر غياب العنصر الموضوعي والعقلاني في إصدار القرار الخارجي، الذي يظل في مجمله خاضع لمنطق الفعل ورد الفعل مع تسجيل عدم الثبات والاستقرار في وثيرة هذه العلاقات.
- ضعف الاندماج السياسي مع العالم الإسلامي، يقاس دلك بمدى فعالية الآلة الدبلوماسية على تبني مواقف وتوجهات تخدم قضايا الأمة الإسلامية، وفي هذا السياق أكد المغرب دائما رغبته الدائبة في دعم القضية المحورية للدول الإسلامية ألا وهي القضية الفلسطينية، حيث عمل على المطالبة باسترجاع الحقوق المغتصبة للشعب الفلسطيني من خلال رئاسته للجنة القدس الشريف واحتضان العديد من مؤتمرات القمم الإسلامية، مع تراجع هذا الدور المحوري في السنوات الأخيرة.
- على صعيد التعاون الاقتصادي، يتضح أن رقعة العالم الإسلامي الشاسعة تطرح بالنسبة للمغرب إشكالا جيوستراتيجيا عميقا، حيث انه بعد نهاية الحرب الباردة، اتضح بما لا يدع مجالا للشك أن المغرب لا يزال يعتبر الاتحاد الأوربي الشريك الاقتصادي الأول، باعتبار أوربا المنطقة الأقرب إليه جغرافيا والتي يرتبط معها باتفاقيات إطار تنظم فضاءات التعاون الاقتصادي، وذلك في مقابل جمود اتحاد المغرب العربي وجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، هذا بالإضافة إلى وجود معطى جديد هو المنافسة الاقتصادية الأمريكية للكيان الأوربي على المنطقة المغاربية، وفتح آفاق جديدة للاستثمار الأمريكي في المنطقة ضدا عن سيطرة أوربا على المنطقة الإفريقية التي تعتبرها من منظور استراتيجي بمثابة حديقة خلفية لها.
- على الصعيد الثقافي، فإن المغرب تربطه بالعالم الإسلامي وشائج ثقافية وجذور تاريخية عميقة تجعل من الموحد الديني، حائط الدفاع الأخير للثقافة الإسلامية، ويعمل المغرب من خلال المنظمات المختصة على ترسيخ الإشعاع الثقافي والتعريف بالإسلام كثقافة للتسامح والحوار،إلا أن الحصيلة الراهنة المتمثلة في التعاون في المجال العلمي والديني والمساعدة التقنية، تبقى محدودة باستثناء التنسيق على الصعيد الديني مع بعض الدول الإسلامية لإيجاد حلول لبعض القضايا الإسلامية( في إطار مجمع الفقهاء المسلمين) ويتمثل كذلك في حضور وزراء الشؤون الإسلامية للمغرب في زيارات علمية ودينية، وحضور شخصيات علمية إسلامية وازنة بالتنسيق مع رابطة علماء المسلمين لتقديم مساهماتهم بمناسبة الدروس الحسنية خلال شهر رمضان، والتي يشرف عليها ملك المغرب، إذ تكون فرصة مواتية لمطارحة القضايا الشرعية والعلوم الفقهية.
- على المستوى التقني، فقد عرف تبادل الخبراء والتقنيين في الميادين والقطاعات الاقتصادية كالميدان الفلاحي والصناعي بين المغرب والبلدان الإسلامية، بدوره انكماشا كبيرا، باستثناء التواجد المغربي في بعض البلدان الخليجية والتي تتمثل في الأيدي العاملة التي لا تتوفر على خبرة وتجربة في الميدان التقني والمعلوماتي، والتي تتأثر بما يحدث في المنطقة كما هو شان العمالة المغربية التي كانت تستقر بالعراق والتي واجهت المصير المجهول بعد انهيار النظام العراقي ودخول هدا البلد في دوامة الحرب، كما نسجل غياب الدورات التكوينية في القطاعات التقنية الدقيقة والتي قد تمكن إن وجدت من تبادل الخبرات والتجارب بين المغرب وهذه الدول في شتى القطاعات خاصة الفلاحية والصناعية...
- فشل تطبيق مفردات الإقليمية بين الدول الإسلامية، مقابل نجاحها لدى الدول الأوربية، لأسباب ترجع إلى غياب الانسجام والتنسيق بين مكونات العالم الإسلامي في كل الأبعاد الاقتصادية، السياسية والثقافية، ويتجلى دلك في عدم تطبيق قرارات وتوصيات القمم الإسلامية، مما يوضح غياب إستراتيجية واضحة المعالم في التعامل مع هذه المجموعة كخيار جيوستراتيجي يمكن أن يقلل من حجم الإذعانات المفروضة من طرف المحيط الدولي، خاصة إزاء علاقاته التقليدية مع شركائه الاقتصاديين، إضافة إلى ضرورة تحسين وضعيته وموقعه على الصعيد الإقليمي، علما أن المنافسة الإقليمية تفرض على العالم الإسلامي تطوير إمكانياته الاقتصادية،و تبني دبلوماسية هجومية تقوم على أساس المبادرة و الإدراك الجيد لأهمية التكتلات الاقتصادية و دعم التعاون بين دول الجنوب، بدلا من نهج دبلوماسية دفاعية تقوم على أساس رد الفعل فقط، و في حالات كثيرة يتأخر هذا الرد، و يصبح مجرد اجتماع قيادات الدول الإسلامية انتصارا كبيرا في حداته، كما هو الشأن بالنسبة للأزمة العراقية.
- تواضع مستوى الأداء الدبلوماسي بالرغم من انتشار التمثيليات الدبلوماسية في مختلف هذه الدول، وربط علاقات رسمية يعود تاريخ إنشائها إلى بداية الاستقلال، وغياب شبه كلي لثقافة دعم أسس الاستثمار الاقتصادي في هذه البلدان لخدمة المصالح الاقتصادية المغربية، المتمثلة أساسا في تسويق المنتج المغربي وفتح أسواق جديدة أمام المقاولات المغربية، كما يلاحظ الاقتصار على الدول العربية دون غيرها من الدول الإسلامية و خاصة دول آسيا الوسطى و دول القوقاز الإسلامية الغنية بالنفط، الأمر الذي يستدعي إعادة الانتشار الدبلوماسي وفق منطلقات جديدة تراعي الجانب المالي و الاقتصادي.
- ضعف أداء الدبلوماسية الموازية المغربية إزاء الدول الإسلامية، فأغلب المنظمات الغير الحكومية و الجمعيات و مكونات المجتمع المدني ترتبط أساسا بالعالم الغربي.
- على صعيد الاتفاقيات الثنائية، فإن حقبة التسعينات سجلت إعادة رسم علاقات متوازنة مع بعض البلدان العربية الإسلامية، وخاصة بعض دول الخليج ومصر وسوريا وتركيا، وما يلاحظ خلال هذه المرحلة أساسا هو انتظام انعقاد دورات واجتماعات اللجان العليا المشتركة، بعدما كانت قبل هذا التاريخ تتأخر عن الانعقاد لأسباب سياسية، فالعلاقات الثنائية بين المغرب والدول الإسلامية أصبح يتحكم فيها منطق سياسي واقتصادي جديد يتجلى في تجاوز القضايا الخلافية، والتركيز على فضاءات توحد الرؤى بين هذه الدول في اتجاه دعم روح الانسجام والترابط الكفيلين بتحقيق التكامل والاعتماد المتبادل بين هذه البلدان، بالرغم من دلك فالعديد من الصعوبات ما زالت تعتري تطبيق بنود الاتفاقيات التي تضل حبرا على ورق في غياب الإرادة السياسية المشتركة.

لقد خفضت إعادة بناء المشهد الدولي التي بدأت بعد نهاية الحرب الباردة دور المغرب الجيوستراتيجي، بحيث لم يعد يقوم بتلك الوظائف الدولية التي اعتمد عليها لتقوية علاقاته مع المعسكر الغربي، وعلى الصعيد العربي والإسلامي، تراجع دوره كوسيط في أزمة الشرق الأوسط، في الوقت الذي أصبحت فيه المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين تتم بشكل مباشر، خاصة بعد قيام السلطة الفلسطينية.
فمقابل سياسة خارجية استغلت الثنائية القطبية للنظام الدولي خلال الحرب الباردة للدفع بسياسة برغماتية كانت موالية للغرب وساهمت في تصنيف المغرب في مرتبة أكبر مما يفترضه وزنه الديمغرافي والاقتصادي، راهن الملك محمد السادس على دبلوماسية تقريرية اعتمدت تنوع العلاقات (الهند، الصين، الفيدرالية الروسية، معتمدا على الصيد كأداة يحاول الحصول بها على الدعم في قضية الصحراء) دون القيام بمبادرات كبرى في الشرق الأوسط.
لقد عرفت الدبلوماسية المغربية خلال السنوات الأخيرة، ثلاث قضايا بارزة :البحث عن حل سياسي ونهائي لقضية الصحراء المغربية، الأزمة الدبلوماسية مع اسبانيا 2001، 2003 والتي بلغت ذروتها اثر أحداث جزيرة ليلى،و تمتين العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة أوربا المقسمة في سياستها الخارجية، والتي ما زال المغرب مرتبطا بها تجاريا ويطمح لبلوغ مكانة شريك معها، هده الوضعية تبين هشاشة المغرب الجيوسياسية، في وقت أصبح فيه جليا تهميش المغرب نتيجة توسيع الإتحاد الأوربي نحو الشرق والتعريف الذي أعطته الولايات المتحدة الأمريكية لمفهوم الشرق الأوسط الكبير.
إن تمتين العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية في إطار «الحرب على الإرهاب»، وسياسة التدخل الأمريكية في العراق قوت من دور المغرب كبلد عربي ومسلم معتدل في تزكية مشروع إصلاح العالم العربي والإسلامي، الذي تطمح الإدارة الأمريكية من خلاله، إلى إضفاء الشرعية على تدخلها في العراق، كما يسمح للمغرب باستغلال الندية الحاصلة بين الإتحاد الأوربي والولايات المتحدة، مسترجعا بدلك اللعبة الثلاثية التي طالما استعملتها دبلوماسيته. ويعكس توقيع اتفاقية التبادل الحر مع واشنطن في مارس 2004- والذي تلقته الجهات الأوربية بانشغال كبير- رغبة المغرب في تقوية علاقاته مع الولايات المتحدة، هادف من وراء دلك الحصول على دعم لطرحه في قضية الصحراء، مقابل دعم حازم للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
بناء على ذلك، فالدبلوماسية المغربية مدعوة إلى تبني تصور استراتيجي يهدف إلى استغلال كل الإمكانيات المتوفرة والمحتملة، باعتباره بلدا دو قدرة متوسطة من منظور القوة والتفوق الاقتصادي والعسكري والسياسي والثقافي، الأمر الذي يمكنه لا محالة من تكييف هذه القدرة مع معطيات المحيط الدولي، بداية بتفعيل الدبلوماسية الجماعية من داخل المنظمات الجهوية، كمنظمة المؤتمر الإسلامي كتجمع إقليمي يضم أغلب الدول الإسلامية.
بناء على ما سبق، يتبين أن تنفيذ الاستراتيجيات الجديدة بالنسبة للمغرب إزاء العالم الإسلامي، يتطلب نهج سياسة معتدلة يراعي من خلالها علاقته بأطراف النظام الدولي خاصة الدول المهيمنة منها، من خلال توفير كافة الآليات والوسائل الدبلوماسية القادرة على حل هذه المعادلة المتمثلة في مدى استثمار ارتباطه مع القوى الكبرى لدعم مصالحه الحيوية من جهة، وتفعيل العلاقات مع العالم الإسلامي من خلال إعادة رسم الأولويات الجديدة لعمل الدبلوماسية المغربية من جهة أخرى، وكذا وضع أجندة خاصة لتسريع وثيرة التعاون مع هذه البلدان.
لا شك أن العامل الثقافي أيضا بإمكانه أن يلعب دورا محوريا في هذا التقارب، بناء على توحد البنيات الثقافية المشتركة بين المغرب والدول العربية الإسلامية، كذلك الأمر بالنسبة لاحتضان المغرب للعديد من المبادرات الثقافية الهادفة إلى التعريف بالهوية والحضارة الإسلاميتين، ويتم ذلك بواسطة الدبلوماسية الموازية بالتنسيق مع الهيـئات والمنظمات الغير الحكومية وخلق المؤسسات العلمية والأكاديمية، ونشير في هذا الصدد إلى الدور الثقافي لأكاديمية المملكة المغربية في مناقشة قضايا تمس العالم الإسلامي والمنتظم الدولي بصفة عامة.
إن السلوك الدبلوماسي المغربي يواجه العديد من التحديات والرهانات التي تتطلب منه البحث عن حلول آنية واختراق القوالب التقليدية للتمثيل الخارجي، بدءا بالقراءة الواعية والمتأنية لطبيعة القرارات الخارجية المتخذة، وإسهام كافة الفعاليات المعنية بتصدير صورة المغرب نحو الخارج، والبحث عن تطوير العلاقات مع العالم الإسلامي، وتتجلى التحديات أساسا قي :
-تحديات ذات طبيعة سياسية وإستراتيجية، وتتجلى أساسا في بروز نظام الأحادية القطبية الذي ساهم في غياب التحالفات وإلغاء الإيديولوجيات واعتماد الدول الكبرى على مفهوم المصلحة كحافز موجه لسياستها الخارجية (على سبيل المثال، موقف الولايات المتحدة من قضية وحدتنا الترابية في خضم الموازنة بين مصالحها الاقتصادية والصداقة التقليدية، كما أن المصلحة الوطنية هي دافع أساسي لخلق تحالفات مع دول إسلامية بإمكانها تلعب دورا إقليميا فاعلا كما هو الشأن بالنسبة لإيران وتركيا وماليزيا واندونيسيا.
- تحديات اقتصادية وتكنولوجية:تتجلى في طبيعة النظام الاقتصادي الليبرالي الذي أصبح يهدد السيادة الاقتصادية للبلدان النامية، فالدبلوماسية المغربية مدعوة للانخراط بقوة ضمن إفرازات العولمة والتفاعل مع رهاناتها والتصدي لتحدياتها.
 تحديات تهم الاتصال والثورة المعلوماتية :وعلى هدا الصعيد فان المغرب مدعو للعمل مع الدول الإسلامية قصد تجاوز الفجوة الرقمية والمعلوماتية التي تفصله عن الغرب، ودلك من خلال إنشاء هيئات ولجان إسلامية عليا تسهر على تبني سياسة مشتركة يكون هدفها الأساسي التصدي للحملات الإعلامية الغربية العدائية على المسلمين وتصحيح الصورة المشوهة التي يحاول الغرب أن يلصقها بالدول الإسلامية لدى الرأي العام العالمي.
 تحديات ذات طبيعة أمنية : تتجلى من خلال دور الدبلوماسية في التصدي لظاهرة الإرهاب عن طريق المفاوضات تارة وتوجيه وسائل الإعلام، وتوظيف الدبلوماسية الوقائية التي تعتبر الوسيلة الناجعة لتهذيب العمل الدبلوماسي وبناء دبلوماسية هادئة ومعتدلة تعرف حدود المصلحة الوطنية وتنأى عن التحالفات التي قد تنعكس سلبا عن هده المصالح، كما أن التنسيق مع الدول الإسلامية أمر لا مناص منه لتعريف مفهوم الإرهاب وتوضيح وجهة النظر الإسلامية بهذا الخصوص.
وهكذا فإن إعادة القراءة والاستشراف الجيد لمستقبل هذه العلاقات، يستوجب وضع استراتيجيات متوسطة وطويلة الأمد لمعرفة الغايات والأهداف المراد تحقيقها خلال فترة زمنية معينة، وتلعب المؤسسات العلمية والمعاهد الدبلوماسية دورا بارزا في التحضير والإعداد للأطر البشرية القادرة على تحقيق هذه الرهانات- حيث يفتقر المغرب لمعهد للتكوين الدبلوماسي و مراكز للأبحاث و الدراسات الدبلوماسية و الإستراتيجية- وتأتي مبادرة العاهل المغربي الداعية إلى إنشاء معهد للدراسات الدبلوماسية داخل أروقة جامعة الأخوين لتؤكد ضرورة تحديث وإصلاح هياكل وزارة الخارجية، دعم أسس الدبلوماسية الموازية، وتبني منظور دبلوماسي جديد للقرن الواحد والعشرين.
إن القراءة الأكاديمية للموضوع تجعل المغرب في علاقته مع العالم الإسلامي، يقع في دائرة التقاطعات والتفاعلات الدولية، هدا الأمر يفسر أن السياسة الخارجية المغربية تنهج سياسة الاعتدال في مواجهة الاكراهات الدولية وتوفيقها بشكل عقلاني مع المصالح المغربية المتناغمة مع المعطيات الجديدة للنظام الدولي.

ملحوظة: هذا التقرير هو في الأصل ملخص لأطروحة جامعية ناقشها الباحث بتاريخ 25/01/2006 بكلية الحقوق ،جامعة محمد الخامس بالرباط تحت إشراف اللجنة العلمية المكونة من د. الحسان بوقنطار بصفته رئيسا ومشرفا على البحث، وأعضاء اللجنة د.امحمد الداسر، د.عبد الواحد الناصر، د. عزالدين غفران و د. عبد الرحيم المصلوحي، و حصل بموجبها الباحث على شهادة الدكتوراه في الحقوق بميزة مشرف جدا.



#محمد_عصام_لعروسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
- كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمد عصام لعروسي - السياسة الخارجية المغربية إزاء العالم الإسلامي: مرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة.