أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - الوجود في أساطير الخلق الأولى الحلقة السادسة















المزيد.....

الوجود في أساطير الخلق الأولى الحلقة السادسة


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6593 - 2020 / 6 / 15 - 22:53
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


فهم الأسطورة
بالرغم مما كتب عن الأسطورة وفهمها وأصلها والنظر لها من زوايا عدة حسب قراءة المتخصص لها، تبقى هي حقيقة واحدة من إبداعات العقل البشري في مراحل تطوره المبكرة، وواحدة من شواهد قوة العقل على تفسير أو حتى برمجة الواقع وفق متطلبات العصر وحاجات الإنسان المثالية، فالأسطورة ليست باليقين هي بقايا تاريخية فقط لفكر مجتمع ونتاج رؤيته بل هي أيضا دليل على أن العقل الإنساني لم يتوقف عن أبتكار ما هو واجب وضروري للمسايرة والتوائم مع محركات ودوافع الصراع من أجل البقاء والصراع من أجل الأستمرار.
البعض ممن درس الأسطورة ينسبها للميثولوجيا الدينية ويظن أنها متراكمات العقيدة الدينية عند الإنسان في مراحل تطورها فقط، فهو بذلك يخرجها من واقعها الإنساني ليحيلها إلى قوى مقدسة أو على الأقل تصور العقل البشري للأستجابة لتلك القوى وأحكامها، فهي لم تولد طبيعيا بقدر ما هي نتاج للخضوع لهذه القوى وردة فعل لوجودها، يقدم لنا توماس بوليفنش (1) أربع نظريات في أصل الأسطورة جعل التفسير الأول والأهم هو التفسير الديني، إذ يقول (أن حكايات الأساطير كلها مأخوذة من الكتاب المقدس مع الأعتراف بأنها غيرت أو حرفت، ومن ثم كان هرقل اسماً آخر لشمشون المارد دبوكاليون ابن بروميشيوم الذي انقذ زيوس مع زوجته من الغرق فوق أحد الجبال هو نوح و هكذا) .
لقد فات هذا الكاتب وبسبب أعتقاده أن الكتاب المقدس هو مصدر المعرفة الأول قد جاء تاريخيا بعد ألاف السنين من ظهور أكثر الأساطير التاريخية، فهو قد يكون في جزء منه نتاج تلك الأساطير أو إنعكاس لها كما هو ثابت تأريخيا (أن السبي البابلي قدم لليهود فرصة الإطلاع على آداب و ديانة وأساطير ثقافة أرض الرافدين وعندما عادوا إلى أورشليم قاموا بتدوين نصوص التوراة المتفرقة في كتاب جامع وكانت الاينوما ايليش درة الادب و الفكر البابلي عميقة التأثير فيهم، و تعد ملحمة الاينوما ايليش من أجمل النصوص الأدبية القديمة وهي الى جانب ملحمة جلجامش وملحمتي هوميروس و بعض اسفار التوراة، أبدع ما أنتج انسان الحضارات القديمة من أدب).
فليست كل الأساطير دينية بالضرورة كما في أسطورة البحث عن الخلود البابلية وغيرها من الأساطير، التي أبدع العقل البشري تماما من صياغتها على النحو الذي عبر فيها عن نفسه وعن عصره وثقافته المرتبطة بالبيئة وحاجاته، لذا مثلا إلا يجزم عالم الانثروبولوجيا الشهير مالينوفسكي(2) أن (الأسطورة تنتمي للعالم الواقعي وتهدف إلى تحقيق نهاية عملية، فهي تُروى لترسيخ عادات قبلية معينة أو لتدعيم سيطرة عشيرة ما أو نظام اجتماعي ما وهذا هو سبب نشأتها و غايتها)، هنا يرى العالم مالينوفسكي إن الأسطورة وسيلة أجتماعية بحته يستخدمها المجتمع (القبيلة أو العشيرة) لترسيخ قيم خاصة ذاتية بترديدها أو حتى تقديسها، لأن في هذا الفعل سبب وجيه وأكيد يبقيها حية وقادرة على إدارة الصراع لمصلحتها، ومع أن هذا التفسير قد يكون صحيحا في بعض أوجهه لكنه بالتأكيد ليس كافيا ولا شاملا لكل الأساطير وخاصة ما يتعلق منها بالعالم اللاهوتي أو عالم الدين والعقيدة، إلا إذا أختزلنا المجتمع بالدين والدين بالمجتمع وكأنهما واحد.
ذهب بعض الدارسين إلى فهم الأسطورة من منظار أخر منظار شخصي لا أجتماعي بشكل كبير، وعبروا عنه أن الأمر لا يتعدى كونه أمر لا عقلاني لكنه أصيل، بمعنى أنها ليس نتاج العقل المتدبر والمختار والذي يعبر عن نفسه بحسيات معرفيه، فالأسطورة مثلا عن فرويد ما هي إلا جنس من مشتركات الأحلام أو نتاج مشابه لها ولكنه مجسد واقعيا وليس ذهنيا فيذهب إلى النتيجة التالية (هي مشابهه للحلم من حيث آلية العمل والرموز وكلاهما نتاج العمليات النفسية اللاشعورية، وكلاهما تقع أحداثه حرة خارج قيود وحدود الزمان والمكان والبطل في الاسطورة والحلم يخضع لتحولات سحرية، ويقوم بأفعال خارقة وكلاهما انعكاس لرغبات وأمانٍ مكبوتة تنطلق من عقالها بعيداً عن رقابة العقل الواعي)، فهو إذن ينطلق من لا وعي مكنون في عمق ذاكرة الإنسان ليعبر عن نفسه لا عن فعل عقلي منظم.
البعض من تلامذة فرويد له رأي خاص وإن كان يتساوق أصلا مع فكرة أستاذه عن ماهية الأسطورة، فالنوم عند الإنسان مرحلة مراجعة وأستعداد وتأمل لا شعوري في الواقع، بينما عملية التناشط والنكوص في المجتمع ومعارفة وهذه حالة طبيعية تمر بها كل المجتمعات الإنسانية تمثل حالة النوم واليقظة عند الإنسان، فعندما تتعب المجتمعات وترهق معرفيا وأجتماعيا لا بد لها أن تستريح لتدخل مرحلة التباطؤ ثم النكوص (مرحلة النوم الأجتماعي) وعندما تصحو مرة أخرى أول ما تفعله تتذكر أحلامها وتبدأ في التفسير فتنشأ عن ذلك الأساطير، هذا الرأي أكثر واقعية من رأي فرويد ومتقدما عليه لأن أشرك العقل أولا في المعالجة والتصور، يقول اريك فروم(3) في كتابه اللغة المنسية (فحالة السبات هي القطب الثاني لوجودنا في مقابل حالة اليقظة وليست كَماً زمنياً معطلاً للراحة، و لغة الرمز هي اللغة التي تنطق عن الخبرات والمشاعر والأفكار الباطنة كما تنطق لغتنا المحكية عن خبرات الواقع مع فارق يكمن في شمولية لغة الرمز وعالميتها وتجاوزها لفوارق الزمن و الثقافة و الجنس).
برغم هذه التفسيرات التي غالبا ما نجدها في الفكر المعرفي والفلسفي بالذات إلا أنها لم تقديم التفسير العملي للظاهرة وتقتصر في مفاهيمها على حدود المعتقد المسبق وأحيانا تعطي تبريرات شخصية أكثر من كونها ذات صبغة منطقية يقينية تجعل منها قانونا معرفيا عاما وشاملا بالقدر الذي تطرحه للمعالجة، ان إيماننا بالأسطورة كنظام فكري استوعب قلق الإنسان الوجودي وتوقه الأبدي لكشف الغوامض التي يطرحها محيطه اللا مفسر، وأحيانا اللا مبرر الذي يتحدى بها تنظيمه الكوني المحكم والذي يتحرك ضمنه في دائرة مغلقة، هنا يحاول الإنسان أن يضع إشارات ومفاهيم ورؤى ذاتية به كإنسان قلق أولا وفضولي ثانيا ومستجيب لكل ذلك ثالثا، لذا لا غرابة أن يدس في هذه الرؤيا تبريرات زائفة أو غير حقيقية فهو مجبر على أن يبدع ما يسكن قلبه عن السؤال ولو بخداعه، فالعقل هنا من يخدع نفسه وأحيانا العجز ومحدودية الأفق هي ما تدفعه لذل، ومع كل هذا لم يتوقف عن البحث والأكتشاف والتأمل ليجد نفسه بعد فترة زمنية أنه ذاهب إلى ما يتجاوز ذات الأسطورة وذات ما أراد تبريره ليكت أخرى ويبدع في الجديد.
أحيان يختلط عند البعض مفهوم الخرافة أو الوهم الشعبي (الحكايات الشعبية الفلكلورية) عن سرديات تتوارثها الأجيال شفاها لكونها تشترك بما يسمى خارق المعقول العقلي بينها، فالخرافة والوهم عادة ما تكون معرفة شفاهية تتنقل وتنتقل عبر الأجيال لوجود عنصر التشويق والمبالغة وحتى المعجزات التي تعوض الإنسان عن عجزه في أن يفعل ما يريد، فينسبها لكائن خارق كائن لا يعرف المستحيل أو حتى لا يؤمن به، هذه المعالجة العقلية أساسها شعور نفسي ذاتي بعدم القدرة على تجاوز الإنسان حدوده التكوينية بما فيها حدوده العقلية أو البدنية (فالخرافة حكاية ملأى بالمبالغات والخوارق الفعلية إلا أن أبطالها الرئيسيين هم من البشر أو الجن ولا دور للآلهة فيها، أما الحكاية الشعبية فهي كالخرافة لا تحمل طابع القداسة ولا يلعب الآلهة أدوارها، كما أنها لا تتطرق كما هو شأن الأسطورة إلى موضوعات الحياة الكبرى وقضايا الإنسان المصيرية بل تقف عند حدود الحياة اليومية).
إذا الأسطورة من حيث أنها فن معرفي مميز فلا بد أن تتضمن أو لا بد لها أن تحمل المميزات التالية وحصرا والتي تؤكد هويتها المنفردة وخصيصتها الخاصة وكالآتي:.
• يجب أن تكون مدونة أو منقوشة أو لها وجود حقيقي تأريخيا.
• أن تكون خارج دائرة العمل المعرفي فيها وإلا بعض المدونات التاريخية التي يتقيد بها البعض اليوم وما زالت عاملة برغم من الشرط الأول لكنها لا تعد أسطورة كالكتب الدينية مثلا.
• وجوب أن يكون بنائها الفني رمزيا في تناوله للقضايا الكبرى لشعب ما أو مجتمع ما منسوبا للزمان والمكان، فلا تعد مثلا الأثار الشخصية والإبداع الفردي المدون ولو كان تأريخيا أو مدونا من جملة الأساطير مثل الملاحم التي كتبها البعض كفن أدبي دون النظر إلى الملحمة ذاتها، فهو ناقل بفنه الأدبي وليس خالقا للملحمة.
هذه الاشتراطات الأساسية التي يجب توفرها بالأثر التاريخي المدون بأي شكل من أشكال التدوين حتى لو كان التدوين ليس بالحروف والمقاطع اللغوية، فبعض الأساطير وردت على شكل رسومات وأعمال معمارية أو فنية (نحت أو رسم أو تشكيل)، المهم أنها تنقل لنا عموم الرؤية الأجتماعية لشعب أو أمة أو حتى أجيال تعاقبت على معرفتها أو الإيمان بها واقعا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.توماس بولفينش (بالإنجليزية: Thomas Bulfinch)‏ (1211-1284هـ/1796-1867م) هو كاتب أمريكي. ألف عدة كتب عرض فيها قصص الميثولوجيا والأساطير عرضاً مبسطاً، منها " عصر الأسطورة" ( 1855)، و"عصر الفروسية" ( 1858)، و" أساطير شارلمان" ( 1863).
2.برونيسلاف كاسبر مالينوفسكي (7 نيسان 1884- 16 أيار 1942), كان عالماً بولندياً مختصاً في علم الإنسان ويعد من أهم علماء الإنسان في القرن العشرين، وهو من أهم الرواد في علم الإنسان التطبيقي.
3.إريك فروم (23 مارس، 1900 - 18 مارس، 1980) عالم نفس وفيلسوف إنساني ألماني أمريكي. ولد في مدينة فرانكفورت، وهو الابن الوحيد لوالدين يهوديين أرثوذكسيين، هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في 1934. والتحق بجامعة فرانكفورت وهايدلبيرغ حيث درس فيها العلوم الاجتماعية والنفسية والفلسفية.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوجود في أساطير الخلق الأولى الحلقة الخامسة
- الوجود في أساطير الخلق الأولى الحلقة الرابعة
- الوجود في أساطير الخلق الأولى الحلقة الثالثة
- الوجود في أساطير الخلق الأولى الحلقة الاولى
- الوجود في أساطير الخلق الأولى الحلقة الثانية
- دراسة أستقصائية عن الموارد العامة للدولة (الغير نفطية) للعام ...
- لماذا نفشل في كل مرة؟
- بيان الحراك الشعبي العراقي
- الفساد المالي ظاهرة تتجذر ومعالجات ناقصة.
- ولادة عالم ما بعد الكورونيالية الجديد
- سؤال ومسائل....
- الحدث الأمريكي نتيجة ضغط مجتمعي أم حتمية تأريخية.
- الملا والملاية والملائية في المجتمع العراقي.
- عنصريتنا وعنصريتهم
- ما هو أفق الأقتصاد الذكي
- رواية ( عرف الديك) ح2
- تحرير القدس مفاتيح وأوهام بين الممكن والمستحيل
- العالم وشروطه في سورة غافر
- نظرية البدء والعودة في سورة الروم
- روايتي الجديدة ( عرف الديك) ح1


المزيد.....




- بالأرقام.. حصة كل دولة بحزمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل وأ ...
- مصر تستعيد رأس تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني
- شابة تصادف -وحيد قرن البحر- شديد الندرة في المالديف
- -عقبة أمام حل الدولتين-.. بيلوسي تدعو نتنياهو للاستقالة
- من يقف وراء الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في الجامعات الأمريك ...
- فلسطينيون يستهدفون قوات إسرائيلية في نابلس وقلقيلية ومستوطنو ...
- نتيجة صواريخ -حزب الله-.. انقطاع التيار الكهربائي عن مستوطنت ...
- ماهي منظومة -إس – 500- التي أعلن وزير الدفاع الروسي عن دخوله ...
- مستشار أمريكي سابق: المساعدة الجديدة من واشنطن ستطيل أمد إرا ...
- حزب الله: -استهدفنا مستوطنة -شوميرا- بعشرات صواريخ ‌‏الكاتيو ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - الوجود في أساطير الخلق الأولى الحلقة السادسة