أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مكابدات الرحّال / الجزء التاسع














المزيد.....

مكابدات الرحّال / الجزء التاسع


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 6593 - 2020 / 6 / 14 - 20:42
المحور: الادب والفن
    


القطار النازل والقمر

غادر الرحال سجن "أبو غريب" بعد أن ودع رفاقه السجناء ثم إرتأى أن يقضي بضعة أيام في أحدى فنادق "شارع الرشيد" تسكع خلال تلك الايام ما بين أرصفة الذاكرة وما بين الازقة والحانات وارتياد مقاهي : أبو سعد وحسن عجمي وأم كلثوم والرصافي، ثم أخذته خطاه الى رائحة الكتب القديمة بين مكتبات شارع المتنبي.
حاول الرحال أن يتصالح مع الحياة الجديدة رغم إن جراح الخيبات ما زالت تنزف في ثنايا روحه.
وحاول أن لا يكترث الى هاجس إن رجال الامن يتعقبون تحركاته ولقاءاته بعد خروجه من السجن وهو يضحك في أعماقه وكان بوده أن يخبرهم بانه لم يعد هنالك سبباً أو توجساً مريباً في حياته ممكن أن يسبب ازعاجا للسلطة.
في اليوم الاخير إستقل الرحال سيارة أجرة من الفندق قاصداً "محطة القطار المركزية" وحجز تذكرة سفر بالقطار النازل من بغداد الى البصرة.
أغلقت بوابات المقصورات وزعقت صافرة القطار وزحف القطار فوق السكة الحديدية وئيداً قاطعاً جانب الكرخ. تأمل الرحّال من وراء زجاج النافذة معالم بغداد أثناء الغروب وحاول أن يتذكر أخر رحلة له بالقطار من العاصمة الى البصرة ثم ارتحلت ذاكرته بعيداً نحو ضفاف الطفولة الى محطة "المعقل" حيث كان يلتقي مع رفاقه للعب هناك في المحطة وهم يلوحون للقطار النازل وللركاب لدى وصولهم الى رصيف المحطة، أو حين يودعون ويركضون مع القطار الصاعد الى بغداد وهم يقلدون حركة القطار ويزعقون بينما الركاب يضحكون ويلوحون لهم من وراء النوافذ.
تأمل الرحال القمر وهو يعدو مع رحلة القطار الطويلة جنوباً. كان للقمر تأثيرا يستفز ذاكرته فعلاقته مع القمر وأساطيره بدأت منذ الحكاية الاولى أو ترنيمة أمه عن سر وجود صورة الارنب في جوف القمر!!
كان القمر يدهش الرحال بسطوته في السماء لا سيما حين تكتمل استدارته ويترآى بدراً ساطعاً بضوئه البهيّ فيتأمله بفضول وبخشوع من فوق سطح دارهم في ليالي الصيف، وهو لا ينفك عن تساؤلاته مع أمه في فضاءات الطفولة عن لغز صورة الارنب في وجه القمر ، فتحتضنه الأم
وترقده بحضنها وتمسد على رأسه ثم تبوح له عن قصة الارنب وسر صورته في القمر!!
فتهمس في روحه حكاية الليل بينما بدر يقاوم النعاس: يا صغيري العزيز كان هنالك أرنب في قديم الزمان إستدان ذات يوم "عانة" من "ابليس" واتفقا معاً على يوم محدد لاسترجاع الدين لكن حينما جاء موعد التسديد ولم يكن حينها بمقدور الارنب أن يفيّ بوعده ويسدد دينه، فغضب عندها ابليس من الارنب.
إنهزم الارنب مذعوراً وهو يتقافز ما بين الاحراش والبساتين والبراري أما ابليس فكان يتوعده بالقاء القبض عليه ومعاقبته أينما يكون!!
وأثناء هزيمة الارنب المفزوع كان يتوسل ويستجير مع كل ما يصادفه في الدرب .
توسل حينها الى النخلة كي تخبئه بين سعفها أو أعذاق أرطابها ومن النهر أن يعطيه قارب أو يخفيه بين ضفتيه ، ومن الطائر أن يمنحه أجنحة أو يخبئه في عشه ، ومن الجبل أن يخفيه في كهوفه أو الصحراء المترامية في رمالها وتوسل حتى للانسان بجبروته أن يحميه من غضب ابليس لكنه خشي من عقابه.
بعد أن رفض الجميع حماية الارنب خوفاً من بطش الشيطان
وبعد أن أضناه التعب وحلّ المساء وأوشك أن يستسلم الى مصيره إشرأب بعنقه نحو القمر متوسلاً في أخر محاولة أن يأويه من لعنة ابليس!!
فشفق القمر على الارنب المسكين ودعاه أن يقفز بسرعة اليه!!
حينها عرف بدر الرحال بعد أن أنهت أمه الحكاية لِم بقيت صورة الارنب الازلية توشم وجه القمر.
وضع الرحال رأسه على زجاج النافذة وقد تمالكه شعور غريب من الحزن والشوق والفرح الممزوج بالخذلان فشعر بان الرثاء يليق بذاته الجريحة:
كثيراً ما كنت أخاتل الجرح وأمضغ الترياق
كي أنسى وجع النزيف!!
أو أرتق ثقوب الذاكرة حتى يكون للنسيان حضور
يا ليت أن يرجع سهم لعبة الروليت الى الوراء
ولو لمرةٍ واحدة
لراهنت على رقم آخر وعلى حظ آخر
وعلى طاولة قمار أخرى
فعسى أن أستبدل خساراتي بارباحٍ وهمية
أو أن أغير سمسار اللعبة والقدر بسمسار آخر
تحت هذه السماء الموحشة، كنت أعد بخساراتي وخيباتي الكثيرة على أطراف الاصابع وبعد أن أنهيت عد اصابعي
تذكرت اني بحاجةٍ الى أصابعٍ أُخر!!
ياليت الزمن الذي مر بالمحطات الكثيرة والبعيدة أن يتوقف ولو لمرةٍ واحدة وأن يمزق تذكرة الرحلة كي يعود الى المحطة الاولى والى الحقيبة الاولى كي أرتب الرحلة وأختار محطة تستوعب حقائب أحلامي الملونة.
"يتبع"



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكابدات الرحال/ الفصل الثامن
- مكابدات الرحّال ظ
- مكابدات الرحّال/ الجزء السابع
- مكابدات الرحّال / الجزء السادس
- مكابدات الرحّال - الجزء الخامس
- مكابدات الرحّال القمر ورحلة البغّال الجزء الرابع
- مكابدات الرحّال الرحلة الشاقة الجزء الثالث
- مكابدات الرحّال
- مكابدات الرحال
- حقائب مهجورة في قطار قديم
- بائع الثلج
- حكايات عجلات الزمن والعربات
- عودة البطاريق للجزيرة
- غواية القمر المحتال
- السلوك المتناقض في العقل البشري
- أرصفة الرسام وخيالات العاشق
- حوار مع ماركو
- المهرج والشاعر
- تأملات في آثار بابل
- وحشة المدن المهجورة


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مكابدات الرحّال / الجزء التاسع