أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جاسم ألصفار - الوجه الاخر للحضارة الغربية الرأسمالية















المزيد.....

الوجه الاخر للحضارة الغربية الرأسمالية


جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)


الحوار المتمدن-العدد: 6593 - 2020 / 6 / 14 - 16:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عند نشرها لتوقعاتها للعام 2020 في عددها الصادر نهاية عام 2019 بخصوص قدرة البلدان المختلفة على مواجهة الأوبئة ذكرت مجلة Focus Economics: " البلدان الغربية فقط، تتقدمها الولايات المتحدة الامريكية، هي الأكثر استعدادا لمواجهة الأوبئة" والحديث هنا عن مؤشر الامن الصحي العالمي.
بالغوا في تقييم أنفسهم غير دارين بأن خدعة القدرة الكلية للحضارة الغربية الرأسمالية امام اختبار مع فيروس الكورونا الذي لم يكشف فقط زيف هذا الادعاء بل ويعري المُثل والاسس التي قامت عليه هذه الحضارة.
الأهمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية لظاهرة انتشار وباء فيروس الكورونا في الدول الغربية، بما فيها امريكا، يبدو أنها تتركز في كونها عرت بشكل أساسي زيف الأسس المثالية التي ادعت الحضارة الغربية الحديثة، وهي حضارة الرأسمالية العالمية، بأنها تقوم عليها. هناك الكثير من الحديث الآن عن أن ما تكشف ليس سوى مظاهر "موت العولمة"، سواء في ابعادها الاقتصادية او الاجتماعية او الحقوقية او حتى الأخلاقية.
وهذا الادعاء ليس سوى تستر على الحقيقة الاهم. بادئ ذي بدء، لأنه يقوم على فكرة ساذجة عن (شكل ومرحلة) العولمة الحالية كشيء قائم بذاته. اما في الواقع، فإنها مجرد مظهر آخر للرأسمالية، والتي أطلق عليها كارل ماركس "العالمية". ومن حيث المبدأ، لا يمكن للرأسمالية إلا أن تكون "عالمية"، على الرغم من أن الآليات والأساليب المحددة لتنظيم "عالمية" النظام الرأسمالي قد تغيرت بالطبع مع مسار التاريخ.
النظام الرأسمالي العالمي كان وراء مآسي عديدة مرت بها البشرية سواء في القرن الماضي أو في القرن الحالي آخرها وباء فيروس الكورونا، نذكر على الأقل الحربين العالميتين، والكساد العظيم في الثلث الأول من القرن العشرين، والازمة المالية العالمية الأخيرة عام 2008، وكذلك انتشار العديد من الأوبئة، نذكر منها "الحمى الإسبانية"، التي يمكن مقارنتها من حيث فتكها بالحرب العالمية الأولى. كل هذا لم يغير "عالمية" الرأسمالية - باستثناء أنه عدل آلياتها بطريقة ما.
دعونا نرى كيف تعامل النظام الرأسمالي العالمي الحديث مع ظاهرة انتشار وباء فيروس الكورونا. لقد كان عن حق اختبارا لكل المنظومات الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية للحضارة الرأسمالية العالمية. عرى حجم الزيف وخدعة التطور الحضاري للنظام الرأسمالي العالمي. وكشف عن الصفحة الأكثر غموضا للحضارة الغربية كخدعة على مستوى "قيمها" و "أسسها المعيارية". فتجلت "وحدة أوروبا" و "التضامن الأطلسي" و "القيم المشتركة" و "الإنسانية" وكل شيء آخر من تلك الشعارات والمبادئ التي تقوم عليها عن زيف بائس على خلفية الخوف الأناني الحيواني الذي هيمن على سياسة كل كيان وطني على حدة في النظام الرأسمالي العالمي.
تخلت أوروبا وامريكا، منذ بداية الازمة، عن ايطاليا وتركتها تواجه لوحدها وبإمكانياتها المتواضعة فيروس الكورونا عاجزة عن مقاومة انتشاره بين سكانها. النكبة الإيطالية هي "الحقيقة المجردة" لجميع "القيم العالمية" المذكورة أعلاه في شكلها الرأسمالي الحالي. ومن سخرية الاقدار، ألا يمد يد العون لإيطاليا سوى "الخصوم الاستراتيجيين" لـ "الغرب الديمقراطي" ، روسيا والصين.
ولكن هل انتصر الخوف الحيواني على "القيم" فقط على مستوى العلاقات الدولية؟ كلا، فحتى شعار "سلامة مواطننا أولوية قصوى"، والذي سمعناه في بداية الازمة، سرعان ما تم التخلي عنه بأن أضيفت اليه عبارة شرطية ".... على ان لا يضر ذلك بالاقتصاد" أو كما قال نائب حاكم ولاية تكساس دون باتريك "نحن" لا يحق لنا "التضحية بالبلاد" من أجل مكافحة الفيروسات.
ليس من شك في أن الحفاظ على مستوى اقتصادي قابل للحياة هو أيضًا "أولوية قصوى" لأي دولة كانت. ولا ينبغي التضحية به عند محاربة فيروس الكورونا. خلاف ذلك، قد يكون الانتصار على الأخير باهظ الثمن. قد يعبر تصريح باتريك على مدى الفهم الشامل بأنه في ظروف الكوارث الكبرى، لا يمكن إنقاذ الحياة إذا لم يكن هناك شيء أعلى للناس من الحياة نفسها. إن فكرة أن الناس يجب أن يقدروا شيئًا أعلى من الحياة نفسها هي، إذا أردت، الضرورة الأخلاقية القاطعة للحفاظ على حياة كريمة، ففي بعض المنعطفات التاريخية قد يكون هدف التضحية الخوف من انهيار يعود بالمجتمع الى "نمط الحياة الوحشية " كما يسميها ارسطو.
ولكن هل يجب أن نأخذ على محمل الجد تأكيدات من هم في السلطة بأن "سلامة المواطن هي أولويتنا القصوى"؟ إذا كان الأمر كذلك، فلماذا كانت المجتمعات "الأكثر تقدمًا" في الكوكب عاجزة عن مقاومة الأوبئة والكوارث رغم علمها بان مثل تلك الكوارث يمكن ان تقع في أي وقت؟ يمكن تفهم سبب عدم وجود لقاح ضد فيروس الكورونا لحد الان، ولكن لا يمكن للمرء أن يفهم، إذا أخذنا على محمل الجد تأكيدات السلطات بأولوية أمن مواطنيها، أن في المجتمعات التي يفترض أنها مجتمعات "وفرة"، تقف السلطات عاجزة عن توفير كل ما هو مطلوب لمكافحة أي وباء - أقنعة، قفازات، بدلات واقية، مواد التعقيم الشخصية، عداك عن أشياء أكثر تعقيدًا وكلفة، مثل أجهزة تهوية الرئتين والأسرة في المستشفيات إضافة الى استعدادها لبناء مستشفيات ميدانية إضافية.
وبالمناسبة، فهل هناك أكثر سخرية واستهتارا بأمن المواطنين من ان تفرج الحكومة علانية عن السجناء بسبب الوباء؟ وبالفعل، عندما وجدت الولايات المتحدة الامريكية نفسها عاجزة عن مواجهة تفشي وباء فيروس الكورونا في السجون الامريكية، قامت السلطات هناك بالإفراج عن الاف السجناء دون مراعاة لدرجة خطورتهم على المجتمع وعلى امن المواطن.
كيف نفسر حقيقة أن عدد الوفيات في البلدان الغربية الرأسمالية المتقدمة، مثل إيطاليا وإسبانيا، حيث لا يزال العدد الإجمالي للمصابين أقل بكثير مما هو عليه في الصين او روسيا، في الوقت الذي كان عدد الوفيات فيها أكبر بكثير؟ ونفس الحالة نجدها في بلدان رأسمالية أكثر تطورا كفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها. ما الذي يفسر انه لم يكن بمقدور هذه الدول ضمان أكثر حقوق الإنسان "الطبيعية" أساسية، والتي هي الحق في الحياة؟ وبعبارة أخرى، ضمان أمن مواطنيها الذي تدعي الحضارة الغربية الرأسمالية أنه الأولوية القصوى لها، ان لم تكن الأولوية القصوى لهذه الحضارة هي أشياء أخرى من صلب هذا النظام ومبرر وجوده وازدهاره.
في المواقف الصعبة التي كان من المتوقع ان يواجهها الانسان الغربي نكتشف أخيرا عجزا كليا في توفير حتى ابسط تفاصيل سبل حمايته، فالنظام بمجمله، عدا استثناءات محدودة، مهتم بتعظيم ارصدته المالية، فبدل نثرها على كمامات واسرة مستشفيات وأشياء أخرى، فضل توجيهها لتشييد الإمبراطورية المبهرة للمضاربة المالية والعالم الافتراضي الرقمي لخلق اقتصاد مخادع يبدو أنه لا يمكن فيه حل المشكلات الأولية (مثل إنتاج المرافق الصحية) إلا من خلال اجتماعات خاصة للرئيس ونائب الرئيس مع رجال الأعمال.
في الوقت نفسه، يصبح السؤال الأكثر الحاحا وتهديدًا، أن هل سيظل "الاقتصاد الأقوى والأكثر تقدمًا في العالم" على حاله دون تغيير بعد ان كشف فيروس الكورونا حقيقته؟ وماذا سيحدث للديمقراطية إذا أدى هذا الوباء إلى ذبول "الطبقة الوسطى" - بهيكلها في شكل طبقة ضخمة من رجال الأعمال الصغار والمتوسطين، الذين كانوا بالفعل في حالة تدهور واضح في الولايات المتحدة الأمريكية؟ هل ما ستبقى السياسة الامريكية مصرة على تحجيم الضمان الصحي في أمريكا والخروج من اتفاقية باريس للمناخ والتخلي عن تمويل المؤسسات الدولية المهتمة بالصحة واللاجئين؟ ام ان الوقائع الجديدة ستنتج رؤيا جديدة ليس في أمريكا فقط بل في كل العالم الرأسمالي.
قبل أيام عرض التلفزيون الروسي في احدى قنواته المركزية فلم تاريخي بعنوان "زليخه* تفتح أعيننا" يفضح المنظومة السياسية والأخلاقية لنظام رأسمالية الدولة الذي كان سائدا في الاتحاد السوفيتي، فهل سيفتح فيروس الكورونا اعيننا على زيف النظام الرأسمالي العالمي الذي تقوم عليه الحضارة الغربية اليوم؟
وأخيرا، فلا بأس من ان نتذكر الحكمة القائلة بأن إذا أصر البعض على ان الحقيقة تقع حيث يشيرون هم، فلابد من ان تنظر الى الجهة المعاكسة، علً الحقيقة تكون هناك.

*- زليخة اسم فتاة تترية



#جاسم_ألصفار (هاشتاغ)       Jassim_Al-saffar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقيدة الوطنية اساس السلام الاهلي في روسيا
- تكهنات وقرائن عن الوباء الفيروسي
- تكهنات في اسباب استقالة ميدفيدف
- بعد الهجوم الصاروخي الايراني
- لا جديد تحت الشمس
- متابعة صحفية لاغتيال قاسم سليماني
- قراءة شخصية لمسار الانتفاضة الشعبية التشرينية في العراق (الج ...
- قراءة شخصية لمسار الانتفاضة الشعبية التشرينية في العراق (الج ...
- قراءة شخصية لمسار الانتفاضة الشعبية التشرينية في العراق (الج ...
- الوطنية ليست بقرة للحلب تسرح في معلف الاعداء
- سانتا باربارا وسانت ليغو
- بين الواقع وتفسيره في الموقف التركي
- الهدية الملغومة
- بين معطفين......
- حول التحالفات
- الاذلال والمقاومة في ثلاث محطات....
- في ذكرى العدوان النازي على الاتحاد السوفيتي
- الحياة السعيدة
- الوعي الثوري والحس الثوري
- بين ثلاث معتقلات (الحلقة الثالثة)...


المزيد.....




- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة
- سيناريو هوليودي.. سرقة 60 ألف دولار ومصوغات ذهبية بسطو مسلح ...
- مصر.. تفاصيل جديدة في واقعة اتهام قاصر لرجل أعمال باستغلالها ...
- بعد نفي حصولها على جواز دبلوماسي.. القضاء العراقي يحكم بسجن ...
- قلق أمريكي من تكرار هجوم -كروكوس- الإرهابي في الولايات المتح ...
- البنتاغون: بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة سيبدأ قريبا جدا
- البنتاغون يؤكد عدم وجود مؤشرات على اجتياح رفح


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جاسم ألصفار - الوجه الاخر للحضارة الغربية الرأسمالية