أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ادريس الواغيش - الزّمَنُ الخِصْبُ في -يوميَات مُعلم في الجَبل-















المزيد.....

الزّمَنُ الخِصْبُ في -يوميَات مُعلم في الجَبل-


ادريس الواغيش

الحوار المتمدن-العدد: 6593 - 2020 / 6 / 14 - 03:26
المحور: الادب والفن
    


تنطلق هذه المقاربة النقدية وفق معالجة نصية تبتغي الملاءمة على خلفية مشتركة بين الإنتاج النصي والتلقي، لذلك نجدُ أنفسنا كقرّاء افتراضيين في هذه المجموعة القصصية "يَوميات مُعلم في الجَبل" أمام تجربة إنسانية خصبة تلخصها مجموعة من النصوص ذات أشكال تعبيرية متباينة، وهي في غالبيتها نصوص غير منغلقة، واضحة ومنفتحة على نفسها في أفقها المرجعي، لا تحتاج إلى تأويل أو وسيط من أجل تقريب مسافة الإدراك والفهم بين ما يرمي إليه عز الدين الماعزي (معلم الجبل) السارد والمؤلف والمسرود له أو المتلقي. نصوص سير ذاتية في غالبها واضحة ومفهومة في سياقها الافتراضي، تقرأ ذاتها وتفكر في نفسها ، صاغها المؤلف من دون تشويش أو تزييف وتشويه، تكشف عن يوميات تقاسمناها وعشناها وتعايشنا معها جميعنا كشباب مغربي في الجنوب، تمتد في المكان والزمان سواء في السهل أو الجبل. يقول السارد: "وأنتم أرسلتموني إلى الجنوب" ، أقصد هنا الجنوب القصي الذي لم يسلم من التعيين فيه الكثير من المعلمين في بدايات شبابهم.
يتدرّج الماعزي في هذه اليوميات بدءا من الزّمن النفسي، وهو زمن وسيط يتجدّد باستمرار، يقترب فيه الماضي من الحاضر وتظهر من خلاله بعض ملامح المستقبل، يرتب فيها لرواسب ذاتية وزمن خاص، يوميات يتقاسمها معه في غالبها شخوص آخرون، رغم ما يبدو فيها من خصوصيات في ظاهر الأمر، تتجلى فيها الكثير من العناصر والتحولات في وحدتها. يوميات تغيب فيها الحدود الفاصلة بين الماضي والحاضر والمستقبل بكل امتداداتها في الزمن ويعيشها بنفس النسق وإن اختلفت بعض التفاصيل، وتذوب فيها كثير من التجارب البشرية المختلفة بكاملها. زمن عاشه الماعزي سواء بصفته ساردا ومؤلفا أو معلما، يشاركه فيه الآخرون بشكل افتراضي أو واقعي، تجربة ليست جامدة، لكنها لا تزال قائمة ومستمرة في الزمان والمكان، وإن كانت هناك فروق واضحة في العمق" بين الذي يعيش التجربة والذي يسمع عنها" كما يقول السارد نفسه، لأن هناك فرق بين من يشرب الشاي الدافئ في البيت أو في المقهى، وبين من يشرب" كأس الشاي البائت" وهو يعيش وحدته وعزلة في الليالي الباردة أعلى الجبل.
نصوص تذكرنا في مجملها بأجيال أقبرت أحلامها في الجنوب من خلال نصفها الفوقي العريان، لكن ثمة سجون أخرى رهيبة مفتوحة ومن دون أسوار وإن كانت غير مرئية تتضمنها نصوص هذه السيرة الذاتية في جزئها الثالث، قضينا فيها فترات لا تقل "رُعْـبًا". نصوص تعايشنا فيها مع الذئاب والثعالب والضباع في أعلى الجبل، وأحيانا مع الأفاعي السامة والفئران اللصوص وسكارى ما بعد منتصف الليل.
يقول السارد: "حرق الأوراق هو تزامن لحرق أزمنة من جسدي" ، يجب أن نخوض هنا معارك فكرية ونتحرك في أكثر من اتجاه كي نصل إلى جوهر الحقيقة، لأن سلوكيات الإنسان هي، على صعيد أنطيقي مشحونة بالهموم ويحدوها وجه من التفاتي في شيء ما ، ولا يمكن لكينونة الكائن أن تفسر بواسطة الكائن نفسه في معزل عن المحيط الذي يعيش فيه، ولذلك كان لزمان أن تتوفر بعض القرائن المادية الأخرى، وهو ما تأتى لنا أن نقرأه لاحقا من قبيل:" الظاهر أن الحجرة كانت طول الليل في أحضان بعض السكارى" أو "فتحت الخزانة لكي أفاجأ بثعبان" ، ذلك أن ماهية الكينونة في بعدها الظاهري تكمن في أهمية الوجود بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة وحتى التافهة. هذه الأشياء كلها هي التي نشير بها إلى الكائن ولا ينوَجدُ إلا من خلال قوة مادية موازية. ويضيف السارد: "كل شيء أصبح فينا مُرقّمًا" ، وهو أن يعطوك رقم تأجير وورقة تحمل تعيينك في قمة بأعلى جبل أعزل في الجنوب، وتصبح بعد ذلك (ككائن) مجرد رقم يدور في فلك منظومة رقمية مجردة من الأحاسيس، وتصبح بعد ذلك باقي التفاصيل جامدة وباردة، حتى لو كانت غير مهمة في كينونتها وقد لا تترك بصمة في كينونة من عاشها كسارد وكاتب أو كمسرود له، بدءا من المدير وصولا إلى مجموعة من الأسئلة التي تفرضها بعض الانتظارات الصعبة، ومن خلالها ندرك الفهم الحقيقي للعالم الذي نعيش فيه: الرابيل (Rappel)، الترقية، المواصلات، حرارة منتصف النهار اللاذعة في الجنوب الشبه صحراوي مع بداية فصل الربيع، تداخل السياسي مع النقابي في اشتباكات علائقية بأي تنظيم النقابي، "أعطي المُوعاليم جُوجْ دراهم دْوَا البْرغوت...!" ، ضيافة الأهالي وكرمهم وبساطتهم...إلخ، حينها لا يمكن أن نفهم معنى الكينونة، بوصفها عالما صغيرا وليس كونا شاسعا ولا متناهيا، وسط كل هذه التفاصيل ونحن في خضمها لا نفهم حتى أنفسنا، سواء من حيث كونها جزء منها أو من كينونتنا.
تتغير صورة المرأة في مخيلتنا من موقع لآخر، ومن أكثر التشبيهات في الأدب الغربي لها عموما هو القيثارة بأوتارها وهي مستعدة دائما للعزف، أو كما يقول عنها خليل جبران في كتابه: "دمعة وابتسامة": "رأيت المرأة كالقيثارة بين يدي رجل لا يحسن الضرب عليها فتسمعه أنغامًا لا ترضيه..."، لكن الماعزي السارد له رأي بشكل مغاير ومختلف، إذ يقول عنها: "الجبل في صورة امرأة تهبني قوة وصبرا ونبيذا أبيض" ، والتشبيه هنا ورد بحكم الأمر الواقع، لأن توظيف امتداد الجبل بشكل يومي أمامه بصبره وعطائه وسخائه، كان الأقرب إلى المخيلة في الاستعمال والتشبيه في السرد.
الصباح الذي ختم به الجزء الثالث من سيرته الذاتية جزء من الزّمن الدائري المتحرك، يوحي ببداية فصل جديد في زمن السرد ، ويعكس في عمومه توظيفا دلاليا على الحركية والعمل وإيقاع الزمن النفسي الذي يتحرك في الاتجاهين: الماضي والمستقبل، لكنه لا يسير في اتجاه واحد، إذ أن" كل صباح لا يشبه الآخر" كما جاء على لسان الماعزي السارد، ولذلك تصبح ملاحقة الزمن ضرورية كأفق متعالي يصبح بدوره هو الآخر دلالة على خوض معركة فكرية نخوضها كل يوم مع الذات ومع الآخر، قبل أن نصل إلى جوهر الحقيقة في زمن يتشظي، عكس المساء الذي يفضي إلى النقيض من ذلك تماما، سواء من حيث كونه يشير إلى السكون والسكينة أو الصمت، والصمت كما نعلم قد يقصر أو يطول ويصبح حينها موتا أو زمنا أبديا، وما بين هذا الواقعي والمتخيل تختلط أوراق المؤلف وتتداخل، إذ "لا تمر الأنثى على مكان إلا وأحيته" ، وتصبح المفهومية الوسطية هنا لا تبرهن إلا عن عدم المفهومية نفسها، وهو مفهوم محفوف بالغموض بين الرؤية النفسية والواقع أو الوهم.
الزمن في "يوميات معلم في الجبل" ليس على مستوى واحد من الحكي ولا تحكمه معايير موحدة، إذ نجد أن هناك زمن مادي موضوعي يتمثل في "المَانْضَا الصّفرا" ، وهو زمن عاشه كثير من الموظفين في المغرب وليس موظفو التعليم وحدهم، قبل أن يتطور النظام البنكي والخدماتي في المغرب. وتصبح الكتابة عند الماعزي نوعا من الامتلاء الداخلي أو التصوير الذاتي (L autoreprésentations)، يتحقق السرد فيها من خلال مستويات متعددة: ضمير الـ(هو) الغائب وضمير الـ(أنا) المتكلم، ومن ثم وجب علينا ألا نخوض في غمار جماليات اللغة ضمن مجمل نصوص السارد التي جاءت في مجملها واضحة، إذ لم يحاول السارد فيها إرباك القارئ وإغراق السرد من خلال التشبيهات والألاعيب اللغوية، ليس لأنه عاجر عن فعل ذلك، لكن بحكم صدقيته جاء السرد بشكل طبيعي وعفوي غير مغشوش أو مشوه بأسلوبية السُّـرّاد الماكرة.



#ادريس_الواغيش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عبد الرّحمن اليوسفي، المُستثنى منَ الأصل
- يومَ ضعتُ في واحَة -تُودْغَى-
- الجَمعُ بين السّيناريو والإخراج أضرّ بمُسلسل -سلمَات أبو الب ...
- تولستوي في تَافرَاوت
- وُجُوهٌ عَمَّدَتْهَا شَمْسُ الظّهيرَة
- الحَظّ لُعبَةٌ لا أتْقِنُها
- كورُونا والأرَضَة التي أكَلت عَصَا سيّدنا سُليمان...!!
- عَرّافاتٌ تَعْلِكْنَ الكَلام - Des voyantes qui mâchent des ...
- جائِحَة (covid-19) سيكولوجية التدخُّل والمُواجهة كما يرَاها ...
- آخرُ طّلقات العُثماني: تأجيلُ التّرقيَات وإلغاءُ المُبارَيات
- آثامِي ومَلامِحُ الخَريف
- عَرّافاتٌ تَعْلِكْنَ الكَلام
- الخَوارجُ الجُدُد في طنجة، فاس وسلا
- تنسيقيَة الأساتذة حَامِلي الشّهادَات العُليَا تُساهِمُ في -ص ...
- كورُونا يكشفُ عن مَأزقِنَا الوُجودي
- كورُونا قاتِلٌ في الحَياة، فهَل هُو عَادِلٌ في المَوت...؟
- هل من حُدود فاصلة بين الشعر والبروباغندا...؟
- القصة من أبوابها..!!
- الغالي أحرشاو يحظى ب -شخصية العام العربية 2020- في العلوم ال ...
- ما أجمل رُؤية فاس من فوق، ما أقسى النّظر إليها من الدّاخل... ...


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ادريس الواغيش - الزّمَنُ الخِصْبُ في -يوميَات مُعلم في الجَبل-