أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سمية العثماني - تلخيص مبسّط لكتاب لينين الدولة والثّورة (الجزء الخامس)















المزيد.....


تلخيص مبسّط لكتاب لينين الدولة والثّورة (الجزء الخامس)


سمية العثماني

الحوار المتمدن-العدد: 6592 - 2020 / 6 / 13 - 00:51
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الفصل الخامس: الأسس الاقتصادية لاضمحلال الدّولة:
في مبحثه «نقد برنامج غوتا» (رسالة إلى براكه في 5 ماي سنة 1875)، أعطى ماركس تحليلا رائعا للصلة بين تطور الشيوعية واضمحلال الدولة.

1-صياغة ماركس للمسألة
واضح أنه لا يمكن أن يدور الحديث هنا عن تحديد ساعة «الاضمحلال» المقبل، لاسيما وهو حتما عبارة عن عملية طويلة.
لقد رأينا كيف وضع انجلس نصب عينيه مهمّة البرهنة بجلاء ووضوح وبالخط العريض عن بطلان كل الأوهام الشائعة بصدد الدولة. أمّا ماركس فقد وجّهه انتباهه لموضوع آخر وهوّ تطور المجتمع الشيوعي.
إن نظرية ماركس بأكملها هي عبارة عن تطبيق لنظرية التطور –بشكلها الأتم والأكمل والمنسجم والغني المضمون- على الرأسمالية المعاصرة. وطبيعي إذن أن يكون ماركس قد واجه مسألة تطبيق هذه النظرية كذلك على انهيار الرأسمالية المقبل وعلى التطور المقبل للشيوعية المقبلة.
على أساس أية وقائع يمكن طرح مسألة التطور المقبل للشيوعية المقبلة؟
على أساس واقع أن الشيوعية تنشأ من الرأسمالية وتتطور تاريخيا من الرأسمالية وأنها نتيجة لفعل قوة اجتماعية أولدتها الرأسمالية. لا يرى المرء عند ماركس حتى ولا ظل محاولة لنسج الطوباويات؛ فماركس يطرح مسألة الشيوعية كما يطرح عالِم الطبيعيات مسألة تطور نوع جديد، لنقل مثلا، من الأنواع البيولوجية بعد أن عرف مصدره واتضح الاتجاه الذي يسلكه تطوره.
يبدأ ماركس قبل كل شيء بنبذ التشويش الذي يُدخله برنامج غوتا في مسألة العلاقة بين الدولة والمجتمع؛ إذ أكّد أنّ «المجتمع الحالي» إنما هو المجتمع الرأسمالي القائم في جميع البلدان المتمدنة؛ أمّا «الدولة الحالية»، فإنها، على العكس تختلف ضمن حدود كل بلد؛ كما وضّح أنّه بالرغم من اختلاف أشكال الدّول في مختلف البلدان إلاّ أنها تتصف جميعها بطابع مشترك، وهو أنها تقوم في تُربة المجتمع البرجوازي الحديث المتطور تطورا رأسماليا بهذه الدرجة أو تلك.
إن أول ما أثبتته بدقة تامة نظرية التطور كلها والعلم كله بوجه عام وما نسيَه الطوباويون وينساه الانتهازيون الحاليون الذين يخشون الثورة الاشتراكية هو واقع أنّه لا بد تاريخيا من طور خاص أو مرحلة خاصة للانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية.

2- الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية:
يقول ماركس: «… بين المجتمع الرأسمالي والمجتمع الشيوعي تقع مرحلة تحول الرأسمالي تحولا ثوريا إلى المجتمع الشيوعي؛ وتناسبها مرحلة انتقال سياسية أيضا، لا يمكن أن تكون الدولة فيها سوى الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا…» والفكرة الأساسية هنا هيّ أنّ الانتقال من المجتمع الرأسمالي في سبيل التطور نحو الشيوعية إلى المجتمع الشيوعي يستحيل بدون «مرحلة انتقال سياسية»؛ ولا يمكن لدولة هذه المرحلة أن تكون غير الديكتاتورية الثورية للبروليتاريا.
فما هو موقف هذه الديكتاتورية من الديموقراطية؟
في المجتمع الرأسمالي، في حالة تطوره الأكثر ملاءمة، نرى ديموقراطية تامة لهذا الحد أو ذاك في الجمهورية الديموقراطية. ولكن هذه الديموقراطية مضغوطة على الدوام في إطار ضيق من الاستثمار الرأسمالي، وهي تبقى لذلك على الدوام، في الجوهر، ديموقراطية للأقلية، للطبقات الموسرة وحدها، الأغنياء وحدهم. إن الحرية في المجتمع الرأسمالي تبقى على الدوام تقريبا على ما كانت عليه الحرية في الجمهوريات اليونانية القديمة: حرية لمالكي العبيد، فالعبيد الأجراء الحاليون يظلون، بحكم ظروف الاستثمار الرأسمالي، رازحين تحت أثقال العوز والبؤس لحد «لا يبالون معه بالديموقراطية»، «لا يبالون بالسياسة... إن ديموقراطية المجتمع الرأسمالي هي ديموقراطية لأقلية ضئيلة، ديموقراطية الأغنياء. وإذا ما أمعنا النظر في آلية الديموقراطية الرأسمالية، رأينا في كل شيء وفي كل خطوة –في التفاصيل «التافهة»- التافهة حسبما يزعم- للحق الانتخابي (قيد الاقامة، استثناء النساء، الخ)، وفي طريقة عمل المؤسسات التمثيلية، وفي العقبات الفعلية القائمة في وجه حق الاجتماع (الأبنية العامة ليست «للصعاليك»!) وفي التنظيم الرأسمالي الصرف للصحافة اليومية والخ..، والخ..، نرى الديموقراطية مغلولة بقيد فوق قيد. وهذه القيود وعمليات الشطب والاستثناءات والعقبات المقررة بالنسبة للفقراء تبدوا تافهة لا سيما في نظر من لم يعرف بنفسه العوز قط ولم يعرف عن كثب حياة جماهير الطبقات المظلومة (وهذا هو حال تسعة أعشار، إن لم يكن تسعة وتسعون بالمائة من الصحفيين والساسة البرجوازيين)، ولكن هذه القيود بمجملها تُبعِد وتدفع الفقراء عن السياسة، عن الاشتراك النشيط في الديموقراطية. لقد أدرك ماركس بكل الوضوح فحوى الديموقراطية الرأسمالية هذه، إذ قال في تحليله لخبرة الكومونة: يُسمح للمظلومين مرة في كل عدة سنوات بأن يقرروا: مَن مِنْ ممثلي الطبقة الظالمة سيمثلهم ويقمعهم في البرلمان!.
ولكن التطور إلى الأمام، من هذه الديموقراطية الرأسمالية –الضيقة حتما والتي تبعد الفقراء خلسة والتي هي، بسبب ذلك، نفاق وكذب كلها- لا يجري ببساطة، مباشرة ودون عقبات في اتجاه «ديموقراطية أوفى فأوفى» كما يصور الأمر الأساتذة الليبراليون والانتهازيون صغار البرجوازيين. بل إن التطور إلى الأمام، أي نحو الشيوعية، يمر عبر ديكتاتورية البروليتاريا ، ولا طريق له غير هذه الطريق، لأنه ما من طبقة أخرى أو طريق آخر لتحطيم مقاومة المستثمِرين الرأسماليين. وقد أفصح انجلس عن ذلك بجلاء رائع في رسالته إلى بيبل: «... إنّ البروليتاريا بحاجة إلى الدولة لا من أجل الحرية، بل من أجل قمع خصومها، وعندما يصبح بالإمكان الحديث عن الحرية، عندئذ لن تبقى الدولة». ديموقراطية من أجل الأكثرية الكبرى من الشعب وقمع بالقوة، أي استثناء المستثمِرين، ظالمي الشعب من الديموقراطية، -هذا هو التغير الذي يطرأ على الديموقراطية أثناء الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية.
في المجتمع الشيوعي فقط، عندما تحطم مقاومة الرأسماليين بصورة نهائية، عندما يتلاشى الرأسماليون، عندما تنعدم الطبقات (أي عندما ينعدم التباين بين أعضاء المجتمع من حيث علاقتهم بوسائل الانتاج الاجتماعية)، عندئذ فقط «تزول الدولة ويصبح بالإمكان الحديث عن الحرية». عندئذ فقط يصبح في الإمكان وتتحقق الديموقراطية الكاملة حقا، الديموقراطية الخالية حقا من كل قيد. وعندئذ فقط، تأخذ الديموقراطية بالاضمحلال بحكم ظرف بسيط هو أن الناس المعتوقين من العبودية الرأسمالية ومما لا يحصى من أهوال الاستثمار الرأسمالي وفظاعاته، وحماقاته وسفالته سيعتادون شيئا فشيئا مراعاة القواعد الأولية للحياة في المجتمع، القواعد المعروفة منذ قرون والتي كُررت ألوف السنين في جميع الكتب، سيعتادون مراعاتها دونما عنف، دونما قسر، دونما خضوع، بدون الجهاز المعد خصيصا للقسر والمسمى بالدولة.
إن تعبير «الدولة تضمحل» هو تعبير اُختير بتوفيق كبير، لأنه يشير في الوقت نفسه إلى تدرج هذه العملية وإلى عفويتها؛ وأن العادة وحدها يمكنها أن تفعل هذا الفعل ولا ريب في أنها ستفعله، لأننا نلاحظ من حولنا ملايين المرات كيف يعتاد الناس بسهولة مراعاة قواعد الحياة في المجتمع الضرورية لهم، إذا كان الاستثمار معدوما، إذا لم يكن هناك ما يثير الاستياء ويدعو إلى الاحتجاج والانتفاض ويستلزم القمع. وعلى ذلك نرى أن الديموقراطية في المجتمع الرأسمالي هي ديموقراطية بتراء، حقيرة، زائفة، هي ديموقراطية للأغنياء وحدهم، للأقلية. أمّا ديكتاتورية البروليتاريا، مرحلة الانتقال إلى الشيوعية، فهي تعطي لأول مرة الديموقراطية للشعب، للأكثرية، بمحاذاة القمع الضروري للأقلية، للمستثمِرين. والشيوعية وحدها هي التي تستطيع أن تعطي الديموقراطية كاملة حقا، وبمقدار ما تتكامل بمقدار ما تزول الحاجة إليها فتضمحل من نفسها.
وبعد؛ في مرحلة الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية يظل القمع أمرا ضروريا، ولكنه يغدو قمعا للأقلية المستثمِرة من جانب الأكثرية المستثمَرة، ويبقى الجهاز الخاص، الآلة الخاصة للقمع، أي «الدولة»، أمرا ضروريا، ولكنها دولة انتقالية، أي أنها لم تبق الدولة بمعنى الكلمة الأصلي، لأن قمع الأقلية المستثمِرة من قبل الأكثرية، عبيد العمل المأجور في الأمس، هو نسبيا أمر هين بسيط وطبيعي لحد يجعله يكلف من الدماء أقل كثيرا مما يكلفه قمع انتفاضات العبيد أو الفلاحين الأقنان أو العمال الأجراء، لحد يكلف البشرية أقل بكثير، وهو يتلاءم وجعل الديموقراطية تشمل من السكان أكثرية ساحقة لحد تأخذ معه بالزوال الحاجة إلى آلة خاصة للقمع. وبديهي أن المستثمِرين عاجزين عن قمع الشعب بدون آلة في منتهى التعقيد تعد لهذه المهمة. ولكن الشعب يستطيع قمع المستثمِرين حتى بـ«آلة» في منتهى البساطة، تقريبا بدون «آلة»، بدون جهاز خاص، بمجرد تنظيم الجماهير المسلحة...
وأخيرا، الشيوعية هي وحدها التي تجعل الدولة أمرا لا لزوم له البتة، لأنه لا يبقى عندئذ أحد ينبغي قمعه، «أحد» بمعنى الطبقة، بمعنى النضال المنتظم ضد قسم معين من السكان. نحن لسنا بطوباويين، ونحن لا ننكر أبدا إمكانية وحتمية وقوع تجاوزات من أفراد كما لا ننكر ضرورة قمع مثل هذه التجاوزات. ولكن هذا الأمر لا يحتاج، أولا، إلى آلة خاصة للقمع، إلى جهاز خاص للقمع –فالشعب المسلح نفسه يقوم به ببساطة ويُسْر كما تقوم كل جماعة من الناس المتمدنين حتى في المجتمع الراهن بتفريق متشاجرين أو الحيلولة دون الاعتداء على امرأة. وثانيا، نحن نعلم أن السبب الاجتماعي الجذري للمخالفات التي تتجلى في الإخلال بقواعد الحياة في المجتمع هو استثمار الجماهير وعوزها وبؤسها. وعندما يزول هذا السبب الرئيسي تأخذ التجاوزات لا محالة بـ«الاضمحلال»؛ نحن لا نعلم بأية سرعة وبأي تدرج، ولكننا نعلم أنها ستضمحل؛ ومع اضمحلالها تضمحل الدولة أيضا.
إن ماركس، دون أن ينساق مع الطوباويات، قد عرّف بالتفصيل ما يمكن تعريفه الآن بصدد هذا المستقبل، بحيث الفرق بين الطور (الدرجة، المرحلة) الأسفل والطور الأعلى من المجتمع الشيوعي.

3- الطور الأول من المجتمع الشيوعي:
في «نقد برنامج غوتا» فنّد ماركس بالتفصيل ودحض فكرة لاسال القائلة بأن العامل ينال في ظل الاشتراكية «نتاج العمل كاملا». إذ بيّن أنه لا بد من أن تطرح من مجمل العمل الاجتماعي الذي يقوم به المجتمع بأسره مخصصات احتياط ومخصصات لتوسيع الإنتاج ومخصصات لاستبدال الماكينات «المستهلكة» الخ...، ثم من رصيد الاستهلاك مخصصات للإنفاق على جهاز الإدارة والمدارس والمستشفيات وملاجئ الشيوخ وغير ذلك.
فعوضا عن عبارة لاسال العامة، الغامضة والمبهمة «إعطاء العامل نتاج العمل كاملا») يبين ماركس بوضوح كيف ينبغي على المجتمع الاشتراكي بالضرورة أن يدير الأمور؛ إن ماركس يحلل تحليلا ملموسا لظروف الحياة في مجتمع ستنعدم فيه الرأسمالية ويقول: «إننا نواجه هنا» (عند تحليله لبرنامج حزب العمال) «ليس مجتمعا شيوعيا تطور على أسسه الخاصة، بل مجتمعا يخرج لتوه من المجتمع الرأسمالي بالذات؛ مجتمع لا يزال، من جميع النواحي، الاقتصادية والأخلاقية والفكرية، يحمل طابع المجتمع القديم الذي خرج من أحشائه». إن هذا المجتمع الشيوعي المنبثق لتوه من أحشاء الرأسمالية والذي يحمل من جميع النواحي طابع المجتمع القديم يسميه ماركس بالطور «الأول» أو «الأدنى» من المجتمع الشيوعي؛ وهوّ يتميّز بكون:
- وسائل الإنتاج لا تبقى ملكا خاصا لأفراد؛ بل تخص المجتمع كله؛
- كل عضو من أعضاء المجتمع يقوم بقسط معين من العمل الضروري اجتماعيا وينال من المجتمع إيصالاً بكمية العمل التي يقوم به؛
- بموجب هذا الإيصال ينال من المخازن العامة لبضائع الاستهلاك الكمية المناسبة من المنتوجات.
- بعد طرح كمية العمل التي توجب للمخصصات العامة، ينال كل عامل إذن من المجتمع بمقدار ما أعطاه.
بدحض ماركس لعبارة لاسال الغامضة على النمط البرجوازي الصغير بصدد «المساواة» و«العدالة» بوجه عام، أظهر مجرى تطور المجتمع الشيوعي المضطر في البدء إلى القضاء فقط على ذلك «الغبن» الذي يتلخص في تملك أفراد لوسائل الإنتاج، ولكنه عاجز على أن يقضي دفعة واحدة على الغبن الثاني الذي يتلخص بتوزيع مواد الاستهلاك «حسب العمل» (لا حسب الحاجة). يقول ماركس أن هذا «نقص»، ولكن لا مفر منه في الطور الأول من الشيوعية.

4- الطور الأعلى من المجتمع الشيوعي
يستطرد ماركس: «… في الطور الأعلى من المجتمع الشيوعي، بعد أن يزول إخضاع الأفراد المُذِل لتقسيم العمل ويزول معه التضاد بين العمل الفكري والعمل الجسدي؛ وحين لا يبقى العمل مجرد وسيلة للعيش، بل يغدو الحاجة الأولى في الحياة؛ وحين تتنامى القوة المنتجة مع تطور الأفراد من جميع النواحي، وحين تتدفق جميع ينابيع الثورة الجماعية بفيض وغزارة، -حينذاك فقط، يصبح بالإمكان تجاوز الأفق الضيق للحق البرجوازي تجاوزا تاما، ويصبح بإمكان المجتمع أن يسجل على رايته: «من كل حسب كفاءاته، إلى كلّ حسب حاجاته».
الآن فقط، يمكننا أن نقدر كل صحة ملاحظات انجلس عندما سخر دونما رحمة من سخافة الجمع بين كلمتي «الحرية» و«الدولة». فما بقيت الدولة، لا وجود للحرية، وعندما تحل الحرية تنعدم الدولة.
إن الأساس الاقتصادي لاضمحلال الدولة اضمحلالاً تاما هو تطور الشيوعية إلى حد عال يزول معه التضاد بين العمل الفكري والعمل الجسدي، ويزول بالتالي ينبوع من أهم ينابيع اللاّمساواة الاجتماعية الراهنة، مع العلم أنه ينبوع تستحيل إزالته فورا استحالة تامة بمجرد تحويل وسائل الانتاج ملكا اجتماعيا، بمجرد مصادرة أملاك الرأسماليين؛ هذه المصادرة التي ستسفر لا محالة عن تطور قوى المجتمع البشري المنتجِة تطورا هائلا. ولكن ما لا نعرفه وما لا نستطيع معرفته هو درجة سرعة هذا التطور لاحقا وسرعة بلوغه حد القطيعة مع تقسيم العمل، حد إزالة التضاد بين العمل الفكري والعمل الجسدي، حد صيرورة العمل «الحاجة الأولى في الحياة». ولذا لا يحق لنا أن نتكلم إلاّ عن حتمية اضمحلال الدولة، مشيرين إلى أن هذه العملية تستغرق وقتا طويلا وإلى توقفها على درجة سرعة تطور الطور الأعلى من الشيوعية وتاركين مسألة وقت هذا الاضمحلال أو أشكاله الملموسة معلقة، لأنه لا يوجد ما يلزم لحل هذه المسائل.
من السهل، من وجهة النظر البرجوازية، إعلان مثل هذا النظام الاجتماعي «طوباوية محضا» والسخرية من الاشتراكيين لأنهم يعِدون كل مواطن بأنه سيحق له أن يأخذ من المجتمع بدون أية مراقبة لعمله أي مقدار من السكاكر أو السيارات أو أجهزة البيانو وغير ذلك . وبمثل هذه السخريات يُظهر «العلماء» جهلهم ودفاعهم المغرض عن الرأسمالية...
الجهل؛ لأنّهم ينسون أنّ إنتاجية العمل ستكون غير إنتاجية العمل الحالية وأنّ الإنسان سيكون غير الإنسان الحالي... أمّا دفاعهم المغرض عن الرأسمالية؛ فيتلخص بالضبط في كونهم يستعيضون بالجدال والثرثرة حول المستقبل البعيد عن مسألة الساعة، المسألة الملحة في سياسة اليوم: مصادرة أملاك الرأسماليين وتحويل جميع المواطنين إلى شغيلة ومستخدمين في «سنديكا» كبير واحد، ونعني الدولة بأكملها، وإخضاع كامل عمل هذا السنديكا بأكمله إخضاعا تاما لدولة ديموقراطية حقا...

كخلاصة:
إنّ الفرق العملي بين الاشتراكية والشيوعية واضح؛ فما يدعونه في المعتاد بالاشتراكية، قد سماه ماركس بالطور «الأول» أو «الأدنى» من المجتمع الشيوعي؛ وبما أن وسائل الإنتاج تصبح ملكا عاما فإن كلمة «الشيوعية» قابلة للتطبيق على هذا الطور أيضا، شريطة ألاّ ينسى المرء أن هذه ليست بالشيوعية الكاملة. والأهمية الكبرى لشروح ماركس تتلخص في كونه قد طبق بانسجام في هذه النقطة أيضا الدياليكتيك المادي، نظرية التطور، ناظرا إلى الشيوعية كشيء ينشأ عن الرأسمالية؛ فبدلا من التعاريف الكلامية المختلفة و«المخترعة» والنقاش العقيم حول الكلمات (ما هي الاشتراكية وما هي الشيوعية) يعطي ماركس تحليلا لما يمكن تسميته درجات نضج الشيوعية اقتصاديا. فالشيوعية في طورها الأول، في درجاتها الأولى، لا يمكن بعد أن تكون ناضجة تماما من الناحية الاقتصادية، لا يمكن أن تكون خالية تماما من تقاليد أو آثار الرأسمالية. ومن هنا هذه الظاهرة الطريفة، -بقاء «الأفق الضيق للحق البرجوازي» في الشيوعية خلال طورها الأول.
إنّ الحساب والرقابة هما الأمر الرئيسي اللازم لأجل «ضبط» الطور الأول من المجتمع الشيوعي ولأجل عمله بشكل صائب؛ فجميع المواطنين يصبحون آنذاك مستخدمين تستأجرهم الدولة التي هي العمال المسلحون؛ وجميع المواطنين يصبحون مستخدمين وعمالا في «سنديكا» واحد تابع للشعب كله، تابع للدولة؛ وكل القضية هي أن يعملوا على قدم المساواة مراعين بصورة صحيحة مقياس العمل وأن ينالوا الأجور على قدم المساواة؛ ... وهكذا سيصبح المجتمع كله مكتبا واحدا ومعملا واحدا يتساوى فيه الجميع في العمل وفي الأجور؛ بيد أن هذا النظام «المعملي» الذي تشمل به البروليتاريا المجتمع كله بعد أن تنتصر على الرأسماليين وتسقط المستثمِرين ليس بحال من الأحوال بمثلنا الأعلى ولا بهدفنا النهائي، ليس إلاّ درجة ضرورية لتطهير المجتمع بشكل جذري من فظائع وجرائم الاستثمار الرأسمالي ولمتابعة السير إلى الأمام؛ ومذ يتعلم جميع أعضاء المجتمع أو، على الأقل، أكثريتهم الكبرى إدارة الدولة بأنفسهم، مذ يأخذون هذا الأمر بأيديهم و«يرتبون» الرقابة على أقلية الرأسماليين الضئيلة، على الأفندية الراغبين في الاحتفاظ بالعادات الرأسمالية، على العمال الذين أفسدتهم الرأسمالية حتى أعماقهم، مذ ذاك تأخذ بالزوال الحاجة إلى كل إدارة بوجه عام... وبمقدار ما تتكامل الديموقراطية، يقترب وقت زوال الحاجة إليها... وبمقدار ما تكون الديموقراطية أوفى في «الدولة» المؤلفة من العمال المسلحين والتي «لم تبق دولة بمعنى الكلمة الأصلي»، تبدأ كل دولة في الاضمحلال بصورة أسرع... ذلك لأنه عندما يتعلم الجميع الادارة ويديرون في الواقع بصورة مستقلة الانتاج الاجتماعي، ويحققون بصورة مستقلة الحساب والرقابة على الطفيليين والأفندية والمحتالين ومن على شاكلتهم من «حفظة تقاليد الرأسمالية» -عندئذ يصبح التهرب من حساب الشعب ورقابته على التأكيد أمرا عسير المنال وأمرا نادرا جدا يصحبه في أكبر الظن عقاب سريع وصارم (لأن العمال المسلحين أناس عمليون وليسوا من نوع المثقفين العاطفيين، وعليه من المستبعد أن يسمحوا لأحد بالاستهانة بهم) بحيث أن ضرورة مراعاة القواعد الأساسية البسيطة للحياة في كل مجتمع بشري ستتحول، بسرعة كبيرة، إلى عادة. وعندئذ ينفتح على مصراعيه باب الانتقال من الطور الأول للمجتمع الشيوعي إلى طوره الأعلى وفي الوقت نفسه إلى اضمحلال الدولة اضمحلالا تاما.



#سمية_العثماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تلخيص مبسّط لكتاب لينين الدولة والثّورة (الجزء الرابع)
- تلخيص مبسّط لكتاب لينين الدولة والثّورة (الجزء الثالث)
- تلخيص مبسّط لكتاب لينين الدولة والثّورة (الجزء الثاني)
- تلخيص مبسّط لكتاب لينين الدولة والثّورة
- يا عمّال العالم اتّحدوا
- النضال على المستوى الايديولوجي


المزيد.....




- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...
- كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع ...
- ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سمية العثماني - تلخيص مبسّط لكتاب لينين الدولة والثّورة (الجزء الخامس)