أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الحادي عشر















المزيد.....

بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الحادي عشر


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6591 - 2020 / 6 / 12 - 18:33
المحور: الادب والفن
    


1
وصلت ريما إلى دمشق، عام 1922، في سيارة زوجها صالح. وكانت ابنتها الوحيدة، بيروزا، برفقتها. أخوة الصغيرة لأبيها، سبقَ أن تخلوا، تراضياً، عن حق تربيتها ورعايتها. ثمة، في الشام، تأكدت ريما بأن أخاها حدّو قد سافرَ فعلاً إلى مدينة اسكندرونة، مثلما سبقَ وأخبرها رجلها الأول، الراحل. وقد طمأنها ذلك نوعاً ما، كون المدينة تلك باتت ضمن حدود الدولة السورية الوليدة. قبل ذلك، فرحت بخبر استقرار شقيقها الكبير في الشام، عقبَ فراره من الجيش العثماني في نهاية الحرب. أربعة أعوام على الأثر، لما ظهر حدّو بدَوره وهوَ في لباس الجيش الفرنسيّ، كان منزل أخته يضج بأصوات الأطفال. في زيارته الأخرى، بعد نحو العام، علم حدّو بوفاة ابن أخته ذي الأعوام الأربعة، خالد، وكذلك زوجة آكو. تأثّر صالح كثيراً بوفاة ابنه، ولم يُعزِهِ إنجابُ امرأته حواء لابنة في العام نفسه. تطيّراً، أسموا الطفلة " ديبة "ـ كعادةٍ عند الناس في ذلك الزمن، تعتقد بإمكانية إرهاب شبح الموت عن طريق إطلاق أسماء الحيوانات المفترسة على المواليد الجدد.
لعل صورة ابنه الراحل تجسّمت فجأة أمامه، حينَ ارتطمَ صبيّ صغير بمقدمة السيارة. إذاك، كان الوقت ليلاً والسيارة تجتاز طريق سوق الجمعة حينَ اندفع الصبيّ من باب بيته ولم يلحق صالح في استخدام الفرامل إلا بعد فوات الأوان. في كثير من هذه الحالات، كان السائق يفر من المكان؛ بالأخص، إذا كانت العتمة تتستر على سيارته. لكن صالح ما كان من هذا النوع من البشر. نزل فوراً من السيارة، وهُرع ليرى حالة الطفل. في الوقت ذاته، ارتفع عويل الأم وأرادت أن تُهرع بنفسها نحو ابنها. لكن رجلاً منعها، وما لبثَ أن صاحَ على أثر تفحصه للطفل: " إنه حيّ، وسنذهب به إلى المستشفى ". دونَ أن يوجه كلمة للسائق، وضع الأبُ الطفلَ في المقعد الخلفيّ، جاعلاً رأسه المهشم في حضنه. لسوء الحظ، لم يتمكن الأطباء من إنقاذ حياة الطفل. لاحقاً، تم الاكتفاء بفرض غرامة على صالح ومن ثم إطلاق سراحه: والد الطفل، شهد في التحقيق أن ابنه رمى بنفسه إلى الطريق وكان من المحال على السائق تجنّب الحادث.

***
في وقت حصول الحادث، كان صالح في طريقه إلى منزل السيدة عايدة كي يُحاول مجدداً استرجاع ابنتها إلى داره. بعد الحادث وإطلاق سراحه، صار عصبياً للغاية حتى أنه صمم على رمي اليمين على مليحة لو لم ترجع من تلقاء نفسها. عندئذٍ تدخلت ريما، طالبةً منه أن يأخذها إلى منزل ضرتها المتمردة. قال لها صالح: " لن يذهب أحد كي يرجوها أن ترجع "
" لكن من الواجب إبلاغها تهديدك، أليسَ كذلك؟ "، قالتها مقاطعة كلامه. فتمتم ساخطاً: " حسنٌ، خذي سيارة أجرة ولتكن والدتي معك ". لما رفضت السيدة شملكان مرافقة الكنّة، متعذرة بحالتها الصحية، قررت ريما أن تطلبَ من امرأة جروس مرافقتها. هذه الأخيرة، ويدعونها " فاتو "، حصلت بدَورها على إذن الزوج وكان من أقرب أصدقاء صالح بين جيرانه من عائلة آله رشي. قالت لريما، بينما كانتا تنتظران مرور سيارة أجرة على الجادّة: " غيرك تفرح بالخلاص من ضرّة، بينما أنتِ تسعين لاسترجاعها "
" إنها حامل، وحرام أن يأتي الطفل إلى الدنيا دونَ أبٍ فوق رأسه "
" مشاكلهما ليسَ لها حل، سترنا الله من الخوض في سيرة الأعراض! "، قالتها فاتو مشيحةً بنظرها نحو حركة الجادة. لم تعلّق ريما بشيء؛ هيَ العالمة بمقصد الجملة الأخيرة من كلام جارتها.

***
إنها الضرّة الأخرى، حواء، مَن أذاعت سر علاقة رجلها بالسيدة عايدة وذلك في إحدى نوبات غضبها. جرى ذلك عند ظهيرة يوم صيفيّ، ولم تكن المرأة الغاضبة تعلم أن إحدى الجارات موجودة في المنزل من أجل تحضير الحمّام. صالح، كان قد عمّرَ بركة مياه كبيرة في مكان مكشوف على طرف الحديقة، مظلل بشجرة توت عملاقة. وكان من الأريحية والكرم، أن جعل جيرانه يستأذنون كل مرة لأجل استعمال البركة للحمّام. عندما تحين نوبة النساء، كان المنزل يخلو تماماً من الرجال.
آنذاك، رد صالح على حواء بالقول في استهانة: " أنتِ تعتقدين أن النساء كلهن على شاكلة امرأة أخيك الأولى، نظيرة، التي خطفت زوجك وفرّت معه إلى عمّان! ". على الأثر، ظهرت مليحة بعدما ودعت تلك الجارة، المستعملة الباب التحتاني للخروج. ألقت نظرةً ثابتة على رجلها، ثم ما لبثت أن دعته كي يلحق بها إلى حجرة نومها. ساعة أخرى، وكان عليها أن تغادر الدار غبَّ مشادة حامية مع الزوج.
تلك كانت المرة الأولى، يلقي فيها صالح اليمينَ على امرأته الشركسية. لم يكن قد اقترنَ بعدُ بقريبته ريما، لكنه ما عتمَ أن وجد زوجة جديدة من حي الصالحية ذاته.

2
السيارة، وقد علمنا أنها من نوع " فورد " سوداء اللون، كانت قاسماً مشتركاً قي زيجات صالح، الأربع. كان يقود سيارته قبل الحرب بعامين، لما تعرّف في الراكبة على أرملة العم اسحق، صديق والده؛ فلم تمضِ فترة إلا وعرضت عليه ابنتها، مليحة. كذلك الأمر مع حواء، وكان قد أركبها ذات مساء في السيارة واستمع لشكواها من خيانة زوجها الأول. حتى ريما، رابع نسائه، كانت السيارة وسيلة لجلب ابنتها من أيدي أولاد الزوج الراحل؛ وهذا كان شرطها كي تقبل به بعلاً. زوجته الثالثة، " سعاد "، لم تخرج أيضاً عن ذلك التقليد.
كان يوماً جميلاً من الربيع المتأخر، لما عبرت السيارة السوداء طريقَ الصالحية من جهة طلعة العفيف. راحَ صالحُ يتأمل، خِلَل زجاج الواجهة الأمامية لعربته، الأبنية العتيقة، المشكلة مداخل أزقةٍ، تقع نهاياتها عند أقدام سلسلة جبال قاسيون. ثمة، أين تتصل كروم الصبّار بعضها ببعض مثل سياج طبيعيّ أخضر، منقط بالأزهار الصفر والحمر. لكن السائق كان مشغول الفكر بأمر عشيقته، التي قاطعته عقبَ طلاق ابنتها. تنهد لما مر بالقرب من منزلها، الكائن على مبعدة قليلة من مقام الجهاركسية. ثم تبسّمَ في سخرية مُرّة، عندما تذكّرَ حادثة من زمن الحرب: الضابط الشركسيّ، وكان على رأس عناصر الحاجز عند مدخل المقام، وكيفَ طلبَ من صالح أن يكون وسيطاً لدى السيدة عايدة لأجل خطبة ابنتها الوحيدة.
" ليتَ مليحة قبلت الوساطة، إذاً لوفرت عليّ وعليها المتاعبَ! "، كذلك انتهى تفكيره. هنيهة أخرى، وإذا بامرأة شابة متشحة بالسواد تشير إليه أن يقف. تأمل بلمحة ملامحها، فيما كان يفتح لها باب السيارة الخلفيّ. كانت فارعة القوام، ممتلئة في الأماكن المثيرة. مع انطلاقه في السيارة، تابع التحديق في هيئتها عبرَ المرآة الصغيرة. برغم الخمار الأسود، لاحت سحنتها ذات القسمات الدقيقة والمتناسقة. سألَ عن وجهتها، فأجابت بصوت ناعم: " مقبرة الدحداح "
" خير إن شاء الله؟ "
" أود زيارة ضريح رجلي، الذي قتل في الحرب "
" آه، ليرحمه الله "، هتفَ السائقُ معبّراً عن الأسف. ثم استطرد بالقول: " الحرب كانت كارثة كبرى على بلاد الشام، وكثير ممن نجوا من القتل على الجبهة ذهبوا بالوباء أو المجاعة. لكن الحياة لم تتوقف، وما على الأحياء سوى نسيان الآلام والأحزان. أليسَ كذلك؟ "
" بلى، معك حق "، ردت المرأة مبتسمة وقد فاجأها السؤال. لحظ ابتسامتها الحلوة، وقدَّرَ أن سنها لا تتجاوز العشرين. لم يبُن منها سوى اليدان، وكانتا بنصاعة الزنبق وعبيره. كان يود لو يُطيل الطريق، للاستمتاع بالحديث مع هذه الأرملة الجميلة. لكنها تعرفُ الطريقَ ولا شك، وممكن أن تفهم الأمرَ بشكل سيء. فكم كانت فرحته غامرة، لما أنزلها عند مدخل المقبرة. إذ التفتت إليه، قائلة بنبرة رجاء: " أفي الوسع انتظاري ربع ساعة، ريثما أسقي أزهار القبر وأقرأ الفاتحة؟ ".

***
في اليوم نفسه، عاد صالح إلى المنزل وكانت الشمس قد انحدرت وراء قمم قاسيون. كون الجو يبرد في مثل هذا الوقت من الربيع، رأى والدته قد أوت مبكراً إلى حجرة نومها. كانت السيدة شملكان تمسك مسبحتها ذات الحبات التسعة والتسعين، بعدد أسماء الله الحُسنى، تتسلى بها أكثر من استعمالها المعلوم. وكانت ترقد على سريرها الأثريّ، الذي لم يُشاركها به رجلٌ مذ فترة تهاوي رجلها تحت ضربات المرض العضال. بادر الابنُ للاقتراب من والدته كي يقبل يدها. كالعادة، سحبت يدها بسرعة وهيَ تباركه بتمتمة مبهمة المفردات.
قال لها دونَ أن يجد حاجة للجلوس: " أريد منك أن تذهبي إلى الصالحية لخطبة سيدة من أسرة محترمة "
سألته وقد بدا عليها الاهتمام: " من هيَ هذه السيدة؟ "
" إنها أرملة شابة، تعيش مع والدتها في منطقة العفيف بآخر سوق الجمعة "
" ما هيَ قصتك، يا بني، مع الأرامل؟ "
" ناشدتك الله، يا أماه، أن تأخذي الأمرَ بجدية "
" كنتُ أظن أنك ستطلب مني الذهاب إلى الصالحية، لإعادة ابنة السيدة عايدة إلى عصمتك؟ "
" لو شاءت العودة، فسيكون لها ذلك؛ ولكن بعد أن تجد ضرة جديدة في منزلي! "
" بهذه الزيجة الجديدة، أنت ترغب بتلقين درساً لامرأة على حساب امرأة أخرى. أليسَ حراماً ما تفعله؟ "
" بل إنني مغرمٌ بهذه الأرملة، وستعجبك أيضاً بكمال جمالها وأخلاقها "
" ليسَ لدي الرغبة في أن أغرم بها، بل أريد منك أن تتقي الله قبل أن تقدم على هكذا خطوة "، قالتها بنبرة ساخرة وجدية معاً. أدركَ أنها ستلين في آخر الأمر، فعمدَ إلى الضرب على الوتر الحساس: " الأفضل أن تبقى مليحة في منزل والدتها، بالأخص أننا لم نرزق أطفالاً ". رفعت الأم رأسها، متسائلة: " وهذه الأرملة، هل لديها أولاد؟ "
" لا، لقد أخذوا رجلها إلى الحرب وكان عريساً ثم أعادوه جثةً "
" وأنتَ تعتقد أن الأرملة ممكن أن تنجب لك ذريةً، بعدما عجزت عن ذلك مليحة وحواء؟ "، قالتها متأوهة ثم استدركت: " حسنٌ، سأذهب إلى منزلها مساء الخميس برفقة شقيقتك. والله يعطي ما فيه الخير ".

* مستهل الفصل الحادي عشر/ الكتاب الخامس، من سيرة سلالية ـ روائية، بعنوان " أسكي شام



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل العاشر
- بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 3
- عصير الحصرم 78
- الباب الصغير
- بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل التاسع
- بضعة أعوام ريما: الفصل التاسع/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل التاسع
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثامن/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثامن/ 4
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الثامن
- المارد والحورية
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل السابع
- المنحوتة
- المرآة السحرية
- غرام الأميرة الصغيرة
- بضعة أعوام ريما: الفصل السابع/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل السابع/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل السادس


المزيد.....




- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الحادي عشر