|
بدل ضائع
ملهم جديد
الحوار المتمدن-العدد: 6590 - 2020 / 6 / 11 - 09:55
المحور:
الادب والفن
أغرب سؤال واجهته في حياتي ، كان عندما ذهبت إلى سوريا بعد اغتراب دام أربعة عشرة عاما . بعد وصولي كان علي أن أقوم بمعاملة الحصول على بطاقة هوية شخصية جديدة . طلب مني الموظف دفتر خدمة العلم من أجل إثبات أدائي للخدمة العسكرية الإلزامية ، فأخبرته بأني أضعته ، فأشار إلي الذهاب إلى شعبة التجنيد للإستحصال على بدل ضائع . في شعبة التجنيد ، قال لي العسكري المسؤول بأن علي جلب تقرير من الشرطة بشأن الواقعة . و لم أكن أتذكر من مخافر الشرطة سوى مخفر الشيخ الظاهر في الساحة المشهورة بهذا الإسم في اللاذقية . كانت الشجرة التي أمام المخفر و أعرفها منذ الصغر ، مازالت كما كانت دائما مورقة ونضرة أمام البناء الذي يعود بنائه ، ربما ، إلى فترة الأربعينيات ، بناء بسيط و جميل ، و ربما كافيا للقيام بدوره في الزمن الذي بني فيه عندما كانت اللاذقية بلدة صغيرة . في الداخل كان المبنى مغبرا ، الأرض ، الجدران ، و السقف ، و كان رجال الشرطة يتحركون ببطء شديد ، جميعهم لهم شوارب و جميعهم يدخنون ، و جميع الشوارب لونها أصفر ، و مع وجود لافتة تقول " الشرطة في خدمة الشعب " فإني شعرت بأني متطفل غليظ في مكان لا يوجد فيه شيء يوحي بأن من مهماته القيام بأية خدمة ! هممت أكثر من مرة بمغادرة المخفر ، عندما وقعت عيني على عيني شرطي في الممر ، فبادرته بالسؤال قبل أن يزيح عيناه كما كان يفعل زملاؤه " عفوا ، وين فيني احصل على تقرير بضياع دفتر خدمة العلم ! " أشار بإصبعه نحو مكتب على الجهة اليمنى ، ثم تابع طريقه ، فقدَّرت بأن هذا أقصى مايمكن الحصول عليه منه، فلم أبادر بسؤاله أي مكتب يقصد ! ، كان هناك كان ثلاثة مكاتب حيث أشار ، و كان علي أن أحزر أي منهما المكتب الذي يمكن أن يساعدني ، و الحزر في سورية لا يكفي ، إذ لابد أن يترافق مع الحذر ، و هما أمران أتقنهما السوريون لتدبر أمور حياتهم ، و كان علي تعلمهما من جديد . حزرت بأنه المكتب الذي يقع في المنتصف ، فتقدمت من الباب و كنت حذرا في مخاطبة الشرطي الذي كان قد خلع قميصه و بقي في القميص الداخلي ، كان يحاول إصلاح حركة مروحة كهربائية على التربيزة التي على يمينه ، عندما أصبحت في منتصف المكتب ، لاحظت بأن المروحة كانت تقوم بحركتين نصف دائريتين ثم تتوقف حركتها نهائيات و تجمد باتجاه الزاوية خلف مكتبه ، بقيت واقفا وسط المكتب أنتظر الوقت الذي سوف يقتنع فيه بأن لا جدوى مما يقوم به ، و كان بودّي أن أقول له بأن أنشتاين قال " الغباء هو أن تقوم بنفس العمل مرة بعد أخرى و أنت تتوقع نتائج مختلفة " ! أخيرا ، ترك المروحة و قال بصوت مرتفع ، بينما كان يدور على كرسيه باتجاهي " إيري بهيك مخفر . مساعد قد الجحش و ما عندو مروحة متل العالم " . عندما التقت عيوننا ، و قبل أن يغضب ، خاطبته باحترام " عفوا سيدي ، بتمنى ما كون أزعجتك !" " خير أنشالله ! شو بدك " " تقرير بضياع دفتر خدمة العلم " " العمى ! كيف ضيعتو ! مشكلة كبيرة ! " " بعرف ، بس صار يللي صار " " طيب ، بدّي منك تجيب شاهدين كانو معك لما ضيعتو !" " أنا يا سيادة المساعد غايب عن البلد من أربعتعشر سنة ، و ما بعرف بأي سنة قبل ما سافر ضيعتو ، بعدين عدم المؤاخذة ، لو كان معي تنين لمّا ضيعتو ، لازم واحد منن يكون انتبه و نبهني ، يعني أنا عم افترض أنو هالتنين يللي افترضت حضرتك أنن كانو معي ، لازم يكونو أصدقاء ، و هيك بيعملو الإصدقاء !" بدأ برشف الشاي و أشعل سيارة ، ثم ابتسم ، فتبينت التناسق الوحيد في مظهره ، تناسق اصفرار شواربه مع اصفرار أسنانه ثم قال " ليك ، ما كتير تشد إيدك ع الأصدقاء ، فيه كتير أصدقاء اولاد شرموطة و ما بيتمنولك الخير ، يمكن هللي كانو معك من هالنوع الواطي " لم أشأ إزعاجه حول افتراض و جود صديقين معي عندما أضعت دفتر خدمة العلم ، و هذا ما قصدته بالحذر ، فقد قدَّرت بأنه إذا كان على معاملتي أن تنتهي على خير ، فمن المستحسن الذهاب معه إلى آخر الطريق . فقلت " معنى هذا ، حتى لو تذكرت الصديقين يللي كانوا معي ما راح استفاد شي ، لأنن طلما بيتمنولي الشر ، فأكيد ما راح يشهدوا " " برافو ، و هون قصدي بأنو عندك مشكلة كبيرة " استيقظت عندي قرائن الإستشعار السورية فسألته " طيب ، سؤال سيادة المساعد !" " تفضل " " ممكن الواحد يجيب شي اتنين ولاد شروموطة ، لا بيعرفكن و لا بيعرفوه ، و يشهدو بأنن كان معو لما ضيع دفتر خدمة العلم ! " " أكيد ، ما فيه أكتر من ولاد الشرموطة بالبلد " ثم استرسل " بس هدول بدن مصاري " فقلت " أكيد و لا ما كانو ولاد شرموطة ! " " يا عيني عليك ، صرنا عم نفهم ع بَعضنا . يعني قديش بتدفع ! " خمسمية ليرة للواحد ، منيح ! " "طبعا منيح ، و قديش رح تدفع للشخص يللي راح يجيبلك ياهن !" " هيك صاروا ثلاث ولاد شرموطة ! " و كنت سأكمل عندما قاطعني " لأ لأ ، ما تغلط التالت فاعل خير حابب يساعدك " انتبهت إلى هفوتي و اعتذرت قائلا " حقك عليي ، طيب إيمتى فينا نخلص !" " هلق فورا ، معك المصاري !" " معي " فنادى بأعلى صوته " يا صالح " فرد صوت من الغرفة المجاورة " أمرك سيدي " " تعا و جيب معك العريف حميدان " " أمرك سيدي " كتب المساعد ضبط الشرطة ، و وقَّع العريفان كشاهدين كانا معي عندما أضعت دفتر خدمة العلم ثم غادرا . و قبل أن أغادر درت حول المكتب حيث كانت المروحة تقذف الهواء في الزاوية الميتة ، أدرت المروحة مع قاعدتها باتجاه المساعد الذي كان انتهى للتو من وضع الألف وخمسمائة ليرة في الدرج . و عندما استشعر هواءها ، قال " العمى كيف ما انتبهت أنو كان لازم حرِّك المروحة مع القاعدة ! شكرًا " ثم أعقب " المرة الجاية ، إذا ضيعت شي وثيقة رسمية راح اعطيك حسم خمسمية ليرة " فقلت ، و كنت قد أصبحت على الباب " شكرًا ، بس المرة الجاية ، إذا صار فيه مرة جاية ، راح جيب ولاد الشرموطة معي "
#ملهم_جديد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ندامة الأرمني
-
رجل حر ، لكن! / قصة قصيرة
-
صديقي الفأر
-
الفك
-
رجل حر ، و لكن ! / قصة قصيرة
-
هل يستحق المجد الأدبي عناء السعي إليه / ترجمة ملهم جديد عن م
...
-
صديقي الأميريكي
-
دور النخب الثقافية و السياسية في الأزمة السورية وفي صياغة أس
...
-
دور النظام السياسي الحاكم في الأزمة السورية
-
الصغيرة و الحرب
-
وداعاً يا قرطاج/ قصة قصيرة
-
في مكتب السيد الرئيس / قصة قصيرة
-
قصة قصيرة
-
حكاية ليست للروي / قصة قصيرة
-
على الجبهه الشمالية
-
على باب السيد الرئيس / قصة قصيرة جدا
-
الحبل
-
الرأس المقطوع
-
الشرق
-
العاشق / قصة قصيرة
المزيد.....
-
وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما
...
-
تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
-
انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
-
فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
-
بنتُ السراب
-
مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|