أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - لماذا نفشل في كل مرة؟















المزيد.....

لماذا نفشل في كل مرة؟


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6589 - 2020 / 6 / 10 - 21:37
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


سؤال كثيرا ما أرق الإنسان وأشغل فكره بعدة تساؤلات متلاحقة تصب في النهاية في دائرة الحيرة والتيه الذي يعانيه فضلا عن إشكاليات الوجود، السؤال هو لماذا يفشل الدين في كل مرة بضبط إيقاع الحياة على النحو الذي لمسه الإنسان من وجود الدين في حياته؟ السؤال ليس موجها للدين والديان بقدر ما موجه أصلا للإنسان ذاته، هل كان الدين حقيقة عاجزا عن ذلك؟ أم أن الإنسان بطبيعته الجدلية لا يرغب في المواصلة كلما أحسن أن هناك من يراقبه ومن يتتبع خطواته؟ الأحتمالات النظرية كثيرة والإجابات لم تعد شافية بالقدر الذي يخرج الإنسان من هذا السؤال الوجودي إلى سؤال أعمق.
الحقيقة التي يجب أن نصرح بها أن الدين ليس وحده المعني بهذه الإجابة من خلال التجربة التاريخية للإنسان، العلم والمعرفة والأخلاق أيضا تعاني من نفس الإشكالية التاريخية تلك، برغم تجربة الإنسان مع نفسه ومع وجوده الخاص والعام فشل أيضا في أستيعاب الدرس في كل مرة، فعندما أسس أسلافنا الحضاريون قواعد العلم والمعرفة وأخرجوا أنفسهم من دائرة الجهل والغيبية وأتجهوا نحو العلم والمعرفة وكونوا أعظم الفلسفات الفكرية من أخلاق ومقولات وأجتهادات لم يتمسك الإنسان بها ويبني عليها ما هو نتاج تجاربه، بل عمد في كل مرة وتحت نوازع ما يسميها هو الشر إلى تحطيم كل تلك المعطيات والجهد الإنساني الجبار مدفوعا ليس بجهله فقط، بل برغبته في بناء نموذج أخر غير مجرب ولم يتطابق مع المنطق العقلي السليم.
مثلا من هدم حضارة بابل أو حضارة مصر القديمة أو حضارات الصين والهند وكل الحضارات التي نشأت في الأرض، لم يكن مدفوعا برغبة التجديد وبناء بديل أكثر إنسانية أو أقرب له، بل لأنه يرى فيها ما لا يتطابق مع مقدماته التي تتحكم بها الأنا المتضخمة فردية كانت أم جمعية، لذا فهو لا ينظر للنتائج من المقدمات التي بنى عليها فكرته بل ينظر إلى نفسه من خلال نتائج ما يريده هو لا ما يتلائم مع السيرورة المحتمة التي تعيده في كل مرة إلى انطلاقة جديدة.
بعد طوفان نوح وما جرى للإنسان من أحداث ونتائج كتجربة مريرة كان لا بد أن يضع كل ذلك في الحسبان، وينطلق من النقطة التي أنتهى لها نوح ومن معه، مجرد أن مر زمن قليل حتى نسي ما كان وعاد لنفس الدوافع والمبررات التي جعلت من نوح أن يصنع الفلك، هذا الإصرار على التخريب لا يفسر على أنه جهل ولا على أنه غباء طبيعي جمعي مرده النسيان أو التغافل عما هو واجب وأوجب.
وعادت تجربة تلو تجربة ونكوص بعد نكوص دون أن يتخذ الإنسان ما يلزم من قواعد حتى لا يتراجع في كل مرة عن خطواته السلبية المهلكة مع كل اندفاعة أنانوية تطيح بتراكم معرفي وأخلاقي وعلمي ليعود للبدء من تلك النقطة المؤلمة التي أدمت تاريخيه، هنا يجب أن يكون السؤال المفتاح.. لماذا لم ينجح بوضع تلك القواعد التي تحميه من النكوص؟ لماذا لم يجسد فشله بردة فعل تحصن وتعصم تجربته من التكرار السخيف لمشهد الإنهيار والإطاحة بمنجزه هو؟.
التفسير المنطقي لهذا الجواب يعتمد على حقائق عديدة يمكن دراستها في حدود ما تمنح من قدرة على إثبات فاعليتها في هذا الموضوع، في مقدمة هذه الحقائق أن الإنسان كائن جدلي لا يقبل بالإستلام والسير في طريق واحد حتى لو كان هذا الطريق هو الأفضل والأحسن له، فطبيعة البشر التكوينية طبيعة قلقة غير مستقرة بوجود عوامل الشك والفضولية والتردد والخوف، فالعقل البشري عقل يصنع وفق ظروف البيئة وليس عقلا يتوارث مكوناته من السلف السابق، بمعنى أن الإنسان هو أبن يومه وابن وجوده الخاص وليس أبن التراكم، فلو رغب كل فرد أن يدرس التجربة مثلا لا يمكنه أن يتناولها بواسطة الجينات المتتالية، بل عليه أن يدرسها كموضوع خارجي بكل عوامل البيئة والوجود المتوفرة حوله.
ثانيا عندما يدرس التجربة أيضا لا يدرسها بتجرد وحيادية وموضوعية بل عليه أن يخضع لقواعد التعليم والتعلم في زمنه، هنا هو يكرر وإن أضاف شيء مبررات النكوص ويؤمن بما أنتجته مرحلته التاريخية من دفوع وحجج تمنعه من ينطلق خارج زمن النكوص إلا قليلا، لذا قليلا ما نجد أن الفترة الزمنية التي تلي النكوص والإنحدار هي فترة تتعالى فيها التبريرات والبكاء على الأطلال وجلد الذات، هذا التكوين لا يمنح الإنسان القدرة على الرؤية الحقيقية وبحرية طبيعية بذاتها ومكتسبة بتجربتها الواقعية، ومن نتائجها أنه لا يستطيع بسبب الضجيج والضوضاء من الإستماع لصوت العقل المجرب.
إن إدراكنا وحاجتنا لمثل هذه الأسئلة الجوهرية هي تأتي في إطار بناء وعي حقيقي بالكثير من القضايا التي مرت وتسالمت عليها الأفهام وأعتبرتها منجز يقيني غير خاضع للسؤال والنقد، مما كون أتجاها عقليا قاد لمرحلة متقدمة من التحجر والتقوقع وتقويض حرية العقل الإنساني في أكتشاف ممرات ونوافذ وأبواب ينطلق منها لفضاءات أرحب وأوسع، خاصة في تلك المسائل التي تدخل فيها الدين أو بالأحرى القراءة البشرية للدين عندما وجد نفسه محاصرا بها دون إجابة فأغلق باب التفكر والتدبر، ليس لأن نتائجها غير معلومة ولكن لأنها تكشف عجز وفشل تلك القراءات من إدراك حاجة العقل للحرية وعجزها هي أيضا أن تكون مع قدرها في مواجهة العقل وأسئلته ومطالبه بالحرية.
ثالثا وهذا الأهم الذي نؤشره عن الفشل الحقيقي في أستلهام نتائج التجربة التاريخية هي حقيقة أن الإنسان ينسى مصلحته الذاتية في كل مرة ويضحي بها من أجل وهم الخلاص الذي شخصه على أن (العلم والمعرفة والأخلاق والدين) جميها هم السبب الأساسي في إشكالياته الوجودية، وينسى نفسه أنه هو من يسعى في كل مرة بدل الكشف عن أسباب الخلل إن وجد فيذهب لتحطيم العنوان كليا، هذه المعالجة الخاطئة لظاهرة موهومة ومفترضة بدون فحص كامل ولا دليل مؤكد تقوده في كل مرة لنفس النتائج، فيتهم التأريخ بأنه يكرر نفسه ويكرر أخطائه.
لو أراد الإنسان حقيقة هو الكائن العاقل والمعرفي والمتذكر أن يعالج مشاكله وإشكالياته بتجرد عليه أن يدين نفسه أولا وقبل كل تبرير، فالمجتمع المنغلق على نفسه ويظن أنه الأفضل والأكرم والأحسن بين المجتمعات المنافسة والمتزاحمة معه على البناء والتطور، ويتمسك بهذه المبدئية على أنها الخصيصة التي منحت له عن جدارة، الأفضل له أن يتعرى أمام المرأة ليرى قباحة واقعه وزيف مقولته وعهر العقل الجمعي الذي رسخ في ذاكرته مثل هذه الأفكار العنصرية، حتى الله تعالى يقول خير وأحسن وأفضل وأكرم الناس من نفع الناس وليس من تكابر عليهم .
المشكلة إذا ليس بالدين ولا بالمعرفة ولا العلم ولا الأخلاق في نشأة هذا النكوص وتكراره المرة بعد المرة، وإنما في عقل الإنسان الذي لا يحترم طبيعته ولا يحترم تجربته التأريخية مع تسليمنا وإقرارنا بأن كل ما ذكرناه من أشكال المعرفة الإنسانية غير كامل، وغير متقن للحد الذي يمكنه أن يمنع النكوص والترنح دائما، ولكن تبقى جريمة العقل الإنساني أنه لا يحسن الأختيار بين الشيء طبيعيا والكثير السوء بشكل كارثي.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيان الحراك الشعبي العراقي
- الفساد المالي ظاهرة تتجذر ومعالجات ناقصة.
- ولادة عالم ما بعد الكورونيالية الجديد
- سؤال ومسائل....
- الحدث الأمريكي نتيجة ضغط مجتمعي أم حتمية تأريخية.
- الملا والملاية والملائية في المجتمع العراقي.
- عنصريتنا وعنصريتهم
- ما هو أفق الأقتصاد الذكي
- رواية ( عرف الديك) ح2
- تحرير القدس مفاتيح وأوهام بين الممكن والمستحيل
- العالم وشروطه في سورة غافر
- نظرية البدء والعودة في سورة الروم
- روايتي الجديدة ( عرف الديك) ح1
- شذرات فكرية في سورة النمل
- مظاهر السلطة والتسلط في المجتمعات الدينية
- الزمن والزمن الأخر في سورة المؤمنين
- ثلاث دروس من سورة الحج
- نسخ أم فسخ
- المغضوب عليهم والضالين
- صورة الحياة الأخروية في النص القرآني


المزيد.....




- صحفي إيراني يتحدث لـCNN عن كيفية تغطية وسائل الإعلام الإيران ...
- إصابة ياباني في هجوم انتحاري جنوب باكستان
- كييف تعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسية بعيدة المدى وموسكو ت ...
- دعوات لوقف التصعيد عقب انفجارات في إيران نُسبت لإسرائيل
- أنقرة تحذر من -صراع دائم- بدأ باستهداف القنصلية الإيرانية في ...
- لافروف: أبلغنا إسرائيل عبر القنوات الدبلوماسية بعدم رغبة إير ...
- -الرجل يهلوس-.. وزراء إسرائيليون ينتقدون تصريحات بن غفير بشأ ...
- سوريا تدين الفيتو الأمريكي بشأن فلسطين: وصمة عار أخرى
- خبير ألماني: زيلينسكي دمر أوكرانيا وقضى على جيل كامل من الرج ...
- زلزال يضرب غرب تركيا


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عباس علي العلي - لماذا نفشل في كل مرة؟