أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - أن تقرأ لوليتا في طهران















المزيد.....

أن تقرأ لوليتا في طهران


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 6589 - 2020 / 6 / 10 - 20:23
المحور: الادب والفن
    


" أنت نفسك قلت لنا مرة بأننا جميعًا في المحصلة النهائية خائنون لأنفسنا، فكل منا يضمر في داخله يهوذا لمسيحه الخاص".
الأدب هو القابض على خيانات الواقع، إنه بالمرصاد، يعري العيوب والحقائق الذي تنمو في بنية المجتمع كالأعشاب الضارة. إنه الحقيقة، الكائن المعبأ بالنبل، الذي يدخل دون استئذان إلى المتاحف والبيوت، والمواخير، وحجرة النوم وحركة الأنفاس والليل والنهار، يرصد ويخزن ويعلن على الملأ أن هناك خلل، ورم، جمال باهت ووردة جميلة تحتاج إلى سقاية.
المكان الذي يدخله الأدب لا يستطيع أي علم أخر دخوله، أنه يمهد أو يعبد الطريق لاكتشاف الحقيقة.
سرفانتس كان أول من تنبأ بموت الاقطاعية، ومجيء مولود جديد إلى الحياة في روايته أو رائعته دون كيشوته، وجيوفانو بوكاشيو أول من أعلن دون أن يعلن، أن هناك جنين ينمو في أحشاء المجتمع الأوروبي في رائعته الدّيكاميرون.
" لأن ما نبحث عنه في الأدب ليس هو الواقع، وإنما هو الاحتفاء بإظهار الحقيقة، مثلما يحتفل النصارى بعيد الظهور"
هذا هو الأدب، وهذا هو دوره النبيل، جاء على لسان كاتبة الرواية وبطلتها، ك" دعوة لضرب العنق ل " نابوكوف.. أو.. أنني ربما أجد أقرب الأعمال حتى الأن هو: لوليتا.
ولوليتا هي الرواية المشهورة للكاتب الروسي الذي كان مقيمًا في الولايات المتحدة، التي صدرت في العام 1955، وتناولت فيه حب فتى صغير لفتاة في الثالثة عشرة من العمر، وغلب حب هذه الفتاة على حياة بطل هذه الرواية العميقة، ويبقى أسير هذا الحب طوال حياته، وارتباطه مع أية فتاة أخرى كانت صدى لذلك الحب الأول، وأخذت الروائية الإيرانية آذر نفيسي، منها سيرة روايتها.
الرواية التي في يدينا، "أن تقرأ لوليتا في طهران"، فعل تعرية، وتشريح" فكرت في انتقاء عمل أدبي يعكس واقعنا في الجمهورية الإسلامية الإيرانية"، بكل فئاته.
" التقطنا صورتين فوتوغرافيتين أنهما أمامي الأن، تظهر في الأولى سبع نساء يقفن أمام حائط أبيض، وقد اتشحن بأردية وأغطية رأس سود وفقًا لقانون البلاد. كل شيء فيهن مغطى ما خلا دوائر في الوجوه والأيادي. وفي الصورة الثانية، تبدو المجموعة ذاتها وهي تقف الوقفة ذاتها أمام الحائط ذاته. بيد أن الاختلاف الوحيد هو أن مجموعة النساء تبدو هذه المرة بلا أغطية. فتبرز بقع الألوان لتميز النساء عن بعضهن، تبدو الملامح أوضح والتفاصيل أدق"
لا شك الفارق كبير بين الأسود القاتم في الصورة الأولى، ولون الحياة الحية ووهجها في الصورة الثانية، بين الشبح والقناع والظلمة، والنور المبهج الذي يشع من الخلق الأول للمرأة.
عندما يأتي القانون من فوق، من القوى المسيطرة، وفق تصوراتها وأيديولوجيتها الظلامية، يتحول الناس إلى مسخ، أشجار سوداء قاتمة، فتذبل الحياة، وتغيب الحيوية في نفوس البشر رويدا رويدا إلى تموت من الغيض والقهر.
إن القانون يملك قوة الحقيقة إذا وظف بطريقة انتقائية، في بيئة سياسية مظلمة، فإنه يجرد الإنسان من خصوصيته وأحلامه، ويشل الجمال الكامن في الجمال في تكوينه، لها نرى الجمال في الشرق يرتد إلى الداخل عندما تغلق الحياة أمامه إلى أن ينزاح كله من الصورة ويبقى اللون الأسود.
في العام 1995 قدمت الروائية استقالتها من أخر منصب لها في الجامعة، قررت إطلاق العنان لنفسها، وإشباع رغبة مبيتة في داخلها لتحقيق أحد أحلامها، أن تدعو سبعة من طالباتها في بيتها للخوض في الأدب.
الرواية تدخل المجتمع من خلال الرموز الصغيرة والمؤشرات الدالة على المجتمع الذي أغلقته الثورة الإسلامية، على الوجع الاجتماعي، السياسي والتحت السياسي.
من خلال الإشارت الصغيرة البسيطة، ترسم لنا، الشغل الشاغل للمسؤوليين في الكلية، القضايا الجانبية البسيطة لإرضاء الفاعل السياسي أو النزعة الذاتية من قبل القائمين عليها ك" حذف كلمة نبيذ، من قصة ل همنغواي؟ أو حينما تكون أولوياتهم إصدار قرار بمنع تدريس "برونتي" لأنها، كما اتضح لبعض المسؤولين، " تتغاضى " عن فعل الزنى".
هنا يكمن جمال الأدب، أن يدخل في أدق التفاصيل البسيطة، كتصفيف الشعر والكحل والأقراض، أو تناول لحية رئيس الدولة، وتكوينه النفسي والعقلي، وعيوبه الجانبية، ومنح القارئ الرؤية من كل الزوايا والجوانب الخفية للنفس الإنسانية والاجتماعية.
في هذه الرواية نسبح في فضاء الثقافة، استاذة جامعة، أزي، تقدم استقالتها من التدريس لأن الفضاء السياسي لأيران مغلق، تجعل المرء على مختلف المستويات أن يتمسك بالقشور، ويخضع لما تريده السلطة.
وجود إحدى الفنانات، رسامة، تعكس الثقافة الملتصقة بعمق الواقع، بعيدًا عن ابتذال المثاقفين. الشرق الذي كان ينحو نحو الجمال الكامن في دهاليزه، تغيبه الحداثة المعوجة، في الجزء المتخلف من العالم، للإسلام المأزوم فيه، التجريد العالي يفضح ويعلن عبر اللوحات التي تقوم بتجسيد مشاهد من الحياة اليومية، وبخاصة:
" غرف مهجورة أو بيوت مقفرة، أو صور فوتوغرافية قديمة لنساء وحيدات".
وهنا ينكشف الواقع، عندما تعيش النساء وحيدات وينحون نحو الخواء والضعف:
" وشيئًا فشيئًا أصبحت أعمالها تميل نحو التجريد. في معرضها الأخير، كانت اللوحات عبارة عن بقع متناثرة من الألوان الصاخبة، مثل تلك الموجوة في غرفة الطعام في بيتي" وتضيف:
" بقع سود تشوبها قطيرات صغار من الأزرق"
وحينما سألتها عن سبب تحولها من الواقعية الحديثة إلى التجريد، أجابتني:
" لقد أصبحنا نعيش واقعًا لا يطاق، واقعًا أسود قاتمًا إلى حد أنني لن أستطيع بعد الأن إلا أن أجسد لون أحلامي"
لون أحلامي، اللون الأسود، لون الحلم في الدولة التي تنحو نحو انسداد الثقافة والفكر والحرية والجمال، وتتجه نحو تأزيم الدولة والمجتمع ويصبح الحلم مجرد وهم ووجع أو لا حلم:
" إلى أين ستفرين من هذا المكان"
يا له من سؤال عميق وضارب في عمق الأزمة، أزمة مجتمع ينهار أمام أعين الجميع بفعل فئة اجتماعية سياسية قبضت على كل شيء دون أن تترك حجرًا على حجر على حاله.
إلى أين ينسحب المرء، والفضاء الاجتماعي والسياسي ملوث ويزداد تلوثًا مع الأيام.
الانسحاب إلى الداخل فعل مدمر، والخروج منه يحتاج إلى روافع مختلفة غير مهيئة، ولا يمكن للمرء أن يفرغ الطاقة الإيجابية في أي مجال إذا كان مغلقًا، لهذا ارتداده سيتوجه إلى الداخل، وبدلًا من أن تكون الطاقة إيجابية تعمل في مسار البناء يتجه نحو الوحشة والانكماش على الذات.
يستنتج المرء أن اللغة السهلة، خارج، البسيطة للرواية، لا يعكس حقيقتها وعمقها، وأنها متفردة، لديها قدرة هائلة في الكشف عن الخبايا والتراكمات القابعة تحت السطح.
تبدو الشخصيات إيجابية، جميلة من الخارج، نساء في مقتبل العمر يحببن الحياة، وجمالها، يحلمن بالحلم الجميل، أن يقدمن أجمل ما لديهن من أجل مواصلة الحياة بالرغم من عوالمهن الانعزالية الذي سببتها الدولة البوليسية الإيرانية.
هذا يستدعي سؤالا يطرح على الجميع:
هل يستطيع الواقع حمل الأحلام في مكان مسدود، لا حلم فيه؟ في من ستحلم المرأة إذا كان الرجل محجوبًا عن النظر والقلب؟
هل تحلم المرأة دون حضور أنفاس الرجل في حياتها؟ لمن تتجمل، وحولها كله عراء وصحراء طويلة حيث لا ماء ولا شجر ولا خضرة ولا هواء نظيف يزين الجمال؟
قالت وهي تناولني باقة من النرجس البري الأبيض والأصفر: ظننت بأنك خارج البيت؟ فبادرتها وهي تهم بخلع جبتها السوداء: لا رجال في البيت.. بإمكانك خلع هذا عنك أيضًا، فترددت قليلًا، ثم أخذت تفك عنها إيشارب رأسها الأسود الطويل.
لا تنفك الرواية ترسل إشاراتها كمجسات نابضة واضحة عن السواد الذي يرفد إيران في ظل حكم الخميني وصبيانه، الجبة السوداء الإيشارب الأسود، الفكر الأسود القاتم الذي يلف الدولة والمجتمع.



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبق حيث الغناء 3
- روائح عنبرية
- أبق حيث الغناء 2
- الرجوم
- رقص منفرد على الجمر
- أبق حيث الغناء 1
- كل البشر كاذبون
- المكتبة في الليل
- الساعة الخامسة والعشرون
- اعترافات خارجة عن الحياء
- اللهب المزدوج
- عزلة صاخبة جدًا
- مذكرات نعيم أفندي
- الراقدة على الصليب
- في البادية السورية
- التمرد 5
- التمرد 4
- ذكريات من القامشلي 2
- التمرد 3
- لماذا الغرب متسامح مع الإسلام؟


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - آرام كربيت - أن تقرأ لوليتا في طهران