أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 3














المزيد.....

بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 3


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6588 - 2020 / 6 / 9 - 18:24
المحور: الادب والفن
    


في ساعةٍ من الفجر، توقف القطارُ في إحدى المحطات. كون الوقت مبكراً، بدا أن المحطة لن تشهد حركةَ قدومٍ للمزيد من المسافرين. الحارس، المرافق للفتى حدّو، ما لبثَ أن ترك مقعده. هذا الأخير، كان عند ذلك قد أفاق من نومه. أطل برأسه إلى أسفل، ليجد شريكته في المقصورة ما تزال نائمة. في حقيقة الحال، لم تعرف الوسنَ خلال الليل. لما أحست بالفتى تململ في رقاده، نهضت بدَورها وراحت تلقي النظرَ عبرَ زجاج النافذة. بعد ذلك بدأت تُخرج خبزاً وبيضاً من خرجٍ، موضوعٍ على الأرض بين قدميها. ثم ما عتمت أن دعت شريك الغرفة إلى النزول، لتناول الفطور معها. نزل حدّو وعلى عينيه أمارات النوم، فانتبه لغياب الحارس عن مكانه.
" نحنُ الآن في محطة مدينة أضنة "، قالتها نيللي الأرمنية ثم أضافت: " في هذه المدينة تقيم ابنة خالتي، وكنتُ قد حللت لديها ضيفة قبل شروعي بالسفر إلى حدود بلاد فارس ". الملاحظة الأخيرة، أشعلت فكرة جريئة في رأس الفتى، فأسرع بنقلها لشريكة المقصورة: " لا بد أن الحارس نزل من القطار كي يشتري لنفسه طعام الفطور، مطمئناً إلى أننا ما نزال مستغرقين في النوم. في وسعنا الهربَ، بما أنك تعرفين المكان وأيضاً لك قريبة هنا "
" هذه حطوة خطيرة، ستكلفنا حياتنا لو فشلت. أنتَ لا تعرف الأتراك، يا بني "، ردت المرأة وقد اتسعت عيناها دهشةً من جرأة هذا الغلام. انتفض حدّو واقفاً: " سأهرب بمفردي، إذاً! ". ثم قال مستدركاً: " في كل الأحوال، لن يرحمنا الأتراك ". قبض من ثم على طرفي النافذة السفليين، محاولاً رفعها. لما عجز عن ذلك، بادر لفتح باب المقصورة: " الممر خال، وفي وسعنا الهرب خلال دقيقة واحدة "، قالها بنبرة إغراء. وإذا بالمرأة تنحني على ابنها النائم، فتحمله قائلة للغلام: " اتبعني أنتَ! ". سارَ حدّو في أثرها مثلما شاءت، وما لبثَ أن قفز بدَوره من باب القطار. كان رصيفُ المحطة مقفراً، والظلام ما ينفك مهيمناً. مقدمة القطار، أين مقطورة القيادة، كان ينبعث منها الدخان وتزمجر رويداً كما لو كانت تتهيأ للحظة متابعة الرحلة.
" إلى أين أنت ذاهبٌ، يا فتى؟ "، صاحَ صوتٌ من الخلف بالكردية. وكان حدّو عندئذٍ قد أضحى مع المرأة وابنها عند مدخل المحطة، الشبيه بواجهة قصر عثمانيّ. دونَ أن يلتفت، عرفَ الصوتَ؛ ذلك كان الحارس. أراد أن يركضَ هارباً، لولا أن المرأة خارت قواها فجأةً: " قُلْ له، أنني طلبتُ منك النزول كي نأخذ الولد إلى المرحاض "، همست في سمعه وهيَ ترتجف.
" الفرنساوية سيطروا على الإقليم كله خلال الليل، بحَسَب ما أخبرني به أحد حفظة النظام في المحطة "، خاطبَ الحارسُ الغلامَ وكأنه ندّ له. ثم أضافَ بنبرة ناصحة: " الأفضل أن تعود معي، لنركب القطارَ الآتي بعد قليل من الجهة الأخرى. الأرمن واليونانيون، قادمون بأثر الفرنسيين وسينتقمون من كل مسلم يصادفونه ". بقيَ حدّو واقفاً، مذهولاً مما يسمعه. لكن ركاباً آخرين قدموا من الخارج باتجاه القطار، وكان بعضهم يثرثر بالتركية بنفس أقوال الحارس. حَدَسُ المرأة الأرمنية، جعلها تتابع مسيرها إلى الشارع العام. وما أبطأ رفيقُ الرحلة في التحرك من مكانه، بعدما حيا الحارس الطيّب بالقول: " سأحاول العودة إلى ماردين لاحقاً، لما يحين وقت ذلك. بالسلامة، يا عم! ". لقد خشيَ من أن يضطر الحارس إلى تسليمه للسلطات في ماردين، كونه مسئولاً عنه أمامها.

***
" أفي الوسع مرافقتك إلى منزل قريبتك، ريثما أتدبّر أمرَ رجوعي إلى أهلي؟ "، تساءل حدّو في حياء. كان قد أخذ عنها حمل الطفل، مذ لحظة مغادرتهم للمحطة. جواباً، أوقفته المرأة لتحتضن رأسه بحنان، متمتمةً: " بالطبع ". تابعا السيرَ على أرصفة دروب ضيقة، تحف بها أبنية أنيقة اشتعلت في بعضها المصابيح الكهربائية. حاولت نيللي أخذ الطفل من الغلام، إلا أن هذا لم يقبل. كان إذاك في غاية السعادة، برغم ما ترسّب في نفسه من تحذير الحارس عن خطر البقاء في أضنة. كانت أكبر مدينة يراها حتى الآن، والأجمل أيضاً. نقلَ ذلك لرفيقته، فقالت: " نعم، وكانت المدينة أفضل للعيش لما كنتُ صغيرة وأزور منزل خالتي فيها. لكن منذ عام 1905 تغيّر الحال، بسبب هجمات المتعصبين الأتراك على النصارى. وهيَ ذي أشبه بمدينة أشباح، بعدما استُهلت الحربُ بفرمان إبعاد الأرمن عن الأناضول والغرب "
" وكيفَ بقيت قريبتك في المدينة، إذاً؟ "
" لأنها تسكنُ وحيدةً في حي البلديات، وجيرانها الكرد أحبوها وساعدوها على تجنّب مصير الآخرين من أبناء ملّتنا "، ردت نيللي ثم أضافت بنبرة أسى: " أهلنا أجبروا على المضي مشياً في طريق المنفى إلى البادية السورية، ولا نعرف شيئاً عن مصيرهم. أنا تركتُ مرسين فور علمي بالفرمان، فأتيتُ إلى ابنة خالتي في أضنة وبقيت لديها عامين. لكنني خفتُ من الوشاية بي، فحاولت الهروبَ باتجاه بلاد فارس كما سبقَ وذكرتُ لك "
" أبي أيضاً ترك الشام مع امرأته وأولاده في نفس العام؛ أقصد عام 1905. ثم استقر في موطن أسلافه في نواحي جبل مازي، وبعد ذلك تزوج من أمي؛ وهيَ عربية من ماردين "
" كان لدينا أيضاً أقارب، هناك في ديريك جبل مازي. نحن الأرمن مَن أطلقنا على الجبل اسمَ ماسيس، ليتم تحويره فيما بعد إلى مازي "، قالتها مبتسمة.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عصير الحصرم 78
- الباب الصغير
- بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل التاسع
- بضعة أعوام ريما: الفصل التاسع/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل التاسع
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثامن/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثامن/ 4
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الثامن
- المارد والحورية
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل السابع
- المنحوتة
- المرآة السحرية
- غرام الأميرة الصغيرة
- بضعة أعوام ريما: الفصل السابع/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل السابع/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل السادس
- بضعة أعوام ريما: الفصل السادس/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل السادس/ 1


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 3