أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إدريس لكريني - إدارة مجلس الأمن للأزمات العربية في التسعينيات: أزمة لوكربي نموذجا















المزيد.....



إدارة مجلس الأمن للأزمات العربية في التسعينيات: أزمة لوكربي نموذجا


إدريس لكريني
كاتب وباحث جامعي

(Driss Lagrini)


الحوار المتمدن-العدد: 1588 - 2006 / 6 / 21 - 10:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تقديـــم:
بعد ما كان استعمال مفهوم إدارة الأزمات منحصرا على مجالات الإدارة والاقتصاد, اجتاح حقل العلاقات الدولية بشكل لافت, بعد ما تم الحسم بطرق دقيقة في إخماد العديد من الأزمات والمنازعات الدولية التي كانت تنذر بكـوارث ومخاطر وشيكة على الإنسانية برمتها, ولقد ازدادت أهمية استعمال هذا الأسلوب في مواجهة المنازعات والأزمات الدولية بشكل كبير في ظـل التحولات الدولية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة, بعد أ ن برزت أزمات خطيرة لم تكن معهودة من قبل, ولعل هذا ما جعلنا نركز في اختيارنا على هذا الأسلوب كطريقة لتسوية مجلس الأمن للأزمات العربية في التسعينيات وخاصة "أزمة لوكربي".
ومن جانب آخر كان وراء اختيارنا لمجلس الأمن كجهاز لإدارة هذه الأزمات, مجمـــوعة من الدوافع والاعتبارات, فقد أصبح هذا الأخير يحظى بأهمية كبرى في هذا المجال, مقارنة مع باقي أجهزة الأمم المتحـدة أضحت هناك إرادة كبيرة لتفعيله, بعد ما ظل معطلا زهاء نصف قرن بفعل ظروف الحـرب الباردة, كما أن الميثاق الأممي أحاطه بعنـاية خاصة وفائقــة, وزوده باختصاصات وسلطات هامة للقيام بمهامه، فهو المسؤول الرئيسي عن حفظ السلم والأمن الدوليين, ناهيك عن الإشكاليات التي أصبحت تثيرها تدخلاته خاصة في جانبها المرتبط بالشرعية الدولية, هذا بالإضافة إلي كون عدد كبير من الأقطار العربية نالت نصيبها الأوفر من إجـراءاته الجزائية الزجرية, بعد ما أضـحى يمارسها بنوع من التعسف والانحراف.
أما بخصوص اختيارنا للأقطار العربية كبنية وفضاء لدراسة إدارة المجلس للأزمات, فذلك بدوره ينطوي على مجموعة من الاعتبارات, فعلى امتداد خريطة الوطن العربي تتناثر الأزمات علـى اختلافها وتنوعها ما بين أزمــات داخلية، إقليمية أو دولية, ذات طابع سياسي,اقتصادي أو عسكري, ويأتي على رأس هذه الأزمات, الصراع العربي-الإسرائيلي, أزمـة الخليج الثانية, الأزمة الصومالية وأزمة "لوكربي" وغيرها.
والفترة الزمنية التي سنتناول موضوعنا على ضوئها, لا تخلو بدورها من أهمية, فقد شهدت بداية التسعينيات حدثين دوليين بارزين أثرا بشكل مثير على مسار العلاقات الدولية, الأول: هو سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار المعسكر الشـرقي ونهاية الحرب الباردة, والثاني: اندلاع أزمة الخليج الثانية, حيث شهدت هـذه الفترة بروز وضع دولي جديد - وإن كان لم يستقر بعد - قوامه السيطرة الأمريكية على الشأن الدولي وتنامي الأزمات الدولية وبخاصـة في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية, وتراجع مجموعة من مبادئ القانون الدولي التي ظلـت حتى عهـد قريب مقدسة كما هو الشأن بمبدأ عدم التدخل.
أما بخصوص أزمة "لوكربي" التي سنسلط الضوء عليها كنموذج للدراسة, فقد حملت في طياتها كل مواصفات الأزمة, بحيث بلغت من التطور والتصاعد حالة كبيرة من التوتر الذي كاد أن يفضي إلى مواجهة عسكرية في العديد من الفترات وخصوصا من الجانب الأمريكي, كما أن إدارتها تميزت بتعدد الفاعلين إلى جانب مجلس الأمن, هذا زيادة على أن وسائل إدارتها تنوعت بين سياسة، قانونية وزجرية.
وقـد اعتمدنا في دراستنا هاته التي تنطلق من فرضية مفادها أن إدارة مجلـس الأمن للأزمات العربية في التسعينيات تتأثـر سلبـا أو إيجابا بعوامل ذاتية وموضوعية, أي في ارتباطها بهــذا الجهاز ومدى قدرته على معالجـة هذه الأزمـات ودور القـوى الكـبرى في ذلك, وبمـدى وحـدة وانسجام مواقف الأطراف العربية وقوتها إزاء هذه الأزمات، على منهج تحـليلـي- تاريخـي يعتمـد على تحليـل الوقائـع وقرارات مجلس الأمن الخاصة بهذا الشأن مع سـرد تطوراتها تاريخيا.
وحتى نتمكن من ذلك, ارتأينا أن نعالج في فصل تمهيدي إدارة الأزمات في المجتمع الدولي, مـن خلال تـحديد مفهوم إدارة الأزمات والوسائل الدولية الكفيلة بذلك, قبـل الانتقال إلى القسم الأول الذي خصصناه لإدارة مجلس الأمن للأزمات العربية في التسعينيات بشكل عام, وأدرجنا ضمنه الكيفية التي أدار بها المجلـس بعض الأزمـات العربيـة خلال فـترة الحرب الباردة, قبل الحديث عن أهم التحولات الــتي شهدهـا المجتمـع الدولي عامة والعربي بصفة خاصة في بداية التسعينيات, وكذا كيفية تعاملـه مع الأزمات العربية من خلال التركيز على بعض النماذج.
أما القسم الثاني فخصصناه لإدارة مجلس الأمن لأزمة "لوكربي" من خلال مظاهر وخلفيات هذه الأزمة, والقرارات الحاسمة للمجلس في هذا الشأن.

الفصل التـمهيـدي:إدارة الأزمات في المجتمع الدولي

يهدف أسلوب إدارة الأزمات الدولية أساسا إلى منع تفاقم المشاكل الدولية والحؤول دون تطورها إلى مواجهة عسكرية مباشرة, عبر وسائل متنوعة, وبذلك يقترب من تسويـة المنازعات بل يكاد يتمـاهى معـه أحيانا.
وفي هذا الفصل سنحاول تسليط الضوء على هذا الأسلوب من خلال التطرق بداية لمفهوم إدارة الأزمات ( الـمبحث الأول ), قبل الانتقال إلى تحديد الوسائل الدوليـة لإدارة هذه الأزمات (المبـحث الثاني ).
المبحــث الأول: مفهـوم إ دارة الأزمات
إن الحديث عن هذا المفهــوم يقتضي منا بداية تعريـف إدارة الأزمـة (المطلب الأول ) والحديث عن دور القــوة والمعلومات فيـها (المطلب الثاني ).
المطلــب الأول: تعريـف إدارة الأزمة
في هذا المطلب سنحدد بداية مفهوم الأزمة ونميزها عن بعض المفاهيـم الأخرى المشابهة, قبل التطرق لتعريف إدارة الأزمة.
الفرع الأول: مفهوم الأزمة
إن مصطلح الأزمة هو مصطلح قديم, تداوله الفكر اليوناني الذي كان يقصد به نقطة تحول في الأمراض الخطيرة والقاتلة التي تؤدي إلى الموت المحقق أو الشفاء التام، كما استخدم في الصين في شكل كلمتين (wet- ji ) أولا هما تعبر عن الخطر والثانية عن الفرصة (1), أما دلالتها على المستوى الدولي فهناك من يعرفها (2) بأنها "مرحلة الذروة في توتر العلاقات في بيئة استراتيجية وطنية أو إقليمية أو دولية, بحيث يصبح أطراف تلك العلاقات قاب قوسين أو أدنى من الحرب".
أما الأستاذ عباس رشدي (3) فيعتبرها بمثابة: " فعل أو رد فعل إنساني يهدف إلى توقف أو انقطاع نشاط من الأنشطة أو زعزعة استقرار وضع من الأوضاع بهدف إحداث تغيير في هذا النشاط أو الوضع لصالح مدبره". وبذلك تختلف الأزمة عن الحرب التي تعرف بتلك المواجهة العسكرية التي تتم لفترة طويلة أو قصيرة باستخدام قوات مسلحة وتسفر عن ضحايا.
وعموما يمكن استخلاص مجموعة من الخصائص التي تميز الأزمة الدولية:
* فهي محطة تحول حاسم غالبا ما يتصف بالفجائية في نسق داخلي أو دولي, يهدد مصالح دولية معينة و يثير نوعا من الذهول والقلق في أوساط الأطراف المعنية بها.
* تتسم بالتعقيد والتشابك في عناصرها وأسبابها وتستقطب اهتماما دوليا كبيرا.
* تتطلب جهدا كبيرا لمواجهتها وذلك لتلافي تطوراتها السلبية التي قد يمتد خطرها للمستقبل.
* وهي نتاج لتراكم مجموعة من التأثيرات السابقة التي لا يتم حسمها(4).
* تطرح نوعا من الارتباك والشك في الخيارات المطروحة للتعامل معها خصوصا, في ظل غياب معلومـات كـافية حولها.
* قد تخلق حالة من التوتر العالمي خلال فترة زمنية قصيرة, خصوصا في ظل العلاقات الدولية المتشابكة والمعقدة حاليا.
الفرع الثاني: تعريف إدارة الأزمة
إن التعريف المبسط لإدارة الأزمة هو محاولة السيطرة على الأحداث وعدم السماح لها بالخروج عن نـطاق التحكم, ويعرفها البعض(5) بأنها: "كيفية التعامل والتغلب على الأزمة بالأدوات العلمية المختلفة وتجنب سلبياتها والاستفادة منها مستقبلا"، في حين يعرفها أحد الباحثين بأنها: "قدرة نظام صنع القرارات سواء على المستوى الجماعي أو الفردي للتغـلب على مقومـات الآليـة البيروقراطية الثقـيلة التي تعـجز عن مـواجهة الأحداث والمتغيرات المتلاحقة والمفاجئة" (6).
وتبقى نتائج هذه الإدارة رهينة بكفاءة مدير الأزمة وفعالية استراتيجيته المتبعة في هذا الشأن.
المطلب الثاني: دور القوة والمعلومات في إدارة الأزمات الدولية
إذا كان دور القوة لا يرد إلا استثناء في إدارة الأزمات الدولية، فإن توافر المعلومات اللازمة يظل ملحا وضروريا عند إدارة أية أزمة.
الفرع الأول: دور القوة في إدارة الأزمات
من الحقائق الثالثة في علم العلاقات الدولية أن القوة هي أداة للديبلوماسية, غير أن السؤال الذي يطرح بحدة هنا, هو : هل يمكن توظيف القوة إلى جانب الجهود الديبلوماسية في إدارة الأزمات الدولية؟ أم أن استخدامها يمكن أن يعمق ويصعد من حدة الأزمة ويسرع بإشعال الحرب؟
في واقع الأمر, يطرح دور القوة بإلحاح عند ما تتجه الأزمة نحو التصعيد, بحيث يصبح من اللازم المزج بين الإغراء والتهديد, فالإغراء يتم عبر العروض والتنازلات التي تحمل الخصم على وقف الإثارة من جانبه, في حين يتم التهديد عن طريق التلويح بالقـوة والأعمال القسرية, وفي هذا الإطار نجد أن الميثاق الأممي قد خول لمجلس الأمن الدولي إمكانية التدخل عسكريا في إطار نظام الأمن الجماعي في حالة تطور الأزمات بالشكل الذي قد يهدد السلم والأمن الدوليين, واستنفاذ محاولات إدارتها سلميا.
والملاحظ أن استثمار القوة في إدارة الأزمات أصبح اكثر يسرا وكثافة في ظل التحولات الدولية الراهنة بعدما انتهت الحرب الباردة وما تلاها من انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالشؤون الدولية.
والمعلومات اللازمة يجب أن تكون دقيقة وكافية حول ملابسات هذه الأزمة وحول الأطراف المعنية بها, ولعل هذا ما يتطلب كفاءة وفعالية نظام الاتصال والاستخبارات اللذان يعتمد عليهما صانع القرار في تدفق المعلومـات إليه.
الفرع الثاني: دور المعلومات في إدارة الأزمات
أمام بروز الأزمة وما قد يرافقها من سوء التصور والمغالاة في ردود الأفعال حولها، تطرح أهمية المعلومات, فهذه الأخيرة ضرورية لإدارة أية أزمة بشكل سليم.
غير أن جمع هذه المعلومات لا يخلو في الغالب من صعوبة ومشاكل, بحيث كثيرا ما تفتقر هذه العملية إلى الموضوعية.
المبحث الثاني: الوسائل الدولية لإدارة الأزمات
أمام تنامي أوجه الصراع والأزمات على الساحة الدولية سواء في مظاهرها الإقليمية أو الدولية، ابتدع المجتمع الدولي مجموعة من الوسائل لاحتوائها وتطويقها أو التخفيف من حدتها, وقد عددت المادة الثالثة والثلاثون من الميثاق الأممي هذه الوسائل وسمحت للدول بحرية اختيار إحداها.
وتتنوع هذه الوسائل بين وسائل دبلوماسية, قضائية وقهرية.
المطلب الأول: الوسائل الديبلوماسية
تندرج هذه الوسائل ضمن أقدم السبل التي التجأت إليها الدول لحل منازعاتها وإدارة أزماتها, وقد عرفت تطورا ملحوظا على مستوى آلياتها وفعاليتها, ولا تزال الممارسة الدولية تشهد على نجاعتها في احتواء العديد من المشكلات الدولية. وتتمحور هذه الوسائل حول المفاوضات, المساعي الحميدة, الوساطة, التحقيق, التوفيق, وعرض المنازعات على المنظمات الإقليمية والدولية.
المطلب الثاني: الوسائل القانونية
على خلاف الطرق السياسية التي تفتقر إلى الصفة الإلزامية, فإن الطرق القانونية أو القضائية تتميز بإصدار قرارات ملزمة تتقيد الدول المعنية بتنفيذها واحترامها, وتصدر هذه القرارات إما عن هيئات التحكيم أو عن محاكم دولية دائمة.
الفرع الأول: التحكيم الدولي
يعد التحكيم بمثابة فحص ونظر في النزاع وجذوره من قبل شخص أو هيئة يلجأ إليها المتنازعون أنفسهم, مع التزام مسبق بتنفيذ القرار الذي سيصدر في النزاع, وبهذا فسلطة الحكم كسلطة القاضي وقراره بمثابة حكم قضائي له صفة الإلزام, ومعلوم أن اللجوء إلى هذا الإجراء الذي أثبت فعاليته في حل العديد من الأزمات الدولية, يتم بناء على رضى طرفي أو أطراف الأزمة.
الفرع الثاني: القضاء الدولي من خلال محكمة العدل الدولية
إذا كانت قرارات التحكيم تصدر عن هيئات عرضية, فإن القرارات القضائية تصدر عن أجهزة دائمة, وتعد محكمة العدل الدولية إحدى الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة, هذا فضلا عن كونها الجهاز القضائي الأساسي لهذه الهيئة، وقد حدد سيرها بمقتضى نظامها الأساسي المرفق بميثاق الأمم المتحدة والذي تعد جميع الدول أعضاء الأمم المتحدة طرفا فيه, ويوجد مقرها بلاهاي, وهي تتكون من خمسة عشر قاضيا ينتخبون لتسعة سنوات, وللدول وحدها الحق في أن تكون أطرافا في الدعاوى المرفوعة للمحكمة, وتصنف اختصاصاتها إلى اختصاصات قضائية وأخرى استشارية.
ففي الحالة الأولى, تكون ولايتها اختيارية أو إجبارية, وقراراتها في هذه الحالة تكون ملزمة ونهائية ويمكن لمجلس الأمن أن يوصي باتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذها.
أما في الحالة الثانية, فتكون مهمتها هي إبداء الرأي القانوني في المسائل التي يطلب منها, سواء من قبل الجمعية العامة أو مجلس الأمن أو إحدى فروع الهيئة الأممية ووكالاتها المتخصصة, وتظل هذه الآراء غير ملزمة, ومع ذلك فهي أداة لتكوين قضاء المحاكم ووسيلة لإثراء القانون الدولي.
المطلب الثاني: الوسائل الزجرية
قد يصبح اللجوء إلى الوسائل الزجرية والإكرامية ضرورة ملحة عند فشل الطرق الودية في إدارة أزمة دولية معينة, وتتنوع هذه الوسائل بين الضغوطات الاقتصادية والسياسية والعسكرية كحل أخير.
الفرع الأول: الضغوطات الاقتصادية والسياسية
للجانب الاقتصادي أهمية قصوى في العلاقات الدولية, وقد يكون اللجوء إلى هذا النوع من الضغوطات بشكل مباشر أو غير مباشر عاملا حاسما في التخفيف من حدة تصاعد الأزمة أو إنهائها، وتتنوع هذه الضغوطات بدورها إلى المقاطعة، الحصار الاقتصادي, الحظر، الحجز على الأموال بالخارج.
ومعلوم أن استعمال هذه الضغوطات أصبح يعرف حركية كبيرة في ظل التحولات الدولية الأخيرة رغم ما يخلفه من آثار إنسانية صعبة.
أما الضغوطات السياسية فيمكن بدورها دورا مهما في هذا المجال, وتتركز هذه الضغوطات في الحملات السياسية الدعائية التي تستهدف الطرف الخصم في إطار ما يعرف بالحروب النفسية, أو الحد والتقليص من حجم البعثات الديبلوماسية للخصم في الخارج, وحرمانها من بعض الامتيازات الدولية من قبيل منع انضمامها لبعض المنظمات والاتفاقيات..
الفرع الثاني: اللجوء إلى القوة العسكرية
إن استثمار القوة العسكرية في إدارة الأزمات يتخذ صورتين أساسيتين:
ففي الأولى, يمكن للقوة العسكرية أن تشكل عاملا أساسيا في إنجاح إدارة الأزمة, وذلك من خلال استنفار القوات العسكرية أو إجراء مناورات عسكرية أو تجارب نووية أو عقد صفقات عسكرية.. مع ترك باب الحوار والمفاوضة مفتوحا باستمرار مع الخصم.
أما في الحالة الثانية, فقد تلجأ المنظمة الدولية أو دولة ما لهذا الإجراء بعد استنفاذ الطرق الودية في حسم الخلاف.
ولما كانت للحرب آثار مدمرة على الإنسانية والطبيعة والمعمار.. فقد كانت محل اهتمام القانون الدولي, وموضوعا رئيسيا لمجموعة من الاتفاقيات الدولية التي حاولت تنظيمها والحد من آثارها الخطيرة (7).

القسم الأول: إدارة مجلس الأمن للأزمات العربية في التسعينيات

بالرغم من الصلاحيات التي خولها الميثاق لمجلس الأمن في إطار المحافظة على السلم والأمن الدوليين, فإنه لم يستطع استثمارها بشكل جيد خلال فثرة الحرب الباردة بسبب الإقبال على استعمال حق الاعتراض.
ومع مطلع التسعينيات ونتيجة لنهاية الحرب الباردة, أصبح عمل هذا الجهاز يتسم بنوع من الحيوية, ولكن ذلك بدوره لم يخل من انتقادات بفعل التحكم الأمريكي في صناعة قرارات هذا الجهاز.
وإذا كانت معظم الأزمات العربية قد تأثرت سلبا بفعل ظروف الحرب الباردة ولم تجد طريقها إلى الحل, فإن الحركية التي ستسري في هذا الجهاز خلال فترة التسعينيات ستتسم بنوع من الانحراف في استثمار الشرعية الدولية وبخاصة في مواجهة الأزمات العربية التي ستشكل فضاءا خصبا لتفعيل الدور الجديد لمجلس الأمن الذي اتسم بالتوسع سواء على مستوى الآليات أو مجالات التدخل.
الفصل الأول: إدارة مجلس الأمن للأزمات العربية خلال فترة الحرب الباردة
إن مباشرة مجلس الأمن لسلطاته واختصاصاته المرتبطة بإدارة الأزمات الدولية, تقتضي منه -نظريا- الالتزام بمجموعة من الضوابط القانونية التي يعكسها الميثاق الأممي.
وقد تولد عن ظروف الحرب الباردة محدودية انضباط المجلس لهذه الضوابط مما نتج عنه ضعف وهزالة حصيلته في هذا المجال.
المبحث الأول: الضوابط القانونية المتحكمة في إدارة مجلس الأمن للأزمات الدولية
كان الهدف الأساسي من تأسيس الأمم المتحدة هو المحافظة على السلم والأمن الدوليين وتلافي وقوع حرب مدمرة في المجتمع الدولي, ولذلك جاء الميثاق في شموليته مركزا على هذا الهدف, فما هو مفهوم السلم والأمن الدوليين؟ وما هو دور المجلس في المحافظة عليهما؟
الفرع الأول: ميثاق الأمم المتحدة ومفهوم السلم والأمن الدوليين
إن مفهوم السلم والأمن الدوليين هو مفهوم فضفاض ويحتمل دلالات كثيرة ومختلفة, والميثاق الأممي جاء خاليا من تحديد دقيق لهذا المفهوم.
وعموما يمكن القول بأن السلم هو تلك الحالة التي يعم فيها الاستقرار والطمأنينة وتغيب فيها كل أشكال التوتر والضغوطات, وتحل محلها علاقات ودية مبنية على التعايش والتعاون ،فيما عرف فريق الخبراء الحكوميين الذي شكله الأمين العام للأمم المتحدة لإجراء دراسة شاملة لمفاهيم الأمن تطبيقا لقرار الجمعية العامة رقم : 188 سنة 1983 الأمن في تقريره المنشور سنة 1986 على النحو التالي (8): "هو حالة ترى فيها الدول أنه ليس ثمة أي خطر في شن هجوم عسكري أو ممارسة ضغط سياسي أو إكراه اقتصادي بحيث تتمكن من المضي قدما نحو العمل بحرية على تحقيق تنميتها الذاتية وتقدمها".
ومعلوم أن هذا المفهوم تطورت عناصره في ظل المتغيرات الدولية الحالية, ولقد جاء الميثاق الأممي بمجموعة من المبادئ التي تقارب في تكاملها وانسجامها مفهوما شاملا للسلم والأمن الدوليين, نذكر من بينها: مبدأ المساواة في السيادة بين الدول, عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء, عدم استعمال القوة والتهديد باستخدامها في العلاقات الدولية, تنفيذ الالتزامات الدولية بحسن نية وتسوية المنازعات الدولية بشكل سلمي.
الفرع الثاني: مجلس الأمن وتكييف الحالات النقيضة للسلم والأمن الدوليين
كان القصد وراء غموض بنود الميثاق في جانبها المرتبط بتحديد مفهوم دقيق للسلم والأمن الدوليين, فتح الباب على مصراعيه أمام المجلس - كجهة وحيدة - لتحديد الحالات النقيضة لهذا المفهوم, وتوصيف ما إذا كانت تنطوي على تهديد أو إخلال أو خرق للسلم والأمن الدوليين, قبل مباشرة إجراءاته السلمية أو الزجرية لرد هذه الممارسات. ويمكن القول أن سلطة المجلس في هذا الجانب واسعة ولا تخضع لضوابط دقيقة، وبخصوص تدخل المجلس في الأزمات الدولية في ارتباطها بالحالات السابقة، فنجد هناك السبل السلمية التي تتمحور حول النظر والتحقيق في الأزمة كمرحلة أولى ثم هناك التسوية السلمية للأزمة، وتتم هاته الجهود في إطار توصيات غير ملزمة.
ثم هناك سبل زجرية قد يضطر المجلس لاتباعها وتتنوع بين تدابير وإجراءات مؤقتة وتدابير غير عسكرية كالمقاطعة السياسية والاقتصادية بحسب الحالات ثم هناك التدابير العسكرية . وتظل فعالية هاته الإجراءات التي لا يلزم المجلس بالتدرج في اتخاذها مرهونة بالاتفاقات التي قد يبرمها مع الدول ومدى تكتل هذه الأخيرة للتقيد بها .
المبحث الثاني: حدود القوة الإلزامية لقرارات المجلس في ظل الحرب الباردة
يبدو أن الميثاق الاممي قد منح للمجلس إمكانيات هائلة في سبيل المحافظة على السلم والأمن الدوليين وإدارة الأزمات, لكن يبقى السؤال المطروح هو: ما مدى إعمال المجلس لهذه السلطات والإمكانيات خلال فترة الحرب الباردة ؟
المطلب الأول: القوة الإلزامية لقرارات المجلس المرتبطة بإدارة الأزمات
حتى نحيط بهذا الجانب سنتطرق لكيفية التصويت على قرارات المجلس ومدى إلزاميتها تجاه الأطراف المعنية قبل الحديث عن شرعية هذه القرارات.
الفرع الأول: التصويت على قرارات المجلس
وفقا للمـادة 27 من الميثاق فإنه لكل عضو من أعضاء المجلس صوت واحد، غير أن القيمة القانونية لأصوات هؤلاء تختلف بحسب ما إذا كان الأمر يتعلق بمسألة موضوعية أو إجرائية, فبخصوص الأولى, فيكفي أن تعترض إحدى الدول دائمة العضوية بالمجلس على أي من قراراته لتحول دون إصدارها، أما الثانية, فالقرارات المتعلقة بها تصدر بأغلبية تسعة أصوات ولا يشترط من بينها بالضرورة أصوات الدول الخمس الدائمة العضوية بالمجلس.
الفرع الثاني: القوة الإلزامية لقرارات المجلس
بمقتضى المواد: 49,48,25 من الميثاق الأممي, ألزمت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة نفسها بقبول وتنفيذ قرارات المجلس المرتبطة بحفظ السلم والأمن الدوليين, ورغم وجود طائفة من المواقف الفقهية التي تميز بين توصيات المجلس وقراراته أو تضعها في خانة واحدة من حيث القوة الإلزامية فإننا نرى أن كل منهما قد يظل حبرا على ورق ما لم تحدث القناعة اللازمة للدول المعنية بتطبيقها وتوافر الإرادة السياسية للدول الدائمة العضوية بالمجلس لفرض احترامها.
الفرع الثالث: الشرعية الدولية لقرارات المجلس
تعني الشرعية الدولية مطابقة التصرف للقاعدة القانونية الدولية, وبالتالي فالقول بشرعية قرارات المجلس أو عدمها يستند بالأساس إلى مدى تطابقها مع القواعد القانونية الدولية واستيفائها لشروط شكلية وجوهرية محددة، وتتجلى المرتكزات القانونية لشرعية قرارات المجلس في ميثاق الأمم المتحدة من جهة وقواعد القانون الدولي المشكلة من المعاهدات الدولية, قرارات المنظمات الدولية, مبادئ القانون الدولي, أحكام المحاكم الدولية.
أما الشروط اللازمة لشرعية قرارات هذا الجهاز فتتجلى في ضرورة تقيده بأهدافه الخاصة وباختصاصاته المخولة وأيضا بالقواعد الإجرائية والمسطرية وفقا لما ورد في الميثاق الأممي.
المطلب الثاني: إدارة مجلس الأمن للأزمات العربية خلال فترة الحرب الباردة
لم يكن من السهل على المجلس إعمال كل السلطات المخولة له إبان فترة الحرب الباردة بفعل ما عرفته الساحة الدولية من انقسامات إيديولوجية خصوصا على مستوى إدارة الأزمات الدولية الخطيرة التي كانت تهدد السلم والأمن الدوليين والتي كانت تتطلب إعمال نظام الأمن الجماعي ومن ضمنها العديد من الأزمات العربية وخاصة تلك المرتبطة بالصراع العربي - الإسرائيلي.
الفرع الأول: فشل مجلس الأمن في تطبيق نظام الأمن الجماعي
يحتل نظام الأمن الجماعي مكانة متميزة ضمن الوسائل اللازمة لإدارة الأزمات الدولية والتي أتاح عبرها الميثاق الأممي للمجلس إمكانية مواجهة الحالات النقيضة للسلم والأمن الدوليين بكل حزم وعبر كل الوسائل الزجرية، غير أن هناك مجموعة من الأسباب والمعطيات حالة دون تحريك هذه الآلية بالرغم من وجود أزمات خطيرة اجتاحت الساحة الدولية. ونجمل هذه العوامل في: تنامي الصراع الإيديولوجي بين الشرق والغرب, قصور آليات نظام الأمن الجماعي التي جاء بها الميثاق, الإسراف في استعمال حق الاعتراض بشكل شل حركة المجلس وإحلال نظام مناطق النفوذ محل نظام الأمن الجماعي.
وأمام هذه الإكراهات, كان من الضروري إجراء تحسينات على نظام الأمم المتحدة لإدارة الأزمات الدولية, وبالفعل فقد برزت اجتهادات في هذا الشأن, سواء فيما يتعلق بتدعيم سلطات الجمعية العامة في إطار قرار الاتحاد من أجل السلم الذي يسمح لها بتحمل مسؤولية المجلس المرتبطة بحفظ السلم والأمن الدوليين عند عجز هذا الأخير عن تحقيق ذلك بفعل عدم تحقق الإجماع بين الدول الخمس الدائمة العضوية, رغم وجود حالات نقيضة للسلم والأمن الدوليين, أو فيما يتعلق بابتكار عمليات للأمم المتحدة لحفظ السلام والتي تطورت لتصبح أداة غير قسرية لكبح النزاع في وقت حالة فيه قيود الحرب الباردة دون اتخاذ مجلس الأمن ما يسمح به الميثاق من خطوات أشد قوة (9).
الفرع الثاني: إدارة مجلس الأمن لبعض الأزمات العربية في ظل الحرب الباردة
دخل العرب إلى هيأة الأمم المتحدة مؤسسين ومنضمين وكانوا من أشد الأمم تحمسا لمبادئها, ولم يكد ميثاق هذه الهيأة يجف حتى توالت الأزمات العربية في الظهور سواء تعلق الأمر منها بالأزمات العربية البينية، الإقليمية أو الدولية.
فعلى مستوى قضايا التحرر العربية, فلا أحد ينكر الدور الهام الذي قامت به الأمم المتحدة في هذا الشأن غير أن هناك صعوبات جمة رافقت استقلال العديد من الدول العربية كليبيا, سوريا, ولبنان. كما أن انضمام معظم الدول العربية إلى هذه الهيئة لم يكن أمرا سهلا لأن ذلك كان محل مساومة بين الشرق والغرب, ونذكر هنا على سبيل المثال حالة الأردن.
وبخصوص القضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي فالملاحظ أنه وبالرغم من أن الأمم المتحدة قد سلحت العرب بمجموعة من قرارات الشرعية الدولية سواء من مجلس الأمن أو الجمعية العامة، فان المجلس لم يحرك سلطاته بفعالية لتطبيقها في هذا الصدد بفعل الضغوطات الأمريكية والتخاذل العربي مما كان له الأثر البليغ في تعطيل هذه القضايا.
ومن جانب آخر نالت الأقطار العربية قسطا وافرا من عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام ونذكر من بينها هيئة مراقبة الهدنة عام 1948 خلال الحرب العربية الإسرائيلية, قوات الطوارئ الدولية الأولي خلال سنة 1956 بمناسبة أزمة السويس, وقوات الأمم المتحدة في لبنان عام 1978..
وعموما كان أداء مجلس الأمن في إدارة الأزمات العربية هزيلا خلال فترة الحرب الباردة ولقد كان لاستعمال حق الاعتراض اثر سلبي كبير على القضايا العربية وخاصة في جانبها المرتبط بالصراع العربي- الإسرائيلي.
وجدير بالذكر أن مواقف المجلس اختلفت إزاء القضايا العربية عن مواقف الجمعية العامة خلال مناسبات عديدة ولعل هذا الضعف الواضح في حصيلة المجلس بهذا الخصوص, ترجع في جزء أساسي منها إلى مواقف العرب المتناقض أحيانا إزاء قضاياهم بفعل مشاكلهم البينية المتفاقمة , وضعف أدائهم الديبلوماسي في منابر الأمم المتحدة وعدم استثمارهم لإمكانياتهم الهائلة (الطبيعية, الاقتصادية, البشرية ) بشكل فعال في هذا الشأن. فهل سيتجاوز المجلس هذه الصعوبات وتتغير الأمور خلال فترة التسعينيات؟
الفصل الثاني: التحولات الدولية الجديدة وأثرها على إدارة مجلس الأمن للأزمات العربية
مع مطلع التسعينيات, وعلى إثر انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة سيشهد العالم تحولات متشابكة ومتسارعة على مختلف الواجهات , ولم تكن الدول العربية في مأمن من هذه المتغيرات, وهكذا وقعت أزمة الخليج الثانية التي أفرزت ظروفا وأوضاعا عربية مزرية وفي هذه الأجواء سيبدأ فصل جديد من تاريخ الأمم المتحدة عموما ومجلس الأمن على وجه الخصوص, حيث سيصبح هذا الأخير أكثر حركية في مواجهة الأزمات الدولية غير أن هناك صعوبات كبيرة ستواجهه ناهيك عن استثماره لمفهوم الشرعية الدولية بشكل منحرف.
المبحث الأول: المسؤوليات الجديدة لمجلس الأمن في ظل التحولات الدولية
إن التحولات التي ستشهدها الساحة الدولية عقب انهيار المعسكر الشرقي ستفرز مجموعة من القضايا والاهتمامات والأزمات الدولية الجديدة ستشكل في مجملها تحديا جسيما أمام المجلس.
المطلب الأول: الأقطار العربية في ظل التحولات الدولية الراهنة
بعد ما انطلق غورباتشوف في تطبيق سياسته الإصلاحية "البيريسترويكا" بالاتحاد السوفيتي كانت الأوضاع بهذا البلد تهدد بالانهيار، وهو ما تم بعد مدة قصيرة فعلا, ولم تنحصر آثار هذا الانهيار وتداعياته على هذا البلد أو على أوروبا الشرقية بحكم قربها الجغرافي والسياسي منه، بل إن العالم بشماله وجنوبه سيتأثر بهذا الحدث الدولي الكبير, فما هي ملامح وسمات هذه التحولات التي أعقبت هذا الانهيار؟ وما موقع الأقطار العربية منها؟
الفرع الأول: السمات العامة للتحولات الدولية بعد نهاية الحرب الباردة
في مطلع التسعينيات وعلى إثر انتهاء الحرب الباردة برزت بعض الخطابات الدولية التي تزعم ظهور نظام دولي جديد , ومعلوم أن هذا النظام يحمل في ثناياه أكثر من دلالة فبالإضافة إلى كونه يعبر عن شكل لتوزيع القوة بين الفاعلين الأساسيين في المجتمع الدولي فانه يحمل في بعض أوجهه دلالة معيارية كسيادة العدل ووجود قواعد ثابتة تحكم التفاعلات الدولية وقد كان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش أول من بشر بهذا النظام في أعقاب بروز أزمة الخليج الثانية حيث تحدث عن بـزوغ عصر جديد وزمن السلام لكل الشعوب, ونظام دولي جديد متحرر من الإرهاب قوي في البحث عن العدل وأكثر أمنا في طلب السلام (10).
وإذا كانت المواقف والآراء بشأن حقيقة وجود هذا النظام متعددة وتتراوح ما بين ومؤمن به وبين منكر له, فإنه يمكن الإقرار بحقيقة ثابتة مفادها أن المجتمع الدولي بشماله وجنوبه شهد مجموعة من المتغيرات، فعلى مستوى دول الشمال تنامت ظاهرة التكتلات الاقتصادية والتجمعات الإقليمية, وتعزز موقع هذه الدول على مستوى التطور الاقتصادي والتكنولوجي, وموازاة مع ذلك استفردت الولايات المتحدة الأمريكية بالشؤون الدولية على اختلافها مستغلة بذلك الفراغ الذي خلفه انهيار الاتحاد السوفيتي، وقد تبلور هدا الاستفراد خاصة على المستوى الديبلوماسي ونسبيا على المستوى العسكري, أما على المستوى الاقتصادي فتتقاسمه مع بعض القوى الاقتصادية الأخرى كاليابان والاتحاد الأوروبي.
أما على مستوى دول الجنوب فقد ازدادت الأحوال سوءا وتدهورا على مختلف الواجهات، فعلى الصعيد الأمني أضحت سيادة الدول مهددة بفعل التدخلات التعسفية باختلاف مظاهرها. وعلى الصعيد الاقتصادي والاجتماعي فقد تدهورت الأوضاع بمختلف هده البلدان بفعل ثقل المديونية وضعف الاستثمار الأجنبي الغربي الذي أصبح يوجه نحو أوربا الشرقية بالأساس، وهكذا تزايدت مظاهر البطالة والفقر والمجاعة والهجرة نحو الخارج، وعلى المستوى السياسي اجتاحت التغيرات السياسية معظم أنظمة هذه البلدان سواء بشكل سلمي أو عنيف، ولعل هذه الأوضاع المزرية هي التي كانت وراء بروز مجموعة من الأزمات المتباينة بمعظم هذه البلدان .
الفرع الثاني: التفاعل العربي مع التحولات الدولية الراهنة
إذا كانت معظم النظم الإقليمية في كل من أوروبا واسيا وأمريكا اللاتينية قد أبدت تجاوبا سريعا وإيجابيا مع هذه المتغيرات باتجاه مزيد من الاندماج والاعتماد المتبادل وتفعيل الحياة السياسية والاقتصادية وتطويرهما , فان نظما إقليميـة أخرى لم تستطع التأقلم مع هده المعطيات, وعانت من التشرذم, بل وصلت إلى حد أن توشك على الاختفاء كإطار لضبط وتأطير التفاعلات الإقليمية, وتبدو في هذا الصدد حالة النظام العربي بارزة.
والعالم العربي كجزء من دول الجنوب كان تأثره بهذه التحولات سلبي في جوانـب كثيرة، فالتضامن العربي سيتدهور بشكل كبير, وستسوء الأحوال السياسية والاقتصادية بمعظم البلدان العربية وستتراجع مكانته الأمنية لصـالح إسرائيل والقوى الإقليمية الأخرى, كما سيتنامى التدخل الأجنبي بشتى أشكاله بمعظم هذه البلدان, وبخاصة بعد أزمة الخليج الثانية وطبعا سيكون لهذه الأوضاع أثرها السلبي على الكيفية التي سيتعامل بها مجلس الأمن مع معظم الأزمات العربية.
فبعد اندلاع أزمة الخليج الثانية تأثر الأمن القومي العربي بشكل كبير، فخلال هذه الأزمة تحرك مجلس الأمن بشكل غير مسبوق لإدارتها تحت ضغوط أمريكية , وكان الاتحـاد السوفيتي حينها مشغولا بمشاكله الداخلية ويعيش آخر أيامه, فهذه الأزمة التي انحرف المجلس في إدارتها عن ضوابط الشرعية الدولية ، أثرت بشكل سلبي على كل مكونات الأمن القومي العربي سواء في جانبها العسكري, الاجتماعي, الاقتصادي والسياسي. وقد كانت هذه الأزمة مناسبة تنامت خلالها مظـاهر الخلافات العربيـة البـينية, وأثـرت سلبا على أداء جامعة الدول العربية التي أضحت شبه عاجزة في ظل عالم أصبح لا يؤمن إلا بالتكتلات.
المطلب الثاني: المسؤوليات الجديدة لمجلس الأمن الدولي
في خضم هذه التحولات, وجد مجلس الأمن الدولي نفسه أمام عناصر جديدة أصبحت تهدد السلم والأمن الدوليين, كتلك الأزمات المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان, الإرهاب والتحولات الديموقراطية.. وقد تبلورت هذه المسؤوليات خلال مؤتمر القمة للدول الأعضاء بهذا الجهاز سنة 1992 حيث تم تحديد مبادئ جديدة للأمم المتحدة.
الفرع الأول: القضايا والاهتمامات الدولية الجديدة
أسهمت ظروف الحرب الباردة إلى حد كبير في تحويل أنظار الرأي العام الدولي عن مجموعة من مظاهر الخطر على الإنسانية والتركيز على الجانب العسكري.
وقد شكلت الفترة اللاحقة لنهاية الحرب الباردة فرصة لشد الاهتمام نحو قضايا كانت منسية ومهملة رغم خطورتها, وطرحت بحدة كرهانات وتحديات أمام المجتمع الدولي برمته, ومن ضمن أهم هذه القضايا التي شكلت المؤتمرات الدولية آلية رئيسية لمناقشتها ومجابهتها والتخفيف من مخاطرها, مشكل تلوث البيئة, المشاكل المترتبة عن التحولات الديموقراطية وانتهاكات حقوق الإنسان ثم مشكل الإرهاب الذي تعاظمت مخاطره (11).
الفرع الثاني: المبادئ العامة الجديدة للأمم المتحدة
سعيا منها للتكيف مع هذه المتغيرات والاهتمامات الجديدة وإرضاء للإرادة الأمريكية والغربية في هذا الشان اتجهت الأمم المتحدة إلى رسم مبادئ جديدة لها, وقد تمظهر ذلك في مؤتمر قمة الدول الأعضاء في مجلس آلام المنعقدة في 31 / يناير/1992, وتمحورت هذه المبادئ التي يؤخذ عليها كونها تجسد مظلة قانونية للهيمنة الأمريكية - الغربية على الدول المستضعفة حول: رفض الإيديولوجيات المتباينة, ووضع أساس إيديولوجي آخر قوامه الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان وحرية الانتخابات واقتصاد السوق ثم مكافحة الإرهاب بشكل جماعي مع تعمد الخلط بين هذا العمل المحرم وحق تقرير المصير المشروع وأيضا تقوية مجلس الأمن الدولي ودور الأمين العام الأممي وأخيرا تفعيل الديبلوماسية الوقائية الرامية إلى منع نشوب المنازعات وتفاقمها (12).
المبحث الثاني: تطور أداء مجلس الأمن الدولي في مجال إدارة الأزمات الدولية والعربية
بالنظر إلى حجم المنازعات والأزمات التي انتشرت على امتداد مناطق مختلفة من العالم وما خلفته من خسائر جسيمة في العتاد والأرواح والبيئة.. كانت حصيلة مجلس الأمن خلال فترة الحرب الباردة عقيمة في مجال إدارة الأزمات وموازاة مع هذه التحولات التي سيشهدها العالم سيعرف هذا الجهاز نوعا من الانتعاش في حركيته حيث سيعمل على توسيع آليات عمله ومجالات تدخله وذلك بالرغم من الصعوبات الكبيرة التي ستواجهه, غير أن هذه الحركية ستتم في غالب الأحيان على حساب الشرعية الدولية وذلك ما سيتجلى بصفة واضحة من خلال تعامله مع العديد من الأزمات العـربية.
المطلب الأول: تدعيم مكانة مجلس الأمن في مجال إدارة الأزمات الدولية والعربية
تمظهرت أوجه تدعيم مكانة المجلس في إدارة الأزمات الدولية والعربية على مستوى توسيع مهامه من جهة وتطوير آليات تدخله من جهة ثانية، غير أن هناك صعوبات جمة ستواجهه في ذلـك.
الفرع الأول: توسيع مهام مجلس الأمن في مجال إدارة الأزمات
لقد تم هذا التوسع على مستويين: الأول طال مجالات تدخله , حيث أصبح المجلس يتوسع في تفسير المادة 33 من الميثاق الاممي لتحديد مجالات تدخله, وفي هذا الصدد أصدر مجموعة من القرارات التي تبين العوامل الجديدة المهددة للسـلم والأمن الدوليين، ونذكر هنا على سبيل المثال:
القرار 688 الذي اعتبر فيه أن ما يتعرض له المدنيون العراقيون من قمع وخصوصا في المنطقـة التي يسكنها الأكراد.. يهدد السلـم والأمن الدوليين، وكذلك القرار 748/ 1992 الصادر ضد ليبيا والذي اعتبر فيه أن قمع أي عمل إرهابي يعد أمرا ضروريا للمحافظة على السلم والأمن الدوليين.
والثاني على مستوى الآليات والوسائل, حيث ثم إحياء نظام الأمن الجماعي من خلال اتخاذ إجراءات زجرية عسكرية وغير عسكرية ضد مجموعة من الدول, وقد نالت بعض الدول العربية نصيبها الأوفر من هذه الإجراءات خاصة العراق, ليبيــا والسودان وإن بدرجات متفاوتة.
كما تم تطوير عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام التي يشرف عليها المجلس حيث امتدت لمناطق عديدة من دول العالم وتنوعت مجالات تدخلها وتطورت ولم تعد رهينة بـإرادة الدول التي يتم التدخل فيها وأصبحت مشاركة القوات فيها مفتوحة أمام كافة دول العالم.
الفرع الثاني: الصعوبات والإكراهات في عمل المجلس
إن التطور الذي عرفه أداء المجلس لم يخل من صعوبات كان لها الأثر السلبي الكبير على فعاليته في إنجاح مهامه, وتتجلى هذه الصعوبات في جوانب مالية, عسكـرية ومعلومـاتيـة.
ففي الوقت الذي اصبح يطلب فيه من المجلس القيام بأعمال جديدة وعديدة أكثر من أي وقت مضى في ظل تفاقم الأزمات وتنوعها , فإن عددا كبيرا من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لم تبادر إلى تسديد مستحقاتها من الحصص المالية المحددة لها في ميزانية الأمم المتحدة, ومستحقاتها المرتبطة بتمويل عمليات حفظ السلام الأممية .
وتمثل الولايات المتحدة الأمريكية الدولة أكثر مديونية لفائدة المنظمة , التي بلغت 1,3 مليار دولار أواخر سنة 1997 ومعلوم أن امتناع الدول الأعضاء عن أداء الأقساط المستحقة غالبا ما ينطوي على خلفيات ومصالح سياسية ضيقة .
وعلى الصعيد العسكري- وكما سبق أن أشرنا- قد يكون للقوة دور محوري وحاسم في إنجاح إدارة الأزمة غير أنه ورغم كون الميثاق أقر في إحدى بنوده بإنشاء هيئة أركان الحرب, فإن الممارسة الدولية أثبتت مدى الصعوبات التي واجهت تحقيق ذلك وكانت العمليتان العسكريتان الحاسمتان اللتان تحركت بها الأمم المتحدة لمواجهة حالات مهددة للسلم في كل من أزمة كوريا والعراق قد تمتا في إطار تحالف دولي قادته الولايات المتحدة الأمريكية حيث رافق ذلك نوع من الانحراف بالشرعية الدولية.
وبخصوص الصعوبات المعلوماتية فرغم أهمية هذه الأخيرة في إنجاح إدارة الأزمة وضرورة توافرها لدى المجلس قبل مباشـرته لمهامـه, فهذا الأخير لازال يستعمل سبلا تقليدية وبطيئة لتسريب المعلومات إليه كلجان تقصي الحقائق وبعثات المراقبين.. وتظل في مجملها وسائل غير كافية أمام تعقد الأزمات وتسارع تصاعدها.
المطلب الثاني: حدود الشرعية الدولية في إدارة مجلس الأمن للأزمات العربية
يمكن تصنيف الأزمات العربية من زاوية انخراط مجلس الأمن في إدارتها إلى أزمات استبعدت من اهتمامه وتركت فأدارتها لأطرافها تحت رعاية الولايات المتحدة كما هو الشأن بالنسبة للأزمة المرتبطة بالصراع العربي - الإسرائيلي وأزمات انخرط المجلس في إدارتها سواء بإرادة أمريكية- غربية وعلى ضوء الميثاق الأممي كأزمة الخليج الثانية, أو أقحم فيها إقحاما وعالجها بطريقة تجاوزت صلاحياته كأزمة "لوكربي".
ولذلك سنتناول في هذا المطلب سلوكات مجلس الأمن بين الشرعية الدولية والهيمنة الأمريكية, قبل الانتقال إلى دراسة حالات عربية انحرف المجلس فيها بالشرعية الدولية.
الفرع الأول: مجلس الأمن بين الشرعية الدولية والهيمنة الأمريكية
في ظل هذه التحولات الدولية بدا جليا مدى الهيمنة التي أصبحت تبسطها الولايات المتحدة على مجلس الأمن وذلك من خلال التحكم في قراراته بل ومساره ككل, بعدما خلا لها الجو بانهيار الاتحاد السوفيتي الذي منعها من ذلك طوال فترة الحرب الباردة, ولعل المرتكزات الأساسية التي أصبحت تستند إليها الولايات المتحدة لتسخير الشرعية الدولية عبر هذا الجهاز تتجلى في احتكار العضوية داخل المجلس والضغط على باقي الأعضاء الدائمين بها بالترغيب تارة وبأسلوب الترهيب تارة أخرى ثم التذرع بالشرعية الدولية بالشكل الذي دفع بالبعض إلى القول (13): "أن هذه الشرعية الدولية أضحت تتحرك وفق "بوصلة أمريكية "." وهكذا انتقل هذا المفهوم من وسيلة للدفاع عن الحق والعدالة إلى تكريس المصالح الضيقة. ولعل هذا ما سيعكسه تعامل المجلس مع معظم الأزمات العربية.
الفرع الثاني: انحراف مجلس الأمن بالشرعية الدولية في إدارته للأزمات العربية
شكلت الأقطار العربية فضاء خصبا لتجريب فعالية مجلس الأمن وديناميته في ظل التطورات الدولية التي أعقبت نهاية الحرب الباردة, وعموما شكلت هذه التدخلات في مجملها انحرافا واضحا للمجلس عن قواعد الشرعية الدولية, وبالنظر إلى تعدد هذه الأزمات ارتأينا التركيز على بعضها .
فالقضية الفلسطينية التي شكلت جوهر الصراع العربي الإسرائيلي ومحوره وبالرغم من كونها حظيت باهتمام المجلس حتى قبل قيام دولة إسرائيل واستصدر بشأنها العديد من القرارات لم تدر بشكل ناجح لكون معظم القرارات وبفعل الضغوطات الأمريكية بقيت حبرا على ورق وعند انتهاء الحرب الباردة استبعد هذا الجهاز بل وحتى الأمم المتحدة نفسها عن معالجة هذه الأزمة وترك أمرها لمفاوضات غير متكافئة بفعل تواطؤ أمريكا مع إسرائيل .
أزمة الصومال التي نتجت عقب الاقتتال بين الفصائل الصومالية إلى الحد الذي انهارت فيه مؤسسات الدولة, تدخل فيها المجلس عبر استصدار مجموعة من القرارات كان أخطرها القرار 794 القاضي بتفويض الأمم المتحدة سلطة توفير القوات اللازمة لتوفير بيئة آمنة لعملية الإغاثة في الصومال، ولم ينفد هذا القرار إلا بعدما قادت الولايات المتحدة الأمريكية تحالفا يتضمن 25 ألف جندي أمريكي و10 ألف و500 من دول أخرى وقد جاءت هذه المبادرة بنتائج عكسية حيث دخلت الفصائل الصومالية في مواجهات مع القوات الأمريكية والأممية نتيجة لأخطاء جسيمة ارتكبتها القوات الأمريكية في الصومال بسبب انحيازها إلى بعض الفصائل ضد الأخرى ، وفي هذه الأجواء اختلط الدور الأمريكي بالأممي, وتحت ضغوط كبـيرة مـن الصوماليين انسحبت هذه القوات مخفقة في مهامها, مما زاد الأمور تعقيدا وأثـر سلبـا على مصـداقية الأمم المتحـدة .
أما أزمة الخليج الثانية التي شكلت مناسبة فريدة استخدمت خلالها استراتيجية إدارة الأزمات على نطاق واسع وفرصة خرج منها المجلس من جموده، تمكن هذا الأخير من إصدار مجموعة من القرارات بشكل مكثف ولم يسبق له مثيل, وقد برز الدور الأمريكي واضحا في إدارة هذه الأزمة وهيمنته على إرادة المجلس سواء من خلال قيادة المفاوضات, تقديم مشاريع القرارات للمجلس وقيادة العمليات العسكرية والإشراف على تطبيق هذه القرارات بعد هذه العمليات.
كما أن العمليات العسكرية المتحدة ضد هذا البلد العربي تجاوزت الأهداف المحددة, ومست المدنيين وتجاوزت استخدام الأسلحة المسموح بها إلى أسلحة محظورة دوليا.
ورغم الآثار الإنسانية الصعبة والكارثية للعقوبات المفروضة على الشعب العراقي ورغم استجابة النظام العراقي لمعظم القرارات الأممية, ورغم النداءات الدولية برفعها فإنها بفعل الضغوطات الأمريكية ظلت قائمة لمدة طويلة.
وهكذا نخلص إلى أن الكيفية التي أدار بها المجلس هذه الأزمات تعكس في العمق , الخلل الذي أصاب هذا الجهاز أزاحه عن أهدافه المشروعة بفعل السيطرة الأمريكية عليه وتعكس من جانب آخر ضعف قدرة العرب في التأثير على مسار هذا الجهاز بالشكل الذي يضمن حقوقهم ويحترم وجهة نظرهم باتجاه تسوية فاعلة لأزماتهم ومشاكلهم .

القسم الثاني: إدارة مجلس الأمن الدولي لأزمة "لوكربي"

في الواحد والعشرين من شهر يناير لعام 1988, انفجرت طائرة الركاب التابعة لشركة الخطوط الجوية "بان أمريكان" في رحلة لها بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في أجواء بلدة "لوكربي" الإسكتلندية مما أسفر عن مصرع 259 راكبا من بينهم طاقم الطائرة بالإضافة إلى 11 ضحية من بلدة "لوكيربي", وفي سنة 1989 تعرضت طائرة فرنسية تابعة لشركة الخطوط الجوية (U.T.A) لانفجار فوق صحراء، النيجر, وبعد مرور أكثر من سنتين على الحادثـين, تقدمت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بمذكرة إلى الحكومة الليبية تدعوها فيها إلى تسليم مواطنين ليبيين متهمين بالتورط في حادث الطائرة الأمريكية, غير أن الجماهيرية رفضت ذلك, مما كان وراء بروز أزمة "لوكربي" التي غطت بتصاعدها على قضية الطائرة الفرنسية. وقد تدخل المجلس كطرف فاعل في إدارة هذه الأزمة بالشكل الذي غير طابعها القانوني المرتبط بتفسير اتفاقية دولية (مونتيريال 1971) إلى طابع سياسي توارت معه كل الضوابط والمرتكزات القانونية ليحل محلها منطق القوة .فكيف أدار المجلس هذه الأزمة؟ وما علاقة ذلك بالشرعية الدولية؟.
الفصل الأول: أزمة "لوكربي" من التسوية السلمية إلى فرض العقوبات على ليبيا
اتهام ليبيا بضلوعها في تفجير الطائرة الأمريكية سبقته اتهامات عديدة لجهات أخرى وراء هذا الحادث, كإيران, سوريا, الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (14), وهو ما يعطي انطباعا بعدم دقة المعلومات لدى بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في هذا الخصوص. ورغم ذلك ففور تسلمها لمذكرات الاتهام أبدت ليبيا تعاونا كبيرا لحل المشكل بعد أن نفت عنها التهمة جملة وتفصيلا حيث قامت بمجموعة من المبادرات أهمها تحريك القضاء الليبي للنظر في الأزمة, وطلب تشكيل لجنة محايدة للقيام بإجراءات التحقيق مع المتهمين, غير أن الثلاثي الغربي كان مصرا على التسليم, فأسرع بإحالة القضية على مجلس الأمن الدولي.
المبحث الأول: التجاذب بين السياسي والقانوني في أزمة "لوكربي"
اتخذت الأزمة في مسارها طابعا تصاعديا منذ البداية نظرا لاختلاف منطلقات أطرافها الأزمة ، فالثلاثي الغربي كان يصر على طابعها السياسي, فيما اعتبرتها ليبيا قضية قانونية صرفة. ولعل هذا المسار هو الذي يثبت بشكل يقيني بأن للأزمة خلفيات تاريخية وسياسية.
المطلب الأول: خلفيات الأزمة وجوانبها السياسية والقانونية
إن المتأمل في العلاقات الليبية بكل من فرنسا, بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية , يجد أنها عرفت محطات عديدة من التوتر والصراع والمواجهة أحيانا ، وأزمة "لوكـربـي" ما هي إلا امتداد لهذه العلاقات. فما هي خلفيات هذه الأزمة؟ وما هي جوانبها السياسية والقانونية؟.
الفرع الأول: الخلفيات العامة وراء إثارة الأزمة
تتمحور هذه الخلفيات حول جانبيين أساسيين: جانب مرتبط بالعلاقات الليبية بالدول الغربية الثلاث وجانب آخر مرتبط بالظرفية الدولية الراهنة التي مكنت الدول القوية من تصفية حساباتها مع الأنظمة المستضعفة التي تعتبرها معادية لمصالحها. فعلى مستوى العلاقات الليبية بالدول المعنية بالأزمة فقد شهدت نوعا من التوتر قبل إثارة الأزمة, فعـلاقات ليبيا بأمريكا مليئة بالتوتر والمواجهة خصوصا وان هذه الأخيرة اتهمت ليبيا غير ما مرة بدعم الإرهاب الدولي ومن أهم محطات التوتر في هذه العلاقات إقدام الولايات المتحدة الأمريكية على شن غارة جوية على مدينتي بنغازي وطرابلس الليبيتين(15) وفرض عقوبات أحادية الجانب على هذه الدولة. أما علاقات ليبيا ببريطانيا فقد اتسمت أيضا بالتوتر خصوصا بعد أن تم اتهام ليبيا بدعم الجيش الجمهوري الأيرلندي، في حين تدهورت العلاقات الليبية - الفرنسية منتصف الثمانينيات بفعل المشكلة التشادية (16). أما على مستوى الظرفية الدولية التي اتسمت بالهيمنة الأمريكية على شؤون المجتمع الدولي, فلم يعد في ظل هذه الوضعية مسموحا للدول الضعيفة أن تخرج عن السياق الذي رسمته الدول الكبرى وخاصة أمريكا, وجاءت الأزمة كرسالة تحذيرية من الدول الغربية الثلاث إلى كل دولة تفكر في تحدي الغرب.
الفرع الثاني: الجوانب السياسية والقانونية لأزمة "لوكربي"
اعتبرت الدول الغربية الثلاث أن أزمة "لوكربي" تنطوي على مشكل سياسي يدخل ضمن اختصاص مجلس الأمن لكونه يرتبط بمحاربة الإرهاب الدولي الذي "تعتبر ليبيا ضالعة فيه", ومعلوم أن الاعتراف بالطابع السياسي للأزمة الذي تدافع عنه الدول الغربية الثلاث سيمكن هذه الأخيرة من إدارة الأزمة بالاتجاه الذي يروقها ويحقق مصالحها .
الجماهيرية الليبية من جانبها, اعتبرت أن الأزمة تنطوي على مشكل قانوني محوره تفسير معاهدة مونتيريال لعام 1971 الخاصة بمكافحة الأفعال الغير المشروعة الموجهة ضد الأمن وسلامة الطيران المدني, خصوصا وان الاتهامات الموجهة إلى ليبيا تدخل ضمن أفعال نصت عليها هذه الاتفاقية, إذ انه بموجب هذه الأخيرة يمكن لليبيا أن تحاكم المتهمين على أرضها(17), من ناحية أخرى فالقانون الليبي يمنع تسليم الرعايا إلى دولة أجنبية، كما أن ليبيا لا تربطها اتفاقية في هذا الشأن بالدول الغربية الثلاث.
المطلب الثاني: أزمة "لوكربي" بين مجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية
سلك الطرفان المتنازعان في أزمة "لوكربي" مسلكين مختلفين، فالدول الغربية صعدت من مواقفها منذ البداية واختارت اللجوء إلى مجلس الأمن مما مكنـها مـن استصـدار القرار 731 الذي يدين ليبيا، فيما فضلت هذه الأخيرة إحالة المسألة على أنظار محكمة العدل الدولية بعد أن فشلت جميع محاولاتها لحل الأزمة بشكل تفاوضي أو من خلال التحكيم .
الفرع الأول: أزمة "لوكربي" أمام مجلس الأمن الدولي
بعد أن قامت الدول الغربية الثلاث بإحالة القضية على النظار المجلس قام هذا الأخير بتاريخ 21 يناير 1992 بإصدار قراره رقم 731, حيث عبر عن انزعاجه من جميع أشكال الإرهاب الدولي واستيائه لعدم استجابة الحكومة الليـبية بصورة فعالة لتحديد المسؤولية عن الأعمال الإرهابية وحثها عن الاستجابة لهذه المطالب مشيرا إلى التحقيقات التي تشير إلى تورط موظفــين تابعين للحكومة الليبية في الحادث، ويلاحظ أن المجلس في هذا القرار اعتمد على تحقيقات أجرتها الدول الغربية المعنية بالأزمة مباشرة, كما انه أقحم نفسه في مسألة قانونية كان من الأجدر أن يحيل أطرافها على محكمة العدل الدولية وكان حريا أيضا بالدول الثلاث ألا تصوت على هدا القرار باعتبارها أطرافا رئيسية في الأزمة, ومن جانب آخر لم يطلب هدا القرار صراحة من ليبيا تسليم مواطنيها بقدر ما طلب منها إبداء التعاون مع الأطراف الأخرى لتحديد المسؤولية عن الحادث, وقد استمرت ليبيا في التأكيد على عدم صلتها بالحادثين، ورغم إعرابها عن قبول هذا القرار وتقديمها للعديد من المقترحات والمبادرات بشأن التعاون مع الأطراف المعنية (18) فإن هذه الأخيرة أصرت على تسليم المتهمين ورفضت كل هذه المقترحات.
الفرع الثاني: أزمة لوكربي أمام محكمة العدل الدولية
بعد استنفاذها لكل الطرق الكفيلة باحتواء الأزمة, أحالت ليبيا ملف القضية على محكمة العدل الدولية في الوقت الذي كانت فيه الأطراف الثلاث الأخرى تستعد لإصدار قرار ثان من مجلس الأمن, ويجد لجوء ليبيا إلى المحكمة أساسه في المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة والمادة 14 من اتفاقية مونتيريال لسنة 1971, وقد طلبت من المحكمة اتخاذ إجراءات تحفظية ضد كل من بريطانيا وإعمال هذه الاتفاقية في حادث "لوكربي". وردت المحكمة بالرفض على الطلب الخاص بالإجراءات التحفظية ضد كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية متذرعة في ذلك بأن القرار 748 سلب منها اختصاصاتها في هدا الشأن بعد أن غير ظروف النزاع. ويبدو أن المحكمة في تعاملها مع هذه القضية بهذا الشكل أرادت تفادي الاحتكاك بمجلس الأمن الذي تنامت وتوسعت سلطاته على حساب باقي أجهزة الأمم المتحدة.
المبحث الثاني: إدارة مجلس الأمن لأزمة "لوكربي" من التسوية إلى التصعيد
رغم المرونة التي تعاملت بها ليبيا مع هذا الملف والتعاون الذي أبدته في هذا الشان , إضافة إلى المساعي الحميدة التي أجرتها بعض الأطراف في سبيل الحد من تفاقم الأوضاع, إلا أن الدول الغربية الثلاث اختارت مسلكا تصعيديا كان من مظاهره استصدار قرارات زجرية من مجلس الأمن.
المطلب الأول: قرار مجلس الأمن رقم 748 والردود الليبية والعربية عليه
منذ الوهلة الأولى لإحالة ملف "لوكربي" على مجلس الأمن بدا جليا أن الدول الغربية الثلاث كانت تطمح إلى توريط النظام الليبي ككل, وتفرض عليه قائمة ثقيلة من العقوبات الزجرية, وبالفعل جاء القرار 748 ليؤكد هذه التكهنات.
الفرع الأول: مضمون القرار 748 ومدى شرعيته
أصـدر المجلس هـذا القرار بتاريخ 13 مارس من سنة 1992 , حيث أكد فيه على قراره السابق وعبر فيه عن قلقه من أن الحكومة الليبية لم تستجب بعد استجابة كاملة وفعالة للمطالب الواردة في القرار السابق. وهو ما اعتبره المجلس بمثابة تهديد للسلم والأمن الدوليين , كما حث الحكومة الليبية على الالتزام بوقف جميع أشكال أعمال الإرهاب ووقف تقديم جميع المساعدات إلى المجموعات الإرهابية عبر إجراءات ملموسة, وقرر أيضا انه في 15 أبريل 1992 ستتخذ التدابير الزجرية في حق ليبيا إلى حين امتثالها لهذه الطلبات, ويمكن إجمال هذه العقوبات والتدابير: في حظر جوي, عقوبات عسكرية وديبلوماسية, تضييق الخناق على تحركات المواطنين الليبيين المتورطين في أنشطة إرهابية في الخارج.
ومرة أخرى - ورغم التعاون الليبي - يقرر المجلس عدم استجابة ليبيا للمطالب الواردة في القرار 731 حيث استند هذا القرار إلى الفصل السابع من الميثاق بالشكل الذي قطع الطريق على جهود التسوية السلمية للأزمة, على الرغم من أن الأمر يتعلق بحادث لا يرقى إلى عمل عدواني أو مصدر من مصادر تهديد السلم والأمن الدوليين, وهو بذلك جرم المتهمـين أصر على عقاب شعب بكامله بناء على تقارير غربية وقبل أن يقر القضاء بذلك.
الفرع الثاني: الردود الليبية والعربية على القرار 748
مباشرة بعد صدور هذا القرار أعلنت ليبيا أنها تعاونت تعاونا صادقا وجادا من أجل تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 731, وجددت استعدادها للتعاون الكامل لإجراء تحقيقات عادلة حول الحادثتين. كما أدانت الإرهاب بكافة أشكاله أعلنت أيضا أنها لن تسمح بأي شكل من الأشكال باستخدام أراضيها أو مواطنيها للقيام بأية أعمال إرهابية.
ومنذ البداية حاولت ليبيا إضفاء الطابع العربي على أزمتها حيث تحركت على مستوى جامعة الدول العربية التي كانت لا تزال تعاني من تداعيات أزمة الخليج الثانية, وفي هذا الصدد حاولت الجامعة التعامل مع المشكل بالمرونة وبأقل قدر من التوتر والصدام حيث يبدو من خلال قراراتها في هذا الشان أنها تأرجحت بين الوقوف إلى جانب ليبيا والتضامن معها والإقرار باحترام الشرعية الدولية التي تمثلها قرارات المجلس.
وأمام إصرار ليبيا على عدم تسليم مواطنيها، وبحلول الخامس عشر من شهر ماي 1992 أصبحت العقوبات الواردة في القرار 748 سارية المفعول ضدها.
المطلب الثاني: تشديد العقوبات على ليبيا
في الثامن من شهر نونبر 1993 تمكنت الدول الغربية الثلاث من تعزيز العقوبات المفروضة على ليبيا عبر استصدار القرار 883 من مجلس الأمن.
الفرع الأول: صدور قرار مجلس الأمن رقم 883
سبق صدور هذا القرار, مجموعة من التهديدات لوحت بها الدول الثلاث في مواجهة ليبيا كان أهمها التهديد بتجميد جميع الأموال الليبية في الخارج، وقد جاء القرار 883 ليترجم هذه التهديدات ميدانيا وفقا لرغبة الدول الغربية الثلاث.
فبعد أن أقر المجلس في هذا القرار بعدم امتثال ليبيا لقراراته السابقة بإجراءات ملموسة واعتبر أن ذلك بمثابة تهديد للسلم والأمن الدوليين, قرر فرض مزيد من العقوبات على ليبيا يبدأ نفاذها ابتداء من فاتح دجنبر 1993 وقد تمحورت هذه العقوبات حول تجميد الأموال والموارد الليبية الأخرى في الخارج (19), ومنع تزويدها بأي نوع من المعدات وإغلاق مكاتب خطوطها في الخارج وحظر تزويدها بأية مساعدة أو خدمات في مجال الطيران الجوي, هذا بالإضافة إلى التأكيد على ضرورة تقليص عدد موظفي البعثات الديبلوماسية والمراكز القـنصلية الليبية في الخارج تقليصا كبيرا, إلى أن تمتثل الجماهيرية لقرارات المجلس الصادرة في هذا الشأن ، ويبدو مرة أخرى أن المجلس قد استمر على منواله الصعيدي للازمة بفرضه مزيدا من العقوبات على ليبيا , متجاهلا كل مبادراتها وجهودها في سبيل احتواء الأزمة، حيث تضمن القرار- لأول مرة وبصفة صريحة - المطالب البريطانية - الأمريكية بضرورة تسليم المتهمين لإحدى هاتين الدولتين لمحاكمتهما وربط تعليق العقوبات بمدى الاستجابة لذلك (20).
الفرع الثاني: الانعكاسات المترتبة عن العقوبات المفروضة على ليبيا
لقد تبين بشكل جلي عدم تناسب هذه العقوبات الزجرية المفروضة على ليبيا مع حجم الاتهامات الموجهة إليها، فلا يعقل قط فرض حصار على شعب بكامله لمجرد اتهامات وجهتها بعض الدول لشخصين لم يحسم القضاء بعد في مدى صحتها. وإذا كانت هذه العقوبات قد أفرزت مجموعة من التداعيات السلبية على المجتمع والاقتصاد الليبيين والعمالة الأجنبية المتواجدة بهذا البلد، فإنها خلفت بعض النتائج الإيجابية حيث مكنت الجماهيرية من استخلاص دروس جيدة في مجال تدبير الأزمات الاقتصادية, كما شكلت ذريعة لتبرير بعض إخفاقات النظام الليبي خاصة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي, وعموما أثبتت هذه العقوبات عدم نجاعتها في الضغط على النظام الليبي للقبول بمطالب الدول الغربية الثلاث.
الفصل الثاني: إدارة مجلس الأمن لازمة "لوكربي", من التصعيد إلى البحث عن حل توافقي
في مواجهة العقوبات المفروضة عليها والتهديدات الغربية المتزايدة تحركت الدبلوماسية الليبية بشكل مكثف على مختلف الواجهات للتعبير عن سلامة مواقفها وجور العقوبات المفروضة عليها , وهو ما جعلها تحصد تعاطفا دوليا منقطع النظير مع قضيتها مما حدا بالدول الغربية الثلاث إلى تليين مواقفها, قبل أن يقدم المجلس على إصدار قراره رقم 1192، هذا الأخير الذي سيشكل منطلقا نحو بداية احتواء فعلي للازمة, فما هي الظروف الممهدة لصدوره؟ وما مضمون هذا القرار؟ وما هي الصعوبات التي واكبت تطبيقه؟ وكيف تم التغلب على ذلك؟
المبحث الأول: صدور القرار 1192 وبداية الاحتواء الفعلي للازمة
فتح القرار 1192 باب الأمل نحو بداية جديدة لاحتواء الأزمة حيث قرر إمكانية محاكمة المتهمين في بلد محايد "هولندا " أمام قضاة اسكتلنديين (21).
المطلب الأول: العوامل الرئيسية الممهدة لصدور القرار1192
تضافرت مجموعة من العوامل لتدفع بصدور هذا القرار, فهناك التحرك الديبلوماسي الليبي باتجاه كسر العقوبات المفروضة عليه والتعريف بسلامة مواقفه إضافة إلى صدور حكم عن محكمة العدل الدولية الذي يقضي باختصاصها للنظر في الأزمة.
الفرع الأول: الدور الديبلوماسي وردود الفعل الدولية من العقوبات
تقدمت ليبيا بمجموعة من المقترحات والبدائل لمحاكمة المتهمين بشكل نزيه وموضوعي وقد كان لذلك أثره الإيجابي خصوصا من لدن أسر ضحايا طائرة (البان أمريكان) البريطانيين والأمريكيين الذين رأوا في رفض حكوماتهم لهذه المقترحات تماطلا وعائقا دون الوصول إلى مرتكب الحادث، ومن ناحـية ثانية أولت الحكومة الليبية اهتماما كبيرا للمطالب الفرنسية التي لم تكن بأي حال من الأحوال تتنافى مع السيادة الليبية, وهو ما أسرع في حسم هذا الخلاف(22).
ومن جهة أخرى عززت ليبيا علاقتها الاقتصادية مع مجموعة من الدول الأوروبية كإيطاليا,إسبانيا, فرنسا وألمانيا، خاصة في قطاع النفـط وهو ما دفع بالشركات البريطانية والأمريكية لممارسة ضغوطات على حكوماتهما لاحتواء الأزمة حتى تتمكن من الدخول إلى السوق الليبية المغرية، كما تمكنت ليبيا من تعزيز علاقاتها مع الدول الإفريقية، وتدخـلت بنجاح لتسوية بعض الأزمات بهذه الدول, وفي المقابل بدأت مصداقية الولايات المتحدة تهتز بفعل فشلها في التعامل مع معظم القضايا الدولية, وأمام هذه المعطيات بدأت ليبيا تحصد تأييدا دوليا متزايدا حيث أقدمت بعض الدول الإفريقية على خرق العقوبات المفروضة عليها هذا زيادة على نداءات معظم المنظمات الإقليمية لحل المشكلة ورفع العقوبات (23).
الفرع الثاني: حكم محكمة العدل الدولية القاضي بالاختصاص للنظر في القضية
في الوقت الذي ساد فيه الاعتقاد لدى الأوساط الأوروبية بأن العقوبات المفروضة على ليبيا ستطول، تعززت جهود ليبيا بسند قوي تمثل في اتخاذ محكمة العدل الدولية لحكم حاسم في 27 من شهر فبراير 1998 أقرت فيه باختصاصها للنظر في الشكوى المقدمة إليها من قبل ليبيا، حيث أكدت فيه المحكمة على أن لها واستنادا إلى الفقرة الأولى من المادة 14 من اتفاقية مونتيريال لعام1971 الاختصاص بالفصل في المنازعات القائمة بين ليبيا من جهة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة من جهة ثانية (24). وبالتالي أقرت بقبول الطلب الليبي المقدم إليها في 3 مارس 1992 وهو ما شكل مكسبا مهما لليبيا في مواجهة تعنت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، غير أن هذا الحكم جاء متأخرا بعد أن عانت ليبيا زهاء سبع سنوات من العقوبات الجائرة, وباستصدار هذا الحكم تبين عمليا أن معالجة مجلس الأمن لمشكلة ما لا يعني استئثاره بها وقطع الطريق عــن المحكمة على اعتبار أن زاوية النظر مختلفة، غير أن الإشكال الذي طرح هنا هو مدى الرامية أحكام وقرارات المحكمة خصوصا في مواجهة دول كبرى من حجم الولايات المتحدة وبريطانيا (25).
كل هذه العوامل ستتضافر مجتمعة لتسرع بتسوية أزمة لوكربي, وقد كان صدور قرار مجلس الأمن رقم 1192 مؤشرا إيجابيا على ذلك.
المطلب الثاني: صدور قرار مجلس الأمن رقم 1192
في غمرة هذه المعطيات اصدر المجلس في الثامن والعشرين من شهر غشت 1998 قرارا جديدا أقر فيه بإمكانية محاكمة المتهمين في بلد ثالث "هولندا" تبعا لمبادرة أمريكية - بريطانية، وطلب من هولندا وبريطانيا وضع الترتيبات والإجراءات اللازمة لتطبيق هذه المبادرة عبر إنشاء محكمة خاصة بهذه القضية، كما طلب من الحكومة الليبية تسليم المتهمين إلى هولندا لمحاكمتهما مع جعل كل وسائل الإثبات والشهود المتواجدين في ليبيا تحت إمرة هذه المحكمة بناء على طلبها. ومرة أخرى نجد أن المجلس يتبنى الطروحات الغربية بحيث وافق على المبادرة الأمريكية - البريطانية القاضية بمحاكمة المتهمين في بلد محايد(هولندا) وفقا للقانون الاسكتلندي, وأهمل مثيلاتها المقدمة له من قبل ليبيا وجامعة الدول العربية كما أن هذا القرار وإن كان قد أقر هذه المبادرة فإنه لم يحدد بشكل مفصل ترتيباتها, بل خول لبريطانيا وهولندا بحث تفاصيلها وهو ما سيشكل عقبة كبيرة أمام تسوية المشكل في ظل استبعاد ليبيا من المشاركة في وضع هذه الترتيبات.
المبحث الثاني: الصعوبات التي واكبت تسليم المتهمين طبقا لمقتضيات القرار 1192
كان من الطبيعي جدا أن تتخوف ليبيا من تسليم مواطنيها، وتعريضهما لمحاكمة غامضة وفي غياب ضمانات لازمة لمحاكمة عادلة ونزيهة ووفق ترتيبات لن تشارك في وضعها, وأمام هذه التخوفات نشطت المبادرات والوساطات الدولية للتقريب بين مواقف الدول المعنية بالأزمة قبل أن تقدم ليبيا على تسليم المتهمين.
المطلب الأول: ضمانات المحاكمة, بين المطالب الليبية والتعنت الأمريكي - البريطاني والمساعي الودية الدولية
إذا كانت ليبيا قد طالبت بمجموعة من الضمانات لمحاكمة مواطنيها المتهمين، فإن الدول المعنية قابلت ذلك بالرفض تارة والتهديد تارة أخرى.
الفرع الأول: تباين مواقف الأطراف المعنية من ضمانات المحاكمة
تمحورت أهم المطالب الضمانية الليبية حول عدم إدانة الدولة الليبية وأن تكون المحاكمة جنائية وضمان سلامة الشهود من أي اعتقال أو تعسف أو اختطاف, وضمان حياة المتهمين وسلامتهما وحمايتهما من أي نقل أو اختطاف إلى الولايات المتحدة أو بريطانيا وضمان حق الدفاع والاستئناف, والاتفاق على مكان قضاء الحكم في حالة إدانتهما، ورغم موافقة بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية على بعض هذه المطالب خاصة حماية الشهود ولو كانوا مسؤولين عن جرائم وقعت في الماضي (26) والسماح للأمم المتحدة بمراقبة طريقة معاملة المتهمين في السجن بسكوتلاندا في حالة الإدانة (27) فقد ظلت هناك أمور أخرى عالقة ولم تحسم مما جعل ليبيا تتحفظ على تسليم مواطنيها.
الفرع الثاني: دور الوساطة الدولية في التقريب بين المواقف المتباينة
أمام وصول مشكل ضمانات المحاكمة إلى الباب المسدود نشطت الديبلوماسية الدولية بشكل مكثف في هذا الشأن فالأمين العام الأممي صرح في هذه الأثناء بأنه: " إذا لم تجد الأمم المتحدة حلا فإن العقوبات الاقتصادية ستفقد قانونيتها" (28). وقد تحرك الأمين العام بشكل مكثف لتذليل صعوبات الأزمة حيث اجتمع بالقذافي وحصل على تعهد بالوساطة من الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا والأمير عبد الله ولي عهد المملكة العربية السعودية وممثليهما، وبالفعل فقد كان للوساطة السعودية والجنوب - إفريقية دور مهم ومحوري في تقريب مواقف الدول المعنية بالأزمة بخصوص مشكل الضمانات, حيث تم التوصل في الأخير إلى اتفاق بموجبه سيتم امتثال المتهمين أمام المحكمة الاسكتلندية في هولندا وتجميد العقوبات فور وصولهما إلى هناك وحضور ممثلين أمميين في هذه المحاكمة ..
المطلب الثاني: نتائج وأبعاد تسليم المتهمين
بعد حوالي عشر سنوات من تفجير الطائرة الأمريكية وثماني سنوات من توجيه الاتهام إلى ليبيا, وزهاء سنة من الجهود الديبلوماسية المكثفة، تم التوصل إلى اتفاق, بموجبه تسلم ليبيا المتهمين إلى هولندا قصد المحاكمة أمام قضاة اسكتلنديين, بعد حصولها على ضمانات مطمئنة.
الفرع الأول: تسليم المتهمين, هل هو بداية سليمة لطي ملف الأزمة ؟
في صباح يوم الخامس من شهر أبريل 1999 أقدمت ليبيا على تسليم المتهمين في حـادث "لوكربي" إلى مساعد الأمين العام الأممي للشؤون القانونية, وذلك قبل نقلهما إلى هولندا, ورغم أن هذا التسليم جاء عقب ضمانات ارتضتها ليبيا, فإنه شكل في نفس الوقت مغامرة فقدت بها ليبيا آخر ورقة كانت تمتلكها وهي وجود المتهمين على أرضها، وتظل هناك مجموعة من المخاوف حاضرة لدى هذه الأخيرة خصوصا في ظل العداء الذي تكنه بريطانيا والولايات المتحدة لها، فهذه المحاكمة يمكن أن تطال النظام الليبي في أية لحظة بالنظر إلى سجل هذين البلدين في خرق القانون والعهود و الاتفاقيات الدولية (29).
الفرع الثاني: نتائج وأبعاد تسليم المتهمين
من النتائج المباشرة الرئيسية لتسليم المتهمين، هناك العقوبات المفروضة على ليبيا وإن كانت هذه الأخيرة تصر على رفعها كليا، كما شكل ذلك منطلقا لعودة الجماهيرية بقوة إلى الساحة الدولية حيث نشطت ديبلوماستها في تسوية مجموعة من الخلافات الدولية خاصة بكل من إفريقيا ( السودان, الكونغو الديموقراطية, سيراليون..) وآسيا ( خاصة مشكل الرهائن الغربيين في جنوب الفيليبين والأزمة الأفغانية..).
ومن جهة ثانية انطلقت محاكمة المتهمين بقاعدة "زايست " الهولندية(30) التي استمرت زهاء 22 شهرا, وانتهت باتخاذ حكمها بالإجماع الذي يقضي بإدانة المقرحي لارتكابه جريمة القتل, والحكم عليه بالسجن المؤبد وببراءة المتهم الثاني الأمين خليفة فحيمة.
ويظهر أن القضاة لم يستطيعوا إثبات كل التهم التي تقدم بها الادعاء كما أن هذا الحكم صدر بناء على أدلة غير دامغة مما أثار ردود فعل دولية واسعة.
وعموما جاء الحكم مرضيا - إلى حد كبير - لجميع الأطراف, فهو لم يحمل الجهات الرسمية الليبية مسؤولية الحادث, وبرأ أحد المتهمين, كما أنه جنب الولايات المتحدة وبريطانيا ومجلس الأمن حرج فرض العقوبات على دولة بريئة من المسؤولية عن الحادث، ومعلوم أن دفاع المقرحي تقدم باستئناف الحكم, ويمكن أن ينتهي هذا الاستئناف إلى ثلاث نتائج: تأكيد الحكم وحصر على عاتق المسؤولية على المقرحي, أو رفع درجة المسؤولية إلى الدولة برمتها وتصعيد الأزمة, أو رفض الحكم ورفع التهمة عن المتهم وعن ليبيا، وهنا سنطرح مجموعة من الإشكاليات أهمها: من سيتحمل حينئذ مسؤولية تعويض ليبيا عن أضرار العقوبات التي فرضت عليها لسنوات عديدة؟ هل المجلس الذي فرض العقوبات أم الدول الغربية الثلاث التي افتعلت الأزمة؟
ومن ناحية أخرى نشير إلى أن موافقة الأطراف المعنية بالأزمة على إجراء محاكمة المتهمين في هولندا, كان وراءه مجموعة من الأبعاد والأهداف، فليبيا كانت في حاجة لتنشيط اقتصادها والانفتاح على السوق الغربية وإصلاح ما دمرته العقوبات خاصة في مجال الطيران والعودة إلى الساحة الدولية بقوة, أما الدول الغربية الثلاث (31) وخاصة فرنسا وبريطانيا, فقد تحمست لهذا الحل طمعا في اختراق السوق الليبية المربحة لشركاتها.
وعموما فقد تميزت إدارة مجلس الأمن لأزمة "لوكيربي" بالسيطرة الأمريكية سواء على مستوى جمع المعلومات المتعلقة بها أو اختيار الآلية اللازمة لإدارتها أو على مستوى فرض العقوبات وتعليقها.
ورغم أن المجلس قد نجح إلى حد ما في منع تطور الأزمة إلى مواجهة عسكرية كانت ستضر حتما بليبيا, فان سيناريو الأحداث أبرز أن إجراءات المجلس تمت بإرادة أمريكية وعلى حساب الشرعية الدولية، فالمجلس ترامى على اختصاص محكمة العدل الدولية بالنظر إلى الطابع القانوني لهذه الأزمة, وتخاذل في اتخاذ تدابير ضرورية في العديد من الحالات الدولية والعربية المستوفية لشروطها القانونية( القضية الفلسطينية, أزمة الشيشان..).

خاتمة:
أمام تشابك وتعقد الأزمات الدولية وتزايدها, أصبحت الحاجة إلى الأمم المتحدة عامة ومجلس الأمن خاصة تزداد بشكل مطرد، غير أن تحرك هذا الجهاز ( مجلس الأمن ( لمواجهة الأزمات الدولية أصبح يتم بشكل انتقائي وتعسفي, وبالشكل الذي أحدث خللا حادا في التوازن بين سلطات أجهزة الأمم المتحدة لصالح هذا الجهاز, فهذا الأخير أصبح يترامى على اختصاصات محكمة العدل الدولية, ويكيف الحالات النقيضة للسلم والأمن الدوليين بشكل تعسفي ودون رقيب. مما أصبح معه لزاما إعمال رقابة صارمة على أعماله، مع فتح المجال لقوى دولية أخرى للتمتع بالعضوية الدائمة به حتى يعكس موازين القوى بشكل يكفل مصالح الجماعة الدولية بشمالها وجنوبها.
وقد خلصنا إلى أن موقف مجلس الأمن من القضايا العربية يتحدد أساسا بتوازن القوى في النظام الدولي, بالإضافة إلى عوامل أخرى من بينها طبيعة هذه القضايا والأزمات وأسلوب إدارتها من جانب الأطراف المنخرطة فيها وعلاقة الدول الرئيسية في النظام الدولي بهذه القضايا والأزمات ومدى مساسها بمصالحها.
من هنا فان تفعيل إدارة الأزمات العربية من قبل المجلس بشكل سليم يتطلب إرادة سياسية جادة للدول الكبرى وخاصة المتحكمة في هذا الجهاز ومدى توافر الإمكانيات المادية والقانونية للمجلس, ناهيك عن الثقل الذي يمكن أن تشكله الدول العربية باتجاه فرض رأيها ووجهة نظرها بشكل موحد ومنسجم نحو إدارة أزماتها عبر استثمار ما تملكه من إمكانيات بشرية, اقتصادية واستراتيجية في هذا الشأن.

الهوامش:

1- محمد صـدام جبـر: المعلومات وأهميتها في إدارة الأزمات - المجلة العربية للمعلومات (تونس ) - المجلد التاسع عشر -العدد الأول 1999- ص 66
2- عثمان عثمان: مواجهة الأزمات - مصر للنشر والتوزيع - الطبعة الأولى 1995 - ص 14
3- عباس رشدي العماري: إدارة الأزمات في عالم متغير - مركز الأهرام للترجمة والنشر (القاهرة ) 1993- ص 19
4 - محمد الشافعي: إدارة الأزمات, مركز المحروسة للبحوث والتعريب والنشر - الطبعة الأولي - يناير 1999ص6
5- محمد الشافعي: إدارة الأزمات, مرجع أعلاه - ص 10
6- محمد صدام جبر: مرجع مذكور - ص 68
7 - فالميثاق الأممي حرم اللجوء والتهديد باللجوء إلى القوة العسكرية في العلاقات الدولية, مستثنيا من ذلك حالة الدفاع الشرعي الفردي والجماعي ورد أعمال العدوان في إطار نظام الأمن الجماعي.
8 مفاهيم الأمن، تقرير الأمين العام الاممي رقم 553 / 40 A نيويورك الأمم المتحدة إدارة نزع السلاح 1986 ص 2
9- بطرس بطرس غالي: نحو دور أقوى للأمم المتحدة - مجلة السياسة الدولية - عدد 111 يناير 1993 ص 6
10- CHARLES PHILIPPE DAVID : la guerre du golf ,l’illusion de la victoire ? ED: ART -
GLOBAL
11- ازدادت خطورة الإرهاب في ظل تطور مظاهره وآلياته وكذا توسع النطاق الجغرافي الذي يمارس فيه ، وأيضا ازدياد عدد المنظمات التي أصبحت تمارسه.
12- لمزيد من التفاصيل حول الديبلوماسية الوقائية, يراجع: بطرس بطرس غالي, خطة السلام تقرير الأمين العام المقدم لمجلس الأمن - الأمم المتحدة نيويورك 1992 فقرة 20
13- عفيف البهنسي: الهيمنة الشاملة والنظام القطبي الوحيد / العرب وتحديات الهيمنة والعولمة - تأليف مجموعة من المفكرين, منشورات المجلس القومي للثقافة العربية - الطبعة الأولى 1997 ص 40
14- حول هذه الاتهامات ومبرراتها راجع: جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 22/12/1998 وكذلك جون كوولي, الحصاد, حرب أمريكا الطويلة في الشرق الأوسط, ترجمة عاشور الشامي - شركة المطبوعات للتوزيع والنشر -بيروت 1992 ص 269 وما بعدها
15- جاء ذلك بذريعة مسؤولية ليبيا عن تفجير نادي ليلي في ألمانيا الاتحادية راح ضحيته شخصان أحدهما رجل أعمال أمريكي, ومعلوم أن التحقيقات التي أجرتها النيابة الألمانية حول الحادث برأت ليبيا من هذا التفجير.
16- لمزيد من التفاصيل حول الصراع الليبي - الفرنسي في إفريقيا يراجع أحمد الصاوي: الأبعاد غير المعلنة للحملة الغربية ضد الجماهيرية, السياسة الليبية في إفريقيا نموذجا, المرجع: قضية لوكيربي ومستقبل النظام الدولي, مؤلف جماعي - سلسلة الدراسات السياسية والاستراتيجية - الطبعة الأولى شتاء 1992, مركز دراسات العالم الإسلامي (مالطا ) من ص 157 إلى ص 189
17- للإشارة فإن جميع أطراف هذه الأزمة ( ليبيا, فرنسا, بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية) وقعت على هذه الاتفاقية وأقرت التزامها المسبق بمضمونها.
18- من بين هده المبادرات والاقتراحات نذكر: اقتراح حل اللازمة عبر أسلوب التحكيم, ومحكمة العدل الدولية, تولي لجنة لدولية محايدة التحقيق في الحادث وتوجيه السؤال للمتهمين وسماع أقوال الشهود, وتولي لجنة غربية - ليبية مشتركة التحقيق في الحادث بالأسلوب نفسه واتخاذ التدابير اللازمة وفقا للقانون الدولي, كما أنها أدانت الإرهاب بكافة أشكاله و أعلنت أنها لن تسمح باستخدام أراضيها أو مواطنيها للقيام بأعمال إرهابية.
19- استثنى القرار من ذلك الأموال الناتجة عن بيع أو توريد النفط والمنتجات النفطية والغاز الطبيعي ومنتجاته ومنتجات الزراعية الليبية, شرط أن تودع في حسابات مصرفية خاصة بها.
20- زيادة على الاستجابة للمطالب الفرنسية بشأن تفجير طائرة UTA فوق صحراء النيجر.
21 - سبق لجامعة الدول العربية أن اقترحت هذه الإمكانية, غير أن الدول الثلاث رفضت ذلك حينئذ.
22- خصوصا بعد إصدار محكمة الجنايات الفرنسية حكما غيابيا بالسجن في حق ستة ليبيين بعد إدانتهم بتفجير الطائرة الفرنسية, وقد دفعت ليبيا فيما بعد 200 مليون فرنك فرنسي كتعويض لضحايا هذه الطائرة.
23- من أهم هذه المنظمات نذكر: منظمة الوحدة الإفريقية, جامعة الدول العربية, حركة عدم الانحياز ومنظمة المؤتمر الإسلامي.
24- انظر الحكمين اللذان صدرا منفصلين بتفصيل في: تقرير محكمة العدل الدولية, غشت 1997 يوليوز 1998 -الأمم المتحدة نيويورك 1998 ملحق رقم 4 (4 / A53 ) من ص 9 إلى ص 16.
25- سبق للولايات المتحدة الأمريكية أن سحبت موافقتها عن الولاية الجبرية للمحكمة عقب صدور حكم ضدها في قضية النشاطات العسكرية وغير العسكرية التي رفعتها دولة نيكاراغوا ضدها في الثمانينيات.
26- مصطفى كركوتي: أزمة لوكربي في فصلها الأخير.., أوهكذا يبدو - جريدة الحياة ( لندن ) عدد 13155 بتاريخ 14 مارس 1999
27- أصرت بريطانيا والولايات المتحدة على أن المتهمين سيقضيان مدة السجن في حالة الإدانة في سجن بارليني باسكوتلاندا, وهي مسألة غير قابلة للتفاوض- مصطفى كركوتي: المرجع السابق.
28- جريدة الشرق الأوسط عدد 7436 بتاريخ 08/04/1999 ص 1
29- هناك من رأى أن هذا التسليم يمس بالسيادة الليبية, كما أنه سيخلف آثارا نفسية في أوساط المتهمين وأقاربهم, خصوصا عندما يجدان نفسيهما تحت رحمة قانون لا يعرفانه, وخارج نطاق النظام والأساليب التي تربيا عليها. أنظر مقالة محمد عبد الحكم دياب: تطورات قضية لوكربي واستحالة تسليم المتهمين - جريدة القدس العربي - عدد 2899 بتاريخ 5و6 شتنبر 1998 ص 17
30- اعتبر الدكتور الحسان بوقنطار هذه المحاكمة بمثابة حالة خاصة في القانون الدولي, انظر لنفس الباحث: محاكمة لوكربي: هل بدأت لحظة الحسم؟ بجريدة الاتحاد الاشتراكي (المغرب ) بتاريخ 4 ماي 2000
31- على الرغم من الضغوطات التي مارستها الشركات الأمريكية على حكوماتها في سبيل فتح المجال أمامها للاستثمار في ليبيا فإنها لا تزال تفرض عقوبات اقتصادية أحادية الجانب على ليبيا.
ملحوظة: الدراسة هي في الأصل ملخص لأطروحة جامعية لنيل الدكتوراه في الحقوق, القانون العام, شعبة العلاقات الدولية, تحت عنوان: ( إدارة مجلس الأمن للأزمات العربية في التسعينيات, أزمة "لوكربي" نموذجا ) تقدم بها الباحث إدريس لكريني أمام لجنة علمية مكونة من الأساتذة: د.عبد الله اعديل رئيسا, د.محمد بناني, د.الحسان بوقنطار والدكتور محمد الصوفي أعضاء وذلك يوم السبت 6 أكتوبر 2001 بكلية الحقوق أكدال (جامعة محمد الخامس) الرباط والتي حصل بها على شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا.



#إدريس_لكريني (هاشتاغ)       Driss_Lagrini#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعد هزيمة الأقطاب الدولية الكبرى في معركة العراق, هل سيكون م ...
- تطور السياسة الخارجية المغربية إزاء قضية الصحراء
- الإسلام والغرب: بين نظريات الصدام وواقع الفهم الملتبس
- القضية الفلسطينية والمحيط الدولي المتغير
- الهاجس البيئي: من العلم إلى السياسة
- حقوق الإنسان في أعقاب الحملة الأمريكية لمكافحة -الإرهاب-
- الزعامة الأمريكية في عالم يتغير: مقومات الريادة وإكراهات الت ...
- مكافحة -الإرهاب- الدولي: بين تحديات المخاطر الجماعية وواقع ا ...
- في ذكرى أحداث 16 مايو: الحاجة إلى مجتمع مدني فاعل
- الإصلاحات المغيبة ضمن المشاريع الأمريكية لمكافحة الإرهاب
- الجامعة العربية في زمن التحديات
- الأمم المتحدة في مفترق الطرق
- العالم بين واقع الفوضى ووهم النظام
- المهاجرون المغاربيون في أوربا وسؤال الاندماج
- بعد احتلال العراق, الولايات المتحدة في مواجهة آخر جيوب
- حماس وتحديات الداخل والمحيط
- المغرب وتجربة الإنصاف والمصالحة


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إدريس لكريني - إدارة مجلس الأمن للأزمات العربية في التسعينيات: أزمة لوكربي نموذجا