أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 2














المزيد.....

بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 2


دلور ميقري

الحوار المتمدن-العدد: 6585 - 2020 / 6 / 6 - 19:39
المحور: الادب والفن
    


الغلام ذو الحادية عشرة من العُمر، سمِعَ الرجلَ المهيب الطلعة، المكتسي لباساً رسمياً، ينطق الحكم بحقه: " النفي إلى الأناضول الغربيّ لمدة ثلاث سنين ". عقبَ ذلك، تم تسليمه إلى خفير من قوة الجندرمة يحمل بندقية. اكتفى هذا بإمساك الغلام من ساعده، دونَ أن يجدَ حاجة لتقييده. ثم ما لبثَ حدّو أن سُحب إلى خارج مبنى المحكمة، ليجد شاحنة عسكرية كبيرة بانتظاره. وضعوه في الصندوق الخلفيّ للسيارة، وكان فيه بعضُ المحكومين من أعمار مختلفة. سأله أحدهم بالكردية ما أن تحركت السيارة: " كم مدة سجنك، يا هذا؟ "
" حكموني بالنفي إلى الأناضول الغربيّ لمدة ثلاث سنين "، أجاب حدّو. عاد الرجل للسؤال: " ماذا كانت تهمتك؟ ". كان الغلامُ من النوع الصموت، لكنه خشيَ أن يُغضب هذا الشخص الفضوليّ، الذي تلوح على سحنته علامات الشر. على ذلك، رد باقتضاب كاذباً: " سرقة ". اكتفى الرجلُ عندئذٍ بالتعليق في نبرة ساخرة، مخاطباً البقية: " هذا ظلم والله! ". بينما راحَ هؤلاء يعلقون بدَورهم على الأمر، كان رأسُ حدّو قد أثقله النعاس وبدأ يرتخي إلى صدره. أغفى دونَ أحلام، لشدة ما عانى من وسن وقلق وإرهاق.
أفاقَ بهزة من كتفه، فسمع أحدهم يقول: " وصلنا إلى نصيبين ". كان الوقتُ على حد المساء، وما عتمَ الهواء النقيّ أن لفحَ وجهه. لكن الجو كان خانقاً، ينفثُ حرارةَ النهار الملتهب. من جديد، أوكلت حراسة الفتى لذات الخفير. إذا به يتكلم مع حدّو بالكردية، لكن بلهجة صارمة: " سنسافر بالقطار إلى وجهة النفي، وما عليك إلا أن تكون ولداً مطيعاً كيلا تتسبب لنفسك بالمزيد من المشاكل "
" أمرك، يا عماه "، قالها حدّو مخفضاً رأسه ويداه متشابكتان في وسطه. يبدو أن الحارس أخذته الشفقة على هذا الغلام، المستيقظ للتو وهوَ يتثاءب، غير عالم بما ينتظره من شقاء خلال ثلاثة أعوام من النفي. أشغال السخرة، كانت هيَ العقوبة الأساسية للمنفيّ: لقد تكرر مع حدّو ما حصل لأبيه، عندما وقع في شبابه بأيدي الجندرمة. من غرائب المقدور أيضاً، أن الأب عمل حينئذٍ سخرةً في تمهيد الطريق لسكة الحديد نفسها، المتعين على الابن أن يستخدمها في طريقه إلى المنفى.

***
كان الظلام مخيماً، لما أمرَ الحارسُ سجينَهُ الغلامَ الدخول إلى مقصورةٍ في القطار، بينما بقيَ هوَ خارجاً. دُهشَ حدّو لوجود امرأة شابة، جالسة على المقعد العريض لوحدها. لكنه حينَ أراد الجلوسَ بمواجهتها، انتبه لوجود صبيّ صغير مغطى بما لاحَ أنه معطفٌ نسائيّ. قالت له هذه، بالتركية: " بوسعك مشاركتي في المقعد ". من مظهرها، كان واضحاً أنها نصرانية. شكرها وهوَ ينضم لمجلسها، وكان يظنها مسافرة عادية. باب المقصورة، وكان مزججاً بالبلور في نصفه الأعلى، كشفَ أن الحارسَ حصل أيضاً على مقعدٍ.
" ماذا جنيتَ، يا بني، كي يعتقلوك وأنت بهذه السن؟ "، استفهمت منه المرأة. فاجأه السؤالُ. وكان إذاك قد استرخى بمجرد تحرك القطار. تململ في مكانه، ثم أجابَ بنبرة محرجة: " أحد أقاربي كلفني بمراقبة تحركاتِ شيخٍ بدويّ، وما لبثَ هذا الشيخ أن قتل في كمين "
" بماذا حكموك؟ "
" بالنفي إلى الأناضول الغربيّ لمدة ثلاث سنين "، رد بشكل آليّ وكأنه يتلو من كتاب. حركت رأسها يمنةً ويُسرة، تعبيراً عن الأسف: " يا لهم من وحوش، أولئك الأتراك! "، دمدمت من شفتين مرتجفتين رسمتا علامة الكراهية. ثم عادت تُحدّق خِلَل بلور النافذة، وكان ضوء المصباح قد جعله مثل مرآة. قال حدّو في نفسه، بينما يتأمل انعكاس صورة المرأة: " إنها أرمنية؛ هذا واضح من لهجتها. ولكن، كيفَ تغامر بالسفر في هذه الظروف؟ ". كأنما رفيقة السفر قرأت فكرته، فإنها ما أبطأت في تقديم ذاتها: " اسمي نيللي. وأنتَ، ما اسمك؟ "
" يدعونني حدّو، وأهلي من نواحي ماردين "
" أنا من مدينة مرسين، وقد اعتقلني الجندرمة عندما كنتُ أهمّ باجتياز الحدود إلى بلاد الفرس "
" آه، أنتِ أيضاً محكومة بالنفي؟ "
" لم أحكم بعدُ، مثلما أنني لا أعرفُ إلى أين يمضون بي "، أجابت المرأة. تبادل الحديثَ معها على هذا المنوال لساعةٍ أخرى، لحين أن لحظ رغبتها بالنوم. قال لها عند ذلك: " سأجلس بالقرب من طفلك، وأنتَ تتمددين براحتك على المقعد. ابتسمت في إعياء، ثم قالت مشيرةً إلى العليّة: " ثمة مكان للنوم فوق، وما عليك إلا الصعود إليه ".
وهذا ما كان؛ وجد حدّو العليةَ الخشبية مفروشة ببطانية خَلِقة، فتمدد عليها بحيث تكون قدماه باتجاه النافذة كيلا يشعر بالبرد أثناء النوم.



#دلور_ميقري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل التاسع
- بضعة أعوام ريما: الفصل التاسع/ 3
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل التاسع
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثامن/ 5
- بضعة أعوام ريما: الفصل الثامن/ 4
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الثامن
- المارد والحورية
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل السابع
- المنحوتة
- المرآة السحرية
- غرام الأميرة الصغيرة
- بضعة أعوام ريما: الفصل السابع/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل السابع/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل السادس
- بضعة أعوام ريما: الفصل السادس/ 2
- بضعة أعوام ريما: الفصل السادس/ 1
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الخامس
- بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الخامس
- بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الرابع


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دلور ميقري - بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 2