أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة1














المزيد.....

ظل آخر للمدينة1


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 6585 - 2020 / 6 / 6 - 17:51
المحور: الادب والفن
    


بدا الأمر كما لو أنه إشاعة، ولم يلبث أن اكتسب صفة اليقين، وأنا صرت متيقظاً لأية كلمة أو خبر. أخذت أسماؤنا تظهر على صفحات الجرائد، وتتردد في نشرات الأخبار. منذ سنوات ونحن أسرى لنشرات الأخبار، تتقرر مصائرنا وبعض شؤون حياتنا من خلالها. يرن جرس الهاتف في بيتي دون انقطاع (بيتي الذي استأجرته منذ ثلاث سنوات في حي عرجان القريب من دوار الداخلية في مدينة عمان، بعد عودتي من مدينة براغ، وفيه مكتبتي التي أعدت تأسيسها من جديد. فيه أشياء أخرى غير الكتب، وذكريات). ثمة أصدقاء يعبرون عن فرحتهم، ويرددون كلمات تليق بالمناسبة.
الساعات الأخيرة الفاصلة، كم هي عذبة! وكم هي مرهقة للأعصاب، بسبب مجموعة من الارتباطات! مثلاً: علينا أن نكون ظهراً في مكتب منظمة التحرير الفلسطينية لإجراء بعض الترتيبات، وعلينا أن نذهب مساء لمقابلة بعض الجهات الرسمية الأردنية، لإضفاء مزيد من الأهمية على هذا الأمر الذي لم يحدث ما يماثله طوال سنوات الصراع، وعلي أن أكتب مقالتي الأسبوعية ومن ثم أرسلها للصحيفة اليومية التي داومت على الكتابة فيها منذ سنتين. سأكتب مقالة أودع فيها زملائي في الصحيفة وكذلك القراء.
وأثناء ذلك، كان علي أن أختلي بنفسي، ولو لدقائق، لكي أتمكن من استيعاب المفاجأة، ولكي أسرح النظر في سنوات المنفى، لأعاين ما تركه المنفى في نفسي من جراح وآلام، وما أدخله إلى نفسي من مباهج وآمال. لكنني لا أتمكن من ذلك بسبب ضيق الوقت، وبسبب كثرة الارتباطات التي فرضتها الساعات الأخيرة الفاصلة. أقود سيارتي في شوارع عمان (سيارة روسية حمراء اللون من نوع "لادا"، اشتريتها لا لجودتها وإنما لأنها الأقل ثمناً بين السيارات الجديدة المعروضة هنا)، أتوقف أمام الإشارات الضوئية، أتأمل بسرعة خاطفة البنايات والأشجار وجموع الناس، أبتسم حيناً، وتطفر الدموع من عيني حيناً آخر، وأمضي.
ها أنذا أعود إلى الوطن بعد غياب قسري دام ثماني عشرة سنة (إحدى الإشاعات التي تم تداولها تقول: إننا عائدون إلى الوطن لتولي مسؤوليات تنفيذ الحكم الذاتي في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالاتفاق مع الإسرائيليين. ولم يكن وقع هذه الإشاعة على أذني مقبولاً بالنظر إلى عدم شعبية فكرة الحكم الذاتي بمواصفاتها الإسرائيلية المجحفة).
لم أفقد الأمل في العودة، غير أن المنفى كان يأخذني إلى تفاصيل متشابكة، فلم أعد أفكر في شكل العودة التي سوف تأتي ذات يوم.
وها أنذا أعود على نحو لم يكن يخطر لي ببال.
أجتاز الجسر الذي لطالما تغنت به فيروز لأقف وجهاً لوجه أمام الجنود.
وكنت أعود ومعي أول فوج من المبعدين العائدين، الذين تركت سنوات الإبعاد الطويلة أثراً بيناً في نفوسهم، ونسجت شبكة معقدة من الروابط والمصالح وأساليب العيش التي يصعب بترها، مرة واحدة دون جراح.
تحدثوا عن الألم الذي تجرعوه حينما اقتلعوا من جذورهم الأولى قبل عشرين أو خمس وعشرين سنة، ثم ها هم الآن، وقد تقدم بهم العمر في المنفى، مرشحون لعودة مباغتة، يتعين عليهم بموجبها أن يمدوا جذورهم من جديد في تربة الوطن، رغم تعقد الأوضاع، ورغم الحقيقة التي تقول إن الوطن ما زال يرسف في الأغلال.
حينما سألني الصحافيون على الجسر: ما الذي ستفعله بعد العودة؟ أجبتهم كما لو أنني أضع على نفسي شرطاً مسبقاً: سأكتب وأكتب وأكتب. كنت أحاول -ولو عن طريق نثر الوعود- تعديل التوازن المفقود، بين رغبتي في الكتابة، وانهماكي في العمل السياسي المباشر الذي جرته علي هزيمة حزيران. كنت دائم القلق ولا أعرف الطمأنينة إلا على فترات متقطعة.
وكنت أعود وأنا أعاني من هزيمة أخرى، تمثلت في انهيار ما اعتبرته حتى وقت قريب، تجسيداً للفكرة التي آمنت بها. كانت لي أحلام كبيرة وتطلعات، فإذا كل شيء يتهاوى كأنه بناء من قش. كان أفق العدالة المنشودة يبتعد، وعلي الآن أن أمحص كل شيء من جديد، للخروج من تحت هذا الركام، لعلّي أظفر بطمأنينة ما.
على الجسر، أعادتني رطانة الجنود إلى أجواء السجن التي تثير الأعصاب. حاولت تبديد الأحاسيس الناتجة عن ذلك، بالنظر إلى التلال الصامتة المحيطة بالمشهد. كانت التلال سادرة في صمتها ولم يكن المشهد متوازناً، رغم ارتمائنا على صدر الأرض، نقبلها.
وها أنذا أعود ومعي زوجتي وابنتي. ابني أمين هو الوحيد من أبنائي الذي سيبقى في عمان، بسبب ارتباطه بعمل وظيفي في إحدى شركات الكمبيوتر. اثنان من أبنائي، خالد وعصام، مقيمان الآن في القدس، وكذلك ابنتي باسمة التي تزوجت قبل عام في عمان، وعادت مع زوجها إلى القدس. أحببت عمان، وتنوعت نشاطاتي فيها. عملت فيها مدرساً وصحافياً وكاتب دراما وناشطاً حزبياً، وكان يتعين عليّ في اللحظة الحاسمة أن أغادر المدينة.
يتبع..



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن نجوم أريحا لليانة بدر
- مرغريت أوبانك صديقة الأدب العربي
- بحر الحب والرغبات/ نص
- عن رواية يحيى يخلف: نجران تحت الصفر
- من قديمي الجديد: عندما تشيخ الذئاب.
- من قديمي الجديد: معين بسيسو ما زال معنا
- عن رواية الخاصرة الرخوة
- عن رواية سرير المشتاق لفاروق وادي
- من قديمي الجديد عن المسرح الفلسطيني/ مقالة
- عن سيرة الكاتب جميل السلحوت
- الشخصية الإشكالية في رواية خسوف بدر الدين لباسم خندقجي
- غسان حرب مناضل ومثقف واسع الأفق
- مشهد من رواية ظلال العائلة
- مشهد من رواية مديح لنساء العائلة
- مشهد من رواية فرس العائلة
- خمس وأربعون سنة من الكتابة للأطفال/ شهادة.
- أهل البيت/ قصة
- أدب الأطفال والتشجيع على القراءة
- أنا والرواية/ شهادة
- أدب الفتيان وتحديات الانتشار في زمن الثورة التقنية


المزيد.....




- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة1