أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أزهار أحمد - أنا ويوكي في يورك















المزيد.....

أنا ويوكي في يورك


أزهار أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1588 - 2006 / 6 / 21 - 08:35
المحور: الادب والفن
    


كنت قلقة، خائفة، ألا أجد من يناسبني لرفقته خلال هذه الثلاثين يوماً في لندن.
لكنني وجدتها .. يوكي .. أو وجدتني.
يوكي وأنا .. يا له من اختلاف في كل شيء، أنا محملة بحقائبي الثلاث الكبيرة والمليئة بهدايا ولعب للأطفال وملااااااااابس، أما هي فمحملة بخفة رائعة، حقيبة على ظهرها، وكتابان بيدها ! يا للعجب ؟

كلٌّ منا أمضت شهراً في ذات المكان، تعارفنا هناك على مقعد المعهد وصرنا صديقتين حميمتين، إنما فكري وتربيتي العربية الخالصة ـ الأصيلة ـ جعلتني أتعب وأتعب وهي تتعب معي لماذا ؟ لأنها صديقتي وتحبني ولأنها تشفق عليّ ولأنها يابانية معتادة على العمل والحركة ومازالت روح الشرق تنفح فكرها وأنا شرقية أيضاً ولكن كسولة، معتادة على الراحة ؟

من يورك المدينة البريطانية الجميلة الهادئة إلى لندن الصاخبة، وصلنا عصراً منهكتين مُتعبتين لأننا قضينا النهار كله في توديع المدينة وجدرانها، ومعارضها .. الحمد لله اتفقت معها على حب الفن والقراءة والسينما واختلفنا في الانضباط والكسل. حين وصلنا كان شغلنا الشاغل الحصول على فندق قريب أولاً ورخيص ثانياً، شيء ما يعادل ما تحمله جيوبنا، ولكن للأسف ثقل حقائبي التي كرهتها تسببت في التفكير ألف مرة ومرة، حول عبور الشارع والمشي بحثاً عن مكان للمبيت، فطائرتانا في صباح اليوم الذي يلي التالي، إذن لابد من مكان.

قررت يوكي الذكية المعتادة على إيجاد حلول سريعة للمواقف الصعبة والمعتادة على التفكير المنطقي أنْ تتركني أنتظرها في محطة القطار وتنطلق هي مشياً بحثاً عن مكان (لم تفكر يوماً بالسيارة ولا تخطر في بالها أصلاً إلا للتنقل من مدينة لأخرى) .. طبعاً وافقت وبكل سرور، يكفيني ما مشيته على قدمي لمدة شهر في يورك بسببها وبسبب اقتراحاتها (يا إلهي حين أحصى المسافات الآن أتعجب !! لم لا نمشي ؟؟).
بعد خمس وأربعين دقيقة بالضبط عادت والابتسامة تعلو وجهها (الرقيق) سعيدة بما وجدت .. ماذا فعلتِ، سألتها ؟ قالت .. مكانٌ بسيط غير جميل إنما قريب جداً بحيث يمكننا نقل حقائبك، يا للخجل كم كنت مشحونةً ساعتها، كان الفندق في الشارع المقابل للمحطة إنما وبكل أسف تطلب الأمر ساعةً كاملةً للعبور، والسبب، أن حقيبتي التي أسحبها وقعت مني في منتصف الشارع المزدحم وانكسر مقبضها وكدت أموت تحت عجلات إطارات مركباتهم المرتفعة والكبيرة، وافضيحتاااااه .. وكأن العرب ينقصهم هذا المشهد مني ليتأكد ما يُقال عنهم.

مسكينة يوكي !! حقيبتها على ظهرها وبنطالها على ركبتها كانا كافيين لإراحتها، إنما بحقيبتي تكبدت مشقة ربما لم تعهدها، ولم يعهدها جسمها النحيل .. اعتذرت منها بالطبع وعذرتني لمحبتها وللأوقات الجميلة التي قضيناها معاً في يورك.

وصلنا الفندق بعد مشقة جديدة في صعود الدرجات الخمس، استقبلنا رجل وما أن رآني حتى قال لي : أنتِ خليجية، إذن حقائبك مليئة بالذهب، تبادلت ويوكي نظرة ساخرة، وتبادل هو وصاحبه نظرة فرح، الحمد لله، يوكي معي وتحميني من الاستغلال فقد دفعت مقدما ثمن الغرفة التعيسة. طبعاً أنا لم أعتد الغرف الضيقة والحمامات الكئيبة المظلمة، كل شيء يجب أن يكون مريحاً، لم أتذمر بالمرة بل أبديت سعادتي بهذا المكان القريب وبجهودها المثمرة، إنما تخوفت من صاحب الفندق الصومالي.

فشلٌ جديد ...
الغرفة بالطابق الأرضي ولا متسع لحقائبي، مجرد ممر ضيق يكفينا للمشي على جنب لنتعرض لخيبة جديدة، سريران عجيبان ونافذة تطل على الجحيم. كان استعدادنا للنوم جميلاً فقد قضينا الوقت نضحك على حالنا وحين استلقينا أنزل البختُ علينا خيبة مريضة.
النافذة الجحيمية تطل على نوافذ زوجين شرسين، ظلا طول الليل يلقون على بعضهما أشنع السباب والشتائم ناهيك عن الضرب والصفع. يا إلهي، كيف سأنام وصوت القطار أيضاً يزلزل حقائبي حتى وقعت من على بعضها، (يوكي بكل بساطة توسدت حقيبتها) وانزعجت مثلي إنما ما كانَ، كان والصبر حجة المفلسين.

في الصباح الباكر انطلقنا لزيارة أماكن محددة اتفقنا عليها في لندن. منها معرض سلفادور دالي، تخيلوا كم مشيت وتخيلوا الإفطار المزعج الذي نكد عليَّ حياتي، بعد جوع قرقع في معدتي، خيبة ! شيءٌ غريب ! مع أني أحب الأكل الجديد إنما ذاك لم يكن طعاماً بالمرة ويوكي تنسى الأكل وأنا أسايرها .. (بت أصرخ في داخلي تعالي يا أمييييييي) .. عقدت النية في داخلي أنه بمجرد الوصول إلى بلدي فسوف أتوقف عن المشي والحركة أسبوعين كاملين وسوف آكل كل أنواع الأكل الدسم واللذيذ في ذلك الوقت.

أتعبت يوكي مرة أخرى، فكنت أمشي وراءها كالسلحفاة وكل حين أسألها ألا تتعبي، فترد لم تشعر بالتعب بعد، لن أحرج نفسي، سأمشي بقربها، وحين وصلنا للمتحف الوطني وبعد أن جلت بكل أرجائه وقاعاته وأركانه وأدواره، قالت جعت !!! ها ؟؟؟؟ جاء الفرج، فرحت بجوعها ، أخيراً جاعت يوكي والمعنى، سآكل بعد يومين من الجوع. ذهبنا للمقهى الملحق بالمتحف. طلبَتْ خبزا ومربى، لن أفصِّل حالتي ولن أقول ماذا أصابني وهي تبدي فرحها بهذا الأكل الذي سيملأ معدتنا .. (قطعة خبز ومربى ؟) طبعاً هي توقع أني مثلها، لا يخطر ببالها أن قطعة الخبز والمربى لا تعد طعاماً. لكنني أسايرها، يجب أن أتمتع بالرقي والحداثة. قلت لها : أوووه ممتاز ستكون وجبة عظيمة (وبداخلي غضب يمكن أن يفترسها هي واليابان معا).

رجعنا للمتحف، تابعنا تجوالنا ثم بعد قليل ظلت هي تتجول، أما أنا فبحثت عن قرنة هادئة استرحت بها وغالبني النوم، استيقظت على شعور بأن أحداً ما يراقبني، وفعلاً كانت عجوز بريطانية تحدق بي تحديقاً غريباً وكأنها تراقب شيئاً من تحت مجهر أو كأنها تتفرس في لوحة أثرية .. ارتبكت وعدلت من حالي وقمت وهي تتبعني من مكان لآخر .. بحثت عن يوكي يمنة ويسرة وفجأة وجدتها بآخر الصالة تضحك بقوة وهي تراقب العجوز. أومأت لها أني بحاجة إليها، فهمت وأقبلت، أمسكتني من يدي وقالت للعجوز : nice to meet you.
من المتحف انطلقنا إلى معرض سلفادور دالي، أعجبني كثيراً ولاحظت يوكي إعجابي وراحتي. فانتظرتني حتى انتهيت. ثم زرنا The Minister وعدة أماكن أخرى.

بدأ الليل يخيم، ونحن في منطقة مزدحمة لا أدري ما هي. لكنني مرعوبة، الأشكال غريبة والناس كثيرة، قالت سآخذك لكي نأكل عشاءً فاخراً. سكت قلت في نفسي، نعم أدرك تماماً تعريفك للطعام الفاخر. ابتلعت غصتي وسكت. ولكنها فاجأتني بمطعم فاخر فعلاً وفاجأتني أكثر حين طلبت مكرونة وبيتزا من أكثر من نوع. أكلنا حتى شارفنا على الانفجار. ومن المطعم مباشرة إلى الفندق. طبعا المشي جعلني أشعر بالجوع مرة أخرى، لكني لم أهتم لم يكن قوياً. الحر شديد مرة أخرى. الأصوات نفسها. استسلمنا للنوم بدون أن نعلق على شيء.

في الخامسة والنصف صباحاً ذهبنا للمترو وأنا أفكر في حقائبي. ولقد دفعت فعلاً ثمن هذه الحقائب الثقيلة خاصة بعد أن تركتني يوكي ونزلت في Terminal 4 قبلي. طبعاً كانت قد أعطتني النصائح ودلتني على كل شيء. وصلت لـ Terminal 3وعند تقديم الجوازات نظرت إليَّ الموظفة نظرة ثم قالت : طائرتك في الثامنة مساءً وليست الثامنة صباحاً. صعقت لعنت الأرض ومن عليها. ماذا أفعل كيف أتصرف وأين أنا أصلاً ؟

حاولت الخروج إلى لندن، تفاجأت بنقاط الباصات العجيبة ولم أفهم أي واحد يجب أن أستقل، وحاولت الذهاب ليوكي لعلَّها لم تسافر بعد، ولكن لا فائدة فشلت كل محاولاتي لأنها محاولات غبية بالأصل ومتوترة. عدت للمطار وما بيدي حيلة سوى أن أقضي الوقت بين متابعة الناس والقراءة والكتابة.

هل يعقل أن تمضي عليَّ الساعات الطوال وأنا جالسة في مكان واحد ؟ لا بد أن بي مساً ما أو أنني صبورة بشكل غريب. غيرت مقعدي، أكلت، دخلت الحمام. إحدى العاملات لاحظت حركتي مع حقائبي فنصحتني بأن احتفظ بها في قسم الأمتعة مقابل مبلغ معين. فرحت جداً، كنت على استعداد أن أدفع كل نقودي وأتخلص منها.
الانتظار يقتلني والفرحة تستحثني. فكرت في تصرفي هذا، لِمَ أنا مربوطة ؟ هل يُعقل أن أقضي كل هذا الوقت ولا أتحرك ؟ أهو الخوف أم عدم الثقة أم ماذا ؟ لا يهمني شيء الآن ولن أخبر أحداً عما حدث لي اليوم، فالكل طبعاً سيتهمني بالغباء الشديد.
تُرى ماذا ستقول يوكي لو علمت بالأمر ؟



#أزهار_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صخب الصور
- أنا والبقرة والتلفزيون
- حَدَّقتُ في الظلام فرأيتُك .. وحَدَّقتُ فيك فرأيتني
- طلبنا طعاماً صينياً
- يوكي والجمل
- غادة وابن جني
- العدُّ حتى تسع جَميلامات
- نبيُ قلبي
- كائنٌ كائنْ .. يا أنت


المزيد.....




- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أزهار أحمد - أنا ويوكي في يورك