أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - لطيفة الشعلان - المبتعث السعودي والشرنقة















المزيد.....

المبتعث السعودي والشرنقة


لطيفة الشعلان

الحوار المتمدن-العدد: 1588 - 2006 / 6 / 21 - 11:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



الجانب الثقافي هو الذي لانعرفه حتى الآن من قصة البعثات التعليمية السعودية لأميركا وأوربا أو هو الجانب الذي لم يرو بعد. فمن أراد مثلا معلومات احصائية تتعلق بأعداد المبتعثين طوال الحقب الماضية وتخصصاتهم وجهات ابتعاثهم والجامعات المبتعثين لها والدرجات العلمية التي حصلوا عليها .. الخ فسيجد مراده بقليل من البحث والتقصي. فعدد كبير من المتخصصين السعوديين في الطب والعلوم واللغة والآداب والمناهج التربوية قد حازوا شهاداتهم من جامعات أجنبية من خلال سياسة الابتعاث وعادوا ليساهموا من مواقعهم في دفع عجلة التنمية بوجه عام. لكن ما لانعرفه حتى الآن على نحو دقيق هو التاثير الرديف للتعلم المباشر، واقصد به التأثير الثقافي الذي أحدثته في نفوس وعقليات المبتعثين السعوديين تجربة الاحتكاك بمجتمعات حداثية بما فيها من أنظمة تربوية واجتماعية وسياسية، وكيفية استيعابهم لهذا التأثير، والتعامل معه، ونقله فيما بعد معهم، والإضافة له من خلفياتهم ومرجعياتهم الثقافية بحيث يكون تأثيرا موجبا وتفاعليا لا فاعلا وحسب.
من المهم في هذا السياق التأكيد على أن الابتعاث ليس تاريخا واحدا والمبتعثين ليسوا كتلة متجانسة. فرغم الفروقات الشخصية فبيت القصيد ان الأفواج الحديثة من المبتعثين يختلفون كليا من ناحية طرائق العيش والاندماج والتفاعل الحضاري عن أوائل البعثات في الستينيات والسبعينات من القرن المنصرم، ففكر الصحوة بلا شك قد فعل فعله.
نسمع الكثير ممن أبتعثوا أو عاصروا البعثات الأولى، كيف عاشوا وكيف تفاعلوا وماذا تعلموا وكيف عادوا، وبالمصادفة المحضة فبين يدي الآن (الغربة الثانية) لعبدالله المعجل (دار الساقي،2005 ) الذي توفي قبل أن يتمها فقامت عليها أبنة أخته سعاد المعجل، الرواية بسيطة وأقل من مستوى روايته الأولى (الغربة الأولى)، وإن كان فيها من حسنة فهي تصوير حياة فئة من المبتعثين السعوديين إلى الولايات المتحدة الأميركية خلال الستينيات مع أنه كان تصويرا سحطيا عجولا لازم القشور أكثر من ملازمته للبواطن. لكن الوضع على أي حال سيكون كاريكاتيريا ومثقلا بالترميزات الثقافية لو وضعنا في مقابل صورة هؤلاء المبتعثين الذين صورهم عبدالله وسعاد منخرطين في الحياة الأميركية ومهتمين بمناضلي منظمة الفهود السود ! صورة مبتعثين آخرين لبريطانيا عرفتهم في أواخر التسعينيات لايعرفون شيئا عن الشأن البريطاني ولا يصادقون البريطانيين لأسباب متشابكة، الولاء والبراء على رأسها، ويتكدسون وعائلاتهم في مدن وجامعات بعينها ناقلين معهم كامل الطابع السعودي، ومشكلين صداقات مغلقة لايدخلها غيرهم، حتى الخليجيون الآخرون الأكثر تفتحا لايمكنهم في كل الأحوال كسر هذا الطوق من العزلة الذي يفرضه السعودي على نفسه وعائلته. أما العرب الآخرون فانس أمرهم ! ذلك أن المحافظة بازاء الانفتاح، والمغالاة في اظهار خصوصية متصلبة خاصة فيما يتعلق بموضوع المرأة والأسرة، تبدو قضية مصيرية للمبتعثين المتأخرين. فأحدهم يمضي اليوم مع أسرته وأولاده ما بين ثلاث إلى ست سنوات أو أكثر في لندن على سبيل المثال وهو من بيته إلى الجامعة، ومن بيته إلى بيت زميله السعودي ليستمتع الرجال بالشواء في الحديقة والنساء بالحديث في الصالون الصغير، ومن بيته إلى ساوث هول (حي تجاري هندي) ليشتري حاجياته من اللحم الحلال والبهارات والتمر والفول، وانتهى الأمر. عملية انكباب على البحث والدرس بممارسة طريقة من العيش الشرنقي (من شرنقة) أو الهامشي أو اللامنخرط أو اللامتفاعل مع الحياة خارج أسوار الجامعة، فكثيرون من الطلبة السعوديين أقاموا لسنوات في بريطانيا ثم تركوها من دون أن يحضروا مسرحية أو معرضا فنيا أو يشاركوا في نشاط محلي أو يعرفوا شيئا من نظامها السياسي أوقوانينها وتشريعاتها ولا حتى تلك الكفيلة باستفادتهم أو حمايتهم.
أعرف زوجات مبتعثين أمضين السنوات لايفعلن شيئا سوى التجمع مع بعضهن وتناول شاي الضحى كما لوكن في الرياض من دون أن تعرف الواحدة منهن كيف تذهب للسوبرماركت من دون رفقة زوجها، أو كيف ترد على مندوبة المبيعات التي تدق جرس الباب. لذلك فمن الشائع أن يتعرض السعودي وعائلته ممن لايمثلون هذا النمط ولا ينخرطون فيه وهم قلة قليلة لإبعاد متواطأ عليه، وهم غير الراغبين أصلا في الاندماج في نموذج مبالغ في الإنكفاء على نفسه، بل كانت الطرفة حين أسرت لي واحدة بأن زوجها كان في الرياض أكثر مرونة وليونة مما أصبح عليه في مانشستر !
لقد أصبح من الضروري تقييم تجربة الملحقيات الثقافية وأندية الطلاب السعوديين وكافة النشاطات الطلابية في الخارج التي يطغى عليها الطابع المحلي الخالص.فإلى جانب شيء من الهوية الخصوصية يجب تهيئة المبتعث ودفعه إلى أن يكون جزءا طبيعيا من مجتمعه الجديد ، عارفا به، ومتفاعلا معه. إن فلسفة الابتعاث لاتقوم أو لايجب أن تقوم على التحصيل المجرد من دون التفاعل الانساني مع الثقافة الحديدة، فمع الثورة الكونية في قنوات الاتصال أصبح اكتساب العلم من مصادره ممكنا من دون سفر، لكن التغيرات الحقيقية في البنية المعرفية لا تحدث إلا بالدخول في تجربة التعايش المباشر مع الحضارة الأخرى.
ترى أطباء ومهندسين وأساتذة جامعات يمثلون من الناحية العلمية المحضة نخبة ممتازة، ولكن الأمر مع كثير منهم لايتجاوز ذلك. يحدث أن تصطدم بشخص من أكثر الناس بعدا عن التسامح وتمثيلا للفكر البائد وتشبثا بالعادات المتخلفة فيأتيك من يقول لك متهكما متعجبا: هذا صاحبك خريج جامعات أميركا! في عملك تزامل أناسا لايعرفون شيئا من قيم العمل كاحترام الوقت والمثابرة والانتاجية والموضوعية مع أنهم قد تعلموا في أكثر البيئات انضباطا وحرصا على العمل وأخلاقياته. وقد تعمل تحت إمرة رؤساء يحكّمون العصبيات الطائفية والمناطقية في ترقياتهم لموظفيهم أو في إسناد المهمات لهم إعمالا بالمبدأ القبلي الخالد: تقريب أهل الثقة لا الكفاءة، مع أن هؤلاء المديرين المبجلين من خريجي الجامعات الأميركية أو الأوروبية. صفوة القول انهم اكتسبوا من بعثاتهم الشرنقية معلومات ومعارف حديثة لكنهم عادوا لوطنهم بلا حداثة.
تذكر ان السير الذاتية لنفر من أشهر الأطباء النفسيين السعوديين ممن حولتهم الفضائيات إلى نجوم بالمقاييس التسويقية تشير إلى أعلى الدرجات العلمية من أرقى الجامعات الغربية، إضافة إلى العضوية في عدة جمعيات علمية أميركية وكندية وبريطانية، لكن أنظر في خزعبلاتهم وتدليسهم على الناس في برامجهم وندواتهم وكتبهم وخلطهم العلم بالخرافات الشعبية واعتقادات الجهلة ثم اشكر الله أنه لم يخلقك طبيبا نفسيا سعوديا.



#لطيفة_الشعلان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منهل السراج بين حماة والسعودية
- الهوية الحجازية
- - لما جت الحزينة تفرح ملقتشي لها مطرح
- بثينة شعبان والبوطي و .. سعوديات
- سيرة أصولي مصري
- المشي في حقل الأشواك
- ردا على الشاعر الليبي صالح قادربوه: - .. وانهم يقولون مالا ي ...
- تزمامارت وأبو غريب
- الرمز بين ابن العلقمي والبرامكة
- طل الصبح ولك ميليس
- شجون الجسد
- عفاف البطاينة: رواية الشرق والغرب
- تجنيد الأصوليين للنساء: تلك الأحجية
- قاموس يمشي على قدمين
- نساء ضد النساء
- جراح الروح والجسد
- يا بطلة الراليات السعودية: السكوت من ذهب !
- الغول والعنقاء و المثقف السعودي
- لاوقت للتثاؤب
- جروح ايه اللي انت جاي تقول عليها


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - لطيفة الشعلان - المبتعث السعودي والشرنقة